تفسير رسالة كولوسي ١ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الأول

الآيات 1 – 14

أيات 1، 2 :- بولس رسول يسوع المسيح بمشيئة الله و تيموثاوس الاخ. الى القديسين في كولوسي و الاخوة المؤمنين في المسيح نعمة لكم و سلام من الله ابينا و الرب يسوع المسيح.

 رسول يسوع المسيح = طالما هو رسول من المسيح، إذاً عليهم أن يصدقوا ما يقوله لهم ويتركوا تعاليم الغنوسيين والمتهودين. وهو يكتب لهم أولاً بدافع غيرته ومحبته وثانياً فهم أولاد إبنه إبفراس وثالثاً بكونه رسولاً للأمم، فمع أنه لم يبشرهم شخصياً إلاّ أن الله كلفه بأن يكون هو رسول الأمم. وتيموثاوس = من تواضع بولس أن يضع أسم تلميذه معه على قدم المساواة.

قديسين.. إخوة مؤمنين = هم إذن لم ينحرفوا لا للغنوسيه ولا لليهودية بل هم فى المسيح = هم إتحدوا بالمسيح فى المعمودية وصاروا أعضاء جسده، ولم ينفصلوا عنهم بإتباعهم إيماناً منحرفاً. وإتحادهم بالمسيح يعطيهم حياة القداسة أى الإفراز عن العالم والتكريس لله، هذه سمة الحياة الجديدة بالمعمودية التى وهبها الله لنا.

الإخوة.. الله أبينا = هم إخوة فلهم أب واحد هو الله وبطن واحدة وُلِدوا منها هى المعمودية. ونحن صرنا أبناء الله بالتبنى بإتحادنا بالمسيح إبنه فى المعمودية.

نعمة وسلام = النعمة هى جماع كافة البركات التى يفيض بها الله علينا فى المسيح فلقد صرنا أبناء الله، وحل علينا الروح القدس الذى يغير طبيعتنا ويملأنا سلاماً.

وبولس أختبر هذا التغيير فى حياته، وإختبرسلام الله الذى يفوق كل عقلفى (كو4: 7) ولاحظ أن خطايانا تحول دون تمتُّعنا بهذا السلام. وكلمة نعمة هى التحية اليونانيةخاريسوسلام هى التحية اليهودية، فالمسيح هو للجميع.

من الله أبينا والرب يسوع = تشير إلى:

1.     التساوى بين الآب والإبن، فكلاهما مصدر للنعمة والسلام.

2.     ما حصلنا عليه من نعمة وسلام هو بإرادة الآب وفداء الإبن.

 

أيات 3 – 5:-  نشكر الله و ابا ربنا يسوع المسيح كل حين مصلين لاجلكم. اذ سمعنا ايمانكم بالمسيح يسوع و محبتكم لجميع القديسين. من اجل الرجاء الموضوع لكم في السماوات الذي سمعتم به قبلا في كلمة حق الانجيل.

الله وأبا ربنا يسوع = THE GOD & FATHER OF OUR LORD حرف الواو لا يعنى أننا أمام إلهين هما الله وأبو ربنا يسوع، بل هى تجمع صفتين لله، فهو إله وهو أب يسوع المسيح، والمعنى واضح جداً فى الإنجليزية، وهذا هو نفس ما قاله السيد المسيحأبى وأبيكم، إلهى وإلهكم” (يو17:20). والله هو إله يسوع المسيح لأن الأقنوم الثانى تجسد، فالله هو إلهه بإعتبار الناسوت وهو أبوه بإعتبار اللاهوت، فبنوة المسيح للآب هى أزلية وبحسب الطبيعة.

نشكر = هو يشكر على إيمان أهل كولوسى الذين لم يرهم، يفرح بالإيمان وسط ضيقاته هو. هذا هو الخادم المثالى يفرح لإيمان أولاده منشغلاً عن همومه هو.

إذ سمعنا = فهو لم يذهب لهم من قبل. إيمانكم ومحبتكم = فالإيمان الصحيح هو الإيمان العامل بالمحبة، وهذا يظهر فى خدمة القديسين. والإيمان بدون محبة هو إيمان الشياطين (يع19:2). والمحبة بدون إيمان هى محبة من يحبوننا فقط أى هى مجرد عواطف بشرية. من أجل الرجاء = هذا الإيمان، وهذه المحبة التى تدفعهم لخدمة القديسين هما بسبب الرجاء فى السموات ودعوتهم إلى المجد.

هنا نرى ثلاثية بولس الرسول المشهورةالإيمان والرجاء والمحبةولاحظ أن الرجاء يجعلنا نتمسك بالإيمان بالرغم من الإضطهاد والألم.

فى كلمة حق الإنجيل = هذا الرجاء الذى لنا فى السموات سمعناه فى الإنجيلفالإنجيل لا يبشرنا فقط بغفران خطايانا بل بالمجد المعد لنا فى السماء. وهذا الرجاء بالمجد فى السماء يكون إذا أطعنا وصايا الإنجيل. وهذا الحق الإنجيلى هو ما علمه لهم أبفراس وليس البدائل الهزيلة الملتوية للهراطقة الغنوسيين أو المتهودين، الذى سمعتم به قبلاً = أى الذى سمعوه من أبفراس.

 

أيات 6-8:- الذي قد حضر اليكم كما في كل العالم ايضا و هو مثمر كما فيكم ايضا منذ يوم سمعتم و عرفتم نعمة الله بالحقيقة. كما تعلمتم ايضا من ابفراس العبد الحبيب معنا الذي هو خادم امين للمسيح لاجلكم. الذي اخبرنا ايضا بمحبتكم في الروح.

الذى قد حضر إليكم = أى الإنجيل. كما فى كل العالم أيضاً = الإنجيل الذى بلغ إليهم لم يكن محصوراً وسط شعب معين كما كان الحال مع الناموس، ولا أن الخلاص هو للبعض كما يقول الغنوسيون، بل هو لكل العالم، وأثمر فى كل العالم = وهو مثمر كما فيكم = الإنجيل صارت له ثمار فى كل العالم كما كانت له ثمار فيكم.

سمعتم وعرفتم نعمة الله = هذه أول ثمار الإنجيل، أنهم سمعوا وعرفوا أى إختبروا وتذوَّقوا نعمة الله التى غيَّرت حياتهم، فهناك من يسمع لكنه لا يختبر ذلك فى حياته. وثانى الثمار هى محبتكم فى الروح = فأول ثمار الروح، المحبة (غل22:5). فالروح يعطى ثماره لمن يريد ومن يقبل ويجاهد ثماره، وأول هذه الثمار المحبة لله ولكل إنسان بل حتى للأعداء. والمحبة فى الروح ليست هى العواطف الإنسانية العادية، فهذه عادة تكون لمن يحبوننا فقط. ولاحظ أن المحبة فى الروح تعطينا أن نحب الله حتى وسط ضيقاتنا بل نشكره عليها، وأن نحب أعداءنا.

عرفتم نعمة الله بالحقيقة = كما هى بالحق. من أبفراس = هنا نرى أن أبفراس أسس كنيسة كولوسى. والروح القدس يسجل إسمه هنا فى الكتاب المقدس، فالله لا ينسى تعب أحد. العبد الحبيب = قارن مع (فى1:1). فالعبودية للمسيح صارت حرية ولذة.

 

أيات 9 – 11:- من اجل ذلك نحن ايضا منذ يوم سمعنا لم نزل مصلين و طالبين لاجلكم ان تمتلئوا من معرفة مشيئته في كل حكمة و فهم روحي. لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مثمرين في كل عمل صالح و نامين في معرفة الله. متقوين بكل قوة بحسب قدرة مجده لكل صبر و طول اناة بفرح.

هنا نرى صلاة الرسول عنهم حتى لا يتشوَّشوا بفلسفات الغنوسيين الكاذبة. فهم بدأوا يتشككون بسبب تعاليم الغنوسيين والمتهودين. من أجل ذلك = من أجل إيمانهم ورجائهم ومحبتهم فالله لن يتركهم نهباً للتعاليم الخاطئة، لكن بولس يصلى لأجلهم لينقذهم الله من الهراطقة. فخادم بلا صلاة، يخطىء (1صم 23:12) ويصبح مرائياً.

تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى. لتسلكوا = هذا ما يصلى بولس لأجله وهو يصلى ليعطيهم الروح القدس قوة إدراك جديدة بها يعرفون مشيئة الله، بل يمتلئون من هذه المعرفة، والإمتلاء يعنى أنه لا يصير هناك معرفة أخرى داخلهم مصدرها العالم مثلاً، أو خبرات سيئة من الآخرين. والمعرفة التى يطلبها لهم الرسول، يطلبها بأن تكون فى كل حكمة، أى يمتلئوا من الحكمة التى ليست بشرية فهذه لا تعطِى سوى العَمَى والجهل بأمور الله. بل الحكمة التى مصدرها الروح القدس، ويعطى معها فهماً روحياً = فالحكمة هى معرفة عقلية للمبادىء الأولية للحياة المسيحية، ونجد لذلك البسطاء كالأطفال يفهمون أسرار العقيدة بسهولة. أما الفهم فهو الإستخدام العملى للحكمة أى إدراك هذه المبادىء الأولية وتحويلها إلى سلوك عملى. ولاحظ أن عمل الروح القدس أنه يعلمنا كل شىء (يو26:14). ويعطى قوة تعيننا على السلوك المسيحى، الذى ينير هو الطريق إليه، فهو يعطى الإقتناع ويعطى المعونة للسلوك كما يحق للرب فى كل  رضى = ومن هذا نفهم أن هدف المعرفة ليس للمعرفة فقط كما يقول الغنوسيون، بل الهدف هو السلوك كما يرضى الله. فالرسول يقرن المعرفة بالسلوك. ونفهم أيضاً أن المعرفة هى للجميع لأن مصدرها الروح القدس، فهى ليست حكراً للأذكياء أو الفلاسفة كما يقول الغنوسيون. لتسلكوا كما يحق للرب = السلوك الذى يليق بنا كخاصة للرب، ويمكن أن نرضيه به ونأتى بثمار قصد أن يظهرها بنا لأجل مجد أسمهلكى يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجَّدوا أباكم” (مت16:5) + “أنا إخترتكم.. لتذهبوا وتأتوا بثمر” (يو16:15). وسلوكنا هذا يجب أن يتفق مع حياتنا الجديدة ودعوتنا السماوية وبنوتنا لله. ومن يمتلىء من معرفة مشيئته يستطيع أن يميَّز الأشياء التى ترضيه والتى لا ترضيه (أف10:5) فما يرضى الله فى أعمالنا يصاحبه سلام يملأ القلب والعكس.

نامين فى معرفة الله = الله أعلن نفسه لنا فى شخص يسوع المسيح. فكلما عرفنا المسيح عرفنا الله أيضاً. وعمل الروح القدس فينا هو أن يشهد للمسيح ويعرَّفنا به (يو16 : 14-16). وهذه المعرفة يعلَّمها لنا يومياً الروح القدس، فهى معرفة نامية، تنمو كل يوم لمن يثابر على الصلاة وعلى دراسة كلمة الله، أى عِشرة يومية مع الله فى هدوء لنسمع صوت الروح القدس الذى يحكى لنا عن المسيح فنعرفه. ويساعد على النمو ممارسة وسائط النعمة (ممارسة الأسرار) ونلاحظ أن قولهنامين فى معرفة اللهأتى بعد قولهمعرفة مشيئته وفهمهاأى إدراكها وتنفيذها. فمن يعرف وصايا الله وينفذها تزداد معرفته بالله من خلال التنفيذ العملى لوصاياه، وبهذا ننمو يومياً من خلال الإنجيل المعاش. فمن يفعل هذا يبنى بيته على الصخر (مت7: 24-27). هذه المعرفة تحمينا من أفكار الهراطقة وتشكيك إبليس لنا فى الله وفى محبته. ونلاحظ أنه كلما عرفنا المسيح نعرف الآب أيضاً، وزيادة المعرفة هى نمو روحى، ومعرفة الله ومعرفة المسيح هى حياة (يو3:17) أى نظل نعرف كل يوم شيئاً جديداً عن الله، هنا وفى الأبدية، وما نعرفه يزيد فرحنا، فمعرفة الله فرح أبدى لا ينتهى. وهذا فى مقابل المعرفة الكاذبة التى للغنوسيين والتى يتوصلون لها بالإدراك العقلى. لذلك يحدثنا هنا عن الحكمة والنمو بواسطة الروح القدس ومعرفة المسيح ومشيئة الله.

متقوين بكل قوة = من يعرف مشيئته ويسلك بها وينمو فى معرفة الله تأتيه القوة، والحماية من الله حتى لا يضيع منا المجد الذى قد أعده الله لنا فبدونه لا نستطيع أى شىء. وهذا أيضاً عمل الروح، فهو يعين ضعفاتنا (رو 26:8).

بحسب قدرة مجده = فقوة الله التى يهبها لنا لا حدود لها، فحدودها هى قدرة مجده وهذه لا نهائية. ولكن لا قوة من فوق بدون جهاد.   

لكل صبر = ليس معنى أن الله يقوينا ويحمينا أنه لا توجد شدائد، بل أن الله يعطى لمن لا يصبر أن يحتمل بفرح = فالتلاميذ حين ضربوهم فرحوا (أع 41:5). بل أن الضيقات هى فرصة ليعلن الله نفسه لنا فننمو، فالآلام فرصة لإختبار الله والنمو. وكلمة صبر فى اليونانية تعنى القدرة على مواجهة كل مواقف الحياة بروح منتصرة لا تستسلم للهزيمة. وهنا الصبر والفرح عطية من الله، لمن لا يتذمر عند التجربة ويشكر الله عليها، هنا يجد الصبر والفرح داخله.

 

أيات 12 – 14 :- شاكرين الاب الذي اهلنا لشركة ميراث القديسين في النور. الذي انقذنا من سلطان الظلمة و نقلنا الى ملكوت ابن محبته. الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا.

شاكرين الآب = فهو خلقنا ولما سقطنا أرسل إبنه لفدائنا، وأهلنا للميراث الأبدى بأن صرنا خليقة جديدة. وليس كما يقول الغنوسيون أن إله العهد القديم إله شر، وإله العهد الجديد إله خير. ميراث = الروح يشهد لأرواحنا أننا ورثة (رو 8 : 17،16). وإن كنا نتألم معه فلكى نتمجَّد أيضاً معه. وهذا الميراث أسماه الرسول ميراث القديسين فى النور = لأن الله نفسه هو نور. أما الخطاة فنصيبهم الظلمة الخارجية لأنهم إختاروا الظلمة فى حياتهم على الأرض (يو19:3) + (مت13:22). الآب الذى أهَّلنا = بعمل فداء إبنه. أنقذنا من سلطان الظلمة = فقد كنا مستعَبدين لإبليس الذى هو سلطان الظلمة، والمسيح حررنا منه ولم يعد له سلطان علينا.

نقلنا إلى الملكوت = قوله ملكوت يعنى أننا صرنا رعايا خاضعين للمسيح الملك. وكلمة نقلنا فى اليونانية تشير لملك منتصر ينقل شعب المملكة التى هزمها إلى أى مكان يريده، وصورة الإنتقال إلى مملكة أخرى هذه قد حدثت مع بابل وآشور، فحينما إنتصروا فى حروبهم ضد يهوذا وإسرائيل نقلوا السكان إلى أماكن جديدة حددوها لهم. والمسيح هزم إبليس بالصليب وإقتحم مملكة الجحيم وأخذ الأسرى للفردوس، وبعد القيامة سيأخذنا للملكوت السماوى= ملكوت إبن محبته هذا الملكوت وهذا المجد حصل عليه المسيح نفسه بجسده بعد الفداء، ونحن بإتحادنا به سيكون لنا ميراثه. فهذا الإنتقال تم بفداء المسيح = الفداء بدمه فالمسيح بفدائه حررنا من عبودية إبليس ومملكة الظلمة. 

إبن محبته = المسيح هو إبن الله بالطبيعة، والله محبة، طبيعة الله المحبة، هو يفيض محبة.والمسيح هو المحبوب (أف 6:1).

هو يتلقى كل هذه المحبة، وهنا أسماه إبن محبته. ونحن فى المسيح صرنا أولاداً لله وأحباءً لله بإتحادنا بالمسيح. المسيح هو إبن محبته وليس أيوناً من الأيونات كما يقول الغنوسيون. والملكوت منسوب للإبن هنا وفى (2تى1:4،18) كما أن الملكوت منسوب للآب أيضاً فى (1تس 12:2). فالآب والإبن واحد.

الآيات 15 – 19

أيات 15 – 17 :- الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة. فانه فيه خلق الكل ما في السماوات و ما على الارض ما يرى و ما لا يرى سواء كان عروشا ام سيادات ام رياسات ام سلاطين الكل به و له قد خلق. الذي هو قبل كل شيء و فيه يقوم الكل.

رسالة كولوسى تتحدث عن المسيح رأس الكنيسة وأمجاده. وهنا نرى وصفاً لمجد المسيح بإعتباره الخالق. بولس يشرح من هو المسيح رداً على الغنوسيين.

