تفسير رسالة كورنثوس الثانية ٧ للقمص أنطونيوس فكري
شرح كورنثوس الثانية – الإصحاح السابع
آية 1 :- فاذ لنا هذه المواعيد ايها الاحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف الله.
المواعيد = (6 : 16 – 18) أن الله يكون لنا إلهاً وأباً ويسكن فينا لو إعتزلنا النجاسة لنطهر ذواتنا =ليسكن الله فينا ونكون أبناء لهُ. من كل دنس الجسد والروح = المسيح حينما إفتدانا، فلقد إفتدى أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا. لذلك علينا أن نطهر أجسادنا ونفوسنا وأرواحنا. وهناك خطايا تنسب للجسد أى التى يشترك فيها أعضاء الجسد كالزنا والقتل والشره والسكر. وهناك خطايا تنسب للنفس كالحزن على ماديات والقلق والخوف من الغد والمحبة الخاطئة وهناك خطايا تنسب للروح كالكبرياء وعدم الإيمان والحسد ونقص المحبة لله.
مكملين القداسة = الله بوصفه قدوساً (المعنى: السماوى والمرتفع عن الأرضيات) يتطلب القداسة فى شعبه (لا 11 : 44) (أى أن يحيوا غرباء عن هذا العالم، وأن يحيوا فى السماويات). والله لا يقبل سوى القديسين التائبين، وإن أهملنا قداستنا تتخلى عنا نعمة الله، بل الشركة مع الله وتحقيق كل مواعيده. والقداسة صفة إيجابية تعنى تكريس وتخصيص النفس لله، والحياة والإهتمام بالسماويات (كو 3 : 1). وعدم الإنشغال بالملذات الأرضية.
فى خوف الله = فالخوف هنا هو الوسيلة التى بها تتكامل قداستنا، لذلك يقول تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ” (فى 2 : 12) فسبب كل الخطايا التى فى العالم هو عدم الخوف من الله. وبالمفهوم العالمى هناك نوعين من الخوف :-
1) خوف صحي :- يدفع الطالب ليذاكر حتى لا يرسب، ويدفع المريض لتناول الدواء حتى لا يموت، ويجعلنى أحترس عند المرور وسط السيارات حتى لا أموت. مثل هذا النوع من الخوف يدفع للنجاح ويحافظ على الحياة.
2) خوف مرضى :- وهذا يتسبب في أن الطالب ينسى كل ما ذاكره في الإمتحان. وروحياً فهناك أنواع من الخوف :-
1) خوف مقدس:- يجعل الإنسان يخاف أن يعمل الخطية، لئلا يعاقبه الله سواء على الأرض أو فى السماء. ومع النمو الروحى يزداد الرجاء فى الداخل وتزداد المحبة لله ومع المحبة يزداد الفرح الداخلى. هنا يكون الخوف من الخطأ حتى لا أحزن قلب الله الذى أحببته، ولئلا أفقد حالة الفرح التى أنا فيها.
2) خوف مرضى :- من يتصور أن الله منتقم فيتصور أن الله ينتقم منه بأمراض مرعبة، أو بفشل فى حياته، وأن الله لن يقبل توبته مهما فعل، وهذا النوع من الخوف يساعد عليه الشيطان لنتشكك فى أبوة الله الحانية
وهذه الآية تعتبر متممة للإصحاح السادس.
آية 2 :- اقبلونا لم نظلم احدا لم نفسد احدا لم نطمع في احد.
إقبلونا = صدقونى وصدقوا تعاليمى. الرسول هنا يرد على من إتهمه بخداع الكورنثيين، وأنه إنتحل السلطة الرسولية وحولها لمصلحته الشخصية، وبشرهم بعقائد زائفة، وأنه أثرى على حسابهم = لم نطمع فى أحد. والرسول ينفى عن نفسه كل هذا = لم أظلم أحد. لم نفسد أحداً = فتعاليمنا بحسب مشيئة الله
آية 3 :- لا اقول هذا لاجل دينونة لاني قد قلت سابقا انكم في قلوبنا لنموت معكم ونعيش معكم.
لأجل دينونة = لا أقول هذا لأدينكم وأشير لنقائصكم، فأنا أحبكم لدرجة أنى أتمنى أن أعيش العمر كله معكم = نعيش معكم. وإن حل عليكم خطر فأنا مستعد أن أموت معكم = نموت معكم. هل المعلمين الكذبة لهم نفس المشاعر ؟!
آية 4 :- لي ثقة كثيرة بكم لي افتخار كثير من جهتكم قد امتلات تعزية وازددت فرحا جدا في جميع ضيقاتنا.
لى ثقة كثيرة بكم = بسبب ما سمعته عن محاولاتكم فى إصلاح أنفسكم،(وهذا ما سمعه من تيطس الذى أتى إليه من كورنثوس). وهذا سبب لى فرحاً غطى على ضيقاتى ومتاعبى. لى إفتخار = أنا أفتخر بكم فى كل مكان
آية 5، 6، 7:- لاننا لما اتينا الى مكدونية لم يكن لجسدنا شيء من الراحة بل كنا مكتئبين في كل شيء من خارج خصومات من داخل مخاوف لكن الله الذي يعزي المتضعين عزانا بمجيء تيطس. وليس بمجيئه فقط بل ايضا بالتعزية التي تعزى بها بسببكم وهو يخبرنا بشوقكم ونوحكم وغيرتكم لاجلي حتى اني فرحت أكثر
الرسول وجد ضيقات شديدة فى مكدونية. من خارج خصومات = معارك غير المؤمنين والإضطهادات. من داخل مخاوف = خوفاً من إرتداد ضعاف الإيمان. ولكن سماعنا بأخباركم المفرحة من تيطس ملأ قلبى تعزية وسط الضيقات التى كنت فيها، وتيطس سبق وتعزى هو أيضاً بسببكم إذ لمس مقدار شوقكم من نحونا ومقدار الأسى الذى كنتم تشعرون به بسببنا، هذا فضلاً عن غيرتكم الشديدة التى أظهرتموها من نحونا ضد هؤلاء الذين قاومونا. ونلاحظ هنا أن هناك ضيقات كثيرة تواجه خدام الله، لكن الله يعطى لهم تعزيات ليحتملوا. ولذلك نسمع هنا أن الرسول ينسب التعزيات لله ثم لتيطس = الله الذى يعزى… عزانا بمجئ تيطس. الله هو الذى يعزى وله وسائله فى ذلك كتيطس مثلاً.
آية 8 :- لاني وان كنت قد احزنتكم بالرسالة لست اندم مع اني ندمت فاني ارى ان تلك الرسالة احزنتكم ولو الى ساعة.
نلاحظ هنا الحب الممتزج بالحزم. فنجد فى داخل الرسول نوعين من المشاعر فالروح ألهمه بكتابة الرسالة الأولى (الرسالة الأولى إلى كورنثوس والتى كانت عنيفة) وهذه أحزنتهم. وهذا هو الشعور الأول أنه فعل ما أملاه الروح عليه، هو عمل ما هو واجب عليه. لكن مشاعره البشرية شئ آخر، فهو ندم لأنه أحزنهم، وخاف أن تأتى الرسالة بأثر عكسى، أى بسبب حزنهم من الرسالة يرتدوا عن المسيحية. فهو لا يندم لأنه نفذ ما قاله الروح، ولكن بسبب شعوره الإنسانى نادم أنه أحزنهم. ونلاحظ أن الروح لا يحول الإنسان إلى ألات جامدة، حين يوجه الروح الإنسان. فالرسول إستمر فى هذه الحالة من القلق (وهل الرسالة كانت للفائدة أم لا) حتى جاء تيطس وشرح له نتائجها الإيجابية ففرح وعلم أنها إرادة الله التى أرشدته لكتابة الرسالة. وهم حزنوا بسبب تلك الرسالة لفترة قصيرة ثم تحول حزنهم إلى النفع والخير.
آية 9 :- الان انا افرح لا لانكم حزنتم بل لانكم حزنتم للتوبة لانكم حزنتم بحسب مشيئة الله لكي لا تتخسروا منا في شيء.
هو غير نادم على حزنهم إذ أن حزنهم أنشأ توبة = حب + حزم.
حزنتم بحسب مشيئة الله = هو حزن الندم الذى يدفع للتوبة. ولكن هناك حزن ليس بحسب مشيئة الله، وهوالحزن على خسائر مادية. وكما أن هناك نوعين للحزن فهناك نوعين من الفرح. فبولس فرح هنا بسبب توبتهم = الآن أنا أفرح = هذا فرح مقدس بحسب مشيئة الله. وهناك فرح ليس بحسب مشيئة الله، وهو الفرح بأشياء مادية، وهذا ما يفرح المبتدئون. وهذا مثل فرح يونان باليقطينة فهذه اليقطينة أفرحته جداً، كما لم يفرح بنجاة أهل نينوى. وكلما ينضج الإنسان روحياً يتشبه بالسمائيين الذين يفرحون بخاطئ واحد يتوب والناضجين يفرحون ويحزنون للمكاسب والخسائر المادية، ولكن بصورة معتدلة، فهم يعرفون أن العالم كله سيفنى، أو أنهم هم سيتركون هذا العالم، فالإنسان بخار يظهر قليلاً ثم يضمحل.
لكى لا تتخسروا منا فى شئ = حزنكم بسبب الرسالة أنشأ توبة فلم تخسروا روحياً بسبب هذا الحزن بل كان فيه نفعكم.
آية 10 :- لان الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة واما حزن العالم فينشئ موتا.
الحزن الذى بحسب مشيئة الله = هذا ناشئ عن محبة الله والشعور بأننا أخطأنا فى حقه. وهذا النوع من الحزن ينشئ توبة وخلاص وبالتالى فرح وحياة أبدية. حزن العالم = هذا ناشئ عن خسران الأمور الدنيوية كالمال. وهذا ينشئ تذمراً على الله ويأس وبالتالى موت. توبة الخلاص بلا ندامة = التوبة هى طريق الخلاص على أن تكون بلا ندامة، أى لا يجب أن يعود الإنسان مرة أخرى إلى ما كان عليه. أمّا الحزن الذى ينشأ نتيجة لتعلق الإنسان بأمور العالم فهو يسبب موتاً نفسياً روحياً، وربما موتاً جسدياً. فهناك من أصيبوا بصدمة وماتوا بسبب خسارة مادية لحقتهم. ومثل هذا الحزن يسبب موتاً أبدياً، لأن الحزن بحسب العالم ينشئ عناد وقساوة وخصام مع الله وإبتعاد عنه وإتهام لله أنه المتسبب فى هذه الخسارة المادية وإذا كان الحزن الذى بحسب مشيئة الله ناشئاً عن محبة الله، فإن حزن العالم ناشئ عن محبة العالم التى هى عداوة لله (يع 4 : 4)
آية 11 :- فانه هوذا حزنكم هذا عينه بحسب مشيئة الله كم انشا فيكم من الاجتهاد بل من الاحتجاج بل من الغيظ بل من الخوف بل من الشوق بل من الغيرة بل من الأنتقام فى كل شئ أظهرتم أنفسكم أنكم أبرياء فى هذا الأمر.
مشاعر الحزن المقدس التى نشأت فيكم بسبب رسالتى أنشأت فيكم :-
من الإجتهاد = الجهاد الأخلاقى لإصلاح أنفسكم من الفساد الذى كان فيكم لترضوا الله وإهتمامكم بالوعظ وعقاب المخطئين كالزانى لإرضاء الله وأيضاً دموع التوبة والندم. من الإحتجاج = الإعتذار فى خجل ومحاولة إلتماس المعاذير ربما أمام تيطس عن تقصيرهم مع الزانى. ولكنهم شعروا بخطئهم. من الغيظ =ضد أنفسهم وهو شعور ممتزج من دينونة النفس والإشمئزاز منها. والغيظ من هذا الزانى الذى سبب لهم غضب الله وغضب الرسول، عموماً فإن كل تائب حقيقى يرجع إلى الله يمقت نفسه من أجل خطيته، وهذا ما جعل داود النبى يقول(” خطيتى أمامى فى كل حين ” + حز 6 : 9 + 20 : 43 + 36 : 31). فكون أن الإنسان يكره ماضيه ونفسه لأجل خطاياه السابقة فهذا دليل التوبة الصحيحة. من الخوف = من غضب الله وعقابه. من الشوق = هى مشاعر طيبة نحو بولس الرسول، إذ شعروا بأمانته تجاههم. من الغيرة = لأن أسرعوا بمحاكمة المسئ، هى غيرة على مجد الله. من الإنتقام = من الشخص الخاطئ. أظهرتم أنفسكم أنكم أبرياء = أظهرتم أنفسكم بما فعلتموه أنكم غير راضين عما فعله هذا الزانى، وإن كنتم قد تغاضيتم عن عقابه أولاً. وهذا لا يعنى أنهم أبرياء تماماً بلا سلوك خاطئ، ولكن ظهر أنكم أناس صالحين تسعون لإزالة الخطأ والفساد وأنكم جادون فى الإصلاح.
آية 12 :- اذا وان كنت قد كتبت اليكم فليس لاجل المذنب ولا لاجل المذنب اليه بل لكي يظهر لكم امام الله اجتهادنا لاجلكم.
لأجل المُذنِبْ = الزانى. المُذنَبْ إليه = والده. من هنا نفهم أن والد هذا الزانى كان ما زال حياً، وهذا مما ضاعف من خطية الزانى. ويقصد الرسول أنه ما كتب رسالته لعقاب الزانى أو إرضاء والده فقط، فهو لا يقصد أن يعالج حالة فردية، بل هو مهتم أن يعيش كل الكورنثيين فى قداسة ترضى الله. وحتى يتبرر الرسول أمام الله أنه لم يسكت أمام هذه الخطية. فهو كراعٍ صالح لا يسكت على خطية قد تسبب هلاكاً لشعبه ورعيته (فعاخان سبب هلاكاً لكل شعبه بسبب خطيته فى يوم عاى)
آية 13 :- من اجل هذا قد تعزينا بتعزيتكم ولكن فرحنا اكثر جدا بسبب فرح تيطس لان روحه قد استراحت بكم جميعا.
فرح الرسول بالأخبار التىنقلها له تيطس. ولاحظ الشركة بينه كأب وبينهم كأولاد له. فإن تعزوا تعزى هو، وإن حزنوا حزن هو.
آية 14 :- فاني ان كنت افتخرت شيئا لديه من جهتكم لم اخجل بل كما كلمناكم بكل شيء بالصدق كذلك افتخارنا ايضا لدى تيطس صار صادقاً.
الرسول يفتخر بأولاده، وهو إفتخر بشعب كورنثوس أمام تيطس، وقد ظهر بتوبتهم أمام تيطس صدق إفتخار بولس بهم وأنهم يستحقون المديح.
آية 15 :- واحشاؤه هي نحوكم بالزيادة متذكرا طاعة جميعكم كيف قبلتموه بخوف ورعدة.
إن قلب تيطس الآن أكثر من أى وقت آخر يشعر بالسرور لأنه يتذكر طاعتكم جميعاً. وصار يحبكم ليس بسبب كلامى عنكم فقط بل بسبب موقفكم منه. ويتذكر أيضاً كيف قبلتموه وأنتم حريصين على إرضائه وأنتم تخشون أن تتصرفوا نحوه تصرفاً لا يليق فأغضب أنا بولس
آية 16 :- انا افرح اذا اني اثق بكم في كل شيء
لقد صرت مطمئناً عليكم ولى ثقة بكم. قال هذا كأب فخور بأولاده إذ عرف سلوكهم تجاه رسالته الأولى. وهذه الآية تعتبر مدخلاً للإصحاحات 8، 9 التى فيها يطلب مساعدتهم فى موضوع فقراء أورشليم. والمعنى أنه له الثقة أنهم سيفعلون ويجمعون تبرعات لفقراء أورشليم.
تفسير 2 كورنثوس 6 | تفسير رسالة كورنثوس الثانية | تفسير العهد الجديد |
تفسير 2 كورنثوس 8 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الثانية | تفاسير العهد الجديد |