تفسير سفر أيوب أصحاح 8 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الإصحاح الثامن
حديث بلدد الشوحي
أوقف يا أيوب ثرثرتك : هل الرب ظالم؟

۱ – ” فأجاب بلدد الشوحى وقال: إلى متى تتكلم هكذا؟ ونفس فمك ينتشر في كلماتك هل الله ظالم فى أحكامه، أو من خلق الكل يبدل الحق؟) (۱:۸- ۳).

هل قال أيوب يا بلدد أنه تألم ظلماً؟ ها أنت ترى (أيها القارئ أنهم لم يدركوا الهدف تماماً فى أى موضع، لأن أيوب لم يتكلم هكذا فى أى موضع، لكنه ذكر ضعف طبيعته بقوله «أبحر أنا أم تنين» (۷: ۱۲) هل قوتى قوة حجارة؟» (٦: ۱۲) ، فما هى حياتى؟»، «لأنني لن أحيا إلى الأبد لكي أستطيع أن أصبر» (۷: ١٦). علاوة على ذلك هو عرف أيضاً أخطاءه بقوله «لماذا لم تنس إثمى؟» (۷: ۲۱). إن لم يكن لأجلي، فعل الأقل لأجلك» إن كنت قد أخطأت فماذا يمكنني أن أعمل لأجلك؟» (۷: ۲۰). وكما لو أن فقيراً لا يملك شيئاً، فلأنه استنفذ كل ماله فيقول لمدينه: ماذا أستطيع أن أفعل لأجلك ؟ هل أستطيع أن أرد لك شيئاً الآن؟

ثم أيضاً بالنسبة إلى الثرثرة فإن بلدد يدين نفسه لأنه لم يدرك أن الذين يجوزون ألماً شديداً يجدون تعزية فى التعبير عما بداخلهم، كما قال أيوب نفسه «إننى سأتكلم، لأن فمى يجبرني على هذا (۷: ۱۱) (وكأن ) أيوب يقول: « ومع هذا فحتى لو هذه الكلمات التي أتفوه بها، نطقت (أنا) بها لأن الحاجة تطلبتها ، فهذا لأنى طلبت الموت». فلو أن الحاجة لم تتطلب هذا ما كان أيوب تجرأ على طلب الموت.

فانظر أيها القارئ التقوى العظيمة التي برهن عليها. وأيضاً فإن كلامه لم يكن خارجاً عن الموضوع.

قال بلدد: «هل الله ظالم في أحكامه؟»

ومع هذا فأيوب لم يشهد لبره إنما قال لماذا لا تنسى إثمى؟» (۲۱:۷)، وأضاف أيضاً قوله «إن حياة الإنسان – هي كلها تماماً هكذا – مشقة على الأرض» (۱:۷).

قال بلدد: هل الله ،ظالم، أو هل من خلق الكل يبدل الحق؟

لا حظ ما يريد أن يقوله بلدد: إن العدل يلازم الخالق.

لكن حتى ولو أن كلمات بلدد لا تنطبق على أيوب، فلنر ما يريد أن يقوله. إنه قال: ألا ترى العدل والنظام العميقين اللذين يحكمان الخليقة؟ وكيف أن كل شيء فيها مرتب حسناً ومحدد (في موضعه)؟

فهل ذاك الذى يحفظ العدل والترتيب الحسن من جهة الكائنات العديمة العقل، يمكنه أن ينقلب حينما يختص الأمر بك ؟ ولماذا خلق الكل؟ أليس لأجلك أيها الإنسان؟ فماذا! هل ذاك الذى خلق أشياء كثيرة لأجلك، لم يشركك أنت أيضاً فيما هو عدل؟ ذاك الذي خلقك محبة فيك وخلق أشياء كثيرة، فإن أظهر صلاحه للكون (المادى)، فإنه قد برهن أيضاً على قدرته من نحوك. نحن كثيراً ما نقلب العدل عن عجز منا، لكنه خلق الكل (بقوته). هل سيصير ظالماً ذاك الذي هو هكذا حكيم وعادل وقدير ؟

أولادك ماتوا لأنهم أخطأوا

٢- إذ أخطأ إليه بنوك، فإنه دفعهم بعيداً بسبب تعديهم (٤:٨).

قال بلدد: لماذا تنتحب على بنيك ؟

ولكن أيوب لم يذكر بنيه أو ثروته فى أى موضع. لاحظ هنا أيضاً حكمته. أو من لا ينتحب يا بلدد على فقد بنيه ) ؟ لكن لم تره أنت يقول هذا فى أى موضع من أحاديثه لكنك تراه لم يحتمل آلامه وهم الأصدقاء (الثلاثة على العكس يستدعون ذكر بليته وبغيظ بقولهم ليس فقط أن بنيه قد ماتوا، بل أن أخطاءهم هي التي تسببت في موتهم. ألم يكفيه يا بلدد) أن يقول هذا لنفسه؟ بالإضافة إلى ذلك فإنه عبثاً وبدون سبب قدم ذبائح لأجلهم (مع أن النص يقول لأن أيوب قال ربما أخطأ بني وجدفوا على الله في قلوبهم» (١: ٥)؟

انظر كيف أن موتهم أضناه حزناً وهو الذى كان مهتماً بفضيلة نفوسهم كثيراً.

وهوذا أيضاً تخمين آخر: إن الله عادل أفلم يكن بإمكانه أن يكون عادلاً دون أن يعاقب على الأخطاء أيضاً، بل يجرّب الإنسان) كما في حالة أيوب ؟

ألم يوجد شيء غير الخطايا ليفسر (مغزى) العقوبات؟

وجه صلاتك إلى الرب

– قال بلدد ” أما أنت (يا أيوب) فبكّر فى صلاتك إلى الرب القدير (٨: ٥).

إن بلدد يُظهر أن أبناء أيوب قد أخطأوا أكثر من أبيهم. انظر كيف كانوا يعظوه ويعطونه نصائح، الأمر الذى كان في حد ذاته مؤلماً.

– قال بلدد إن كنت نقياً ومخلصاً، فإنه سيسمع صلاتك” (٨: ٦).

إن كنت نقياً فلماذا تألمت هكذا؟

أنتم تعلمون (أيها القراء) أنه حتى لو كان الإنسان نقياً، فيمكن أن يتألم هكذا. والله قسراً صلاة من هو نقى ومخلص، إذ توجد حالات يطلب فيها – من هو نقى وطاهر – أشياء غير مفيدة له. لا يسمع

ه وحيث أن أيوب قال «إن أيامي قليلة» (۲۰ :۱۰؛ ۷: ١٦) ، فإن بلدد قال «بالتأكيد إن كانت بداياتك وضيعة، فإن آخرتك ستكون رائعة (۸: ۷). أي أن الله يمكنه أن يقيمك في سعادة أسمى من الأولى. ثم قدم بلدد من جديد حججاً مؤلمة.

الأثمة يهلكون كمثل نباتات بدون ماء

٦ – ” أسأل الجيل السابق وفتش بعناية فى أصل ،آبائنا لأننا نحن من أمس ولا نعرف شيئاً لأن أيامنا على الأرض ظل (يعبر سريعا). لكن ألم يعلموك هم ويعلنوا لك معرفة الحكمة، ويعلموك الكلمات الخارجة من قلبهم؟ هل ينمو البردى بدون ماء أو ينمو الياسمين البرى بدون رطوبة عندما لا يزال على الساق، ولو أنه لم يقطع بعد، فهل ينمو أى عشب قبل أن ينال رطوبة؟ (۸: ۸-۱۲)

إن هذا هو ما يريد أن يقوله بلاد حيث أننا زائلون فلنسأل الشيوخ وهم الذين يعلموننا إن كان مستحيل للعشب أن ينمو بدون رطوبة، فمن المستحيل كذلك أن شيئاً ما يبقى بدون العدل. لذلك – يقول بلدد – أن الأشرار لن يبقوا أيضاً (بل سيتم استئصالهم).

۷- قال بلدد “هكذا ستكون نهاية الذين ينسون الله، لأن رجاء الشرير يهلك، وبيته يصير غير مسكون بيته و(كذلك) طريقه، أما خيمته فستصير مسكنا للعنكبوت. وحتى إن عضد بيته فلن يظل قائماً، وإن وضع يده فلن يقوى بيته على الصمود، لأنه قد صار رطباً في غياب الشمس ولأن العفونة تفسد أغصانه الصغيرة، فإنه يرقد على كومة من الحجارة ويعيش في وسط الحصى، وإن اقتلعه الله يجحد مكانه، ألم تربلية تقارن ببلية الأثيم؟ والله سينبت من الأرض آخر، لأن الرب بالتأكيد لا يرفض الكامل (حرفيا البرئ) لكنه لن يقبل عطية الأثيم (۸: ١٣ – ٢٠).

انظر كيف أن بلدد هنا أيضاً وجّه ضربة (مُرّة) لأيوب، إذ أنه كان من الطبيعي أن أيوب يتكل على الذبائح لتطهير أبنائه).

أما أنت أيها القارئ)، فانظر معى كيف أنهم ضربوه بحجة نصحه، لأن الذين قالوا هم أنفسهم يقولون إنه لا يوجد رجاء!. له ترجى الله

٨- يقول بلدد: ” إن الله سيملأ أفواه المخلصين ضحكاً وشفاههم يملئها تهليلا بينما أعداؤهم يكتسون بالخزى ومسكن الشرير لن يوجد بعد” .(۲۱:۸-۲۳)

هذه بالتحديد كانت حالة أيوب. أية جروح، أي مرض، وأى غرغرينا ستكون أكثر إيلاماً من سماع أنه كان شريراً لكونه تثقل ببلايا عديدة، لأنه لو لم يكن الأمر هكذا، لما كان قد تألم.

أليس هذا بالحق أفضل تشجيع ؟!

تفسير أيوب 7سفر أيوب 8تفسير سفر أيوبتفسير العهد القديمتفسير أيوب 9
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير سفر أيوب 8تفاسير سفر أيوبتفاسير العهد القديم
 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى