تفسير رسالة العبرانيين اصحاح 12 للقمص نطونيوس فكري

شرح رسالة العبرانيين – الاصحاح الثانى عشر

آية 1 :- لذلك نحن أيضا إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل و الخطية المحيطة بنا بسهولة و لنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا.

سحابة = هم أبطال الإيمان الذين ذكرهم فى ص (11). ومن كثرتهم شبههم بسحابة. وهم سحابة لأنهم مرتفعين فى السماء هم فوقنا. وهم سحابة إذ بشفاعتهم وصلواتهم تنهمر مراحم الله علينا كالمطر على الأرض، فنحن طبيعتنا ترابية. والسحابة تسير فى السماوات لأنه لا ثقل يجذبها للأرضيات. وهكذا كل قديس يحمل يسوع فى داخله، فكل من يطرح ثقل الخطية يصير جزءاً من السحابة. والعذراء شبهت بسحابة فى (أش 19 : 1). من الشهود = كان هناك فى ميادين السباق شهود يراقبون اللاعبين وبحسب شهادتهم ينال الفائز جائزة. الرسول أسماهم شهود فهم:

1.     شهدوا للحقيقة والإيمان.

2.     هم شهود لنا أن الله أعطاهم قوة فإحتملوا الألم. وفى هذا تشجيع لكل متألم حتى يصبر والله سيعينه.

3.     هم شهود يشتكون لله الظلم الذى وقع عليهم ويقع على إخوتهم على الأرض (رؤ 6 : 9 – 11).

4.     هم شهود لنا الآن أنهم فى السماء جزاء لهم على إحتمالهم الألام بصبر.

 ونلاحظ أن بولس الرسول فى ص (11) عدد أصناف من الضيقات ليختار كل منا ما يناسبه حسب ألامه. كل ثقل = أى كل ما يجذبنا للأرضيات. كل ما يثقلنا فى جهادنا الروحى من محبة العالم والشهوات والكسل وعبادة المال والعشرة الرديئة. والخطية المحيطة بنا بسهولة = بسهولة يسقط الإنسان فى الخطية وبسهولة يتخلص منها لو أراد. ولنحاضر = معناها الأصلى نجرى فى جهادنا. بالصبر فى الجهاد = حقاً المسيح يشفع لنا فى السماء بدمه ولكن هذه الشفاعة لا يستفيد منها المتكاسلين والمتراخين. لذلك يطلب منهم الجهاد. ولنلاحظ أن الخطية تهاجمنا من كل ناحية وهذا يمثل ثقل على النفس لذا علينا أن نجاهد متطلعين لأبطال الإيمان ونتمثل بهم وهم يسندوننا بصلواتهم. الجهاد = يعنى الإنضباط والإحتمال، والتغصب على عمل البر وترك الشر 

 

آية 2 :- ناظرين إلى رئيس الإيمان و مكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع أمامه إحتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله.

إن كان إحتمال القديسين للألام يعطينا شجاعة وإحتمال فكم وكم يثير فينا هذا ألام المسيح نفسه. رئيس الإيمان = قائد المؤمنين فى طريق الجهاد ليحملهم من مجد إلى مجد حتى حضن الأب ينعمون بالكمال. ومكمله يسوع = هو يكمل ما نقص من إيماننا حتى يقدمنا لأبيه بلا لوم = “أكملت ناموسك عنىالقداس الغريغورىوكلمة رئيس الإيمان تشير أن المسيح هو الذى أسس الإيمان أما الرسل فكرزوا به فقط من أجل السرور = هنا ينتقل الرسول من إحتمال الألم إلى السرور بالألم أو الألام لأجل السرور. فهو إحتمل الألام بفرح لأنه يعلم أنه بألامه ستفرح البشرية فكان فرح البشرية مصدر سرور له. وعلينا أن نفهم أنه لا يمكن أن يسمح الله بألم إن لم يكن وراءه سرور (يو 16 : 21). والمسيح بعد أن إحتمل الخزى جلس عن يمين عرش الله.

 

آية 3 :- فتفكروا في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه لئلا تكلوا و تخوروا في نفوسكم.

تأملوا وضعوا أمام عيونكم المسيح المتألم حتى يكون هذا مصدر إيمان وإحتمال. لذلك وضعت الكنيسة أسبوعاً للآلام نتأمل فيه ألام الرب ليتحول هذا إلى منهج فكرى وعملى فى حياة أبنائها. حين نتأمل فى ألام المسيح وأنه إحتملها لا من أجل نفسه بل من أجلنا فهذا يعطينا أن نحتمل الألام لأجله فهو يسمح بهذه الألام لكى نكمل بها. لذلك نصلى فى الأجبيةأقتل أوجاعنا بألامك الشافية المحييةوهو يهبنى قوة ومعونة ونصرة (أش 63 : 9).

 

آية 4 :- لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية.

حتى الدم = حتى النهاية. والرسول يقول هذا بعد أن أعطانا أمثلة لأبطال الإيمان الذين فعلوا هذا فعلاً وقدموا حياتهم. ونلاحظ أن الإستسلام للخطية من الداخل يفقد الإنسان روح الجهاد وإحتمال الألام والإضطهاد، لذلك يطلب منهم أن يجاهدوا ضد الخطية فتكون لهم قوة على إحتمال الإضطهاد.

 

آية 5 :- و قد نسيتم الوعظ الذي يخاطبكم كبنين يا ابني لا تحتقر تأديب الرب و لا تخر إذا وبخك.

الله يسمح بالضيقات لا للإنتقام ولا للدينونة بل لمساندتنا وتأديبنا أى لأجل النفع الروحى. والله لو إمتنع عن تأديب أحد فهذا يعنى اليأس من شفائه. لا تحتقر = لا تستخف بالتأديب نسيتم الوعظ = نسيتم التحذيرات والوصايا التى يطالبنا بها الله عندما يكلمنا كأولاده. وإذ يخاطبنا الرب كبنين له فهو يقول يا إبنى لاتحتقر تأديب الرب. والرسول هنا يشير إلى (أم 3 : 11).

 

آية 7،6 :- لأن الذى يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل إبن يقبله. إن كنتم تحتملون التاديب يعاملكم الله كالبنين فأي إبن لا يؤدبه ابوه.

المعروف هو أن التأديب هو للخير ولكن إن طريقة قبولنا نحن للتأديب هى التى تحدد تأثير التأديب علينا. فإحتمالنا التأديب برضى فهذا بحد ذاته يحول الألم إلى درس منفعة. أما رفض التأديب فهو رفض للتعامل مع الله كأبناء وبالتالى رفضه للبنوة ورفضه البنوة يعنى رفضه المسيح. أما لو إحتملنا الألم فالله يحوله إلى فرح (يو 16 : 20) لكن من لا يقبل لا يكون شريكاً فى السرور الذى قبله المسيح.

 

آية 8 :- و لكن إن كنتم بلا تأديب قد صار الجميع شركاء فيه فأنتم نغول لا بنون.

نغول = أولاد زنا. وعدم قبول التأديب هو علامة خاصة بالنغول. إذاً فلنفرح بالتأديب فهو علامة شرعية بنوتنا لله كما يقول ذهبى الفم. لنفهم الآية نقرأها كالتالىولكن إن كنتم بلا تأديب الذى قد صار الجميع شركاء فيه كأبناء فأنتم نغول لا بنون 

 

آية 9 :- ثم قد كان لنا اباء أجسادنا مؤدبين و كنا نهابهم افلا نخضع بالأولى جدا لأبي الأرواح فنحيا.

شفاعة المسيح وبذله أعطانا داله قوية عند الله. ولكن لو تحولت الدالة إلى إستهتار فهنا يأتى التأديب بالمهابة والمخافة. وكنا ونحن صغار نخجل و نخاف من تأديب أبائنا الجسديين. أفلا نحتمل التأديب من الله أبينا الروحى الذى فى يده أجسادنا وأرواحنافنحيا = لذلك من يخضع يحيا أى تكون له حياة أبدية.

 

آية 10 :- لأن اولئك أدبونا اياما قليلة حسب إستحسانهم و اما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته.

حسب استحسانهم = كل إشتياق أبائنا الجسدانيين أن يرونا ناجحين فى الزمان الحاضر. أما الله فيؤدب لهدف أعظم، فهو يود أن يرانا شركاؤه فى حياته المجيدة، شركاء فى قداسته بأن نتطهر من خطايانا ونحمل سماته فينا. فإن كنا نتألم معه لكى نتمجد معه (رو 8 : 17).

 

آية 11 :- و لكن كل تأديب في الحاضر لا يرى انه للفرح بل للحزن و اما اخيرا فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام.

فالإبن يئن تحت ألم التأديب. ولكن كلما نضج عرف أن التأديب كان سر نجاحه. ثمر بر للسلام = التأديب الإلهى هدفه أن ننال هبة بر الله لحياة السلام فى رضاه للأبد. 

 

آية 12 :- لذلك قوموا الأيادي المسترخية و الركب المخلعة.

الكنيسة حياة شركة فيها يساند كل عضو أخيه حتى لا يخور، فالعزلة تجعل الإنسان ينهار سريعاً. وهنا تصوير كأن أحد يصعد جبل فهو يحتاج ليديه ورجليه ومن يخور سيفشل فى الصعود ويهبط للهاوية. ونحن نجاهد لنكون فى السماويات، فنحن كمن يصعد جبل وعلى كل منا أن يشد أزر أخوه. والمقصود بالأيادى المسترخية والركب المخلعة هى وصف من يصابون بالخوف نتيجة مجابهتهم للشدائد الناتجة عن التأديب.ولكن إن أدرك الإنسان أن هذا التأديب لنفعه فهذا يملأه إيمان وقوة.

 

آية 13 :- و اصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحري يشفى.

قارن مع (لو 3 : 4 – 6). مسالك مستقيمة = أى لتنخفض كل كبرياء فيكم أما النفوس الذليلة التى تشعر بصغر النفس فلتتشدد وتتقوى والنيات الخبيثة المعوجة لتستقيم. لكى لا يعتسف الأعرج = الأعرج هنا هو من يعرج بين التعاليم المسيحية وبين اليهودية. وعلى هذا الإنسان أن يتمسك بإيمانه الصحيح الواحد.

 

آية 14 :- اتبعوا السلام مع الجميع و القداسة التي بدونها لن يرى احد الرب.

الرسول يركز على سمتين هامتين من سمات الجهاد: 

1.     إتباع السلام مع الجميع وإحتمال ضعف الآخرين والتعامل بمحبة مع كل واحد.

2.     التمتع بالحياة المقدسة. فمن يحب المسيح حقيقة لا يقبل الحياة الشريرة بل ينشغل بالكامل فى أن يرضى الله ويحبه من كل قلبه. القداسة هنا موازية لنقاوة القلب فى عظة المسيح على الجبل والتى بها يعاين أنقياء القلب الله. والسلام هنا موازى فى عظة المسيح على الجبل لصانعى السلام. يرى أحد الرب = يوجد فى حضرة الله ويستمتع بميراث الملكوت السماوى. وهنا على الأرض يرى أحد الرب أى يدرك محبتة فيفرح بأحكامه.

 

آية 15 :- ملاحظين لئلا يخيب احد من نعمة الله لئلا يطلع اصل مرارة و يصنع إنزعاجا فيتنجس به كثيرون.

ملاحظين = بإجتهاد ونشاط لاحظوا إخوتكم حتى لا يسقطوا. لئلا يخيب =التشبيه هنا بسهم منطلق لا يبلغ هدفه وهكذا كل من يريد الإرتداد لليهودية، أو سلك بدون سلام وقداسة. لئلا يطلع = كأنها بذرة مخفية ثم طلعت شجرة مرارة ومعنى شجرة مرارة أنها تكون سبباً فى مرارة الآخرين. إنزعاجاً = يبلبل أفكار الجماعة من جهة الإيمان بالمسيح فيثنيهم عن الإيمان الصحيح. هنا الرسول يطلب منهم ملاحظة بعضهم لئلا يكون بينهم إنسان يتأخر ويتعوق عن نوال الخلاص الذى هو نعمة الله، ولئلا يكون بينهم أصل مر لحياة محطمة وتعاليم فاسدة مخادعة تؤثر تأثيراً سيئاً على حياة الآخرين (تث 29 : 18).

 

آية 16 :- لئلا يكون احد زانيا او مستبيحا كعيسو الذي لأجل اكلة واحدة باع بكوريته.

ذكر الكتاب المقدس عن عيسو أنه كان مستبيحاً وهذا يتضح من بيعه للبكورية وهذا يشير لإستهانته بالموعد المقدس (أن من نسل البكر سيأتى المسيح). وعلة السقوط فى الحياة الروحية والعجز عن الجهاد هو الإستباحة والإستهتار مثل عيسو بل أن كل إستباحة تولد إستباحة حتى يصل الإنسان لفساد روحى كاملإحذروا الثعالب الصغيرة “. والكتاب المقدس لم يذكر صراحة أن عيسو كان زانياً ولكن التقليد اليهودى يذكر أنه كان زانياً وإنساناً شهوانياً. وعموماً فالإستباحه تشمل كل شئ حتى الزنا. والزنا والإستباحه أخطر ما يقف فى طريق القداسة. وهكذا كان حال العبرانيين الذين أرادوا بيع مسيحيتهم مقابل هيكل أورشليم فشابهوا عيسو الذى باع بكوريته بأكله عدس.

 

آية 17 :- فإنكم تعلمون أنه ايضا بعد ذلك لما اراد ان يرث البركة رفض إذ لم يجد للتوبة مكانا مع انه طلبها بدموع.

هو إحتقر عهد الله فرفض من النسل المقدس، فمن يستهين بنعمة الله فكأنه داسها. فإحتقار العهد المقدس هو إهانة لله ولذلك حرم من أن يكون المسيح من نسله. وكان قرار الله نهائيا وبالتالى فتوبته بلا فائدة فى هذا الموضوع.

ونلاحظ فى توبة عيسو أنه كان مهتما بالأكثر بالبركة المادية فالبكر يرث ضعف أخوته ولكنه لم يكن منشغلا بموضوع أن المسيح يأتى من نسله كما كان أخيه يعقوب.

 

آية 18-21:- لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار وإلى ضباب وظلام وزوبعة. وهتاف بوق وصوت كلمات أستعفى الذين سمعوه من أن تزداد لهم كلمة. لأنهم لم يحتملوا ما أمر به وإن مست الجبل بهيمة ترجم أو ترمى بسهم. وكان المنظر هكذا مخيفا حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد.

يقارن بولس الرسول هنا بين الرعب الذى حدث فى إستعلان الله لنفسه فى العهد القديم والمناظر السماوية التى يحياها المؤمنون الآن فى المسيحية والله حين أراد أن يستعلن نفسه ليفهم الشعب على قدر إمكانياتهم إستخدم أشياء من الطبيعة الملموسة. فماذا إستخدم الله؟

جبل ملموس = فأعظم وأضخم كيان على الأرض، ثابت راسخ لا يهتز هو الجبل لكنه مازال ملموسا أى يمكن لمسه باليد. أما الله فلا يمكن لمسه باليد.

نار= أعظم وأخطر قوة فى الطبيعة قادرة على الإفناءوإلهنا نار آكلة“.

ضباب = يشير لأن الحقائق السماوية مخفاة مستترة كأنها وراء ضباب.

ظلام = هنا نرى الحرمان من الرؤيا تماما. العهد القديم فى ظلال وغموض ورموز.

الزوبعة = حركات الطبيعة التى تعبر عن العنف والشدة التى تجرف أمامها كل شىء وهذا يعبر عن غضب الله وتأديبه وعقابه الرهيب للعصاة.

البوق = يعبر عن شدة وعلو صوت الله، وإنذاراته كما سنسمع فى اليوم الأخير إعدادا لمجىء الملك السماوى.

والمقارنة هنا وضحت فى طريقة إستلام الناموس فىالعهد القديم على يدى موسى على جبل سيناء وبين تقبل الكلمة الإلهى ذاته فى العهد الجديد والذى يتم فى هدوء يؤكد بركات العهد الجديد وسمو العهد الجديد. لذلك عليكم أيها العبرانيين أن تحذروا لئلا تخسروا بركات العهد الجديد. ففى العهد القديم نجد علاقة مرعبة مع الله وغامضة بل نجد الشعب أسفل الجبل فالناموس لا يستطيع أن يرفعهم إلى فوق للحياة السماوية بل هم لم يحتملوا = خافوا بسبب الظواهر الطبيعية المرعبة ولصعوبة الوصايا فهم عرفوا أنهم لا يمكنهم تنفيذها فإستعفوا = أى طلبوا إعفائهم من أن يسمعوا المزيد.

لماذا طلبوا إعفائهم؟

حين أراد الله أن يسمع الشعب أن موسى يكلم الله فيؤمنوا بأقوال موسى للأبد (خر9:19) أمر الله موسى أن يعد الشعب (خر10:19-13). ولما نزل الرب على جبل سيناء دخن الجبل وإرتجف(خر14:19-19). من أجل هذه المظاهر المخيفة كلم الشعب موسى وهم مرتعبون أن يكلم هو الله، ثم يكلم موسى الشعب بما كلمه به الله (خر19:20) وذلك حتى لا يموتوا، بل نسمع هنا أن موسى نفسه إرتعب. والله لم يغضب منهم أنهم إستعفوا بل قال أنهم أحسنوا فى ما تكلموا (تث17:18) أى أن لهم حق فلقد كان المنظر مخيفا فعلا. ولكن نسمع هنا أن الله سيكلمهم بطريقة أخرى هى عن طريق نبى يقيمه الله… (تث 19،18:18) وهذه الآيات نبوة عن السيد المسيح الذى إختفى فى جسده مجد اللاهوت فصار يكلم الشعب ويعلمهم بدون مناظر مخيفة.

وبمقارنة هذا مع آية 25 نفهم أن قولهلأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ إستعفواأنهم لم ينجوا لأنهم إستهانوا أو رفضوا أو لم ينفذوا كلمة الله ووصاياه ولم يؤمنوا بها.

بل إن مست الجبل بهيمة ترجم أو ترمى بسهم = وهذه حتى لا يقترب إنسان ليمسك البهيمة فيموت هو أيضا. وهذا ليظهر خطورة التعدى على أوامر الله. بل أن موسى نفسه إرتعب. أما العهد الجديد فكان المسيح، الله بنفسه جالسا معهم على الجبل يعلمهم ويفرحوا به. بل يقضون أياما معه فى الجبل دون أن يشعروا بالجوع أو العطش أو الخوف.

تأمل روحى:- النفس التى تتقبل كلمة الله فيها تصير كالجبل الراسخ الملتهب بالنار الإلهية تحيط به الأسرار الإلهية كضباب ويسمع فى داخله أصواب البوق معلنة الحق، بل يصير هو بوق يعلن الحق بحياته الداخلية وسلوكه الظاهر. تهب فيه عواصف الروح وتحطم كل شر يسلك إلى هذه النفس. وكل بهيمة أى كل فكر حيوانى يقترب إليها يرجم بحجارة الحق ويضرب بسهم الصليب فلا يكون له موضع  فى داخلها.

 

الآيات 22-24:- بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحى أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة. وكنيسة أبكار مكتوبين فى السموات وإلى الله ديان الجميع وإلى أرواج أبرار مكملين. وإلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل.

هنا الصورة المقابلة فى المسيحية فى مقابل الصورة المرعبة السابقة بل قد أتيتم = بالمعمودية وقيادة الروح القدس وكلمة الله فى إنجيله. إلى جبل صهيون هو جبل غير ملموس وغير مرئى بل هو مسكن الله العلى إلى مدينة الله الحى أورشليم السماوية = أى الكنيسة (المجتمع المسيحى) فى العهد القديم لم يستطيع الناموس أن يرفعهم للحياة السماوية (بل ظلوا أسفل الجبل) ولكن فى العهد الجديد دخل المسيح بنا إلى السموات هو فى وسط كنيسته. فى العهد الجديد التحم كلمة الله بنا خلال تجسده فلم يعد هناك رعب. هنا الرسول يقارن بين جبل سيناء (عهد قديم) وجبل صهيون (عهد جديد) وأورشليم الأرضية كعاصمة لدولة إسرائيل (عهد قديم) فى مقابل الملكوت السماوى الذى أسسه المسيح أورشليم السماوية (عهد جديد).

محفل ملائكة = لقد صار الملائكة ضمن زمرة الكنيسة. وهناك ملائكة مبشرون عملهم البشارة ورئيسهم غبريال وملائكة للحرب ضد إبليس ورئيسهم ميخائيل وملائكة مرافقين لنا كحراس وللمعونة. الآن صرنا نقف نحن المسيحيين ومعنا الملائكة كلنا أمام عرش الله. والكنيسة مملوءة ملائكة. المسيح وحد السمائيين والأرضيين كما نقول فى القداس الغريغورى ثبت صفوف غير المتجسدين فى البشر.

كنيسة أبكار = صرنا بإتحادنا بالمسيح البكر أبكارا (يع18:1) مكتوبين = أسماؤنا قد كتبت فى سفر الحياة الأبدية (رؤ5:3، 8:13) + (دا1:12).

الله ديان الجميع = فى جبل صهيون قديما وضع داود تابوت العهد رمزا لأن الله يحكم من هناك والمسيح هو فى أورشليم السماوية يجلس ملكا وسيدين كل إنسان.

أرواح أبرار مكملين = هم مازالوا أرواح لم يلبسوا جسد سماوى بعد ينتظرون كمال غبطتهم بعد أن أتموا جهادهم فى حياتهم. وإلى وسيط العهد الجديد = أى المسيح فلا دخول لنا إلى أورشليم السماوية سوى به. كما لم يكن للشعب فى العهد القديم أن يهربوا من مصر سوى بوسيط هو موسى. وإلى دم رش = هو دم المسيح الذى يطهرنا من كل خطية فنصبح مقبولين أمام الآب ويصير لنا حق الدخول للسماء (1يو7:1) كان دم الذبيحة يرش على الشىء فيطهره فى العهد القديم.

أفضل من هابيل = فدم هابيل كان يطلب ويبحث عن إدانة قايين أما دم المسيح فهو يبحث عن التطهير والغفران وتطهير الضمير وهو يشهد للحق ويقدسنا.

دم المسيح هنا يصل فى تطهيره لأعماق الضمير وهذا ما لم يصل إليه رش دم ذبائح العهد القديم.

 

آية 25:- أنظروا أن لا تستعفوا من المتكلم لأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ أستعفوا من المتكلم على الأرض فبالأولى جدا لا ننجو نحن المرتدين عن الذى من السماء.

المتكلم = هو دم المسيح الذى يتكلم أفضل من هابيل (آية 24) أى لا تستهينوا بعظمة هذا العهد الجديد فكلما تزداد العطية تزداد المسئولية أيضا. فإن من إستهان بالناموس (مع أن الموضوع كان عن ميراث أرض) لم ينجى فكم وكم من يستهين بالكلمة السماوى عن الذى من السماء = أى الذى يدعوهم للسمائيات وحياة أبدية معه.

هم إستعفوا أولا أيام موسى حين كلمهم على الأرض فعليهم أن لا يستعفوا الآن من المسيح الذى يتكلم الآن فى السماء بالحب فإن كان عذر أبانهم أنهم خافوا من الظواهر الطبيعية فما عذرهم وصوت المسيح اللطيف يدعوهم الآن بل يتشفع فيهم.

 

آية 26:- الذى صوته زعزع الأرض حينئذ وأما الآن فقد وعد قائلا إنى مرة أيضا أزلزل لا الأرض فقط بل السماء ايضا.

فى العهد القديم تزلزلت الأرض أمام كلمات ناموس العهد القديم ويقول الكتاب أنه فى المجىء الثانى ستتزلزل الأرض والسماء (حج5:2-7،22) + (خر18:19) + (رؤ1:21) + (2بط10:3) + (مز8،7:68) + (لو26:21) + (مت2:28) + (مر24:13-26).

 

آية 27:- فقوله مرة ايضا يدل على  تغيير الأشياء المتزعزعة كمصنوعة لكى تبقى التى لا تتزعزع.

إن قوله مرة = يشير إلى تغيير الأشياء الفانية التى لها بداية ونهاية. كل شىء متغير يفنى. ولا يبقى شىء إلا الذى لا يتغير ولا يفنى (وهذا ما سيشير إليه فى آية 28)

 

آية 28:- لذلك ونحن قابلون ملكوتا لا يتزعزع ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى.

ونحن قابلون = وها نحن نقبل من يد الله ملكوتا لا يتزعزع = هو غير قابل أن يتزعزع بينما السماء والأرض تزولان. ليكن عندنا شكر = الطريقة أو الوسيلة التى بها نمتلك الملكوت هى أن يكون لدينا إحساس بالشكر على نعم الله.

 

آية 29:- لأن إلهنا نار أكلة.

هو قادر أن يلهب الجسد والنفس معا بالروح النارى مبددا كل خطية من الداخل ولكنه قادر أن يحرق المقاومين والرافضين والمضادين (عب27،26:10) الله إلهنا إله غيور لا يحتمل أن أحدا من أبنائه يرتد عنه. والآية موجهه للمرتدين والآية مأخوذة من (تث3:9).

تفسير عبرانيين 11 عبرانيين 12  تفسير رسالة العبرانيين تفسير العهد الجديد تفسير عبرانيين 13
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير عبرانيين 12  تفاسير رسالة العبرانيين تفاسير العهد الجديد

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى