تفسير سفر التثنية ٢٢ للقمص تادرس يعقوب ملطي

الأصحاح الثاني والعشرون

شرائع خاصة بالحُنوّ والقداسة

يعتبر هذا الأصحاح تكملة للأصحاح السابق، حيث يظهر في السابق اهتمام الله بفئة المرذولين، أو من ليس لهم من يسأل عنهم. هنا تكشف الشريعة عن غايتها ألا وهو الحنو مع كل أحد مع القداسة. فالمؤمن يتَّسع قلبه بالحب ويمتلئ حنُوًا على أخيه كما على الحيوانات والطيور. هذا الحنو يرتبط بالقداسة، فيليق بالجماعة أن تتَّسم بالحزم حتى لا تتسلَّل النجاسة إلى جماعة المؤمنين.

1. الاهتمام بما للجار أو الغريب               [1-4].

2. منع الشذوذ الجنسي                        [5].

3. الترفُّق بالطيور الحاضنة                    [6-7].

4. المحافظة على حياة الغير                   [8].

5. عدم الخلط                                  [9-11].

6. أهداب الثوب                                [12].

7. اتِّهام الزوجة بعدم البكوريَّة                 [13-19].

8. شريعة الزوجة فاقدة العذرة                [20-21].

9. الخيانة الزوجيَّة                            [22].

10.الزنا مع عذراء مخطوبة                  [23-27].

11.الزنا مع عذراء غير مخطوبة             [28-29].

12.السقوط مع زوجة الأب                    [30].

1. الاهتمام بما للجار أو الغريب:

لا يليق بالمؤمن أن يتغاضى عن أي  شيء مفقود لأخيه بل يهتم أن يردُّه إليه. يهتم حتى بالحيوان الساقط في الطريق.

لا تنظر ثور أخيك أو شاته شاردًا وتتغاضى عنه، بل تردُّه إلى أخيك لا محالة.

وإن لم يكن أخوك قريبًا منك ولم تعرفه فضمُّه إلى داخل بيتك،

 ويكون عندك حتى يطلبه أخوك حينئذ تردُّه إليه.

وهكذا تفعل بحماره، وهكذا تفعل بثيابه.

وهكذا تفعل بكل مفقود لأخيك يُفقد منه وتجده.

لا يحل لك أن تتغاضى.

لا تنظر حمار أخيك أو ثوره واقعًا في الطريق وتتغافل عنه، بل تُقيمه معه لا محالة” [1-4].

هكذا يهتم الله حتى برعايتنا للحيوانات. في (خر 23: 4) تطالب الشريعة الإنسان أن يهتم بحمار عدوُّه أو مبغضه، فمهما بلغت العداوة بين الإنسان وأخيه يلزمه أن يترفَّق بالحيوان الذي لا ذنب له. إن كان هذا بالنسبة للعدو، فماذا يكون بالنسبة للجار أو الغريب، سواء كان يهوديًا أو أمميًا. ويلاحظ في هذه الشريعة الآتي:

أولاً: كلمةأخهنا تُفهم بالمعنى الواسع، فلا يقصد الأخ حسب الجسد فقط. هذا واضح من الآية [2]ولم تعرفه“. وكأن الاهتمام بحيوانات الغير لا تقوم على أساس الاهتمام باحتياجات الأقرباء حسب الجسد، إنَّما هو عمل رحمة مقدَّم للحيوان أو الطائر، أيّا كان صاحبه.

v     الشريعة نفسها تعلِّمنا كيف نحب عدوِّنا، فإنَّه إن سقط حيوان عدوِّنا يلزمنا أن نقيمه[241].

القدِّيس جيروم

ثانيًا: يلزم ردّ القطيع الشارد إلى صاحبه أو إلى المرعى الذي ضلَّ منه، من أجل حق الجيرة، ومن أجل الترفُّق بالحيوان. هكذا لا يمكن للمؤمن أن يتغاضى أو يتجاهل حيوان جاره الشارد، بل خلال طبيعته المحبَّة لعمل الخير يرُد الحيوان الشارد.

هكذا يهتم الله حتى بالحيوانات الشاردة، فكم بالأكثر يهتم بالنفوس التي تركت بيتها السماوي، وشردت عن المرعى الإلهي، وتاهت وسط دوَّامة هذه الحياة. لقد نزل كلمة الله نفسه إلى أرضنا ليرد الخروف الضال، فتفرح السماء برجوعه. ونحن كأعضاء جسد المسيح لن يستريح قلبنا حتى نرد كل نفس إلى راعيها السماوي، وندخل بكل إنسانٍ إلى بيته، حضن الآب الأبدي.

ثالثًا: تلزمنا الشريعة أن نضم الثور أو الخروف الضال، لا أن نبعث إرساليَّة إلى صاحبه كي يأتي ويأخذه، فإن لعامل الزمن أهميَّة قصوى. كل تأخير في ضم الخروف قد يسبب ضررًا له. لنحمل الخروف ونأتي به إلى صاحبه أو إلى مرعاه بأسرع فرصة ممكنة.

رابعًا: إن لم نعرف صاحب الحيوان أو مرعاه، فلنحمله إلى بيتنا أو مرعانا كأمانة نحفظها وننفق عليها حتى نعرف صاحبها.

خامسًا: جاءت الترجمة الحرفيَّة لكلمةشارد” “مسحوبًا[242] بمعنى متى رأى الإنسان إحدى حيوانات أخيه يسحبها آخر لا يقف مكتوف الأيدي، ولا يسلك بروح السلبيَّة، بل يتصرَّف بما يليق كإنسانٍ أمينٍ مع صاحب الحيوان. كما أن الله لم يقف سلبيًا أمام انهيارنا حيث سلَّمنا أنفسنا لعدو الخير، وصرنا كغنمة يسوقها ويضلِّلها بعيدُا عن حظيرتها، فجاء الراعي الصالح وبذل ذاته من أجل كل حمل، لكي يردُّه إلى الحظيرة السماويَّة. هكذا لا نقف نحن في سلبيَّة إن سلب أحد إحدى حيوانات أخينا. ولا نقف في سلبيَّة إن سلب عدو الخير نفس أخينا أو ذهنه أو إرادته من المرعى السماوي لينحدر به إلى الجحيم.

يليق بنا أن نسمو فوق متطلِّبات الناموس، لكن للأسف أحيانًا ننحدر فلا ننفِّذ حتى متطلِّبات سفر التثنيَّة. إن كان سفر التثنيَّة يحثِّنا أن نهتم حتى بحمار قريبنا أو ثوره كيف لا نبالي بأفكاره وقلبه وكيانه الداخلي حين يسحبه الشيطان إلى نيران جهنَّم، مقدِّمين أعذارًا كثيرة باطلة وغير لائقة.

إن كنَّا لا نحتمل أن نرى حمار قريبنا شاردًا، فما هو موقفنا إن كان مالك الحمار نفسه شاردًا؟! لنرتفع فوق كل تبرير ونصالح أخانا إن كان في خصومة معنا مهما كلَّفنا الأمر، ونبحث عن نفس أخينا التائه أينما وجد، فإن هذا ما يطلبه حتى ناموس العهد القديم.

v     يليق بك أن تدرك أن الانفصال عمَّن تدخل معهم في صراعٍ أو المصالحة معهم أمر أقل من رفع حيوانٍ ساقطٍ تحت ثقلٍ ما.

إن كان يجب تقديم المساعدة لإقامة حمار الأعداء أليس بالأكثر يجب إقامة نفوس الأصدقاء، خاصة متى كان السقوط خطيرًا، إذ لا تسقط النفوس في وحلٍ، بل في نار جهنَّم دون أن نرفع عنهم ثقل الغضب الحال عليهم.

عندما ترى أخاك ساقطًا تحت الثقل والشيطان واقفًا يشعل الحطب بالنيران تجري عنه بقسوة لا تعرف الرحمة، الأمر الذي لا يليق أن تفعله حتى بالنسبة للبهائم.

عندما رأى السامري إنسانًا جريحًا غير معروف، ولا ينتسب إليه قط وقف وحمله على الحيوان وجاء به إلى الفندق، واستأجر طبيبًا، وأعطاه مالاً، ووعد أنَّه يقدِّم مالاً أكثر، بينما أنت ترى إنسانًا ساقطًا ليس بين لصوصٍ بل بين عصابة شيَّاطين وحل عليه الغضب، ليس في البريَّة، بل وسط الساحة، والمطلوب منك لا أن تقدِّم مالاً، ولا أن تستأجر حيوانًا يحمله، ولا تسير معه طريقًا طويلاً، إنَّما تقول له بعض الكلمات، ومع هذا تتباطأ! تعطيه ظهرك وتجري في قسوة بلا رحمة! كيف تظن أنك بعد هذا تدعو الله لتجده مملوء حنانًا؟![243]

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

تطالبنا الشريعة أن نرد ثوب أخينا المفقود منه لكي يستر به جسده، فكم بالأحرى يليق بنا أن نرد له سمعته وكرامته التي تستر على شخصه وكيانه الإنساني. فمن يستطيب الاستماع إلى مذمَّة أخيه يكون كمن لا يرد ما هو مفقود لأخيه، يتركه عاريًا لا من ثياب ماديَّة بل من كرامته السماويَّة.

مسيحيَّتنا دعوة لا لنغلق أعيننا ونهرب ونتطلَّع بمنظار ضيِّق، قائلين هذا يمسُّني وذاك يمس أخي، إنَّما هي دعوة للعمل بروح الحب واتِّساع القلب والوحدة، لحساب كل البشريَّة والاهتمام بحقوقهم وبنيانهم. وكما يقول الرسول بولس: “لا يطلب أحد ما هو لنفسه، بل كل واحدٍ ما هو للآخر” (1 كو 10: 24).

2. منع الشذوذ الجنسي:

لا يكون متاع رجل على امرأة ولا يلبس رجل ثوب امرأة،

لأن كل من يعمل ذلك مكروه لدى الرب إلهك” [5].

لا يليق بالإنسان أن يرتدي ملابس إنسان من الجنس الآخر؛ هنا يعني اعتزاز كل جنس بما خلقه الله عليه، فلا يشتهي أحد أن يكون من الجنس الآخر. الطبيعة ذاتها تعلِّم الإنسان أن يكون متميِّزًا بجنسه حتى بالنسبة للشعر (1 كو 11: 14)، هكذا في ملبسه. أمَّا علَّة ذلك فهو:

أولاً: يرى القدِّيس يوحنا الذهبي الفم في هذه الوصيَّة اعتزاز كل إنسان بجنسه الذي وهبه الله. فالرجل يعتز برجولته، والمرأة بأنوثتها، فلا يشتهي الذكر أن يكون أنثى، ولا أنثى أن تكون ذكرًا. جمال كل جنس وصلاحه في اعتزازه بما قدَّمه له الله، مع تقديره وتقديسه للجنس الآخر، كمكمِّلٍ لجنسه وليس كمضاد أو منافسٍ له. فهو لا يحتقر الجنس الآخر، ولا يتشامخ عليه، بل يرى تكاملاً بين الجنسين، وتحقيقًا للنجاح البشري وتقدُّمه وبنيانه. يرى يد الله العجيبة وخطَّته الفائقة في كل الجنس البشري.

v     من يعصى الأمر يسبِّب ارتباكًا في كل الأمور، ويخون عطايا الله، ويلقي على الأرض الكرامة الممنوحة له من العالي، ليس فقط بالنسبة للرجل بل والمرأة. فإنَّه بالنسبة لها هي أيضًا تكون لها كرامة عظمى أن تحفظ رتبتها، وأمَّا التذمُّر على وضعها فيحمل بالحقيقة مهانة لها[244].

القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

ثانيًا: يشعر كل جنس بمسئوليَّاته، فيقوم الرجل بعمله المناسب له في غير أنوثة، وتقوم المرأة بدورها الحيّ، بهذا يصير المجتمع متكاملاً.

ثالثًا: يرى البعض في هذه الوصيَّة ما هو أعمق من المظهر الخارجي، وهو عدم الانحراف نحو الشذوذ الجنسي، فارتداء الجنس ثياب الجنس الآخر يعني رغبة الجنس أن يحتل مكان الجنس الآخر في العلاقات الجسديَّة.

يدين القدِّيس أكليمندس السكندري ممارسة الشذوذ الجنسي مع الزنا، فيقول: 

[يعلن اللوغوس هذا بصوتٍ عالٍ وبوضوح خلال موسى: “لا تضاجع امرأة، إنَّه رجس” (لا 18: 22).

عندما نصح أفلاطون الحكيم أنَّهيجب أن تمتنع عن حقل كل امرأة ليست لك[245] اقتبس هذا من قراءاته في الوصايا الكتابيَّة، وهي: “لا تجعل مع امرأة صاحبك مضجعك لزرع، فتتنجَّس بها” (لا 18: 20).

يجب ألاَّ يزرع ما هو غير مثمر، بذرة غير شرعيَّة مع البويضة[246]. لا تزرعحيث لا ترغب في البذرة ألاَّ تنمو[247]. لا تلمس أحدًا سوى زوجتك التي تكلَّلتَ بها[248].

مع زوجتك وحدها يسمح لك أن تتمتَّع باللذَّة الجسديَّة من أجل إنجاب النسل، فإن هذا هو كل ما يسمح به اللوغوس. نحن الذين نشارك في العمل الإلهي للخلقة يلزمنا ألاَّ نبعثر البذار بطريقة عشوائيَّة، ولا أن نتصرَّف بغير وقار أو نلقي بذارًا حيث لا يمكن أن تنمو[249]].

رابعًا: يرى البعض أن هذه العادة وثنيَّة، فكان بين المتعبِّدين في هيكل فينوس Venus تظهر النساء متسلِّحين بأسلحة كجنود أقوياء، ويرتدي الرجال ثياب النساء.

3. الترفُّق بالطيور الحاضنة:

إذا اتَّفق قدَّامك عش طائر في الطريق في شجرة ما أو على الأرض فيه فراخ أو بيض 

والأم حاضنة الفراخ أو البيض فلا تأخذ الأم مع الأولاد.

أطلق الأم، وخذ لنفسك الأولاد، لكي يكون لك خير وتطيل الأيَّام” [6-7].

الحديث عن إطلاق الأم الحاضنة حرَّة بعد الحديث عن تثبيت التمييز بين الجنسين الرجال والنساء يبرِّره البعض بأن الشريعة أرادت تأكيد أهميَّة الأم وتقديس دورها في الحفاظ على الجنس. حتى في الطيور للأم دورها الهام.

ربَّما ظنَّ بعض النساء في المجتمعات القديمة أن للرجل دوره الهام، واِشْتَقْن لو كنَّ رجالاً فيتمتَّعن بحرِّيَّة أكثر ومراكزٍ أعظم، لذا أكَّدت الشريعة أن الأم هي الأساس الحيّ لقيام جيل جديد قوي، فلا تستهين النسوة بدورهن.

وهب الله للإنسان سلطانًا على طيور السماء كما على سمك البحار والبهائم وعلى كل الأرض (تك 1: 26)، لا ليمارسوه بلا ضابط، إنَّما بروح الرحمة والشفقة على الخليقة. جاء في سفر إشعياء: “هكذا قال الرب، كما أن السُلاف يوجد في العنقود فيقول قائل لا تهلكه لأن فيه بركة” (إش 65: 8).

حياة الطيور هامة لحفظ النوع، فكانت هذه الشريعة لازمة وحكيمة وإنسانيَّة (مت 10: 29). 

يقول اليهود أن هذه الوصايا هي أصغر الوصايا في الناموس الموسوي الذي يهتم حتى بالطائر الذي في الطريق، الذي يحتضن بيضًا أو فراخًا صغيرة، حيث يُسمح بأخذ البيض والفراخ وترك الأم الحاضنة لكي تطير. والعجيب أن المكافأة هي كمكافأة من يكرم أباه وأمُّه، أي من ينفِّذ الوصيَّة الخامسة، حيث يطيل الله عمر الإنسان.

يعلن الرب دومًا اهتمامه بخليقته، حتى بالعصافير التي تبدو كأنَّها بلا ثمن (لو 12: 6؛ 1 كو 9: 6).

4. المحافظة على حياة الغير:

تقدِّم لنا هذه الشريعة مفهومًا صريحًا للحريَّة، فالإنسان له كمال الحريَّة أن يبني بيتًا ويُقيم سطحًا، لكنَّه ملتزم ألاَّ يبتهج على حساب أخيه، فقد يكون هو حذرًا، أو ليس له أولاد يخشى أن يسقطوا من سطح البيت، لكن يجب عليه أن يبني سورًا لئلاَّ يزوره أحد أقاربه ولا يكون هو أو أولاده أو أحفاده أو عبيده حذرينفإن سقط أحدهم يطلب دمه منه!

إذا بنيت بيتًا جديدًا فاعمل حائطًا لسطحك،

لئلاَّ تجلب دمًا على بيتك إذا سقط عنه ساقط” [8].

الله في حبُّه للإنسان يحميه ليس فقط برعايته الإلهيَّة، وإنَّما أيضًا بشريعته. الإنسان ثمين في عينيّ الله، وأيضًا في أعين مؤمنيه.

من لا يقيم حائطًا لسطح بيته يجلب على نفسه دم من يسقط من السطح بسبب الإهمال. 

سطح البيت في منطقة الشرق الأوسط غالبًا ما يكون مستويًا يستضيف عليه صاحب البيت ضيوفه ليلاً، فكان لابد له من جدار للوقاية والحفظ. السقف مسطَّح، حيث يمكن للإنسان أن يتمشَّى عليه، بل وكثير من العائلات كانت تنام على السطوح في الصيف بسبب الحر. يلتزم صاحب المسكن أن يُقيم سورًا حول السطح حتى لا يسقط منه أحد. كانوا يُقيمون سورًا ارتفاعه ثلاثة أقدام ونصف. فإن سقط إنسان دون وجود هذا السور يطلب دمه من صاحب المنزل.

بحسب هذه الشريعة يرى اليهود الالتزام بعمل كل ما يحفظ حياة الآخرين من الخطر، مثل تغطية الآبار، وصيانة الجسور الخ.

5. عدم الخلط:

لا تزرع حقلك صنفين لئلاَّ يتقدَّس الملء الزرع الذي تزرع ومحصول الحقل.

لا تحرث على ثور وحمار معًا.

لا تلبس ثوبا مختلطًا صوفا وكتَّانًا معًا” [9-10].

الخلط غير الطبيعي يقود إلى عدم النظام والفوضى وهكذا الاختلاط بالعالم. وليس من السهولة غسل الثوب المختلط بهذا الشكل.

أولاً: عدم زراعة صنفين في حقل واحد، فلا تخلط البذار معًا ثم تُزرع، ممَّا يجعل الحصاد صعبًا. هذا الحقل يشير إلي المزج بين المؤمنين وغير المؤمنين معًا في الكنيسة. كما يشير إلي القلب المتذبذب بين طريق النور وطريق الظلمة، فلا يحمل روح التمييز والإفراز، أي إلي القلب الذي لا يعرف البساطة، أو الطريق الواحد.

ثانيًا: عدم استخدام ثور وحمار معًا في سحب محراثٍ واحدٍ، إذ يعطِّل الضعيف القوي، أو يحطِّم القوي الضعيف. يليق التمييز في التعليم بين الأقوياء والضعفاء، وبين الثابتين في الإيمان وحديثي الإيمان؛ فيقدِّم لكل منهم ما هو لبنيانه.

ثالثًا: عدم استخدام نوعين من الخيوط في نسيج واحد كالصوف والكتان. فإن هذا قد يسبِّب حساسيَّة للجسم. يليق بكنيسة الله أن تكون نسيجًا واحدًا منسجمًا، ذات روح واحد وفكر واحد.

هذه جميعها صورة رمزيَّة للالتزام بعدم الخلط بين الحق وفلسفة العالم الباطلة (لا 19: 19). ربَّما أراد أن يكون شعب الله متميِّزًا بالنقاوة والاستقامة.

سبق لنا الحديث عن عدم الخلط من الجانب الحرفي، وفي الواقع العملي، وما يحمله من رموز، أثناء تفسيرنا لسفر اللآويِّين، الأصحاح 19. أمَّا سرّ المنع فهو:

أولاً: منعهم من مثل هذه العادات الوثنيَّة. لقد حذَّر الرب شعبه من اللباس الغريب الذي يحمل خلطًا بين الصوف والكتَّان، ليس لأن في اللباس ذاته خطيَّة، وإنَّما لما يحمله من معنى الشركة مع الوثنيِّين. “ويكون في يوم ذبيحة الرب إنِّي أعاقب الرؤساء وبني الملك وجميع اللآبسين لباسًا غريبًا” (صف 1: 8).

 ثانيًا: يحمل هذا القانون رمزًا نحو التزام المؤمن بالنقاوة والطهارة. ليست شركة بين المؤمن وغير المؤمن، وبين النور والظلمة، والمسيح وبليعال.

6. أهداب الثوب:

اعمل لنفسك جدائل على أربعة أطراف ثوبك الذي تتغطَّى به” [12].

أمَّا عنالجدائل، فقد كان الغرض منها إظهار الشعب بمظهر مختلف عن باقي الشعوب لأنَّهم شعب الرب (عد 15: 37-41). فلا يخجل أحد من انتسابه لشعب الله؛ كما تشير إلى تذكُّر الوصايا الإلهيَّة حتى في الأمور البسيطة التي تبدو تافهة كهدب الثوب. غاية هذا القانون أن يكون المؤمن متميِّزًا عن أهل العالم، كل من يراه يعرف حتى من مظهره أنَّه منتسب لشعب الله. تكرار الوصيَّة هنا ربَّما لأن اليهود استخفُّوا بها بكونها أمرًا لا يمس حياتهم الداخليَّة، بل خاصة بالمظهر. الله يريد أن نعلن أنَّنا مكرَّسون للرب بحياتنا الداخليَّة كما بمظهرنا الخارجي، فلا نخجل من ارتباطنا به. وقد لمست نازفة الدم هدب ثوب المسيح هذا فشفيت (لو 8: 44).

7. اتِّهام الزوجة بعدم البكوريَّة:

تهتم الشريعة بالكشف عن قدسيَّة الزواج. هنا تقدِّم لنا ست حالات:

إذا اتَّخذ رجل امرأة وحين دخل عليها أبغضها. 

ونسب إليها أسباب كلام وأشاع عنها اسمًا رديًا

وقال هذه المرأة اتَّخذتها ولما دنوت منها لم أجد لها عذرة.

يأخذ الفتاة أبوها وأمَّها ويخرجان علامة عذرتها إلى شيوخ المدينة إلى الباب.

ويقول أبو الفتاة للشيوخ أعطيت هذا الرجل ابنتي زوجة فأبغضها.

وها هو قد جعل أسباب كلام قائلاً:

لم أجد لبنتك عذرة،

وهذه علامة عذرة ابنتي، 

ويبسطان الثوب أمام شيوخ المدينة.

فيأخذ شيوخ تلك المدينة الرجل ويؤدِّبونه. 

ويغرِّمونه بمئة من الفضَّة ويعطونها لأبى الفتاة، لأنَّه أشاع اسمًا رديًا عن عذراء من إسرائيل.

فتكون له زوجة لا يقدر أن يطلِّقها كل أيَّامه” [13-19].

العروس المخادعة التي تلتصق برجلها تدنِّس الشعب كلُّه، لذا يُحكم عليها بالرجم. كل فساد في الحياة الزوجيَّة يمس حياة الجماعة كلَّها. أمَّا من يسيء إلى سمعة زوجته كذبًا مدَّعيًا أنَّها لم تكن بكرًا يوم زواجه بها يؤدِّبه شيوخ المدينة، غالبًا بضربه بالسياط، ويدفع مائة فضَّة غرامة لأبيها كنوعٍ من رد الكرامة. هكذا يكون التأديب علانيَّة لرد سمعة الزوجة وبيت أبيها، كما تعوَّض الزوجة المتَّهمة ظلمًا بعدم السماح للزوج أن يطلِّقها كل أيَّام حياته أو حياتها.

يتطلَّع الناموس إلى الطهارة بكونها فضيلة مكرَّمة، فمن يشكك في طهارة إنسان إنَّما يهين كرامته الداخليَّة. التشهير بسمعة إنسانٍ جريمة عظمى، وكما يقول المرتِّل: “تجلس تتكلَّم على أخيك لابن أمَّك تضع معثرة” (مز 50: 20). هذا بالنسبة للتشهير بالأخ فكم بالأكثر يكون الأمر بالنسبة للتشهير بالزوجة التي صارت معه جسدًا واحدًا، أو الزوج. أنَّه يكون كطائر يفسد عشُّه ويدنِّسه.

8. شريعة الزوجة فاقدة العذرة:

ولكن إن كان هذا الأمر صحيحًا ولم توجد عذرة للفتاة.

يخرجون الفتاة إلى باب بيت أبيها

ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت،

لأنَّها عملت قباحة في إسرائيل بزناها في بيت أبيها 

فتنزع الشرّ من وسطك” [20-21].

كما تكرَّم العروس المتَّهمَة ظلمًا، هي وأهل بيتها علانيَّة، يحكم على العروس الزانية علانيَّة. الزنا جريمة عظمى عقوبتها الرجم، لأنَّها موجَّهة ضد الله القدُّوس نفسه ملك هذا الشعب الذي كان ينبغي أن يكون مقدَّسًا للرب.

9. الخيانة الزوجيَّة:

إذا وجد رجل مضطجعًا مع امرأة زوجة بعل،

يقتل الاثنان: الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة،

فتنزع الشرّ من إسرائيل” [22].

كان الرجم هو عقوبة الزنا بين المتزوِّجين أو الخطيبين لإبراز بشاعة الخيانة الزوجيَّة.

10. الزنا مع عذراء مخطوبة:

إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها.

فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا. 

الفتاة من أجل أنَّها لم تصرخ في المدينة.

والرجل من أجل أنَّه أذلَّ امرأة صاحبه.

فتنزع الشرّ من وسطك.

ولكن إن وَجد الرجل الفتاة المخطوبة في الحقل وامسكها الرجل واضطجع معه.

يموت الرجل الذي اضطجع معها وحده.

وأمَّا الفتاة فلا تفعل بها شيئًا،

ليس على الفتاة خطيَّة للموت، بل كما يقوم رجل على صاحبه ويقتله قتلاً هكذا هذا الأمر.

إنَّه في الحقل وجدها فصرخت الفتاة المخطوبة فلم يكن من يخلِّصها” [23-27].

كانت الخطبة في الشرق مساوية للزواج حتى سُمِّيت المخطوبة زوجة. في حديث القدِّيس جيروم عن دوام بتوليَّة القدِّيسة مريم كتب أنَّه لا يرتبك أحد في دعوتها زوجة يوسف مع أنَّها لم تكن إلاَّ مخطوبته، فقد اعتاد الكتاب المقدَّس أن يدعو المخطوبة زوجة كما في (تث 22: 24-25؛ 20: 7)[250].

11. الزنا مع عذراء غير مخطوبة:

إذا وجد رجل فتاة عذراء غير مخطوبة فأمسكها واضطجع معها فوُجدا.

يعطي الرجل الذي اضطجع معها لأبي الفتاة خمسين من الفضَّة،

وتكون هي له زوجة من أجل أنَّه قد أذلَّها، لا يقدر أن يطلِّقها كل أيَّامه.

من يذل عذراء يلتزم بالزواج منها وعدم تطليقها مدى الحياة” [28-29].

12.السقوط مع زوجة الأب:

لا يتَّخذ رجل امرأة أبيه ولا يكشف ذيل أبيه” [30].

أخيرًا يلتزم الابن بمراعاة قدسيَّة مضطجع أبيه.


من وحيّ تثنيَّة 22

ترعاني بحبَّك وتهتم بي بشريعتك

v     بحبَّك أودّ أن أتشبَّه بك.

لقد سحبني عدو الخير كما من مرعاي السماوي،

فحللتني، وعُدت بي إلى أحضان أبيك السماوي.

هب لي أن اهتم بأخي وكل ما يملكه!

لا أكف عن الصلاة مع العمل حتى يرجع إلى أحضانك.

اَهتم بنفسه وقلبه وذهنه وإرادته،

فيكون بكليَّته مقدَّسًا.

أرد له حماره الضال، أي جسده الذي فسد.

وثيابه المفقودة، أي كرامته في الرب.

وكل مفقود منه، فيصير غنيًا بك!

هب لي أن اَقتدي بك،

فأعمل لحساب كل اخوتي بلا فتور!

v     بعنايتك الإلهيَّة تحتضنِّي على الدوام.

بشريعتك تهتم بدقائق أمور حياتي.

تحرص في حبَّك أن تقيم منِّي كائنًا محبًا حتى للحيوانات والطيور.

أترفَّق بكل كائن ما استطعت!

v     كأب يشغلك أطفالك،

فتُلزِم كل صاحب بيتٍ أن يبني سورًا على سطح بيته.

تعلِّمنا أن نحرص على حياة اخوتنا بغير إهمال.

v     تشتاق إلى نقاوتي.

فلا أخلط البذور معًا،

ولا الأنسجة في ثوبٍ واحدٍ.

أُدرك أنَّه لا خلطة بين النور والظلمة.

ولا شركة بين المسيح وبليعال.

v     تود أن تميِّزنا عن أهل العالم!

تجعلنا شعبًا خاصًا مقدَّسًا لك.

تشتاق أن يكون لنا لغتنا وفكرنا حتى شكلنا الخاص.

تهتم حتى بأهداب ثوبنا لنُدرك أنَّنا مكرَّسون لك وحدك.

v     تحرص على سمعة كل إنسان، 

ولا تقبل أن يشهِّر إنسان بزوجته كذبًا. 

تحسب هذا جريمة عظمى!

v     تدعوني إلى القداسة لأنَّك قدُّوس.

فأكون أمينًا في علاقتي بك.

اقبل نفسي عروسًا بلا عيب ولا دنس،

يقدِّسها روحك الناري،

ويهبها الاتِّحاد بك.

v     انزع عنِّي كل فساد،

أنت وحدك القدُّوس،

بك أتقدَّس، وبدونك لا أعرف القداسة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى