من هو المسيح

إن السيد المسيح ليس مجرد إنسان ويرى نفسه أنه إله، فهو الإله ظاهرًا فى الجسد، كما قال الرسول العظيم معلمنا بولس: “عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِى الْجَسَدِ”(1تى 16:3).

فالله روح بسيط يملأ السماء والأرض، ويستحيل على أعيننا أن تراه لأنها حسية ومحدودة، لذلك كان لابد من أن يتخذ جسدًا حسيًا بلا خطية لنتمكن من رؤيته. تماماً كالموجات التى ترسلها الإذاعة أو التليفزيون، هى منتشرة فى كل مكان دون أن نراها، ولا نراها إلا إذا “تجسدت” فى صوت أو صورة. وكذلك الطاقة الكهربائية موجودة فى “الفيشة” ولكنها لا ترى إلا من خلال مصباح نوصله إليها، أما إذا تجاسرنا بلمسها فسوف نحس بشئ يزلزل كياننا وربما يسحقنا دون أن نراه. التجسد إذن ضرورة لنرى الله وهو لا يتعارض مع:

1- قدرة الله

نحن نؤمن أن الله قادر على كل شىء فحين تجسد وتأنس (أى أخذ جسد إنسان) فليس هذا ضد قدرة الله أو طبيعته بل بالعكس، هو دليل هذه القدرة، فالله يستطيع كل شىء، يستطيع أن يبقى روحًا بسيطًا، أو أن يظهر فى صورة محسوسة: كإنسان، أو فى شكل نار أو فى صورة صوت، وبالفعل ظهر فى كل هذه الصوّر والأشكال فى العهد القديم، ولكن كان التجسد ضرورة فى العهد الجديد ليرى الإنسان الله الذى تنازل ليفدى الإنسان.

2- قداسة الله

فالتجسد لا يتعارض مع قداسة الله كما يتصور البعض، فالله يمكن أن يسكن جسدًا لأنه يسكن فى كل مكان، وفى كل شىء، مهما كان بسيطًا أو حتى ملوثًا، إنه كالشمس المطهرة التى تتسلل داخل أكوام القمامة فتطهرها دون أن تتدنس هى.. وحين يسكن روح الله فى الإنسان يقدسه ويطهره. فالتجسد لا يتعارض مع قداسة الله.

3- محبة الله

فلولا أن الله محبة، لأكتفى بأن يبقى متعاليًا فى برج السماء، تاركًا إيانا فى طين الأرض. ولكن شكرًا لله المحب الذى تنازل إلينا ليحملنا على منكبيه، ثم يصعد بنا إلى سمائه، لنحيا معه هناك إلى الأبد. هل كان ممكنًا أن ينظر إلينا من فوق ويقول: تعالوا إلىّ أنا منتظركم فى السماء؟ كيف كنا سنصعد إليه بطبيعتنا الضعيفة الساقطة؟ لذلك تنازل هو إلينا. كمعلم صالح نزل الرب إلينا لكى يعلمنا بحياته، ويسكن فينا، ونكون أبناء له، وورثة الملكوت، وليحملنا على ذراعيه، ويأخذنا إلى حيث هو، فهذا هو الأمر المنطقى، والممكن والوحيد “حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَىَّ” (خر 4:19).

وهذه بعض تشبيهات القديس أثناسيوس عن التجسد

1- تشبيه الملك: لو تصورنا أن ملكًا إختار مدينة فى ملكه وسكن فيها. إذن فسوف تكون هذه المدينة هى العاصمة. وستكون لها كرامة خاصة. كما أن سكنى الملك فى أحد بيوتها هو سكنى كل البيوت. ولو فرضنا أن سكان المدينة أهملوا فى حراستها فبدأ الأعداء يتخطون الأسوار ويهاجمون الأهالى. هل سيسكت الملك على ذلك قائلاً: “هم المسئولون”؟ أم أنه سيهب لنجدتهم دفاعًا عن هيبة المملكة، ومعتبرًا أن الإساءة لأحد رعاياه إساءة له شخصيًا؟

هذا بالظبط ما حدث فى التجسد.. فالله حين سكن فى أحشاء العذراء مريم، إنما رضى بذلك أن يسكن فى كل البشر، وهذا شىء طبيعى لأن الله فى كل مكان ولا يحده شىء.

ومع أن بنى البشر أهملوا فى حراسة طبيعتهم البشرية، وسمحوا للشيطان بأن يطغاها، إلا أن ذلك لم يجعل الله يتخلى عنا بل بالحرى هب لنجدتنا، وجاء إلينا ليخلصنا.

2- تشبيه الفنان: لو تصورنا أبًا له إبن وحيد، وهذا الإبن سيسافر طويلاً، وإستدعى الأب فنانًا مبدعًا وطلب منه أن يرسم لإبنه صورة جميلة يراه فيها أثناء غيبته. وبالفعل تم ذلك، وبعد فترة سقطت على هذه الصورة أشياء شوهتها تمامًا فماذا يفعل الأب، والإبن قد سافر فعلاً؟ إستدعى الفنان طالبًا منه تجديد الصورة. ولكن الفنان طلب عودة الإبن من الخارج ليعيد الرسم. ولما عاد الإبن أراد الفنان أن يمزق الصورة المشوههة ويرسم أخرى جديدة. لكن الأب إعترض بشدة قائلاً له: جدد لى هذه الصورة القديمة ولا تمزقها، لأنها كانت تحمل لى كل يوم صورة إبنى الحبيب. وهكذا أعاد الفنان الملهم رسم الصورة فى نفس الصفحة القديمة.

ما معنى ذلك؟

أن الله قد خلقنا على صورته ومثاله. فلما شوهنا هذه الصورة نزل بنفسه وأعاد الصورة إلى أصلها، دون أن يفنى البشرية ويخلق بشرية جديدة.. فيا لعظمة حكمة الله ومحبته لنا.

3- تشبيه القشة والأسبستوس: شبه القديس أثناسيوس الطبيعة البشرية بقشة قابلة للحريق بالخطية والدينونة، ولكننا إذا غلفنا هذه القشة بمادة الأسبستوس الغير قابلة للإشتعال، حافظنا عليها من هذه النيران. وهكذا الإنسان حين يلبس الرب يسوع يتقى نار الدينونة وهلاك الأبدية، ويحفظه الرب لأبدية سعيدة معه.

 

سؤال هام : هل إستطاع السيد المسيح أثناء حياته على الأرض، أن يثبت أنه هو الإله حقاً؟ 

قطعًا إستطاع.. فقد قام بأعمال كثيرة يستحيل أن يقوم بها إنسان عادى، أو حتى نبى قوى.. لابد من إله للقيام بها مثل:

1- القداسة المطلقة 

لقد أثبت الرب يسوع قداسة مطلقة لم يستطع أن ينكرها أحد عليه. فهو الذى قال: “مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِى عَلَى خَطِيَّةٍ؟!” (يو8: 46) فإنسدت الأفواه وانعقدت الألسنة من فرط قداسته المذهلة. وهذه النقطة يؤمن بها الكل، فهو الوحيد الذى لم يمسه الشيطان، لسبب بسيط أنه ليس إنسانًا عاديًا.. إنه الإله ظاهرًا فى إنسان.. فلاهوته

2- السلطة المطلقة

كان للرب سلطان مطلق على كافة المخلوقات والكائنات وحتى الأفكار والمستقبل والخطية:

– سلطانه على الجماد: كما حدث فى معجزة اشباع الجموع (مت 13:14-21).

– سلطانه على النبات: حينما لعن التينة فيبست فى الحال (مت 18:21-22).

– سلطانه على الحيوان: عندما أمر الشياطين التى أخرجها أن تدخل إلى الخنازير (مر 1:5-20).

– سلطانه على الإنسان: فى المرض: كما فى معجزات شفاء المرضى التى بلا حصر. فى الموت: إقامة إبنه يايروس (مر 35:5-43) وإبن ارملة نايين (لو 11:7-17) ولعازر (يو 1:11-44) ثم إقامته لنفسه بنفسه من بين الأموات بقوة اللاهوت المتجسد بالناسوت من بين الأموات (يو 21:20).

– سلطانه على الأرواح: إخراج الشياطين بكلمة من فيه (مر 1:5-20).

– سلطانه على الخطية: غفر خطايا للمفلوج (مر 1:2-12). والمراة التى أمسكت فى ذات الفعل وقال لها: “أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ: لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: ولاَ أَنَا أَدِينُكِ” (يو8: 10 -11).

– سلطانه على الأفكار: عرف الأفكار دون الإفصاح عنها (مر 16:18، 17)، (مر 6:2-8).

– سلطانه على المستقبل: إنباؤه بخراب أورشليم (مت 24:1-51).. وبإنكار بطرس حين قال له: “قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُنِى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ”.. (مت 34:26) ثم بصلبه (يو18:21، 19).

 

3- الفاعلية العجيبة

لقد إستطاع الرب يسوع أن يغزو القلوب بحنان فائق، وهكذا إنتشرت المسيحية بسرعة فى أنحاء العالم المعروف، عن طريق جماعة من الصيادين والبسطاء، المملوئين بالروح القدس.

إن جلسة واحدة مع الرب يسوع قادرة أن تزلزل حصون الشر فى الإنسان وتدفعه إلى التوبة وهكذا بالشركة المستمرة يتحول الخاطئ إلى قديس. من يستطيع هذا ما لم يكن الله خالق الإنسان أصلاً، والقادر وحده على تغييره؟!!

تعال إذن يا أخى الحبيب، ويا أختى المباركة.. لنتعرف على هذا المخلص العجيب، الإله القادر، والأب الحنون الذى “لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ” (أع 12:4).

تعالى أيه الحبيب تمتع بعشرة الرب يسوع فهو من أحبك وأتى إليك وعاش مثلك وفداك صعد إلى السماء ليعد لك مكانًا أفضل تتمتع فيه بالعشرة الدائمة معه فتعالى إليه وأشبع منه فمنه وبه وله كل الحياة.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى