تفسير رسالة تسالونيكي الأولى أصحاح ٥ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الخامس

أية 1: – و أما الأزمنة و الأوقات فلا حاجة لكم أيها الاخوة أن اكتب إليكم عنها.

 الرسول ينهي رسالته بوصايا عملية. وأول مشكلة يواجهها هي ما زالت نفس المشكلة التي نواجهها اليوم وكل يوم، ألا وهو السؤال متي يأتي المسيح في مجيئه الثاني. ويقول لهم الرسول إن هذا السؤال بلا معني، فلربما نموت نحن قبل أن يأتي المسيح فما الذي سوف نستفيده من هذه المعرفة. فيوم الرب يأتي فجأة، يأتي كلص أي يوم موت الإنسان. والله يريد أنه لا أحد يعرف هذه الساعة، فإخفائها يدفع للسهر والاستعداد، ما الذي سنستفيده من المعرفة لو أتت الساعة، ساعة موتنا ونحن غير مستعدين. والمستعد يتشوق لمجيئه. 

 

أية 2، 3 :- أنكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء. إنه حينما يقولون سلام و أمان حينئذ يفاجئهم هلاك بغتة كالمخاض للحبلى فلا ينجون.

تعليم أن يوم الرب كلص هو تعليم للمسيح (مت24 : 43) + (لو 12 : 39 + 21 : 34 + 17 : 24) + (رؤ 3 :3 + 16 : 15). لأنه حينما يقولون سلام وأمان أي أهل العالم الأشرار غير المؤمنين يكونون كمن ينام في سلام وآمان فيسطو عليه اليوم فجأة كلص ينهبه. يفاجئهم هلاك = فآلام الدينونة رهيبة للأشرار الذين في خطاياهم. كالمخاض للحبلي = الحبلي تعرف بالتأكيد أنها ستلد ولكنها لا تعرف اليوم والساعة لكن عليها أن تكون مستعدة. والخاطئ يحمل الخطيئة داخله فإن لم يستعد بالسهر والتوبة يفاجئه هذا اليوم ويهلك. الغافل هو من يتوهم أن هذا اليوم لن يأتي وأنه سيستمر في أمان وسلام وهذا كلام الأشرار فيأتي عليهم هذا اليوم حين يخالون أنفسهم في أمان وسلام بل يريدون التمتع بلذات العالم فينكرون أن هناك يوم للدينونة وعنصر المفاجأة يكون لغير المستعدون أما المستعدين فهم يشتهون هذا اليوم فهو يوم فرح بالنسبة لهم.

 

آيات 4 – 8 :- و أما انتم أيها الاخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص. جميعكم أبناء نور و أبناء نهار لسنا من ليل و لا ظلمة. فلا ننم اذا كالباقين بل لنسهر و نصح. أن الذين ينامون فبالليل ينامون و الذين يسكرون فبالليل يسكرون. و أما نحن الذين من نهار فلنصح لابسين درع الإيمان و المحبة و خوذة هي رجاء الخلاص.

فلستم في ظلمة = الليل إشارة للانغماس في اللذات، خصوصاً شرب الخمر، فهذه اللذات المخجلة تخشي نور النهار. ولقد كنا قبلاً أبناء الليل كاللصوص والزناة الذين يترقبون الليل ليمارسوا نشاطهم الشرير، أما الآن فقد قبلنا شمس البر فينا وصرنا أبناء نور وأبناء نهار نترقب مجيئه بفرح بقلب متيقظ. وابناء النور وأبناء النهار هم الذين يعملون أعمال النور، ملتزمين بدوام يقظة النفس الداخلية،هذا معنى السهر ليس أن نمتنع عن النوم. (نش 2:5) أنا نائمة وقلبى مستيقظ، السهر يعنى أن القلب لا يعرف الاسترخاء، هذا وسهر الجسد فى الصلاة ودراسة الكتاب مهمان أيضاً. لأن الذين ينامون فبالليل ينامون = المعني أن لا نكون كالغافلين الذين ينامون والسكارى الغافلون عن أن هذا اليوم أت، فالنفس لا تنم إلا إذا قبلت أن يكون لها ليل وظلمة وتسكر بخمر ملذات هذا العالم ناسين أن هذا اليوم آت بلا شك. 

وفي آية 8 : نجد ثلاثية بولس الرسولالإيمان والرجاء والمحبةثانية وهذه الثلاثة هي أدوات الحرب الروحية التي أختبرها أهل تسالونيكي كما جاء في مقدمة الرسالة (1 : 3) هي دروع تحمينا من سهام العدو الشرير. وهنا يضع الرجاء بعد الإيمان والمحبة فأهل تسالونيكي في ضيقتهم محتاجين للرجاء يسندهم فالرسول يترك الرجاء ليشير إليه بعد الإيمان والمحبة لينوه أن رجاؤنا الذي به نحتمل الألم هو في خلاص أبدي = رجاء الخلاص = وهذا يجعلهم يحتملون الألم والاضطهاد. والإيمان هو سر لقائنا بالله والتمتع بالشركة معه في ابنه. والرجاء هو الذي يهبنا الفرح خلال اليقين الشديد أننا مدعوون للميراث الأبدي والمحبة هي ثوب العرس الأبدي والنصيب الذي يبقي معنا في السموات وهي كلمة التفاهم في السماء.

 

آيات 9 – 11 :- أن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح. الذي مات لأجلنا حتى إذا سهرنا أو نمنا نحيا جميعا معه. لذلك عزوا بعضكم بعضا و إبنوا أحدكم الآخر كما تفعلون أيضا.

لأن الله لم يجعلنا للغضب = هذا ما يعطينا رجاء، لنتقدم إليه إذاً واثقين في محبته، هذا الذي لم يبخل علينا بابنه = الذي مات لأجلنا حتي إذا سهرنا = يقصد إن كنا أحياء والحي لا بد وأنه ساهر علي خلاص نفسه أو نمنا = أي رقدنا (الموت بالجسد). وهذه هي مشكلة التسالونيكيين، هل الذين هم أحياء وقت مجيء المسيح ثانية سيكونون في وضع أفضل من الذين ماتوا وبولس هنا يؤكد أن الفريقان سيقومان معاً للحياة الأبدية وهولا يستخدم هنا لفظ حي ولفظ ميت بل لفظ سهرنا للأحياء ونمنا للراقدين. بهذا صار لجهادنا علي الأرض غاية واضحة هي الوجود مع الله، هذا هو سر تعزيتنا الحقيقية التي نسند بها أخوتنا.

 

آيات 12، 13 :- ثم نسألكم أيها الأخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم و يدبرونكم في الرب و ينذرونكم. و أن تعتبروهم كثيرا جدا في المحبة من أجل عملهم سالموا بعضكم بعضا.

هنا يطلب معهم تكريم آبائهم الروحيين ومدبريهم الساهرين عليهم وأن تعتبروهم = تسمعون لإرشاداتهم. فالكرامة التي نقدمها لكاهن أو لخادم تعلن خلال طاعتنا لكلمة الله. فلا شئ يفرح الخادم الآمين سوي هذا. قد يلتزم الكاهن أحياناً في محبته الأبوية أن يكون حازماً، الأمر الذي يعرضه لمضايقة الناس منه فلا تقابل أبوته بالبغضة. بل بالمحبة من أجل عملهم = نحبهم لا لذواتهم بل لأجل خدمتهم التي يقدمونها لنا.

 

آية 14 :- و نطلب إليكم أيها الأخوة إنذروا الذين بلا ترتيب شجعوا صغار النفوس اسندوا الضعفاء تأنوا على الجميع.

بلا ترتيب = ترتيب في اليونانية تعني طقس أو نظام إذاً هي تعني منهج الحياة. فالمسيحي له طقسه الخاص به الذي هو الحياة فى المسيح لذلك فالشتام والسكير وكل الذين يخطئون هؤلاء يسلكون بلا ترتيب. يقصد من لا يريدون أن يعملوا ويشيعون الفوضى في الكنيسة بفضولهم ونقلهم لأخبار الغير. 

شجعوا صغار النفوس = إذاً في إنذار من يسلك بلا ترتيب علي الكنيسة أن تعامله بحنو وترفق حتي لا يسقط صغار النفوس ويتحطم الضعفاء. فصغار النفوس هم الذين لا يحتملون الإهانة فتصغر نفوسهم جداً ويتعرضون لليأس، مثل هؤلاء يلزم أن نستخدم معهم أسلوب التشجيع، فالانتهار ليس غاية في ذاته لكن الرسول غالباً يقصد بصغار النفوس هؤلاء الذين لا يريدون أن يعملوا عن عدم فهم. اسندوا الضعفاء = هؤلاء هم من ليس لهم خبرات روحية ولا إيمان قوي، وهؤلاء يعتقدون أنهم غير قادرين علي أي عمل لكن بالتشجيع يستطيعون، والمسيح قيل عنه قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ تأنوا علي الجميع = كل نفس مهما بلغت درجتها تحتاج لطول الأناة.

 

آية 15 :- أنظروا أن لا يجازي أحد أحداً عن شر بِشَر بل كل حين إتبعوا الخير بعضكم لبعض و للجميع.

يلزم إحتمال شر الأشرار بقلب متسع دون انتقام، ولا نقابل الشر بالشر بل نقابله بالخير.

 

آية 16 :- افرحوا كل حين.

الفرح هو عطية الروح القدس (غل 5 : 22) ويوهب للنفس خلال جهادها خاصة في تنفيذ الوصايا، فمثلاً الوصايا التي سبقت في آيات 14، 15 وطالما أن الرسول يقول افرحوا فهذه وصية وطالما هي وصية فالله سيعطي الفرح لمن يريد أن يفرح.

 

آيات 17، 18 :- صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء لان هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم.

الصلاة بلا انقطاع تساعد على الامتلاء من الروح القدس وبالتالي أن نحيا في فرح (أية 16). فمن يصلي دائماً يكون له القدرة أن يفرح دائماً ويشكر دائماً في الضيق، والصلاة الدائمة هي الطريق لحب الناس والطريق إلي احتمال ضعفاتهم (آية 14، 15، 16) إذاً الصلاة الدائمة هي الطريق لما سبق. ويجب أن نصلى بلا انقطاع لأننا في حرب بلا انقطاع. ومن له جهاد في الصلاة الدائمة لن يطفئ الروح. نحن أخذنا الروح القدس. لكن هل نجدده في أحشائنا، هذا يحدث لمن يصلي صلاة دائمة ومن يفعل سيضرم الروح فيه وسيعبد بالروح أي سيقوده الروح في كل شئ خصوصاً في عبادته. وسيفرح ولن يصير الروح داخله كالمياه الراكدة. أما من لا يصلي سيصير الروح داخله كمياه راكدة ويصير إنسان تحركه شهواته. الصلاة الدائمة هي عمل الملائكة خاصة الشكر (آية 18). بهذا تتحقق غاية الله فينا، في المسيح حياتنا، حيث تصير لنا الحياة السماوية معلنة في داخلنا كما في تصرفاتنا وإن كانت الصلاة تعني الصلة، فإن الصلاة الدائمة تعني العلاقة المستمرة مع الله أي أن يكون الفكر في اتصال دائم بالله وإدراك وجودنا في الحضرة الإلهية بلا انقطاع، في عبادتنا كما في أثناء عملنا، في يقظتنا كما في أثناء نومنا. علينا أن لا نكف عن الاشتياق للصلاة. وهذه الصلاة المستمرة تساندها صلوات السواعي (الأجبية). والشكر علي كل شي هو سمة السمائيين الذين إذ يدركوا الله كلي الحكمة والحب يشكرونه من أجل صلاحه وتدبيره.

 

آية 19 :- لا تطفئوا الروح.

الله الذي يهبنا روحه القدوس عطية مجانية ليعمل فينا بلا انقطاع يحذرنا على فم رسوله من أن نطفئ الروح، أي نوقف عمل استنارته فينا خلال مقاومتنا له. حقاً إن الروح لن يفارقنا لكنه يحزن علينا وينطفئ عمله فينا خلال عدم تجاوبنا معه. وكيف لا ينطفئ الروح ؟

1.     بالصلاة الدائمة فالروح القدس يعطي للذين يسألونه (لو 11 :13).

2.     بالاستماع لصوت الروح القدس الذي يبكت علي الخطية وعدم مقاومته بالإصرار علي الخطية.

3.     بأعمال التسبيح والشكر فنتشبه بالملائكة.

4.     بأعمال الحب لكل أحد. (أف 5: 18 – 21).

 

آية 20 :- لا تحتقروا النبوات.

النبوات = أي الوعظ. فعلينا أن نسمع الواعظ فهو يتكلم بالروح القدس، فإذا سمعنا باهتمام ونفذنا ما نسمعه لانطفئ الروح. وهذا لا يمنع من وجود أنبياء يتنبأون عن المستقبل مثل أغابوس.

 

آيات 21، 22 :- إمتحنوا كل شيء تمسكوا بالحسن. إمتنعوا عن كل شبه شر.

إمتحنوا كل شئ = يلزم للشعب أن يحمل روح التمييز (1كو 12 : 10) فيقبل كلمة الله الصادقة ويرفض اللبن الغاش، وبهذا الروح يقدر المؤمن أيضاً أن يفرز الفكر الذي يخطر له، فيقبل فكر الله ويرفض الفكر الشرير. وما هو شبه شرير كالأفكار الباطلة التي وإن كانت ليست شراً لكنها مفسدة للوقت ومضيعة للطاقة. وشبه الشر ينطبق علي ما كان معثراً للآخرين كأكل لحم الأوثان (رسالة كورنثوس الأولى + رو 14)

 

آية 23 :- و إله السلام نفسه يقدسكم بالتمام و لتحفظ روحكم و نفسكم و جسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح.

الرسول بعد أن أعطاهم نصائحه ها هو يصلي لأجلهم، ويضيف الصلاة إلي رسالته، نحن محتاجين للصلوات بالإضافة للمشورات والنصائح يقدسكم بالتمام = حتي حين يأتي المسيح يجد أن الكل قد تقدس، أي الجسد والنفس والروح فنتهيأ لنشترك معه في المجد. والتقديس هو من عمل الثالوث القدوس. وإن كان ينسب علي وجه الخصوص للروح القدس، لأنه هو الذي يهب حياة الشركة والاتحاد مع الله في ابنه. فالروح القدس هو روح القداسة وواهبها والابن هو الذي دفع الثمن، والآب هو الذي يريد تقديسنا مرسلاً إبنه الحبيب الذي قدم دمه ثمناً لتقديسنا. والروح بتقديسنا وغفران خطايانا يثبتنا في المسيح منطلقاً بنا إلي الأب القدوس لنستقر في أحضانه المقدسة. لهذا ينسب الكتاب عمل التقديس للأب (يو 17 : 17) كما للابن (1كو 1 : 30) وكذلك للروح القدس (2 تس 2 : 13).

 

آية 24 :- آمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضا.

أمين هو الذي يدعوكم = إذاً الله سيقدسكم لأنه يحبكم وأختاركم ودعاكم، ليس فقط لأجل صلاتي عنكم، والذي بدأ عملاً صالحاً إذ دعاكم سيكمل معكم، لأن هذه هي إرادته وهو صادق.

 

آية 25 :- أيها الأخوة صلوا لأجلنا.

بعد أن صلي عنهم ها هو يطلب صلاتهم عنه، فهو في إحتياج لها.

 

آية 28،27 :- أناشدكم بالرب أن تُقرا هذه الرسالة على جميع الإخوة القديسين. نعمة ربنا يسوع المسيح معكم امين

الكنيسة تنفذ طلب بولس الرسول هذا وتقرأ في كل قداس جزءاً من رسائله. وربما كانوا لتواضعهم، إذ وجدوا مديحاً لهم فى الرسالة سوف يخفونها. فهو يرجوهم أن يقرأوها للكل فيسمعها المتكاسلون فينشطوا

فاصل

فاصل

تفسير تسالونيكي الأولى 4تفسير رسالة تسالونيكي الأولى
القمص أنطونيوس فكري
فهرس
تفسير العهد الجديد

زر الذهاب إلى الأعلى