صورة الله غير المنظورة = قارن مع قوله أنه إبن محبته آية 13. فالإبن له نفس طبيعة أبيه، فإبن الإنسان يكون إنساناً وهكذا. إذاً المسيح له نفس طبيعة وجوهر الآب. الآب غير منظور، والإبن الذى هو صورة الآب صار منظوراً لنراه ولنعرف الآب فهو رسم جوهره وبهاء مجده (عب3:1). ولا يوجد بهاء بدون مجد ولا مجد بدون بهاء، ولا يوجد شعاع بدون نور ولا نور بدون شعاع. والمسيح قال: “من رآنى فقد رآى الآب” (يو 9:14). وقال: “أنا أظهرت إسمك للناس” (يو 6:17). لذلك قال يوحناالإبن خبرّ” (يو 18:1). وكلمة صورة فى اليونانية تعنى صورة طبق الأصل، وليس أحد الإنبثاقات كما يقول الغنوسيون. هى صورة تحمل نفس الطبيعة مثلما نقول فلان له صورة إنسان، إذاً هو إنسان. هذا التعبير يشير لعلاقة الآب والإبن السرمدية.

فى محبة المسيح وصليبه أدركنا محبة الآب، وفى تفتيح عينىّ الأعمى وفتح أذنىّ الأصم وقيامة لعازر وغيره من الموتى أدركنا أن الآب يريد لنا حياة أبدية وشفاءً روحياً فنرى ونسمع صوت الله. ماكان يمكننا أن نرى الآب فى مجده، فلا أحد يرى الله ويعيش (خر20:33). وذلك بسبب ضعف طبيعتنا بسبب الخطية، ولذلك تجسد المسيح ليستطيع أن يكلمنا فندرك محبته. راجع (تث 18 : 5-18) فكان هذا وعد الله. فالمسيح الإبن له نفس جوهر وطبيعة الله فهو صورته، ولكن قد أخفى مجد لاهوته فى ناسوته لنراه ولا نموت.

بكر كل خليقةكلمة بكر فى اليونانية تشير لمعنى المولود الأول، فالمسيح أو الإبن هو مولود من الآب وليس مخلوق، التعبير لا يعنى أول خلق الله. وكلمة بكر تعنى رأس أو بداءة أو مُبدىء كل خليقة الله، والخليقة مخلوقة وليست مولودة. ونفهم قوله بكر كل خليقة أنه المتقدم الذى يفوق الخليقة كلها، وهو قبل كل الخليقة وقبل الزمن. ونسمع بعد ذلك أنه هو الخالق، فكيف يكون خالقاً ومخلوقاً فى الوقت نفسه = الكل به. وإذا كان هو خالق الكل. فهل خلق نفسه؟

فإنه فيه خُلق الكل = الفاء هنا تعنى أنه هو بكر كل خليقة لأنه فيه خلق الكل أى لأنه هو الخالق. هذه العبارة تساوىبه كان كل شىء” (يو3:1) وقوله فيه يعنى بواسطتهBY HIM، وعن طريقه، فهو البداية ومنه فاضت الحياة فهو له قدرته وسلطانه على جميع الأشياء. وهكذا قال الرسول: “الله خالق الجميع بيسوع المسيح” (أف 9:3) +(عب 2:1).

وله قد خلق = هو سيد ومالك الكل وتعنى أيضاً لأجل مجده، فكل خليقة المسيح تعلن قدراته الفائقة ومحبته للكل، فالخليقة تمجد المسيح. وطالما هو خلق كل شىء، وكل شىء كان لمجده. فهو له سلطان على كل الخليقة.

العروش = من أعلى رتب الملائكة. وقارن الإسم مع (مز 10:18) ركب على كاروب وطار. ومنها نرتل يوم أحد الشعانينالجالس فوق الشاروبيم“.

سيادات / رياسات/ سلاطين = درجات مختلفة من الملائكة. وهنا فالرسول يرد على الغنوسيين الذين إدعوا أن هذه الرتب من الملائكة أعلى من المسيح ويظهر أن المسيح هو خالق الجميع.

قبل كل شىء = تشير لأزلية المسيح، فوجوده يسبق الوجود، وهو فوق كل الملائكة بمراتبهم، بل هو الذى خلقهم.. فما معنى عبادة الملائكة أذن ؟

وفيه يقوم الكل = هو الأساس والدعامة والحافظ لكل الوجود. هذه العبارة تساوى قوله حامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب3:1). فهو وراء التكامل فى هذا العالم، ووراء النظام الذى يحكم العالم، ووراء كل القوانين التى تحكم العالم كالجاذبية مثلاً. وطبعاً فى هذا رد على من يقول أن العالم خُلِقَ بواسطة أيونات أقل من الله فى جوهرها (أيونات ناقصة) وهذا مبرر للشرور التى فى العالم.

 

أيات 18، 19 :- و هو راس الجسد الكنيسة الذي هو البداءة بكر من الاموات لكي يكون هو متقدما في كل شيء. لانه فيه سر ان يحل كل الملء.

رأس الجسد = أشار الرسول فيما سبق لأمجاد المسيح فى الخليقة الأولى 

وهنا يشير لأمجاده فى الخليقة الثانية وهذه أعظم فهى كلَّفته تجسده وموته وقيامته، وهو بعد قيامته صار رأساً للجسد الذى هو الكنيسة. وصرنا نحن ننتمى لهذا الجسد بالمعمودية. وكما أن العالم بدايته وإستمراره وإعتماده ووجوده ونظامه فى المسيح، هكذا الكنيسة بدايتها وإستمرارها وحياتها هى فيه، وقوة قيامته هى حياة الكنيسة. 

البكر من الأموات = هناك أموات قاموا قبل المسيح لكنهم ماتوا ثانية، وهم قاموا بجسد مثل جسدنا هذا ولم يدخلوا المجد. أما المسيح فهو قام بجسد مُمَجَّد لا يمكن أن يموت ثانية ودخل المجد بجسده هذا، وهو علة قيامة الجميع.

لكى يكون هو متقدماً فى كل شىء = يكون له المقام الأول ويتقدمنا بجسده الممّجد إلى المجد، لأنه فيه سُرَّ = كانت هذه محل سرور الآب أن يحل فى المسيح كل الملء وهذا لحساب الكنيسة، فكل حكمة وكل قوة، وكل ما نحصل عليه هو من إمتلائه هو.

يحل كل الملء = هذه تشير لإتحاد اللاهوت بالناسوت (أنظر تفسير الآيات 2 : 9، 10) بدون أختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير. فهو الله الذى ظهر فى الجسد (1تى 16:3) + (يو1:1–3). وهذا لا يعنى أن جسد المسيح كان يُحَّد عمل اللاهوت فى قوته المطلقة فى العمل لتجديد الإنسان والكون. وكلمة يحل تعنى حلولاً دائماً لكل الصفات الإلهية فى جسد المسيح. إذاً هو ليس أحد الإنبثاقات كما قال الغنوسيون، بل هو الله نفسه. صار المسيح ملء النعمة بجسده ومنه نغترف ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة (يو16:1).

الآيات 20 – 29

آية 20:- و ان يصالح به الكل لنفسه عاملا الصلح بدم صليبه بواسطته سواء كان ما على الارض ام ما في السماوات.

يصالح به الكل = طبعاً الصلح لمن يقبل المصالحة ويؤمن بالمسيح ويقدم توبة عن أعماله الشريرة. بدم صليبه = إذاً هو له جسد حقيقى وليس خيالياً كما قال الغنوسيون. سواء ما كان على الأرض أم ما فى السموات = الصلح كان صلحاً بين الله والإنسان وبين الإنسان والإنسان وبين الأرضيين والسمائيين، فلقد صاروا كنيسة واحدة، والمسيح صار رأساً لكليهما (أف10:1) وصارت السماء تفرح بتوبة الخطاة. لقد صار كل شىء جديداً فى المسيح يسوع. والرسول بدأ بالأرض لأن العداوة بدأت فى الأرض بسقوط آدم وبنيه.

 

أية 21 :- و انتم الذين كنتم قبلا اجنبيين و اعداء في الفكر في الاعمال الشريرة قد صالحكم الان.

يمكنكم أيها الكولوسيون أن تلمسوا هذه المصالحة، فبعد ما كنتم أجنبيين عن الله وغرباء صرتم الآن مصالَحين. أجنبيين = الخطية تسببت فى إنفصال الإنسان عن الله منذ إختبأ آدم من الله. والكولوسيون صاروا أجنبيين أى إنفصلوا عن الله بسبب أفكارهم وأعمالهم الشريرة السابقة. وكانت إراداتهم وشهواتهم الرديئة عداوة لله. قد صالحكم = فنحن البشر كان من المستحيل أن نتصالح مع الله لذلك تنازل هو وصالحنا.

 

آية 22:-  في جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسين و بلا لوم و لا شكوى امامه.

المسيح مزمع أن يحضرنا (أمام الآب أف 18:2) كاملين فى حالة كمال.. كيف ؟ يقول الرسول : فى جسم بشريته = الذى سُمَّر على الصليب، هذا الجسم هو مركز المصالحة. نستتر فيه فيكفر (يغطى) خطايانا. ونصير بلا لوم = المسيح وحده هو الذى بلا لوم. ولكن إتحادنا به يجعلنا بلا لوم لذلك يقول السيد المسيحإثبتوا فىّ وأنا فيكموهذا يكون بالمعمودية أولاً وبالتوبة كحياة نحياها، مع التناول المستمر من جسد الرب ودمه. وبهذا يحمل المسيح خطايانا ويعطينا بره. لا يعود يرانا الآب فى خطايانا بل يرانا فى المسيح = فى جسم بشريته.. بلا لوم. ولا شكوى = من الذى يشتكى علينا؟ الشيطان. ولكن من ثبت فى المسيح فدم المسيح يطهره. وقوله جسم بشريته إثبات لأن جسده كان حقيقياً وليس خيالاً.

 

آيه 23:- ان ثبتم على الايمان متاسسين و راسخين و غير منتقلين عن رجاء الانجيل الذي سمعتموه المكروز به في كل الخليقة التي تحت السماء الذي صرت انا بولس خادما له.

هنا يضيف الرسول شرطاً جديداً لنكون بلا لوم وبلا شكوى، ألا وهو الثبات على الإيمان الصحيح = إن ثبتم على الإيمان = فالرسول يحث أهل كولوسى على التمسك بالإيمان فى مواجهة حروب التشكيك من الهراطقة حتى لا يضيع منهم هذا التصالح وبالتالى الميراث، فمن يثبت فى الإيمان يستفيد من دم المسيح. غير منتقلين عن رجاء الإنجيل = رجاء الإنجيل هو المسيح الذى سيُحضرنا كاملين لميراث أبدى فى ملكوته، والمسيح هو أساس كل بركاتنا. والإنجيل هو الذى بشر به أبفراس وليس غيره من أقوال الهراطقة آية 7 وآية 5. فكلمة حق الإنجيل هى ما علم به أبفراس. المكروز به فى كل الخليقة يقولها بالوحى أن الإنجيل سيصل لكل العالم. الذى صرت أنا بولس خادماً لهُ =أى الإنجيل، فبولس صار خادماً للإنجيل يكرز به فى كل مكان للأمم. 

 

أيات 24 – 27:- الذي الان افرح في الامي لاجلكم و اكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لاجل جسده الذي هو الكنيسة. التي صرت انا خادما لها حسب تدبير الله المعطى لي لاجلكم لتتميم كلمة الله. السر المكتوم منذ الدهور و منذ الاجيال لكنه الان قد اظهر لقديسيه. الذين اراد الله ان يعرفهم ما هو غنى مجد هذا السر في الامم الذي هو المسيح فيكم رجاء المجد.

عانى الرسول من إضطهاد الكل لهُ،يهوداً وأمم. ومع كل آلامه كان فى فرح، فلا يستطيع أحد أن ينزع فرحنا منا (يو22:16) = الذى الآن أفرح فى آلامى = يقول أفرح فى آلامى ولم يقل بسبب آلامى، فالآلام ليست سبب الفرح، بل الفرح يكون بسبب التعزية التى يعطيها الله له وسط آلامه.ولاحظ أن الرسول يكتب هذه الرسالة وهو مسجون ومربوط بسلاسل.

لأجلكم = هذا السجن كان بسبب كرازته للأمم (أف1:3). والمسيح أخبرنا أننا سنواجه إضطهاداً من العالم. فالبغضة ضد المسيح ينبوع عميق لم يفرغ فى السيد فقط بل ظل ممتلئاً لأجل تلاميذه وكل المؤمنين به. والآلام التى تقع على الكنيسة تقع على جسد المسيحشاول شاول لماذا تضطهدنى” (أع 4:9) = أكمل نقائص شدائد المسيح = آلام المسيح كاملة وقد حققت الخلاص، لكن على شعبه أن يشترك معه فى صليبه لا لتحقيق الخلاص لكن للكرازة والشهادة لهُ. المسيح كان كمن أودع رصيداً ضخماً فى بنك وأعطانا شيكات على بياض ما لم نكتبها لن نحصل على شىء، ولكن الرصيد رصيده هو وليس رصيدى أنا.

فالمسيح حقق الكفارة بدمه الثمين وعلينا بالإيمان والجهاد ودموع التوبة وإحتمال الألم وإعلان قبول الصليب، ومشاركة المسيح آلامه أن نكتب الشيكات التى تعطينا رصيداً ندخل به للسماء. بل فى قبولنا للآلم يكون هذا شهادة للآخرين فيقبلونه. فلإنتشار الإنجيل كان لابد أن يتألم المسيح وتتألم الكنيسة. وآلام أى عضو هى آلام تقع على الجسد، جسد المسيح، آلام أى عضو فى أى جسد هى آلام لكل الجسد وبالذات الرأس الذى يزود الكل بالأحاسيس. وجسد المسيح لم يكتمل بعد فأولادى وأولاد أولادى وأولادهم سيكملون هذا الجسد، ولذلك ولأن هناك أجيال آتيه، فإن الآلام المفروض أن تقع على جسد المسيح لم تكمل بعد، وحينما يكتمل جسد المسيح مع آخر مولود يؤمن بالمسيح، تكمل آلام وشدائد المسيح. وبولس بما أنه عضو فى جسد المسيح فالآلام التى تقع عليه تكمل جزءً من آلام جسد المسيح. وبنفس المفهوم فمن يطعم فقيراً يطعم المسيح (مت 25: 34-40). وقارن آية 23، 24 فنفهم أن بولس يحتمل هذه الآلام بفرح لأجل رجاء الإنجيل. التى صرت أنا بولس خادماً لها = الكنيسة حسب تدبير الله المعطَى لى = هى وكالة أعطاها الله، أو ثروة أعطاها الله بغرض توزيعها على الآخرين، والمقصود أن الله إختار بولس كرسول للأمم.

لأجلكم= لأجل الأمم (أع21:22). وذهب بولس للأمم لتتميم كلمة الله السر المكتوم = (أف2:3). السر الذى كان مخفياً ولكنه صار ظاهراً الآن هو إنضمام الأمم لليهود ليكونوا كنيسة واحدة لها مجد وميراث. أعدها المسيح للكل، لكل من يؤمن به. أظهر لقديسيه = كما رأى بطرس رؤيا الملاءة.

السر هو المسيح فيكم رجاء المجد = فكل المؤمنين بالمسيح، الذين صار المسيح فيهم أى ثابتاً فيهم، وهم ثابتون فيه، صاروا يترجون هذا المجد الذى فيه المسيح الآن، إذ هم ثابتين فيه، ففى المسيح مذخر لنا كل مجد وميراث، بل كل بركة فى هذا العالم وفى الدهر الآتى.

 

أيات 28،29:- الذي ننادي به منذرين كل انسان و معلمين كل انسان بكل حكمة لكي نحضر كل انسان كاملا في المسيح يسوع. الامر الذي لاجله اتعب ايضا مجاهدا بحسب عمله الذي يعمل في بقوة.

بولس هنا ينذر ويعلم أن لا ينقاد الكولوسيون للتعاليم الغريبة التى تفصلهم عن رأسهم فى المجد. ولكى يحضرهم كاملين فى ذلك اليوم. ولنلاحظ أن للإنذار وقتاً وللتعليم وقتاً. منذرين = بالدينونة الأخيرة لرافضى الإيمان ونلاحظ أن بولس عليه أن يحضرهم والمسيح هو الذى يكمل الجميع فيه.

كل إنسان كاملاً = تكررت عبارة كل إنسان فى آية 28 (3 مرات) وتكررت كلمة كل فى الرسالة 35 مرة. وقصد الرسول إظهار أنه ليس هناك تمييز كما يقول الغنوسيون: فالحكمة والمعرفة والكمال هى للجميع. وأن الكمال يكون بالإتحاد والثبات فى المسيح = كل إنسان كاملاً فى المسيح يسوع = وليس عن طريق زيادة المعرفة كما يقول الغنوسيون. ونفهم من الآية أنه ليس هناك توقف فى الحياة مع المسيح بل نمو دائم نحو الكمال.

مجاهداً = فى سهره ورعايته وكرازته وصلواته وإحتماله للآلام 

مقدمة كولوسي – 1  تفسير رسالة كولوسي تفسير العهد الجديد تفسير كولوسي 2
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير كولوسي – 1 تفاسير رسالة كولوسي تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى