تفسير سفر عاموس ٤ للقمص أنطونيوس فكري

شرح عاموس – الإصحاح الرابع

الآيات (1-3): “اسمعي هذا القول يا بقرات باشان التي في جبل السامرة الظالمة المساكين الساحقة البائسين القائلة لسادتها هات لنشرب. قد اقسم السيد الرب بقدسه هوذا أيام تأتي عليكنّ يأخذونكن بخزائم وذرّيتكنّ بشصوص السمك. ومن الشقوق تخرجن كل واحدة على وجهها وتندفعن إلى الحصن يقول الرب.”

باشان = أرض مستوية. وكانت تشير إلى نصف سبط منسى وتقع شرقي الأردن. وتربتها خصبة للغاية وماؤها غزير. عرفت بقطعانها المتسمة بالشحم الكثير (مز12:22 + حز19:39 + تث14:32) وبغابات البلوط الدائمة الخضرة (أش3:2) والمقصود ببقرات باشان = هن زوجات أغنياء إسرائيل. الذين شبعوا وسمنوا فإزداد ظلمهم على المساكين ليزداد غناهم وهؤلاء يذهبن لرجالهم الظالمين مثلهم ويقولون هات لنشرب = أي لننعم بالملذات والشهوات. أي أن الزوجات يذهبن لرجالهن = سادتهن= ثم يظلم الرجال الفقراء ليأتوا لزوجاتهم بمزيد من الأموال ليشربوا ويحتفلوا. لذلك أقسم الرب بقدسه = وقداسة الله من صفاته، لذلك هذه تساوي أقسم الله بذاته. وقداسة الله تظهر في قصاصه للأشرار. هوذا تأتي أيام = الله لا يعاقب مباشرة، بل ينذر ثم يعطي فرصة للتوبة. يأخذونكن يخزائم = الخزائم كانت توضع في أنوف الحيوانات لتسحب في مذلة وهكذا صنع بعض الملوك في سباياهم، بل هذا ما صنعه ملك أشور في منسى الملك (وهذا يظهر في النقوشات الأثرية) (2أي11:33) والمعنى أنهم سيؤخذون للسبي في مذلة. وذريتكن بشصوص السمك سيسحب العدو أولادكن من أرضهم كما يسحب السمك خارج المياه. وبالتالي تفرغ الأرض كلها منهم. ومن الشقوق تخرجن كل واحدة = حين تهدَّم السور حاولوا الهرب منه. وتندفعن إلى الحصن = قد يكون المعنى أنهم سوف يحاولون اللجوء للأماكن المحصنة هرباً من العدو ولكن بلا فائدة، والأرجح أنهم سيذهبون للسبي في أشور التي هي كالحصن ولن يمكنهم الهرب منها.

 

 الآيات (4،5): “هلم إلى بيت إبل وأذنبوا إلى الجلجال واكثروا الذنوب وأحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم. وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر ونادوا بنوافل وسمّعوا.لأنكم هكذا أحببتم يا بني إسرائيل يقول السيد الرب.”

ربما يظن بني إسرائيل أن هذه التحذيرات لا تخصهم فهم يذهبون إلى بيت إيل ليقدموا ذبائحهم، ولكن هناك اختلطت عبادتهم لله بعبادة الأوثان “أنقسم قلبهم (هو2:10) بين الله والبعل” فهم لم يذهبوا بقلب صادق لله وبتوبة حقيقية لذلك فكل عبادتهم المظهرية مرفوضة. هلَّم إلى بيت إيل هذا بلغة التهكم. والجلجال = من الأماكن المقدسة، لكنهم بمظالمهم وقلوبهم المنقسمة إذ يذهبون للعبادة فيها أكثروا الذنوب. احضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشروكم = المطلوب منهم ذبيحة سنوية، والعشور هكذا. والمعنى هنا تهكمي أي مهما زادت عطاياكم لن أقبلها، فالله لا يقبل الرشوة ولكنه يطلب القلب (1كو3:31) وأوقدوا من الخمير = لقد منعت الشريعة تقديم الخمير لأنه يرمز للشر. وكأن كل تقدماتهم غير مقبولة لأمتزاجها بشرورهم كما أن تقدمة الخمير غير مقبولة. نادوا بنوافل= النوافل جمع نافلة، وهي تقدمة طوعية غير مطلوبة. وهم كانوا يقدمون هذه العطايا الزائدة ليس محبة لله، بل ليُسَمَّعُوا الناس كما كان يفعل الفريسيين أيام المسيح.

 

الآيات (6-12): “وأنا أيضا أعطيتكم نظافة الأسنان في جميع مدنكم وعوز الخبز في جميع أماكنكم فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. وأنا أيضا منعت عنكم المطر إذ بقي ثلاثة اشهر للحصاد وأمطرت على مدينة واحدة وعلى مدينة أخرى لم أمطر.أمطر على ضيعة واحدة والضيعة التي لم يمطر عليها جفّت.  فجالت مدينتان أو ثلاث إلى مدينة واحدة لتشرب ماء ولم تشبع فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. ضربتكم باللفح واليرقان.كثيرا ما أكل القمص جنّاتكم وكرومكم وتينكم وزيتونكم فلم ترجعوا اليّ يقول الرب.  أرسلت بينكم وبأ على طريقة مصر.قتلت بالسيف فتيانكم مع سبي خيلكم وأصعدت نتن محالّكم حتى إلى أنوفكم فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. قلبت بعضكم كما قلب الله سدوم وعمورة فصرتم كشعلة منتشلة من الحريق فلم ترجعوا اليّ يقول الرب. لذلك هكذا اصنع بك يا إسرائيل.فمن اجل أني اصنع بك هذا فاستعد للقاء إلهك يا إسرائيل.”

يعدد الله لهم هنا التأديبات التي سمح بها ضدهم ولم يستفيدوا = فلم ترجعوا إلىَّ = وهذه الكلمة تعددت هنا خمس مرّات لتشير أن الله يضرب ليشفي. وإذا رفضوا التوبة سيأتي الله بما هو أصعب حتى يفيق الإنسان من سكره. فإستعد للقاء إلهك يا إسرائيل (آية12) ويمكن أن نفهم هذه الآية في ضوء محبة الله، أن الله إنما يسمح بكل هذا لنكون مستعدين للقائه في اليوم الأخير. وما هي التأديبات التي سمح الله بها نظافة الأسنان = بسبب حرمانهم من الطعام وفي السبعينية “صارت أسنانهم عاطلة بلا عمل” أنا أعطيتكم = فالله هو الذي يعطي الخيرات، وهو الذي يمنعها، وحين يمنعها فهذا يكون أيضاً لصالحنا حتى نستعد للقائه. وعوز الخبز = حدث مثل هذا أيام إليشع النبي (2مل1:8) والخطية تسبب مجاعة روحية أيضاً ومنع الله المطر = وهذا حدث أيام إيليا والمطر يشير لعطية الروح القدس التي نحرم منها بإصرارنا على الخطية (فنحزنه فينطفئ فينا). لذلك يشير الوحي أن الله يمطر على مدينة (للأبرار) ولا يمطر على مدينة أخرى (للأشرار) = والمدينة التي يمطر عليها الرب هي إشارة للعذاري الحكيمات لذلك هن لهن زيتاً في أنيتهن أما المدينة التي لا يمطر عليها هي إشارة للعذاري الجاهلات وهؤلاء في جفاف روحي = جفَّت. فجالت مدينتان أو ثلاث إلى مدينة واحدة لتشرب = هذه تساوي سؤال الجاهلات للحكيمات “إعطينا من زيتكن لأن مصابيحنا تنطفئ” وفي (9) اللفح والقمص واليرقان = الحشرات المفسدة. والخطايا هي الحشرات التي تفسد كروم الله أي النفس الطاهرة.  وفي (10) أرسل عليهم وبأ = أي مرض. وقتل الفتيان يشير لتحطيم مواهب الإنسان وطاقاته بسبب الخطية. وسبي خيلكم = الخيل يشير للقوة فقد حرمهم الله من قوتهم. والإنسان فقد سلطانه بالخطية. وأصعدت نتن محالكم قد يكون النتن من أثار الوبأ والموت. وعوضاً أن يحمل الإنسان رائحة المسيح الزكية تفوح منه رائحة نتانة خطيته. هذا يحتاج لصوت المسيح قائلاً له ” لعازر هلمَّ خارجاً. قلبت بعضكم كسدوم وعمورة = غالباً بسبب الزلزال (عا1:1) وهذه ضربات شديدة فيها هلاك جماعي، لكن الله ينقذ بعضاً منهم (الأذن والكراعين”) = فصرتم كشعلة منتشلة من الحريق = ومع كل هذه التأديبات لم يتوبوا. فلنستعد للقاء إلهنا في اليوم الأخير بالتوبة.

والآن بعد هذه الصورة المظلمة.. هل هناك أمل في التغيير؟

 

آية (13): “فانه هوذا الذي صنع الجبال وخلق الريح واخبر الإنسان ما هو فكره الذي يجعل الفجر ظلاما ويمشي على مشارف الأرض يهوه اله الجنود اسمه”

الإجابة أن الله قادر على كل شئ. إذاً هو قادر على تحقيق الخلاص للإنسان. وهو يخبر الإنسان ما هو فكره= بواسطة الأنبياء يجعل الفجر ظلاماً بالسحاب الكثيف. وهو يمشي على مشارف الأرض = المشارف أي الأماكن العالية فهو يطأ أعلى الأماكن أي له سلطان على الكل فهو يهوة الكائن بذاته، ليس لأحد سلطان عليه. هنا نجد إشراقة الخلاص، فالله وحده القادر أن يعطيه لنا، وهو يضمد جراحنا ويصلح حال البشرية التي فشلت التأديبات في إصلاحها. وعلينا أن نقابله بالمصالحة لا بالخصومة. وجاء هذا النص في السبعينية “الذي يؤسس الرعد ويخلق الروح يعلن للإنسان مسيحه” وبهذا نفهم أن هذه الآية هي نبوة واضحة عن المسيح سر مصالحة الآب مع الإنسان. والرعد هنا هو صوت الإنجيل الذي يهز النفس فتتحول من حالة الجسد لحالة الروح ” المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح  ” (يو6:3) ويكون المقصود بخلق الروح هنا هو خلق الطبيعة الروحية فينا عوض الجسدانية وبهذا تتكامل الترجمة العبرية مع السبعينية. ويصير معنى يجعل الفجر ظلاماً ليس المقصود الظلام بمعناه، بل كثرة السحب الممطرة. والفجر هو المسيح شمس برنا الذي اشرق بنوره، وأرسل روحه القدس علينا (السحاب الممطر) ليحول طبيعتنا من طبيعة جسدية إلى طبيعة روحية. خلق الريح = الريح والروح في العبرانية وفي اليونانية هما كلمة واحدة. صنع الجبال = المعنى المباشر أن الله الذي صنع الجبال وخلق الريح قادراً أن يخلص البشر. والمعنى الروحي أن الله قادر أن يجعل من البشر قديسين كالجبال ويكون المسيح هو ثابتاً في رأس الجبال (أش2:2) وهؤلاء القديسين لهم طبيعة روحية. هذا هو ما اشتهاه داود حين قال  ” قلباً نقياً إخلق فيّ يا الله وروحاً مستقيماً جدد في أحشائي” (مز10:51) وهذا ما عمله المسيح أن جعلنا خليقة جديدة (2كو7:5).

تفسير عاموس 3 عاموس 4  تفسير سفر عاموس
تفسير العهد القديم تفسير عاموس 5
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير عاموس 4  تفاسير سفر عاموس تفاسير العهد القديم

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى