تفسير إنجيل لوقا أصحاح 17 – أ. بولين تودري
24- تعاليم خاصة (17: 1-10)
بعد أن رأي الرب قسوة الفريسيين، ختم كلامه قائلًا أن الذين قسوا قلوبهم تجاه الغريب والمحتاج، ولم تؤثر فيهم كلمة الله، لن يتغيروا حتى ولو قام لهم واحد من الأموات.
وحينئذ وجه كلامه لتلاميذه، وطلب منهم:
أن يثبتوا، فالعثرات لا بُد ستأتي من الذين يشككون البسطاء في الإيمان. ولكن ويل لهؤلاء الذين يعثرون غيرهم لأنهم لو قورنوا بمن يُلقي نفسه في البحر، سيكون عقابهم أشد. فتنبهوا أنتم لأنفسكم لكي لا تكونوا عثرة لغيركم.
اصفحوا عن إخوتكم، مهما تكررت أخطاؤهم نحوكم، طالما شعروا بشرهم، وتذكروا أن الله يغفر لنا الكثير في كل يوم.
وهنا شعر التلاميذ أن الرب يطلب منهم أمورًا يصعب تنفيذها، ولكنها جميلة ومريحة للنفس وتمنحها سلامًا، فطلبوا منه أن يزيد إيمانهم، حتى يقدروا أن يعيشوا هذا الثبات وهذه المغفرة. فقال يسوع: أنكم تملكون إيمانًا يبدو صغيرًا مثل حبة الخردل، وهي أصغر جميع الحبوب، ولكن إذا حاولتم أن تعيشوا بقوة هذا الإيمان فإن فعله سيكون عظيمًا جدًا، حتى يستطيع أن يقلع أكبر الأشجار من مكانها.
ولا تنسوا الاتضاع، فإن ثبتم وغفرتم وفعلتم كل شيء صالح، أشعروا أنكم تفعلون ما هو واجب عليكم، وأنكم لم تقدموا بعد ما يوفي محبة الله لكم.
25- أذكروا الرب في وقت الفرج (17: 11-18)
إننا كثيرًا ما نفرح بنعم كثيرة في حياتنا، ولكننا ننسي المنعم بها علينا. نطلب وبلجاجة ودموع حتى يستجيب لنا الرب ويعطينا ما نحتاج إليه، ثم ننسي أن نرفع أيدينا بالحمد له علي أعماله معنا. إن هؤلاء العشرة البرص فرحوا ببركة الشفاء التي نالوها بإيمانهم، ونسوا واهبها لهم.
أعطني يا رب قلبًا مهتمًا بك، فلا تشغله عطاياك عن محبتك، وذكر اسمك. فأنال بركتين، بركة العطية، وبركة استمرارها معي. فليست عطية بلا زيادة إلا التي بلا شكر.
26- رؤية المسيح تكون في القلب (17: 20، 21)
لقد كان بعض الفريسيين المتدينين يتوقعون مجيء المسيح مصحوبًا بقوة إلهية معينة أو ظاهرة عجيبة، لذلك قال لهم الرب أن ملكوت المسيح يأتي من داخلكم، أي من نسل داود، وقد أتي بهدوء مولودًا في مزود، وسار بينكم يقدم تعاليمه، ويعلن مبادئه، وأنتم لا تدركونه. وعلامة هذا الملكوت ليست ظاهرة خارجية، بل تغيير في داخلكم، في قلوبكم، حيث تتحرك للتوبة، والامتلاء من الروح القدس.
27- علامات المجيء الثاني (17: 22-27)
ثم التفت يسوع لتلاميذه وبدأ يحدثهم عن علامات مجيئه الثاني، ففيها سيتذكر الناس هذه الأيام التي يعيش فيها المسيح بينهم بالجسد ليعزيهم ويثبتهم، ولكنهم لا يرونها إذ يكون قد صعد عنهم، وعليهم أن يجتازوا هذه الأيام بالإيمان القوي، وليس بالعيان.
وهذا المجيء الثاني سيكون مرئيًا من الكل، مثل البرق الذي سيظهر في السماء ويراه الكل ، ولكن لا بد أن يتألم المسيح في الجسد أولًا، ويصلب، ويموت، ويقوم، ويصعد ليُعد لنا مكانًا، ثم يأتي في المجيء الثاني ليأخذنا معه.
وعند مجيئه الثاني سيكون أناس كثيرون مشغولون بأحوالهم الزمنية من أكل وشرب وزواج وبيع وزرع وبناء، مثلما كان أيام نوح (تك 6: 1-8)، وأيام لوط (تك 19: 12، 13). مساكين هؤلاء الناس لأنهم غير مستعدين للقاء الرب في الهواء.
وساعتها لن توجد فرصة للتوبة، فقد انقضى زمن الرحمة وطول أناة الرب، وأقبل زمن العدل الذي فيه يدان كل واحد بحسب أعماله، وسيكون الفرق واضحًا بين الإبرار والأشرار، إذ يؤخذ الواحد ويترك الآخر.
وبالرغم من كل هذا الشرح، ظن التلاميذ أن الرب يتكلم عن حادثة تتم في وقت معين، فقالوا له أين تتم؟ فأجابهم الرب قائلًا: متى يكافأ الأبرار علي أمانتهم، حينئذ يأتي الملائكة لتضمهم لصفوف القديسين. ومتى يدان الأشرار علي أثمهم، حينئذ يأتي الشيطان ليضمهم لمملكته.