التفاعل فضيلة مسيحية
التفاعل فضيلة مسيحية… ذلك لأن الله منذ البداية خلق الملائكة والبشر أحرارًا… وتركهم يتفاعلون… وكان مستعدًا أن يتحمل بمحبة تفاعلات الحرية، وما ينتج عنها من سلبيات، كما أنه كان مستعدًا، بمحبته وسبق معرفته، من دفع ثمن هذه الحرية، ليبقى الإنسان صاحب قراره، ومسئولاً عن إختياره.
إن الله لم يخلقنا كقطع الشطرنج أو الدمى أو مسرح العرائس، ولم يشأ أن يحركنا كقطع الشطرنج، بل أحب أن نبقى أحرارًا حتى النهاية، مهما كلفته الحرية، ومهما كلفتنا!! فالحرية تصاحبها المسئولية: “أنا حرّ، إذن فأنا مسئول”!!. ويهمنا أن نتحدث عن:
أولاً: أهمية التفاعل مع الآخر
هو ذلك العمل الإيجابى الفعال الذى يمارسه الإنسان (فكرًا – وجدانًا – جهدًا) فى إطار الممارسة العامة، والتى يخرج بها من دائرة الذات الضيقة، إلى دوائر أكثر اتساعًا فى: (الكنيسة – المجتمع – العالم) والكتاب المقدس علمنا أنه:
“مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ” (أع 35:20)، وليس أعظم من الرب يسوع الذى كان فى حياته على الأرض يجول يصنع خيراً (أع 38:10).
أهمية التفاعل مع الآخر
1- تحقيق الانتماء : الشاب المتفاعل داخل كنيسته، وداخل وطنه، والذى يشعر بأن له دورًا، وأن له رأياً مسموعًا، وأن وجوده فى الجماعة مرغوب ومحبوب ومحل تقدير وإعتبار، سوف ينتمى انتماءً حقيقيًا لهذا الوسط. فالحب هو المعبر إلى الأخر!! وهو وسيلة الاتحاد داخل الأسرة وفى الجماعة الكنسية، والجماعة الوطنية، بل والبشرية عمومًا.. الحب الذى يعطى بسخاء، ويهب دون انتظار المقابل، ويصفح حتى عن الأعداء.
2- بنيان الشخصية : التفاعل هو حركة حية بين الإنسان والآخر، ففيها يخرج الإنسان من ذاته بعزلتها، إلى الآخر بمعناه الواسع والكبير، وهذا العبور المسيحى هو نقلة من الذاتية إلى الجماعة، ومن الأنا المريضة إلى “النحن” المسيحية، وهذا العبور هو بحد ذاته سر بنيان الشخصية، واكتمالها ونضوج معالمها فيعبر عن البغضة إلى الصفح حتى عن الأعداء، فيتواصل معهم فى كل ظروف حياتهم: “فَرَحاً مَعَ الْفَرِحِينَ، وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ” (رو 15:12).
3- النمو الروحى : الله خلق المسيحى عضوًا فى جسد حىّ، ونمو هذا العضو لا يتم إلا بالتفاعل المستمر مع هذا الجسد… وبدون شركة العضو فى الجماعة لا ينمو (مثل الكرمة والأغصان) حتى ولو حقق أعلى مستوى من العلاقة بالله. لأن محبة الله لا تكمل إلا بمحبة الآخر.
4- خدمة الآخرين : التفاعل مع الآخر هو خروج للآخر، وخدمة له أينما كان وأيًا كان، وروح الخدمة هى سر نمو كل جماعة (مثل السامرى الصالح) فهى إعلان حب الله وتجسيد حضوره. إعلان للحق الغائب من العالم. والسعى لاحتوائه بالحب والعودة به إلى أحضان الله المشتاقة لخلاص كل إنسان.
5- الشهادة للمسيح فى المجتمع : المسيحية ديانة انتشار وليست ديانة انحصار. انتشار بالحب للعالم أجمع، فالمسيحى يتفاعل مع الجميع دون انغلاق، أو تعصب، أو طائفية. ولتتذكر وصايا الرب يسوع :
? “أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ” (مت 13:5).. والملح له رسالة، ويذوب دون أن يضيع!!
? “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ” (مت 14:5).. والنور يرشد وينتشر دون أن يضيع!!
? “لأَنَّنَا رَائِحَةُ الْمَسِيحِ الذَّكِيَّةِ لِلَّهِ” (2كو 15:2).. والرائحة تنتشر فى كل المسكونة!!
? “إِذاً نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ” (2كو 20:5).. والسفير له رسالة ويمثل بلده فى الدولة التى يحيا فيها.
? “خَمِيرَةٌ صَغِيرَةٌ تُخَمِّرُ الْعَجِينَ كُلَّهُ” (غل 9:5).. والخميرة حية وقادرة على الانتشار والفعل.
هكذا بالتفاعل مع الآخرين فى المجتمع نشهد لمسيحنا بسلوكنا وحياتنا، أما السلبية وعدم التفاعل، فهى دليل الموت وعدم الحياة.
ثانياً: توصيات أساسية لتحقيق التفاعل
1- حياة الشركة والمنهج الجماعى : إن المعنى الأول للكنيسة هو أنها: جماعة المؤمنين المتحدين معاً ليكونوا جسد المسيح “لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِىَ جَسَدٌ وَاحِدٌ كَذَلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضاً… وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً” (1كو 12:12-29). ولا يستغنى فى الجسد عن أى عضو، لأن لكل عضو مكانه ومكانته فى الجسد الواحد.
2- ثقافة قبول الآخر : من أجل أن يتولد فينا تفاعل حقيقى مع الآخر، لابد أن يكون لدينا استعداد لقبول الآخر المختلف فى أى وجه من وجوه الاختلاف، والتفاهم معه، والتلاقى به.
لأن التفاعل المسيحى الصادق يستعمل لغة العقل، والحوّار، ويفتح باب النقاش والتفاهم باستعداد الحب. لكل أحد بالرغم من..، ولديه المرونة القوية فى الله، التى تمكنه من الأفراز والتمييز فى المواقف المختلفة، فلا يسير مثل السمكة الميتة.
3- ثقافة المشاركة لا ثقافة الاغتراب : إن عدم المشاركة بالفكر والرأى والجهد والإبداع والمشاعر، هو دليل على خواء الإنسان وسلبيته ومواته، فقيمة أى إنسان تنبع من مشاركته، وعدم تقوقعه.
أو انعزاله عن خدمة إخوته فى الكنيسة والمجتمع، ومن ثم فإن الكنيسة تشرك شبابها فى إدارة الاجتماع، وتوزع عليهم المسئوليات، لكى ما تجعلهم أعضاءًا أحياءًا، ويشعروا بالإنتماء للاجتماع، وتشجعهم فى صنع القرار.. يشغل هذه الطاقات.. ينسق فيما بينها حتى لا تتعارض أو تتقاطع، يتابع هذه الطاقات حتى لا تذبل، ثم أخيراً ينمى الطاقات بنعمة المسيح.
4- ثقافة الحوّار والتعددية : الحوّار هو لغة العصر، والوسيلة الوحيدة لإلقاء الإنسان منذ الطفولة وإلى نهاية العمر، لأنه يقوم على الأخذ والعطاء، الانفعال والتفاعل، القبول والرفض والتعددية لا تنفى الآخر بسهولة بل تقبل الأنماط المتمايزة، والمواهب والطاقات المتنوعة، لأنها تؤمن بالتنوع والاختلاف من أجل إثراء المجموعة، لأننا فى النهاية “َأَعْضَاءٌ بَعْضاً لِبَعْضٍ“(رو 5:12).
المواطنة السليمة والإيجابية فى المجتمع :
? الإنسان المسيحى يعرف أنه جزء من هذا الوطن، ونسيج واحد مع إخواتنا المسلمين، من جهة أصالتنا وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا كأبناء لهذا الوطن، منذ فجر التاريخ (الدين لله والوطن للجميع). فمن منا لا يفخر بأنتماءه لمصر؟! إن قلوبنا تهتز فرحًا حينما نسمع نشيداً لمصر، أو حين نسمع عن أنتصارمصرى حققه أبناء مصر.
? المسيحى لا يعرف التعصب لأن قلبه ممتلئ بالحب.
? المسيحى لا يعرف الطائفية فهى أقوى معوق لهدم الوطن.
? المسيحى يرفض العنف فهو تعبير يرفضه إله المحبة.
? المسيحى يسهم بالفكر والرأى والجهد والعمل لبنيان الوطن المحبوب.
? المسيحى يحس بالإنتماء للوطن ويعطى قبل أن يأخذ.
? المسيحى يشارك بإيجابية فى أنشطة المجتمع.. ويهتم بأن يكون له صوت ودور فى الأحزاب والنقابات والاتحادات الطلابية وحركة المجتمع كله. فما أسعدنا بتاريخنا وحضارتنا، وأثارنا، وروحنا المتميزة.
وقد شبّه الكتاب المقدس المؤمن بعدة تشبيهات :
? فهو النور، الذى يهزم فلول الظلام.
? وهو الملح، الذى يحفظ العالم من الفساد، والذى يذوب دون أن يضيع.
? وهو الرسالة، المعروفة والمقروءة من جميع الناس.
? وهو الخميرة الحية، التى تخمر العجين كله.
? وهو رائحة المسيح الزكية، فى الذين يخلصون والذين يهلكون.
? وهو السفير، الذى يحمل طابعًا جديدًا، ويمثل رب المجد وسكان السماء، أمام المجاهدين على الأرض.
6- التفاعل مع الحضارات : فنحن نرفض مقولة صدام أو صراع الحضارات… فالصدام ينبع من الأنانية فقط، أنانية من يتصور أن ما عنده هو كل الحقيقة، وكل الصواب، وكل ما يُسعد الإنسان ويبنيه… وهذا خطأ خطير، فالحضارة الغربية، رغم كل ما فيها من إيجابيات مثل :
? الاهتمام بالإنسان… وحتى الحيوان.
? الإنماء الإقتصادى والاستهلاكى.
? التقدم العلمى والتكنولوجى.
? المنجزات المريحة للحياة اليومية: التليفون والمحمول والفاكس وآلة التصوير، ووسائل الإعلام الفضائية، والإنترنت، والكومبيوتر.
فإلى مزيد من التفاعل والحب، ونشر الخير، وصنع السلام، والتعلم من الآخرين، وتقديم الخدمة للجميع… فهذه هى المسيحية!!
ثالثاً: بركات التفاعل مع الأخر
لاشك أن التفاعل والانتماء الحقيقى حينما يسود حياتنا، يعطينا بركات كثيرة على المستويين الفردى والجماعى:
1- الاستقرار النفسى: إذ أن التفاعل – كما ذكرنا آنفا – هو احتياج نفسى، ضمن الاحتياجات النفسية المختلفة: كالحاجة إلى الحب والأمن والتقدير والنجاح وتحقيق الذات.. الخ. لذلك فالإنسان المتفاعل يشعر بالانتماء، حينئذ يكون مستقرًا من الناحية النفسية، لايحس بالاغتراب، ولا يقلق من المشاكل، ولاتحدث له هجرة داخلية، إذ ينعزل عن الناس، ويسخط على كل شىء.
2- الإحساس بدور: فالتفاعل هو فرصة حقيقية للمشاركة، والقيام بدور ما، سواء فى حياة الأسرة أو الكنيسة أو المجتمع أو العالم كله. والكنيسة تدعونا: “صلوا من أجل خلاص العالم” لهذا فلإنسان المتفاعل يكون مشغولاً بإنتماءه وتفاعله إلى ما لانهاية، ويجتهد أن يعمل شيئًا: كلمة فعل محبة، نشر الخير، خدمة الآخرين، تفكير للمستقبل، تطوير، إضافة، إسهامة.. فهذه كلها تعطيه الإحساس بمعنى الحياة، وبأن له دور فيها.
3- الوحدة الوطنية: التى يستحيل ان تبنى على أسس راسخة بغير تفاعل وإنتماء. فالانتماء للوطن يعطينى إحساس الحب له، ولكل مؤسساته، ورجالاته، وطموحاته، ويشعرنى بمسؤليتى نحو همومه والآمه، ويفتح قلبى على أخوتى فى الوطن، مسلمين ومسيحيين دون تفرقة دينية، ودون تقوقع مريض، ودون نفسية أقليات مريضة.. بل بالعكس فالإنسان المسيحى مطالب بأن ينشر الحب والخير فى كل مكان وزمان، ومع كل إنسان، بغض النظر عن فارق الدين أو العرق.
وهنا أهمس فى أذنك يا أخى الشاب، ويا أختى الشابة: هل يشارك كل منكما فى واجبه الوطنى بالعمل الجاد، والأمانة المسيحية، والمواطنة الصالحة، وهل يقوم كل منكما بدوره الوطنى فى تقديم الفكر والرأى والنموذج، سواء فى مجاله الصغير، أو فى المجالات العامة كالانتخابات؟
فليعطنا الرب حياة فاعلة فى كل مكان، ومع كل أحد، فهى التعبير الحقيقى عن المسيحية السليمة.