تعليقات لامعة على سفر التكوين للقديس كيرلس الكبير

المقالة السابعة: عن بركة يعقوب لأبنائه – عن دان

 

“دان يدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل . يكون دان حية على الطريق أفعوان على السبيل يلسع عقبي الفرس فيسقط راكبه إلى الوراء » ( تك 16:49 -17) 

يهتم حديثنا أيضا بمعنى الاسم . الأن “ دان ’ ’ يعني ‘ ‘ ديان ” ، أي ‘ ‘ الدينونة ، وهذا أيضا يشير إلى مصاف الرسل القديسين الممجدين والظاهرين للجميع ، هؤلاء الرسل القديسون الذين صاروا رؤساء على الذين آمنوا وكذلك دعوا لكي يدينوا ويحكموا آخذين هذا السلطان من المسيح . لذلك يقول بولس العظيم : ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة فبالأولى أمور هذه الحياة ’ ’ (1کو3:3). حسناً، المسيح هو بحسب الكتب المقدسة ديان ومشرَّع ، وطالما أن الرُسل يعملون کوکلاء عن المسيح ووضع فيهم كلمة المصالحة ، إذن ليس تناقض على الإطلاق اعتبارهم قضاة مثل المسيح . أيضا على الجانب الآخر ، کرز أشعياء العظيم بمملكة المسيح ذاته ، قائلا : “ فإن الرب قاضينا . الرب شارعنا . الرب ملكنا هو يخلصنا ” ( أش ۲۲:۳۳).

قديماً ملك نسل سبط يهوذا على أورشليم . ودُعي هؤلاء الذين كانوا يخدمون في الخيمة المقدسة وخدمة الكهنوت للقيام بأعمال القضاء ، لأنه يقول : “ لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود (ملا 7:2). ولكن حين توارى ظل الناموس وظهرت العبادة بالروح والحق بواسطة المسيح، دُعِىّ التلاميذ القديسين لرتبة القضاء، إذ كانت الحاجة إلى قضاة في العالم. لأجل هذا قال الله لأورشليم، أم اليهود بصوت المرنم: “عوضاً عن آبائك يكون بنوك” (مز 16:45) أي أن هؤلاء الذين هم أبناؤك صار نصيبهم هو مكان آبائهم، أما من جهة ربنا يسوع المسيح فيقول: “تقيمهم رؤساء في كل الأرض” (مز ‎16:45‏ ب)» الأمر الذي نستطيع أن نراه محققاً. لأنه لدينا التلاميذ القديسين رؤساء وقضاة للمسكونة وهم الذين كرزوا بسر المسيح؛ لأنهم هم وكلاء على كلمة الخلاص وأوصياء على هؤلاء الذين آمنوا وصاروا أولاداً لهم إذ هم يدبرون أمورهم ويرفضون ما هو مزيف وغير نافع لهم وينصحوهم بما هو مفيد لهم.

إذن، يشير دان لأولئك الذين سوف يصيرون قضاةً للشعوب والأمم ومدبرون لهم بقوة وبجد عظيم مثلما كان يدبر ““أحد أسباط إسرائيل”. وأعتقد أنه يقصد سبط يهوذا.

كيف وهل يجوز لنا أن نتشكك في أن هؤلاء الذين عُينوا بواسطة المخلص، كُرموا ووصلوا لأسمى مرتبة من المجد؟

أما أن يصيروا رؤساء، فهذا ليس بدون أتعاب؛ لأنهم سوف يُختبرون بشرور كثيرة لا تحصى، وسوف تعترضهم معوقات كثيرة، ولن يسيروا في تأدية رسالتهم بدون مواجهة مخاطر، وهذا ما يشير إليه بقوله: “يكون دان حية على الطريق أفعواناً على السبيل يلسع عقبي الفرس” (تك 17:49)؛ أي أنه يعطي تعاليم مخيفة لا تطاق. لأن لسعات الحية؛ من الصعب على أي واحد أن يتجنبها حي لو كانت في العقب. إذ يقول: “هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه” (تك 15:3). وفعلاً فقد نصب البعض مصائد كثيرة للرسل القديسين لدرجة أنهم تعرضوا للموت الجسدي. وحسناً نقول إنهم ابتُلوا بشيء مثلما يحدث لفرسه الذي حين يموت ينحني تجاه ركبتيه ويسقط على الأرض[1]. هكذا أيضاً سوف يسقط الفارس من على ظهره، وسوف ينتظر مَنْ ينقذه. إذن، سوف ينتظر التلاميذ القديسون مجيء وقت مجدهم وخلاصهم، والذي فيه سوف يُدعون ليدخلوا إلى المملكة الأبدية غير المتزعزعة؛ وهكذا سوف ينادي عليهم المسيح، قائلاً: «تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم» (مت 34:25). لأنهم سلكوا الطريق وحفظوا الإيمان وسوف ينالون إكليل المجد الذي لا يبلى (انظر 2 تي 7:8 -8 ، 1‏ بط 4:5).

لكن لو أراد أحد أن يفسّر بحسب رأيه، أن الذين هم من دان ليسوا مثل الحيات الي تتربص في الطريق، بل آخرون هم الذين يتآمرون على دان نفسة، سوف نقول إن الكتبة والفريسيين كان لهم سلطان أن يحكموا وأن يكونوا رؤساء للشعب، وهم قد انقضّوا كمثل الحيات على المسيح، وقبضوا عليه وطعنوه بطعنات غادرة. لكن، بالرغم من أن الفارس وقع خاضعاً بإرادته للموت الجسدي، إلا أنه سوف يقوم مرة ثانية بقوته وقوة أبيه معه. لأنه، بما أن الابن هو قوة الله الآب، لذلك أعطى حياةً لهيكله (أي لجسده). لأجل هذا يقال إنه أُنقِذٌ بواسطة الآب حين تعرض للخطر كإنسان؛ بالرغم من أنه هو الله من جهة طبيعته ضابطاً كل الخليقة المنظورة وغير المنظورة لتوجد في حالة حسنة. وهذا ما قصد أن يقوله بولس حين تحدث عنه قائلاً: «وإن كان قد صلب من ضعف لكنه حي بقوة الله» (2كو 4:13). 
فاصل

  1. لكن يرى العلامة هيبوليتس أن النبوة تشير إلى المسيح؛ إذ يقول: “صُّور الرب لنا كراكب للفرس» والعقب يدل على نهاية الأيام. وسقوطه يشير إلي موته؛ كما هو مكتوب في الإنجيل: “ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين 

فاصل

عن يساكر

المقالة السابعة 

عن جاد

تعليقات لامعة على سفر التكوين
البابا كيرلس عمود الدين

 

زر الذهاب إلى الأعلى