تفسير رسالة تيموثاوس الأولى اصحاح 1 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة

الأصحاح الأول
التمسك بوصايا الله الذي يرحم الخطاة

(1) افتتاحية الرسالة (ع 1-3):

1 بُولُسُ، رَسُولُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بِحَسَبِ أَمْرِ اللهِ مُخَلِّصِنَا وَرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَجَائِنَا. 2 إِلَى تِيمُوثَاوُسَ، الابْنِ الصَّرِيحِ فِي الإِيمَانِ. نِعْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.

3 كَمَا طَلَبْتُ إِلَيْكَ أَنْ تَمْكُثَ فِي أَفَسُسَ، إِذْ كُنْتُ أَنَا ذَاهِبًا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، لِكَيْ تُوصِى قَوْمًا أَنْ لاَ يُعَلِّمُوا تَعْلِيمًا آخَرَ،

 

ع1: يؤكد هنا بولس الرسول أن الخدمة الرسولية التي يقوم بها لم يكلف بها من إنسان، بل من الله الآب الذي حقق لنا الخلاص بواسطة ابنه يسوع المسيح رجاءنا الذي لن يخيب.

 

ع2: يوجه الرسول الرسالة إلى تلميذه تيموثاوس، الذي يلقبه “بالابن الصريح“، والكلمة اليونانية المترجمة هنا “الصريح” هي “جينسيوس”، وهي تعني الأصيل أو الحقيقي، فهو يعتبر تيموثاوس ابنا حقيقيًا له، كذلك يشهد بأصالة إيمانه وتعبه في الكرازة بالإنجيل.

كما هو معتاد في رسائل بولس، يطلب للجميع نعمة من الله، ويضيف هنا الرحمة أيضًا التي بها انتشلنا الله من حالة العداوة إلى البنوة. ويطلب لهم السلام الذي وعد المسيح أن يعطيه إيانا، السلام الذي يفوق كل عقل. والرسول يؤكد هنا وحدة مصدر النعمة والرحمة والسلام ووحدة العمل بين الآب والابن إذ يقول “من الله أبينا والمسيح ربنا”.

† ليتك تكون واثقًا من الله الذي معك ويأمرك أن تكون نورًا للعالم، لتتمسك بالحق والمحبة في كل تعاملاتك حتى ولو سلك الآخرون كلهم في الشر، فلا تتزعزع واثقًا من قوة الله التي تسندك.

 

ع3: بعد إطلاق سراح الرسول من سجنه الأول في روما عام 63 م.، توجه إلى مكدونية وطلب من تيموثاوس أن يبقى في أفسس لكي يمنع التعاليم الغريبة التي نادى بها بعض الكهنة والمعلمين (أع20: 30) ويردهم إلى الإيمان المستقيم، لأن البعض نادى بالتهود والآخر نادى بالغنوسية كما ذكرنا في مقدمة الرسالة.

(2) الخضوع للوصية (ع4-6):

4 وَلاَ يُصْغُوا إِلَى خُرَافَاتٍ وَأَنْسَابٍ لاَ حَدَّ لَهَا، تُسَبِّبُ مُبَاحَثَاتٍ دُونَ بُنْيَانِ اللهِ الَّذِي فِي الإِيمَانِ. 5 وَأَمَّا غَايَةُ الْوَصِيَّةِ، فَهِيَ الْمَحَبَّةُ مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ، وَضَمِيرٍ صَالِحٍ، وَإِيمَانٍ بِلاَ رِيَاءٍ. 6 الأُمُورُ الَّتِى، إِذْ زَاغَ قَوْمٌ عَنْهَا، انْحَرَفُوا إِلَى كَلاَمٍ بَاطِلٍ.

 

ع4: خرافات : قصص خيالية امتلأت بها أساطير اليونان والرمان.

أنساب : اعتزاز اليهود بنسب اللاويين إلى هارون أو سبط يهوذا إلى داود، وكذلك اهتمام الأمم بأنسابهم إلى العظماء.

لا حد لها : لا فائدة ولا هدف منها.

مباحثات : مجادلات الغنوسيين الذين يؤمنون أن المعرفة هي الخلاص فيجادلون بكبرياء لإثبات آرائهم، وهذا بعيد تمامًا عن الإيمان الذي هو طريق الخلاص، ومنه تنبع الدراسات والأبحاث الروحية.

ينبههم الرسول أن يبتعدوا عن الإعتقاد والتأثر بكلام الأساطير أو الإفتخار بالأنساب لأن ذلك يولد كبرياء ويدخلهم في مجادلات ضارة تبعدهم عن بناء حياتهم الروحية ونموهم في المسيح.

 

ع5: المحبة هي غاية الوصية، وقد أكد هذه الحقيقة رب المجد في رده على الناموسي كما جاء في (مت 22: 35-39) أنه بوصية المحبة يتعلق الناموس كله والأنبياء. ولكي تكون هذه المحبة حقيقية، لا بُد أن تنبع من قلب مقدس بسكنى الله فيه، ونية صالحة لا يشوبها أي خبث وإيمان صادق.

 

ع6: إذا انحرف إنسان عن الحب الإلهي الصادق والإيمان، فإنه يتحول عن الحياة التقوية والشهادة الحقة إلى الكلام الذي لا طائل من ورائه والمباحثات غير الهادفة.

† إفحص محبتك نحو الآخرين هل هي من أجل الله أم بحسب استحسانك الشخصى، أو أن لها أغراض مادية؟.. ليتك تهتم بالكل حتى لو لم يكن لك مصلحة معهم، وتترفق بالمسيئين الذين ينفر منهم الناس وتصلى لأجل الكل.

(3) الناموس يُشْعِرْ بالحاجة للخلاص (ع7-11):

7 يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونُوا مُعَلِّمِى النَّامُوسِ، وَهُمْ لاَ يَفْهَمُونَ مَا يَقُولُونَ وَلاَ مَا يُقَرِّرُونَهُ. 8 وَلَكِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ صَالِحٌ، إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ نَامُوسِيًّا. 9 عَالِمًا هَذَا: أَنَّ النَّامُوسَ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَارِّ، بَلْ لِلأَثَمَةِ وَالْمُتَمَرِّدِينَ، لِلْفُجَّارِ وَالْخُطَاةِ، لِلدَّنِسِينَ وَالْمُسْتَبِيحِينَ، لِقَاتِلِى الآبَاءِ وَقَاتِلِى الأُمَّهَاتِ، لِقَاتِلِى النَّاسِ، 10 لِلزُّنَاةِ، لِمُضَاجِعِى الذُّكُورِ، لِسَارِقِى النَّاسِ، لِلْكَذَّابِينَ، لِلْحَانِثِينَ، وَإِنْ كَانَ شَىْءٌ آخَرُ يُقَاوِمُ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، 11 حَسَبَ إِنْجِيلِ مَجْدِ اللهِ الْمُبَارَكِ الَّذِي اؤْتُمِنْتُ أَنَا عَلَيْهِ.

 

ع7: هؤلاء القوم الذين يتحدث عنهم بولس الرسول، هم من أصل يهودي ويتبعون المركز وحب الرئاسة، ويسعون للشهرة ويطلبون الكرامة، بينما هم في الحقيقة بعيدون عن معرفة غاية الناموس، فهم يكثرون من المناقشات والمجادلات ليس رغبة في بلوغ الحقيقة وإنما من أجل فرض سلطانهم على الناس.

 

ع8: يستعمله ناموسيا : يفهم روح الناموس ويطبقه بتدقيق من أجل الله.

لكي لا يسئ أحد فهم بولس الرسول فيظن أنه يتهم الناموس ويدينه أو يدين التعليم كأمر غير صالح، يؤكد أن الخطأ ليس في الناموس، فهو صالح ومقدس، وإنما الخطأ في إساءة استعماله.

 

ع9: وُضِعَ الناموس ليس للأبرار بل للأشرار، لأن الأبرار يمكنهم أن يدركوا وصايا الناموس من خلال ضميرهم الطبيعي، أما بالنسبة للأشرار فالناموس هو الذي يمكن أن يبعدهم عن الخطية بتخويفهم من العقوبة. ويذكر الرسول هنا نوعيات من الأشرار هم:

الأثمة وهم الخطاة … المتمردين وهم الذين يكسرون الوصية عن عمد … الفجار وهم الذين يرتكبون الخطية بغير حياء أو خجل … الخطاة هم الذين يرتكبون المعاصى … الدنسين هم الذين تلوثوا بالخطايا والآثام … المستبيحين هم الذين يخطئون دون أدنى تأنيب من ضمائرهم … قتلة الآباء والأمهات وهم يمثلون أقسى أنواع القلوب … قاتلى الناس الذين يستهينون بأرواح الآخرين.

 

ع10: الزناة : من ينجسون أجسادهم.

مضاجعى الذكور : هم الشذوذ جنسيًا.

سارقى الناس : الذين يستولون على مال الغير دون وجه حق.

الكذابين : الذين لا يقولون الحقيقة سعيًا وراء منفعة مادية.

الحانثين : الذين لا يوفون بالوعد.

مقاومو التعليم الصحيح : هم الذين يقاومون التعليم الحق.

من أجل هؤلاء وأمثالهم، قدم الله ناموسه ليشعروا بالحاجة للخلاص.

 

ع11: التعليم الصحيح هو البشارة المفرحة التي تظهر عظمة الإله المبارك، وهوالتعليم الذي نقله بولس الرسول بأمانة كما شاءت الإرادة الإلهية أن تجعله شاهدًا أمينًا لصحة التعليم.

† ليتك تستفيد من وصايا الله وتطبقها في حياتك، فكل تعليم تسمعه هو رسالة لك، فلا تسرع إلى توبيخ وتعليم الآخرين وتنس حياتك الشخصية.

(4) رحمة الله لبولس (ع 12-20):

12 وَأَنَا أَشْكُرُ الْمَسِيحَ يَسُوعَ رَبَّنَا الَّذِي قَوَّانِى، أَنَّهُ حَسِبَنِى أَمِينًا، إِذْ جَعَلَنِى لِلْخِدْمَةِ، 13 أَنَا الَّذِي كُنْتُ قَبْلًا مُجَدِّفًا وَمُضْطَهِدًا وَمُفْتَرِيًا. وَلَكِنَّنِى رُحِمْتُ، لأَنِّى فَعَلْتُ بِجَهْلٍ فِي عَدَمِ إِيمَانٍ. 14 وَتَفَاضَلَتْ نِعْمَةُ رَبِّنَا جِدًّا مَعَ الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 15 صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ، وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا. 16 لَكِنَّنِى لِهَذَا رُحِمْتُ: لِيُظْهِرَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، فِىَّ أَنَا أَوَّلًا، كُلَّ أَنَاةٍ، مِثَالًا لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. 17 وَمَلِكُ الدُّهُورِ الَّذِي لاَ يَفْنَى وَلاَ يُرَى، الإِلَهُ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ، آمِينَ.

18 هَذِهِ الْوَصِيَّةُ، أَيُّهَا الابْنُ تِيمُوثَاوُسُ، أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حَسَبَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ، لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا الْمُحَارَبَةَ الْحَسَنَةَ، 19 وَلَكَ إِيمَانٌ وَضَمِيرٌ صَالِحٌ، الَّذِى، إِذْ رَفَضَهُ قَوْمٌ، انْكَسَرَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ مِنْ جِهَةِ الإِيمَانِ أَيْضًا، 20 الَّذِينَ مِنْهُمْ هِيمِينَايُسُ وَالإِسْكَنْدَرُ، اللَّذَانِ أَسْلَمْتُهُمَا لِلشَّيْطَانِ لِكَيْ يُؤَدَّبَا حَتَّى لاَ يُجَدِّفَا.

 

ع12: يشكر بولس الرسول الله لأنه وثق في أمانته وقوَّاه ودعاه لخدمته رغم عدم استحقاقه.

 

ع13: باتضاع يعترف بولس الرسول بخطاياه السابقة قبل الإيمان وهي:

  1. التجديف على المسيح ووصفه أنه مجرد إنسان عادي.
  2. اضطهاد المسيحيين بالقبض عليهم وتعذيبهم وقتلهم.
  3. الافتراء عليهم بتهم باطلة لمحاكمتهم وتعذيبهم.

وفي نفس الوقت تظهر رحمة الله العظيمة في غفران هذه الخطايا، بل تحويله إلى خادم وكارز لأنه صنع هذه الشرور لعدم معرفته للمسيح، فلما ظهر له تاب ورجع عن خطاياه.

 

ع14: بالإضافة لجعله خادمًا، فاضت عليه نعمة الله بمواهب وثمار روحية كثيرة، إلى جانب تمتعه أولًا بالإيمان المسيحي وكذا محبة الله ومحبة كل إنسان.

 

ع15: يعلن بولس الرسول صدق كلام الله الذي يفرح الإنسان بقبوله والتمتع به، وهذا الكلام هو أن المسيح تجسد ليخلص الخطاة أي البشرية جمعاء، وباتضاع وتوبة يعلن نفسه أول الخطاة بسبب اضطهاده للمسيحيين الذي سبق ذكره.

 

ع16: يبين بولس حكمة الله ومحبته في قبوله له رغم خطاياه وتحويله إلى خادم، فهذا يظهر طول أناة الله على الخطاة، حتى يشجع كل الأشرار للرجوع إلى الله ليس فقط ليسامحهم بل ليعطيهم الملكوت السماوي.

 

ع17: يختم الرسول حديثه عن رحمة الله بتمجيده، معلنًا بعض صفاته وهي الأزلية وملكه في كل زمان وأنه أعلى من أن يراه أحد وفيه كل الحكمة والكرامة.

† ما حدث مع بولس يشجعنا كلنا على التوبة مهما كانت خطايانا سواء كانت كبيرة أو متكررة، ويدفعنا إلى الحياة الإيجابية مع الله بالأعمال الصالحة وخدمة الآخرين.

 

ع18: هذه الوصية : المسيح مخلص الخطاة فنتكل عليه.

النبوات : كانت هاك نبوات قديمة عن تيموثاوس أنه سيحيا مع الله وسيكون خادمًا له.

تحارب فيها المحاربة الحسنة : تجاهد في الاتكال على الله وتشجيع كل الخطاة على التوبة لينالوا الحياة الأبدية.

إن كان الله قد اختار تيموثاوس وأعلن ذلك في نبوات عنه، فيوصيه بولس أن يهتم بخلاص نفسه ودعوة الخطاة للتوبة.

 

ع19: إيمان: الاعتماد على قوة المسيح العاملة فيه.

ضمير صالح: نقاوة وإخلاص في محبة الله وخدمته.

رفضه قوم : أي الهراطقة.

انكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان : انحرفوا وغرقوا أي ابتعدوا عن المسيح وضاع رجاؤهم وإيمانهم.

يدعوه الرسول للتمسك بالإيمان ونقاوة القلب التي رفضها الهراطقة فذهبوا في طريق الهلاك.

 

ع20: هيمينايس : هو المذكور أيضًا في (2 تى 2: 17)، واصفًا إياه أنه زاغ عن الحق قائلًا أن القيامة قد حصلت فيقلب إيمان قوم.

الإسكندر : هو المذكور في (2 تى 4: 14) “اسكندر النحاس أظهر لى شرورًا كثيرة، فليجازه الرب حسب أعماله”.

هذان الشخصان قادهما كبرياء قلبهما إلى ابتداع تعاليم غير صحيحة، لذا رأى بولس الرسول أن يحكم عليهما بالقطع من شركة الكنيسة حتى لا يفسدا أفكار المؤمنين، وفي نفس الوقت، بحرمانهما من الشركة قد يرجعا إلى الله بالتوبة. فالرسول لا يبغى بالعقوبة الانتقام، وإنما يطلب التأديب للإصلاح.

مقدمة رسالة تيموثاوس الأولى 1 تفسير رسالة تيموثاوس الأولى  تفسير العهد الجديد تفسير رسالة تيموثاوس الأولى 2
كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
تفاسير 1 تيموثاوس 1 تفاسير رسالة تيموثاوس الأولى  تفاسير العهد الجديد
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى