تفسير سفر الخروج ٣٤ للقس أنطونيوس فكري


الإصحاح الرابع والثلاثون

الآيات (1-4): “ثم قال الرب لموسى انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين فاكتب أنا على اللوحين الكلمات التي كانت على اللوحين الأولين اللذين كسرتهما. وكن مستعداً للصباح واصعد في الصباح إلى جبل سيناء وقف عندي هناك على رأس الجبل. ولا يصعد أحد معك وأيضاً لا ير أحد في كل الجبل الغنم أيضاً والبقر لا ترع إلى جهة ذلك الجبل. فنحت لوحين من حجر كالأولين وبكر موسى في الصباح وصعد إلى جبل سيناء كما أمره الرب واخذ في يده لوحي الحجر.”

الخطية دائماً تسبب خسائر لبعض النعم والإمتيازات ففي المرة الأولى وجدنا أن الله قدم اللوحين منحوتين والوصايا منقوشة عليهما. ولكن في هذه المرة طلب الله من موسى أن ينحت هو اللوحين ويكتب الله عليهما. الشعب كسر المعاهدة مع الله والله قبل أن يتصالح مع الشعب ولكن هناك خسائر. وفي تصالح الله مع شعبه نفهم أن عدم أمانة البشر لا يبطل أمانة اللهوأن قصد الله ومحبته للبشر والمجد المعد لهم سيحققه الله وأن الخطية ونتائجها من موت وخلافه هو شئ عارض فقط.

وهذه القصة تشير أن الله كتب وصاياه على قلوب آدم وحواء وهما في حالة البراءة الأولى. وكانت قلوبهم هي الحجر الذي من صنعه والذي كتب هو عليه وصاياه وكانت قلوبهم وقتئذ قلوب لحم (حز19:11). وكسر اللوحين الأولين حين كسَّرها موسى كان يشير لفساد الإنسان الأول بسبب خطيته ولذلك بدأ الله يكتب كلماته ووصاياه بإصبعه (الروح القدس) على ألواح حجرية أي الكتاب المقدس الذي كتب بواسطة الأنبياء والرسل الذين أوحى لهم الروح القدس بما يكتبونه. فالكتاب كله موحى به من الروح القدس. وكان هذا حتى يأتي المسيح والذي يمثله كما رأينا الحجرين الجديدين اللذان نحتهما موسى وكتبهما الله بإصبعه (المسيح الذي تجسد من الروح القدس والقديسة العذراء مريم). هذا كان طريق الصلح. وحيث أن الطريق الأمثل أن تكتب الوصية على القلب فهذا ما صنعه المسيح فقد أرسل روحه ليسكب محبة الله فينا ويكتب وصاياه على قلوبنا وأذهاننا (أر31:31-34 + عب10:8-13 + رو5:5) وهذا معنى قول المسيحمن يحبني يحفظ وصايايهنا نسأل كيف يتحول قلبنا الحجري لقلب لحمي؟ والإجابة التوبة وهنا يبدأ عمل الله في تحطيم وتشكيل حجارة هذا القلب والكتابة عليه. ويكون ذلك بأن الروح القدس يسكب محبة الله فينا فنطيع وصاياه. 

وحتى يأخذ موسى من يد الله الوصايا ويكلم الله موسى كان على موسى أن يظهر وحده دون أي شخص (فهم خطاة) ولا يصعد على الجبل بهيمة (هذا إشارة للشهوات الحيوانية المُعَطِلة). ويصعد للجبل (أي يتسامى من الأرضيات) ويعرف أنه ينتمي للسماويات. هذه هي شروط المصالحة.

 

الآيات (5-9): “فنزل الرب في السحاب فوقف عنده هناك ونادى باسم الرب. فاجتاز الرب قدامه ونادى الرب الرب اله رحيم ورؤوف بطيء الغضب وكثير اللاحسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف غافر الإثم والمعصية والخطية ولكنه لن يبرئ إبراء مفتقد إثم الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع. فأسرع موسى وخر إلى الأرض وسجد. وقال إن وجدت نعمة في عينيك أيها السيد فليسر السيد في وسطنا فانه شعب صلب الرقبة واغفر اثمنا وخطيتنا واتخذنا ملكاً.”

هنا نجد في (6) أن الرب حقق وعده فإجتاز الرب قدامه. وحيث أن الإنسان لا يحتمل مجد الله والله حين يعلن فهو يعلن لكل إنسان حسب إحتماله نزل الله في السحاب (5). ونرى الله هنا يعلن عن طبيعته أنه إله رحيم ورؤوف.. والله يعلن حضوره بذكر إسمه المبارك= ونادى باسم الرب ثم إعلان صفاته وهذا يتم بينما موسى في النقرة والله يستره بيده والله في السحاب ليحجز عن موسى بهاء مجده فلا يموت. وقطعاً في قول الله هنا أنه رحيم وبطئ الغضب لكن لا يبرئ إبراء إعلان عن رحمته وعدله. وهو حين يعلن أنه يرحم من يرحم فهذا يشير إلى أنه يريد أن يرحم لكنه لا يرحم إلا من كان مستحقاً. وقوله يفتقد ذنوب الأباء في الأبناء=هذا يعني أن الأبناء يتحملون ذنوب أبائهم اجتماعياً وصحياً ومادياً ومعنوياً ونفسياً وأدبياً ولكن هذه الآية تشير لبطء غضب الله وطول أناته فهو يصبر على الجيل الأول فلو استمرت الخطية في الجيل الثاني بلا توبة يصبر للجيل الثالث والرابع وليس معناها أن الله سيجازي الجيل الثالث والرابع لو كانوا أبرياء على خطايا أبائهم في الجيل الأول. (حز1:18-25 + أر29:31،30). والمقصود أن الله يؤدِّب الأبناء لو استمروا في خطايا أبائهم بلا توبة. ولنأخذ مثالاً من اليهود فهم قالوادمه علينا وعلى أولادناوستستمر خطيتهم حتى يؤمنوا بالمسيح! فلو آمنوا لا تصير عليهم خطية وسجود موسى أمام الله كممثل للشعب هو إعلان عن خضوع المسيح للآب كرأس للجسد (1كو28:15).

 

ملحوظات:

1.     الله يعلن عن اسمه وعن نفسه لموسى بينما هو مجتاز فهو لا يحتمل بقاؤه أمامه.

2.     الله يعلن اسمه القدوس قبل أن يعلن عن رحمته حتى نتعلم أن نقترب إلى الله في خوف ورهبة وليس في استهتار. والعكس صحيح فرهبة الله وعظمته تجعلنا لا نخشى الاقتراب منه فهو هنا يعلن عن رحمته.

3.     الله يعلن هنا عن رحمته فهو يغفر لا لاستحقاقنا بل لأنه رحيم.

4.     هناك مقارنة تظهر مراحم الله فهو حافظ الإحسان إلى ألوف ومفتقد إثم الآباء في الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع فقط.

5.     أمام إعلان الله عن اسمه وصفاته لم يستطع موسى إلا أن يخر ويسجد (رؤ10:4).

6.     حينما كان موسى في حضرة الله صلّى طالباً من الله أن يسير وسطهم. وطلب الغفران ولاحظ أنه يقول وإغفر إثمنا ففي حضرة الله يشعر أعظم القديسين بأنه خاطئ.

7.     في (3:33) قال الله عن الشعب أنه صلب الرقبة وهنا يكررها موسى ثانية!! وهو يقصد أن يقوليا رب فعلاً هو شعبصلب الرقبةولكن هو شعبك فتعال وأملكْ علينا وغير طبيعة هذا الشعب.

 

آية (10): “فقال ها أنا قاطع عهداً قدام جميع شعبك افعل عجائب لم تخلق في كل الأرض وفي جميع الأمم فيرى جميع الشعب الذي أنت في وسطه فعل الرب أن الذي أنا فاعله معك رهيب.”

الله يقبل الصلح ويقطع عهداً مع الشعب ولكن بشروط :

1.     شروط سلبية (الإمتناع عن الخطية) الآيات 11-17

2.     شروط إيجابية (وصايا حفظ الأعياد.. ) الآيات 18-26

أفعل عجائب= هزيمة كل أعدائهم وشق الأردن ووقوف الشمس وكونهم يكونون رعباً للأمم ولكن هذه الآية لو فهمنا أن العهد يشير للعهد الجديد فهي تشير لأعمال الفداء العجيب. وفعل العجائب هو دور الله. أما دور الإنسان فهو الشروط السابق ذكرها.

 

الآيات (11-17): “احفظ ما أنا موصيك اليوم ها أنا طارد من قدامك الأموريين والكنعانيين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين. احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخاً في وسطك. بل تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم. فانك لا تسجد لإله آخر لأن الرب اسمه غيور اله غيور هو. احترز من أن تقطع عهداً مع سكان الأرض فيزنون وراء آلهتهم ويذبحون لآلهتهم فتدعى وتأكل من ذبيحتهم. وتأخذ من بناتهم لبنيك فتزني بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن. لا تصنع لنفسك آلهة مسبوكة.”

المطلوب هنا رفض الخطية وعدم إقامة عهد مع الشعوب الوثنية. ولاحظ أن الشعب في هذه الرحلة كان يصعب عليه التمييز بين الخطية والخطاة لذلك حرم الله عليهم الخطاة وأمرهم بإبادتهم رمزاً لإبادة الخطية في حياتنا. والأنصاب جمع نصب وهي أعمدة تصنع من الحجر وتسمى بأسماء الآلهة تذكاراً وتكريماً لها. وغالباً تقام الأنصاب للبعل والسواري جمع سارية وهي أعمدة خشبية كانت تقام على الأماكن المرتفعة ليجتمع عندها وحولها عباد الأوثان لعبادة هذه الآلهة والسواري كانت تقام للآلهة عشتروث. ولاحظ قوله تكسرون أنصابهم وتقطعون سواريهم ولم يقل تهدمون مذابحهم وقد أثبت التاريخ أن الكنعانيين لم يكن لهم هياكل. والتحريم هنا يشير في حياة التائب أن لا يتساهل مع أي خطية حتى ولو صغيرة حتى لا تكن شركاً لهاخترز من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم“. والسبب المذكور هنا حتى يتركوا الخطية. أن الله إله غيور لن يحتمل أن يكون قلب شعبه منقسماً بين عبادة الله وعبادة البعل. وكون الله غيور فهي تعني انه غيور على خلاص أولاده وهو يعلم أن خلاص أولاده لن يتم إلا في حالة تبعيتهم الكاملة له وتحررهم من كل تبعية غريبة. ومنع الزواج من بنات الكنعانيين هو لمنع زواجهم بآلهتهم وهذا ما حدث مع الملك سليمان نفسه فعبد الأوثان في أواخر أيامه.

 

الآيات (18-27): “تحفظ عيد الفطير سبعة أيام تأكل فطيراً كما أمرتك في وقت شهر أبيب لأنك في شهر أبيب خرجت من مصر. لي كل فاتح رحم وكل ما يولد ذكراً من مواشيك بكراً من ثور وشاة. وأما بكر الحمار فتفديه بشاة وأن لم تفده تكسر عنقه كل بكر من بنيك تفديه ولا يظهروا أمامي فارغين. ستة أيام تعمل وأما اليوم السابع فتستريح فيه في الفلاحة وفي الحصاد تستريح. وتصنع لنفسك عيد الأسابيع أبكار حصاد الحنطة وعيد الجمع في آخر السنة. ثلاث مرات في السنة يظهر جميع ذكورك أمام السيد الرب اله إسرائيل. فأني اطرد الأمم من قدامك وأوسع تخومك ولا يشتهي أحد أرضك حين تصعد لتظهر أمام الرب إلهك ثلاث مرات في السنة. لا تذبح على خمير دم ذبيحتي ولا تبت إلى الغد ذبيحة عيد الفصح. أول أبكار أرضك تحضره إلى بيت الرب إلهك لا تطبخ جديا بلبن أمه. وقال الرب لموسى اكتب لنفسك هذه الكلمات لأنني بحسب هذه الكلمات قطعت عهداً معك ومع إسرائيل.”

هنا نجد الشروط الإيجابية فلا يكفي الهروب من الشر ولكن حفظ الأعياد وتقديم الأبكار وتقديس يوم الرب شروط هامة. فهذه الأمور تلهب قلب الإنسان بنار محبة الله وتعطيه فرحاً وراحة.

هم احتفلوا وأكلوا وشربوا للعجل الذهبي والله يعرف حاجة الإنسان للأعياد. لأن تكون له أيام فرح فحدد الرب أياماً مقدسة للفرح ولكن لمناسبات مقدسة وفيها نذكر إحسانات الله علينا فنقدم له الشكر وتقديم الشكر لله يلهب القلب بمحبته. فالأعياد المقدسة تقربنا من الله بينما أفراح العالم تبعدنا عنه.

سبعة أيام تأكل فطير= الفطير أي لا خمير والخمير يشير للشر. وسبعة أيام أي هي إشارة للامتناع عن الشر العمر كله. وحفظ السبت= إشارة للاهتمام بالحياة الأبدية وسط مشاغل العالم والعمل. الظهور أمام الرب 3مرات في السنة= إشارة لأهمية الشعور بأننا أمام الله دائماً فنحيا في وقار وخشية. وهل في الظهور أمام الرب حين يذهب كل الرجال أي خطر من هجوم الأعداء؟ الإجابة لا تخافوا فالله هو الذي يحفظ مدنكم وأسواركم لا يشتهي أحد أرضك. ليس فقط لن يغزوا أحد أرضك بل لن يشتهي أحد أرضك فقلوب البشر في يد الله. والأعياد المذكورة هنا هي عيد الفصح والفطير تذكاراً لخروجهم من مصر ويلحق بهذا قانون تقديم الأبكار تذكاراً لأن الله أهلك أبكار المصريين وأنقذهم هم. ثم نجد عيد الأسابيع (البنديكوستي) في يوم الخمسين بعد الفصح ومعه شريعة الباكورات لباكورات الأثمار وثالث عيد هو عيد الجمع أو الحصاد الذي هو عيد المظال.

لا تطبخ جدياً بلبن أمِّه= هي دعوة لمنع القسوة وهي أيضاً لمنعهم من العادات الوثنية فكانوا يطبخون الجدي بلبن أمه ويأخذون هذا اللبن ويرشونه في الحقول اعتقاداً منهم بأن هذا يزيد خصوبتها.

وكان اليهود يملكون كثيراً من الحمير للركوب والنقل وحيث أن الحمار حيوان غير طاهر فكان يجب أن بستبدلوه بشاة.

 

الآيات (28-35): “وكان هناك عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة لم يأكل خبزاً ولم يشرب ماء فكتب على اللوحين كلمات العهد الكلمات العشر. وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى عند نزوله من الجبل أن موسى لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه. فنظر هرون وجميع بني إسرائيل موسى وإذا جلد وجهه يلمع فخافوا أن يقتربوا إليه. فدعاهم موسى فرجع إليه هرون وجميع الرؤساء في الجماعة فكلمهم موسى. وبعد ذلك اقترب جميع بني إسرائيل فأوصاهم بكل ما تكلم به الرب معه في جبل سيناء. ولما فرغ موسى من الكلام معهم جعل على وجهه برقعاً. وكان موسى عند دخوله أمام الرب ليتكلم معه ينزع البرقع حتى يخرج ثم يخرج ويكلم بني إسرائيل بما يوصى. فإذا رأى بنو إسرائيل وجه موسى أن جلده يلمع كان موسى يرد البرقع على وجهه حتى يدخل ليتكلم معه.”

امتزج العهد بالصوم فموسى صام والسيد المسيح في بدئه للعهد الجديد صام 40 يوماً وهكذا إيليا صام 40يوماً. والمسيح حين تجلى كان معه موسى وإيليا. وسر احتمال موسى أنه كان عند الرب فهو يتلذذ بالرب وبوصاياه. والجموع التي شبعت من معجزة إشباع الجموع لم يشعروا بجوع فهم متلذذين بما يسمعون. إذاً نحن نصوم لنأخذ من الله وإذ نأخذ من الله لا نشعر بالجوع أو ننسى الجوع لفترة. فنحن لا نحيا بالخبز وحده بل بكل كلمة تخرج من فم الله. موسى كان يشبع من معرفة الله فهذه هي الحياة وهذا هو خبز الملائكة. وكيف عاد موسى للأرض.

1.     حاملاً كلمة الله. وأي مجد لموسى أن يحمل كلمة الله للبشر.

2.     كان وجهه يلمع فهو رأى أكثر من المرات السابقة. هو رأي مجد الله. وموسى وجهه لمع وهو مختبئ في الجبل فكم وكم كان لمعان وجه آدم وحواء اللذان كانا يكلمان الله مباشرة.

وهذا درس في التواضع فموسى يخفي نوراً يلمع في وجهه وهناك من يريد أن يظهر نوراً ليس له= موسى لم يعلم أن جلد وجهه صار يلمع.

والبرقع علّق عليه بولس الرسول بأن اليهود مازالوا يضعون هذا البرقع على عيونهم حتى لا يدركوا أن الكتاب الذي بين أيديهم يشهد للمسيح (2كو15:3) وكثيرين يوجد برقع على عيونهم يقرأون الكتاب ولا يفهمونه، ولا تكفي الدارسة لنفهم بل يجب أن يفك المسيح ختوم الكتاب (رؤ5:5 + لو32:24) هنا نرى تلميذي عمواس قلبهم ملتهب إذ يشرح لهم المسيح. والمسيح لن يفك الختوم ويشرح إن لم نترك عبودية العالم والمال وشهوة الجسد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى