تفسير سفر حزقيال ٤٧ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح السابع والأربعون

المياه المقدسة والأرض المقدسة

بعد أن تحدث عن بعض الشرائع الخاصة بالهيكل الجديد تحدث عن:

  1. المياه المقدسة          [1-12].
  2. الأرض المقدسة         [13-23].
  3. المياه المقدسة:

في ذهن أنبياء العهد القديم كان عصر المسيا هو العصر الذهبي الذي طال انتظار العالم له، وصفوهكعصر غني بالمياه الفياضة… وقد سبق لنا الحديث عن هذا الأمر[332]، إذ يرى زكريا النبي في هذه المياهالمقدسة سر طهارة الشعب (زك 13: 1) ويوئيل النبي سر قداسته (3: 18) وإشعياء النبي سر تحويل البريةإلى حقول مزهرة (44: 3 الخ)… أما حزقيال النبي فيرى الرب قد غسل البشرية وطهرها من نجاساتها، إذيقول لها “حممتك بالماء وغسلت عنك دماءك ومسحتك بالزيت” (16: 9) كما يختم حديثه عن الهيكل الجديدبوصفه للمياه المقدسة النازلة من تحت عتبة البيت نحو المشرق من الجانب الأيمن للبيت عن جنوب المذبح (حز 47: 1-12) ويلاحظ في هذا الحديث الآتي:

أ. رأى حزقيال النبي المياه تخرج من تحت عتبة البيت نحو المشرق “لأن وجه البيت نحو المشرق،والمياه نازلة من تحت جانب البيت الأيمن عن جنوب المذبح” [1]. ما هو هذا البيت المتجه نحو المشرقإلا كنيسة العهد الجديد التي تتجه نحو السيد المسيح مشرقها، وتحتضن المذبح المقدس حيث تقدم عليه ذبيحةالعهد الجديد، أما هذه المياه المقدسة التي تخرج من تحت عتبته فهي “المعمودية المقدسة” التي بدونها لا يقدرأحد أن يدخل إلى العضوية في كنيسة المسيح، هذه المياه التي تستمد قوتها من خلال الذبيحة، كقول الرسول: “الذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة: الروح والماء والدم، الثلاثة هم في الواحد” (1 يو 5: 8) هذه هي المعموديةالمسيحية التي هي من فعل الروح القدس الذي يعمل فيها من خلال دم السيد المسيح.

هذه المياه مطهرة للعالم، وكما يقول القديس جيروم: [إذ يسقط العالم في الخطية ليس من يقدر أنيطهره مرة أخرى سوى ينبوع المياه[333]].

ب. رأى حزقيال النبي رجلاً قاسَ ألف ذراع وعبر به في المياه ثم ألفا ثانية فثالثة وعند الرابعة يقول: “وإذابنهر لم أستطع عبوره، لأن المياه طمت، مياه سباحة نهر لا يعبر. قال لي: أرأيت يا ابن آدم؟ ثمذهب بي وأرجعني إلى شاطئ النهر” [5-7]. ما هذا المنظر إلا العبور بحزقيال النبي إلى سرالمعمودية؟! نحن نعرف أن رقم 1000 يشير إلى الحياة السماوية لأن يومًا واحدًا عند الرب كألف سنة، وكأنحزقيال النبي قد دخل إلى الحياة السماوية من خلال المعمودية، أما تكرار الألف أربع مرات فلأن عمل المعموديةيحتضن شعوب المسكونة من أمم وشعوب قادمة من كل أنحاء العالم (المشارق، والمغارب والشمال والجنوب)،لكي يصطبغ المؤمنون بصبغة سماوية. عندئذ تأمل النبي في أسرار المعمودية فوجدها تفوق كل إدراك بشري،إذ رآها مثل نهر لا يمكن عبوره، والتزم بالعودة إلى الشاطئ ليتأمل عمل الله مع الناس خلال هذه المياه المقدسة.

ج. سؤال النبي: أرأيت يا ابن آدم؟ يذكرنا بقول الله لآدم: أين أنت؟ فإذ كان آدم قد فقد بهاء طبعه وأمجادهفي الفردوس، فإنه يستعيد الآن ما قد فقده. هذا هو سر السؤال التعجبي.

د. عند رجوعه إلى الشاطئ رأى النبي أشجارًا كثيرة جدًا من هنا ومن هناك” [7].  إنها صورةرمزية للمؤمنين المغروسين علي مجاري المياه المقدسة، يعطون الثمار في أوانها، وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعونهينجحون فيه (مز 1: 3). هؤلاء هم المؤمنون الذين حل عليهم الروح القدس فصاروا أشجارًا كثيرة جدًا فيفردوس الرب.

هـ.  رأى أيضًا “السمك كثيرًا جدًا لأن هذه المياه تأتي إلى هناك فتُشْفَي ويحيا كل ما يأتيالنهر إليه” [9]. رأى السمك وإذا هو من أنواع كثيرة كسمك البحر العظيم كثير جدًا [10]. وكما تشيرالأشجار إلى المؤمنين المتشبهين بالسيد المسيح “شجرة الحياة” هكذا يشير السمك إلى المؤمنين الذينيتشبهون بالسيد المسيح “السمكة (اخسوس)”، يعيشون في مياه المعمودية. وكما يقول العلامةأوريجانوس: [يدعي المسيح مجازيًا بالسمكة[334]]. ويقول العلامة ترتليان: [نحن السمك الصغير بحسبسمكتنا يسوع المسيح قد ولدنا في المياه، ولا نكون في أمان بأيه طريقة ألا ببقائنا في المياه علي الدوام[335]].

ز. يتحدث عن تقديس المياه، قائلاً: “لأن مياهه خارجة من المقدس” [12].

  1. الأرض المقدسة:

بعد أن تحدث عن الهيكل المقدس والمدينة المقدسة بدأ يحدد الأرض المقدسة التي وعد بها شعبه، وتقسيمهابين الأسباط، وهنا نلاحظ:

أ. يقول: “رفعت يدي لأعطي آباءكم إياها، وهذه الأرض تقع لكم نصيبًا” [14].  وكأنه يقدم لهمتأكيدًا أنه لن يحنث بالقسم الذي تعهد به (برفع يديه) لآبائهم، إنه يبقى أمينًا بالرغم من عدم أمانة الإنسان.

ب. حدد الرب بنفسه موقع الأرض بكل تخومها من جميع الجهات، فإن الله يهتم بأولاده ويحدد لهم مسكنهملأجل راحتهم.

ج. أعطى الرب لسبط يوسف نصيبين [13] حتي تقسم الأرض إلى اثني عشر قسمًا، لأن سبط لاويليس له نصيب في الأرض، بل الرب نفسه هو نصيبه. ويكون التقسيم بالقرعة حتي لا يعطي فرصة للعواملالشخصية أن تتدخل في تحديد نصيب كل سبط  [22].

د. أعطي للغرباء الساكنين في وسطهم حق المقاسمة في الميراث [22-23]، إشارة إلى دخول الأمم فيالميراث الأبدي من خلال الكرازة بالإنجيل إذ يكون الكل واحدًا في المسيح بلا تمييز (رو 10: 12).

 


 

من وحي حزقيال 47

يا لعظمة المعمودية!

v   رأى زكريا نبيك في مياهك تطهيرًا،

ويوئيل تقديسًا،

وإشعياء اثمارًا، إذ يتحول قفري إلى جنة لك.

وحزقيال غسلاً وتطهيرًا من نجاساتنا وتجديدًا لطبيعتنا!

v   يا لعظمة المعمودية!

فهي الغسل والتقديس والاثمار والاستنارة،

علي جوانبها أشجار مقدسة، جنة إلهية.

داخلها سمك كثيرًا!

هب لي أن أحيا في مياه معموديتك فأحيا وأنمو علي الدوام!

v   لا تحرمني من النصيب الذي أعددته لي

في الأرض الجديدة.

معموديتك تدخل بي إلى ميراث مجدك أيها العجيب في عظمتك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى