تفسير سفر التكوين ١٢ للقمص تادرس يعقوب ملطي
الباب الثاني
البطاركة الأولون
ص ١٢ – ص ٥٠
عصر البطاركة
بدأ عصر البطاركة (الآباء) كطريق تمهيدي لدخول الله مع البشرية في عهود متتالية تختم بالعهد الذي يقيمه الله مع الإنسان في المسيح يسوع خلال الدم الذكي على الصليب. يبدأ العمل بدعوة إبراهيم كأب الآباء، خلاله أخذت البشرية كلها – أهل الختان وأهل الغرلة – الوعد بالبركة. فإيمانه تبرر وهو بعد في الغرلة (رو ٤)، وأخذ الختان كختم لهذا الإيمان، فحمل إبراهيم أبوة جسدية لأهل الختان وأبوة روحية لمن يسلك بإيمانه…
لقد أعلن السيد المسيح أن إبراهيم رأى يومه فتهلل (يو ٨: ٥٦)، لهذا ينعم بالبنوة لإبراهيم ويتمتع بتهليل قلبه كل من يقبل المسيح ويدرك عمله الخلاصي.
أصحاحات ١٢–٢٥
معاملات الله مع إبراهيم
لكي نتتبع ما ورد في سفر التكوين (ص ١٢– ٢٥) يليق بنا أن نقدم الخطوط الرئيسية لمعاملات الله مع أبينا إبراهيم قبل دراسة كل أصحاح على حدة:
أولاً– حياته قبل بلوغه كنعان:
- عاش مع أبيه تارح وأخوته في أور الكلدانيين، حيث تزوج بأخته من أبيه دون أمه (تك ٢٠: ١٢) ساراي، وقد خرج هو وزوجته وابن أخيه لوط تحت قيادة أبيه تارح متجهين نحو كنعان، فأتوا إلى حاران وأقاموا هناك (تك ١١: ٣١)، حيث مات تارح في حاران، ومهما كان الدافع لهذه الهجرة فقد أعلن اسطفانوس أنها قامت على دعوة الله لإبراهيم في أرض ما بين النهرين قبلما يسكن في حاران (أع ٧: ٢).
- إذ بلغ إبراهيم ٧٥ عامًا دعي للرحيل إلى كنعان (تك 12: ١)، ويحتمل أن يكون قد اختار طريق دمشق لأن اليعازار الدمشقي الموكل على بيته كان من هناك (تك ١٥: ٢)، لأن الطريق بين أرض ما بين النهرين وكنعان خلال دمشق كان طريقًا ممهدًا. ويبدو أنه لم يتوقف كثيرًا في الطريق.
ثانيًا– حياته غير المستقرة في كنعان:
أقام أولاً في شكيم (١٢: ٦) ثم ذهب إلى إيل (١٢: ٨) واتجه جنوبًا إلى Negeb (١٢: ٨). وإذ حدث جوع ارتحل إلى مصر وقال عن ساراي أنها أخته خوفًا من فرعون (١٢: ١٠– ٢٠). عاد إلى أرض الجنوب في فلسطين (١٣: ١)، وذهب إلى بيت إيل (١٣: ٣) حيث افترق عن لوط وذهب إلى بلوطات ممرا في حبرون (١٣: ١٢– ١٨).
ثالثًا– إقامته في بلوطات ممرا:
أقام إبراهيم في بلوطات ممرا مابين ١٥ و ٢٥ عامًا، دخل في عهد مع ملوك الأموريين (١٤: ١٣)، وغلب كدرلعومر لينقذ لوطًا وماله (١٤: ١– ١٦)، وفي عودته باركه ملكي صادق ملك شاليم (١٤: ١٧– ٢٤).
هناك ظهر له الرب وثبت له الوعد أنه يرث الأرض (١٥: ٧)، وولدت هاجر إسماعيل (ص ١٦). وإذ بلغ إبراهيم ٩٩ عامًا ظهر له الرب ودخل معه في عهد (الختان) وأكد له ولادة إسحق من سارة (ص ١٧)، كما استضاف إبراهيم الله وملاكيه مؤكدًا ولادة إسحق (ص ١٨). هناك أيضًا دخل في حوار مع الله بسبب هلاك سدوم وعمورة (ص ١٨).
رابعًا– إقامته في أرض الجنوب:
أنتقل من بلوطات ممرا إلى أرض الجنوب، وهناك أرسل أبيمالك ملك جرار ليأخذ سارة زوجة والرب منعه (ص ٢١).
امتحن الله إبراهيم وسأله أن يذبح ابنه إسحق على جبل المريا، وإذ تزكى إبراهيم عاد مع ابنه إسحق ثم رحلا إلى بئر سبع (٢٢: ١– ١٩).
خامسًا– في حبرون:
رجع إبراهيم إلى حبرون وهناك ماتت سارة ودفنت في مغارة المكفيلة (تك ٢٣).
سادسًا– ربما في أرض الجنوب:
بعد موت سارة إذ بلغ إبراهيم ١٤٠ عامًا (تك ٢٤: ٦٧؛ ٢٥: ٢٠) أرسل إلى أرض ما بين النهرين ليحضر زوجة لإسحق إبنه (تك ٢٤). أتخذ إبراهيم قطورة زوجة، ومات وعمره ١٧٥ سنة، ودفن في مغارة المكفيلة (٢٥: ١– ٩).
الأصحاح الثاني عشر
دعوة إبرام
اجتمعت البشرية حتى بعد الطوفان ضد الله تتعامل معه كخصم وليس كصديق محب، أما الله ففي حبه لم يعطها ظهره بل فتش بينها حتى وجد إنسانًا واحدًا استحق أن يتمتع بالدعوة ليكون أبًا لشعب الله، بنسله تتبارك الأمم. هذا الأب “إبرام” دُعي للخروج من أرضه وشعبه وبيت أبيه لينطلق بالبشرية في علاقتها مع الله ببداية جديدة.
دعوة إبرام 1
إبرام هو العاشر في تسلسل الآباء الذين ولدوا من سام بعد الطوفان. كلمة “إبرام” تعني (الأب مكرم)، وقد غيّر الله اسمه إلى “إبراهيم” التي تعني (أب جمهور) (تك 17: 5) إذ بدأ حياته كأب مكرم وسام، جعله الله أبًا لجمهور كثير، أب الآباء، أب لجميع المؤمنين.
عاش إبراهيم مع أبيه تارح وبقية الأسرة في أور الكلدانيين، عادة تعرف بالمدينة المشهورة بالاسم أورشليمUri جنوب بابل، مكانها خرائب تُدعي المغيّر. وتدل الاكتشافات الحديثة علي أنها قبل عصر إبراهيم بحولي 1000 سنة، وإنها كانت قبلاً علي ساحل الخليج. اشتهرت أيضًا بإلهها “نانار” إله القمر وما تبع عبادته من رجاسات مرّة.
عاش إبرام وسط هذا الجو الساحلي التجاري حيث الغني العظيم مع الرجاسات الوثنية لكنه بقي أمينًا في شهادة لله خلال حياته، وقد شهد له الرب: “آباؤكم سكنوا في عبر النهر منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخري، فأخذت إبراهيم أباكم من عبر النهر وسرت به في كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته إسحق” (يش 24: 2، 3). في هذه المنطقة عاش بنو سام ملتصقين ببني حام فتسرب الشر إلى بني سام حتى لم يوجد وسط المنطقة كلها، بل في العالم في ذلك الحين، من يعبد الله بالحق سوي إبرام، الذي بقي شاهدًا لله، اجتذب إليه ساراى امرأته ولوط ابن أخيه ليعيشا حياة مقدسة في الرب.
إذ رأى الله أمانة إبرام دعاه للخروج من أور الكلدانيين وعاد ليكرر الدعوة له في حاران بعد أن أقام فيها زمانًا طويلاً مع والده وزوجته وابن أخيه، ومات أبوه هناك (11: 31، 32). حقًا لم يذكر سفر التكوين الدعوة بالخروج في أور الكلدانيين مكتفيًا بالدعوة التي تلقاها في حاران، لكن الكتاب المقدس يؤكد الدعوة الإلهية له في أور الكلدانيين قبل دخوله حاران (أع 7: 2).
لم يتجاهل الله إنسانًا واحدًا أمينًا وسط المدينة بأكملها، بل وسط العالم كله في ذلك الحين، بل جعله صخرًا منه يُقطع المؤمنون، وكما قيل في إشعياء: “اسمعوا لي أيها التابعون البر الطالبون الرب؛ انظروا إلى الصخر الذي منه قطعتم وإلى نقرة الجب التي منها حفرتم. انظروا إلى إبراهيم أبيكم وإلى سارة التي ولدتكم، لأني دعوته وهو واحد وباركته وأكثرته، فإن الرب عزى صهيون” (إش 5: 1-3). هكذا يطلب الله من تابعي البر وطالبي الرب أن يتطلعوا إلى أبيهم إبراهيم كصخرة قُطعوا منه ليكونوا بحق “أولاد إبراهيم”. لينظروا كيف دعاه الرب “وهو واحد” غير مستهين بالواحد، بل جعله “كثرة” وعزاء لصهيون السماوية. لقد أحبه الله جدًا حتى كان يلذ له أن يدعو نفسه “إله إبراهيم” ويحسب فردوسه السماوي “حضن إبراهيم”.
في وسط جو وثني مظلم رأى الله قلبًا واحدًا مشتاقًا أن يلتقي به فدعاه للخروج سواء من أور الكلدانيين أو من حاران حيث كانت المدينتان مركزين لعبادة إله القمر؛ دعاه للخروج حتى يقيم من نسله “كنيسة مقدسة”.
جاءت الدعوة الإلهية لإبرام هكذا: “وقال الرب لإبرام: “اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك” [١].
يعلق القديس جيروم علي هذه الدعوة الإلهية، قائلاً: [ترك أور الكلدانيين وترك ما بين النهرين، ومضي طالبًا أرضًا لا يعرفها حتى لا يفقد ذاك الذي وجده (الله). لم يحسبه سهلاً أن يحتفظ بأرضه وبربه في نفس الوقت، فمنذ أيامه المبكرة كان مستعدًا لتحقيق كلمات النبي: “أنا غريب. عندك، نزيل مثل جميع آبائي” (مز 39: 12). لقد دعي “عبرانيًا” ومعناها (عابرًا)، إذ لم يكن راضيًا بالامتيازات (الزمنية) الحاضرة إنما كان ينسي ما هو وراء ويمتد دائمًا إلى ما هو قدام (في 3: 13)، جاعلاً كلمات المرتل أمامه: “يذهبون من قوة إلى قوة” (مز 84: 7). هكذا يحمل اسمه معني سريًا، إذ يفتح أمامك الطريق لتطلب ما هو للآخرين لا ما هو لذاتك…[229]].
كما يقول: [لقد طلب من أب الآباء أن يترك أور الكلدانيين، ويترك مدينة بابل (الاضطراب) ورحوبوت (تك 10: 11) والأماكن المتسعة، يترك أيضًا سهل شنعار حيث وجد برج الكبرياء المرتفع إلى السماء (11: 2، 4). كان يليق به أن يعبر أمواج هذا العالم ويجتاز أنهاره هذه التي جلس عندها القديسون وبكوا عندما تذكروا صهيون (مز 137: 1)… حتى يسكن في أرض الموعد التي تستقي بمياه من فوق وليس كمصر بمياه من أسفل (تث 11: 10)… تطلب المطر المبكر والمتأخر (تث 11: 14)[230]].
هذه الدعوة الإلهية موجهة إلى كل نفس بشرية لكي تنطلق لا من مكان معين أو عشيرة أو بيت ما وإنما تنطلق بالقلب خارج محبة العالم والذات (الأنا)، لكي تلتقي بالرب السماوي وتعيش معه في أحضانه. إنها دعوة للأجيال كلها، وقد سحبت قلوب الكثير من الآباء مدركين أنها دعوة إلهية تمس حياتهم الشخصية؛ نذكر موجزًا لبعض تعليقات الآباء عليها:
يري الآب بفنوتيوس أنها دعوة إلهية لممارسة الحياة النسكية، بها يتخلى الإنسان عن أرضه أي عن محبة غني العالم، وعن عشيرته أي عن حياته القديمة بعاداته الشريرة، وعن بيت أبيه الأرضي ليطلب بيت الآب السماوي. فمن كلماته [قال له: أولاً: “اذهب من أرضك”، أي من (محبة) ممتلكات هذا العالم وغناه الأرضي. ثانيًا: “من عشيرتك”، أي من حياتك السابقة بما فيها من عادات وخطايا تعلقت بك منذ الميلاد الأول وارتبطت بك كما لو كانت رابطة صداقة وقربى. ثالثًا: “من بيت أبيك”، أي من كل ما في العالم وتراه عيناك، فعن الأبوين (الأرضي والسماوي) ينبغي ترك أحدهما وطلب الآخر، إذ يقول داود في شخص الله: “اسمعي يا بنتي وانظري، أميلي أذنك وانسي شعبك وبيت أبيك” (مز 45). فالقائل: “اسمعي يا بنتِ” بالتأكيد هو أب[231]].
يري هذا القديس أن الدعوة موجهة للتمتع بمراحل النسك الثلاثة: زهدي جسدي نبذ للسلوك القديم؛ تحرر للروح من المرئيات والانشغال بالسمائيات. فلا يكفي للإنسان أن يترك أرضه كأن يمارس الصوم وكل أنواع النسك المادي أو الجسدي، ولا أن يترك عشيرته، أي يتخلى عن عاداته الشريرة القديمة، لكن يلزمه أيضًا أن يترك بيت أبيه القديم ليدخل إلى حضن أبيه السماوي، قائلاً: “فإن سيرتنا نحن في السموات” (في 3: 2).
ويري الأب قيصريوس أسقف Arles أن هذه الدعوة الإلهية إنما تتحقق في مياه المعمودية بالروح القدس الذي ينزع عن أرضنا (الجسد) خطاياه، ويبيد عاداتها الشريرة (العشيرة)، ويغتصبنا من بيت أبينا القديم أي إبليس لنسكن في بيت أبينا الجديد. فمن كلماته: [إننا نؤمن وندرك أن هذه الأمور كلها قد تحققت فينا أيها الاخوة خلال سرّ المعمودية. أرضنا هي جسدنا، فتذهب بلياقة من أرضنا بتركنا عاداتنا الجسدية وتبعيتنا للمسيح. أفلا يُحسب الإنسان أنه قد ترك أرضه أي ذاته متى صار متضعًا بعد الكبرياء، وصبورًا بعد أن كان سريع الانفعال، وبتركه الانحلال ودخوله إلى العفة، وانطلاقه من الطمع إلى السخاء، ومن الجسد إلى الحنو، ومن القساوة إلى اللطف؟ حقًا أيها الاخوة من يتغير هكذا خلال حبه لله يكون قد ترك أرضه… أرضنا أي جسدنا قبل المعمودية تحسب أرض الأموات، لكنها بالمعمودية صارت أرض الأحياء، هذه التي أشار إليها المرتل، قائلاً: “أمنت أن أري جود الرب في أرض الأحياء” (مز 27: 13). بالمعمودية نصير أرض الأحياء لا الأموات، أي أرض الفضائل لا الرذائل… يقول الرب: “(وتعالَ) إلى الأرض التي أريك“، فنأتي بفرح إلى الأرض التي يرينا الله إياها، إن كنا بمعونته نطرد الخطايا والرذائل من أرضنا، أي جسدنا. “اذهب من عشيرتك”، هنا تفهم العشيرة بكونها الرذائل والخطايا التي وُلدت جزئيًا بطريقة ما معنا وتزايدت وانتعشت بعد الطفولة خلال عاداتنا الشريرة. إننا نترك عشيرتنا إن كنا خلال نعمة المعمودية نتفرغ من الخطايا والرذائل… ولا نعود كالكلب إلى قيئه. “اذهب من بيت أبيك“، لنقبل هذه العبارة بمفهوم روحي أيها الاخوة الأعزاء، فقد كان الشيطان أبانا قبل نعمة المسيح، عنه يتحدث الرب في الإنجيل عندما وبخ اليهود قائلاً: “أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا” (يو 8: 44)… لذلك يليق بنا أيها الاخوة أن نتأهل لنوال هذه الأمور خلال نعمة المعمودية وليس بقوتنا، فنترك أرضنا أي (شهوات) جسدنا، وعشيرتنا أي الرذائل والخطايا (العادات)، ونهرب من بيت الشيطان أبينا. لنبذل كل الجهد بمعونته لكي لا نعود إلى مصاحبة الشيطان أو مصادقته… بل بالأحرى نتمثل بإيمان إبراهيم ونعمل الأعمال الصالحة علي الدوام لا لننال الغفران فحسب وإنما لندخل مع الله في صداقة ومصاحبة. لنتأمل بخوف عظيم ومهابة ما قال الرب لموسى في هذا الشأن… “احترز من أن تقطع عهدًا مع سكان الأرض التي أنت آت إليها لئلا يصيروا فخًا في وسطك” (خر 34: 12). الآن نؤمن أننا بنعمة المعمودية ننزع عنا كل الخطايا والمعاصي، فإن عدنا وقطعنا معها عهدًا تصير لنا فخًا[232]].
لم يكن خروج إبرام سهلاً، إذ يعيش في مدينة ساحلية عُرفت بغناها وتقدمها وثقافتها بجانب ارتباطه بعائلته، خاصة وأن الدعوة جاءته في سن ليس بصغير، إذ خرج من حاران في سن 75 عامًا، أي في وقت يحتاج فيه إلى استقرار، هذا ولم يكن له ولد يرثه أو يهتم به في شيخوخته. نحن نعلم أن الإنسان يميل إلى التحرك بمرونة في سن صغير لكنه كلما كبر يصعب تحركه خاصة إن كان التحرك يعني تغييرًا شاملاً لمنهج حياته وطريقة سلوكه… ومع هذا فإبرام في مرونة الطفولة تحرك في طاعة لله. يقول القديس أمبروسيوس: [هوذا أبونا إبراهيم الذي تعين ليكون مثلاً للأجيال القادمة حينما أُمر أن يهجر أرضه وعشيرته وبيت أبيه بالرغم من كل الارتباطات الأُسرية التي كان ملتزمًا بها ألم يقدم برهانًا علي أنه يُخضع العاطفة للمنطق؟!… لقد قرر بكل تروٍ أن يجتاز الصعوبات دون أن يختلق لنفسه أعذارًا[233]].
هكذا قبل إبراهيم الدعوة الإلهية وأطاع متغلبًا علي الصعوبات والعواطف البشرية، والعجيب أن الله وهو يدعوه للخروج لا يحدد له الموضع الذي يستقر فيه، بل يقول: “اذهب… إلى الأرض التي أريك” [١]. ما هذه الأرض التي يرينا الله مقابل تركنا للأمور القديمة إلاَّ تمتعنا بالدخول إلى سمواته الجديدة وأرضه الجديدة، فهو لا يود أن يترك الإنسان في حرمان أو ترك لكنه يهب أكثر مما نترك، يعطينا أرضًا جديدة أو كما يقول القديس بفنوتيوس: [إنها أرض لا تقدر أن تعرفها ولا تكتشفها بمجهودك الذاتي بل الأرض التي أريك إياها، هذه التي لم ترها والتي تجهلها[234]]. ويري القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن غاية هذا الخروج هو دخول إلى أرض جديدة أي تمتع (بمعرفة الله)، إذ يقول: [إذ استطعنا بروح الرسول السامية أن نأخذ الكلمات بمفهومها الرمزي، فننفذ إلى المعني السري للتاريخ دون أن نفقد النظرة الحقيقية لوقائعه نجد بالتأكيد أن إبراهيم أب الإيمان قد ذهب، حسب الأمر الإلهي، من أرضه وعشيرته في رحلة تليق بنبي متعطش نحو معرفة الله. فإنني أظن أن البركات التي استحق أن ينالها لا تتناسب مع هجرة عادية من موضع إلى موضع؛ فخروجه من ذاته ومن أرضه – كما أفهمه – هو خروج من فكره الأرضي الجسداني وارتفاع به إلى أقصي ما يستطيع فوق حدود الطبيعة المعتادة، ونبذ لتعلق النفس بحواسها، حتى تنفتح عيناه علي الأمور غير المنظورة دون وجود أي عائق حسيّ. فلا يكون هناك منظر أو صوت يشغل الذهن عن عمله بل يسير “بالإيمان لا بالعيان” كقول الرسول. هكذا ارتفع (إبراهيم) عاليًا بسمو معرفته حتى بلغ إلى ما يعتبر قمة الكمال البشري، عارفًا عن الله كل ما يمكن أن تدركه إمكانيات الإنسان المحدودة…[235]].
إبرام بركة للأمم 2
إن كانت الدعوة الإلهية تحمل صعوبات كثيرة لكن هذه الصعوبات لا تقارن بجانب وعود الله له، فمع كل دعوة أو وصية يقدم الله وعدًا. فحين يُقال: “أخرجوا من وسطهم واعتزلوا” يكون وعد الله: “أكون لكم أبًا وأنتم تكونون لي بنين وبنات” (2 كو 6: 17، 18). لقد دعي الله إبرام الذي ليس له ولد ووعده: “فأجعلك أمة عظيمة وأباركك وأعظم أسمك” [٢]، وإذ طلب منه أن يترك غني أور الكلدانيين وعده: “وتكون بركة وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه“، وإذ سأله أن يترك عشيرته وبيت أبيه قال له: “وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض” [٣].
الله لا يقبل أن يكون مدينًا لإنسان إنما يطلب فرصة ليهبه بفيض؛ إنه يريد أولاده في حالة شبع حقيقي لا حرمان.
لعل إبرام استكان في أور الكلدانيين لوضعه بلا ابن من صلبه يرثه، لكن الله لا يعطيه ابنًا فقط بل ويجعله “أمة عظيمة مباركة”. لا يعده بمباركة ممتلكاته والتي يفقد الكثير منها خلال تنقلاته وإنما يجعله بركة، ولا يعده بأقرباء وأصدقاء إنما فيه تتبارك جميع قبائل الأرض.
يشتهي الله أن يهب أولاده بلا كيل ولا حساب، فيجعل منهم لا أُناسًا مباركين بل يكون كل منهم “بركة”… نحمل الله فينا فتتحول حياتنا إلى “نور” يضيء في العالم، وخميرة قادرة أن تخمر العجين كله… إنه يشتهي أن يهبنا ذاته فنكون بركة، إن كنا بالحق كإبرام نترك أرضنا وشعبنا وبيت أبينا القديم، حتى اسمنا نتركه لنحمل اسم “إبراهيم” عوض “إبرام”، أي نتخلى عن الاسم الجسدي القديم لنحمل اسمًا جديدًا في الرب. يقول العلامة أوريجانوس: [لا يستطيع أن ينال العهد مع الله وعلامة الختان… ويتمتع بالحديث المملوء بالأسرار… وهو في بيت الله، ووسط عشيرته الجسدية، يحمل اسم إبرام… طالما هو مرتبط بالدم واللحم[236]].
والعجيب حين يتخلى الإنسان عن كل شيء لا يعيش محرومًا بل ليتمتع بوعود الله، فإنه لا يتمتع بما لنفسه فحسب وإنما بما هو لحساب الجماعة كلها، بل ولحساب البشرية، إذ قيل لإبرام: “تتبارك فيك جميع قبائل الأرض”، الأمر الذي تحقق بمجيء السيد المسيح من نسل إبرام الذي به تباركت الشعوب، ويمكن أن يتحقق بصورة أخري في حياة كل مؤمن ينعم بتجلي السيد المسيح علي جبل قلبه الداخلي فيكون بركة للكثيرين. هذا هو ما أعلنه السيد المسيح في موعظته المشهورة بقول: “أنتم ملح الأرض… أنتم نور العالم” (مت 5: 13، 14).
يتحدث القديس أغسطينوس عن هذه البركة التي نالها إبرام، قائلاً: [لنلاحظ أن إبراهيم نال وعدين، الأول أن نسله يرث أرض كنعان وقد أشير إلى ذلك بالقول: “… أجعلك أمة عظيمة”، أما الوعد الآخر فأعظم جدًا إذ هو ليس بالوعد الجسدي بل الروحي، خلاله يصير أبًا لا للأمة الإسرائيلية وحدها بل لكل الأمم التي تقتفي أثر إيمانه[237]].
إبرام العملي في إيمانه 3-9
لم يكن إبرام في إيمانه يتوقف عند تعرفه علي الله بأفكار نظرية يحفظها ويدافع عنها، ولا يتوقف في ترجمته للمعرفة عند تقديم عبادات معينة، لكنه في إيمانه أطاع الله كصديق أعظم له. يقول الوحي الإلهي: “فذهب إبرام كما قال له الرب وذهب معه لوط، وكان إبرام ابن خمس وسبعين سنة لما خرج من حاران، فأخذ إبرام ساراى امرأته ولوطًا ابن أخيه وكل مقتنياتهما والنفوس التي امتلكا في حاران، وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان” [4-5].
يقول الرسول بولس: “بالإيمان لما دُعي إبراهيم أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدًا أن يأخذه ميراثًا” (عب 11: 8). بالإيمان انطلق قلب إبراهيم خارج أور الكلدانيين كما خارج من حاران فيما بعد، إذ كان يتطلع إلى “المدينة التي لها الأساسات التي صناعها وباركها الله” (عب 11: 10).
حقًا لقد كانت طاعة إبراهيم كاملة في قلبه لكنها كانت جزئية في تنفيذها فخرج أولاً من أور الكلدانيين ومعه والده تارح، ولا ندري لماذا خرج تارح؟ هل كان متعلقًا بابنه إبراهيم؟ أم وجد الفرصة سانحة لترك العبادة الوثنية؟… علي أي الأحوال خرج تارح معه إبراهيم إلى حاران وتوقف الموكب في حاران حوالي 15 عامًا، إذ لم يكن إبراهيم قادرًا علي الانطلاق منها إلاّ بعد موت والده تارح الذي غالبًا ما استثقل التحرك نحو كنعان فأعاق الموكب كله.
ليته لا يكون لنا في خروجنا من أور الكلدانيين تارحًا مرافقًا لنا حتى لا نتوقف في حاران سنوات طويلة بل ننطلق مسرعين نحو كنعان السماوية، نتمتع بمواعيد الله بلا عائق.
إن كانت كلمة “أور” تعني (ضياء)[238]، وكلمة “تارح” غالبًا ما تعني (ماعز جبلي)، وكلمة “حاران” تعني (جبلي)[239]، فإنه يليق بنا أن نخرج من ضياء الكلدانيين وبريقهم الجذاب منطلقين دون الارتباط بالأمور التافهة مثل: “الماعز الجبلي” حتى لا ننطلق إلى حاران إي المناطق الجبلية بل نسرع نحو كنعان التي تفيض عسلاً ولبنًا.
أخيرًا إذ مات “تارح” بعد حوالي 15 عامًا في حاران استطاع إبرام أن يطيع الدعوة الإلهية لا علي مستوي جزئي وإنما بسرعة فائقة، متجهًا نحو كنعان، ويبدو أن الرحلة كلها لم تستغرق أكثر من سنة.
أول بلد بلغها إبراهيم في أرض كنعان هي “شكيم” التي تعني (كتف)، كان يقطنها الكنعانيون بكتف معاندة لله؛ وبكتف معاندة ترك إخوة يوسف شكيم منطلقين إلى دوثان التي تعني (ثورة) (تك 37: 14-17)… لكنها صارت فيما بعد تمثل الكتف المنحنية بالحب لله تحمل الأثقال، إذ صارت تمثل جزءًا من أرض الموعد، مدينة تابعة لسبط لأوي وإحدى مدن الملجأ.
شكيم مدينة لها سور (تك 33: 18؛ 34: 20) عند سفح جبل جرزيم (قض 9: 7)، في أيام يعقوب إذ عاد إلى كنعان فوجد الحويين يقيمون فيها (تك 34: 2) حيث ابتاع قطعة حقل نصب فيها خيمته (تك 33: 18، 19)، وفيها دُفن جسد يوسف (يش 24: 32). وإذ أساء شكيم بن حمور الحموي إلى دينة ابنة يعقوب، قتل أخواها شمعون ولأوي كل ذكر في المدينة (تك 34: 25-29). بالقرب من شكيم رعى اخوة يوسف غنمهم (تك 37: 12، 13). هناك عند جبل جرزيم وجبل عيبال قرأ يشوع سفر التوراة (يش 8: 30-35). وقد اختيرت كمدينة للملجأ (يش20: 7، 21: 21). هناك دعى يشوع الأسباط لسماع خطابه الوداعي (يش 24: 1). صارت شكيم عاصمة لإسرائيل في عهد يربعام الذي ثار بالأسباط العشرة ضد رحبعام (1 مل 12)، وبعد سقوط المملكة الشمالية بقيت شكيم (إر 41: 5)، وصارت عاصمة السامريين[240]].
شكيم أو نابلس، تبعد حوالي 41 ميلاً شمال أورشليم، 5.5 ميلاً جنوب شرقي السامرة. وتقع في الوادي الأعلى المحاط بجبل عيبال من الشمال وجبل جرزيم من الجنوب، وكان الوادي معروفًا “مابارثا” أي (ممر)، بكونه ممرًا من الساحل إلى الأردن.
يبدو أن إبرام لم يدخل شكيم إنما خيم بجوارها وعبر إلى “بلوطة مورة” [6]، التي تعني (بلوطة المعلم) أو (بلوطة العرّاف)؛ يبدو أنها أخذت اسمها عن “معلم” أو “عراف” كان يسكن هناك، وكان الناس يلتقون به تحت شجرة البلوطة.
في هذا الموضع أقام إبرام “مذبحًا للرب” [7] لأول مرة في أرض كنعان، يُقال أنه هناك دفن يعقوب كل الآلهة الغريبة التي في أيدي عائلته والأقراط التي في آذانهم (تك 35: 4) التي جاءوا بها من حاران؛ وهناك “أخذ (يشوع) حجرًا كبيرًا ونصبه هناك تحت البلوطة التي عند مقدس الرب، ثم قال يشوع لجميع الشعب أن هذا الحجر يكون شاهدًا علينا لأنه قد سمع كل كلام الرب الذي كلمنا به فيكون شاهدًا عليكم لئلا تجحدوا إلهكم” (يش 24: 26، 27).
لقد تقدس الموضع إذ قدم إبرام ذبيحة شكر لله الذي دخل به أرض كنعان التي وعده أن تكون لنسله من بعده، حيث يتمجد الله وتدفن الآلهة الغريبة يتحول الموضع إلى مكان كرازة ليشوع الحقيقي فيسمع الشعب صوت الكلمة الإلهية.
هذه هي المرة الأولى التي نسمع فيها أن الرب ظهر إنسان [٧]، مؤكدًا وعده لإبرام: “لنسلك أعطى هذه الأرض” [٧]، ولم يكن أمام إبرام إلاَّ أن يبني مذبحًا للرب يقدم عليه ذبيحة شكر لذاك الذي دعاه ورافقه الطريق وأكد رعايته له.
انتقل إبرام نحو بيت إيل… “فبنى هناك مذبحًا للرب ودعا باسم الرب” [٨]. ثم ارتحل ارتحالاً نحو الجنوب “الـ Negeb “.
إبرام في مصر 10-13
“وحدث جوع في الأرض فانحدر إبرام إلى مصر ليتغرب هناك، لأن الجوع في الأرض كان شديدًا” [١٠].
كانت المجاعات تتكرر في أرض كنعان، وكان العلاج هو النزول إلى مصر حيث نهر النيل.
لم يكن بعد قد أقام إبرام الشيخ المسن في أرض الموعد كثيرًا حتى حدثت المجاعة، ومع هذا لم يشعر إبرام أنه أخطأ التصرف بخروجه من أرضه وعشيرته وبيت أبيه، ولا تذمر على الله، ولا استهان بوعد الله له انه يعطيه هذه الأرض لنسله بكونها أرضًا تتعرض لمجاعات.
لقد تباركت مصر باستقبال إبرام أب الأباء لتعوله وقت المجاعة، ولتستقبل حفيده يعقوب هو وعائلته لينطلق شعب إسرائيل من مصر، وأما ما هو أعظم من الكل فقد لجأ إليها السيد المسيح نفسه في طفولته يباركها (مت 2: 13) محققًا ما تنبأ عنه إشعياء النبي (إش 19). لكن كثيرين يشعرون أن إبراهيم أخطأ بانحداره إلى مصر، إذ جاء إليها دون رسالة صريحة من قبل الله كما حدث مع حفيده يعقوب، حيث قال له الرب: “أنا أنزل معك إلى مصر” (تك 46: 4). كان نزول إبراهيم يمثل الإنسان الذي دخل إلى أرض الموعد لكنه سرعان ما اتكل على الذراع البشرى فنزل لطلب العون الإنساني لا الإلهي، إذ قيل بإشعياء: “ويل للذين ينزلون إلى مصر للمعونة ويستندون على الخيل ويتوكلون على المركبات لأنها كثيرة وعلى الفرسان لأنهم أقوياء جدًا ولا ينظرون إلى قدوس إسرائيل ولا يطلبون الرب” (إش 31: 1).
وبقدر ما صوّر لنا الكتاب المقدس إبرام في أروع صوره وهو خارج في طاعة للدعوة الإلهية يتكئ على وعد الله بإيمان، إذ به يكشف عن ضعفه في صورة بشرية مؤلمة، فقد اتكأ على أرض مصر وقد عرف ما اتسم به المصريون في ذلك الحين من شهوات جسدية فخاف، مطالبًا زوجته أن تقول أنها أخته… “ليكون لي خير بسببك وتحيا نفسي من أجلك!” [١٣].
هذا وعندما تحدث الكتاب هنا عن المجاعة قال: “وحدث جوع في الأرض” [١٠]، ولم يقل “اشتد الجوع على إبرام “كما قال عن المصريين: “لأن الجوع أشتد عليهم” (تك 47: 20). وما قيل عن المجاعة التي حدثت في أيام إبرام قيل عن تلك التي حدثت في أيام حفيده يعقوب: “وكان الجوع شديدًا في الأرض” (تك 43: 1) فالمؤمنون قد تحوط بهم المجاعات لكنها لا تمس إلا الأرض أي الجسد، أما غير المؤمنين فينحنون لها وينكسرون أمامها “لأن الجوع اشتد عليهم” (تك 47: 10). وكما يقول العلامة أوريجانوس: [لم تشتد المجاعة على إبراهيم ولا على يعقوب أو أولاده، إنما إن اشتدت إنما تشتد “على الأرض”. وفي أيام إسحق قيل أيضًا: “وكان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان في أيام إبراهيم” (تك 26: 1). لكن الجوع لم يكن قادرًا أن يغلب إسحق، حتى قال له الرب: “لا تنزل إلى مصر، اسكن في الأرض التي أقول لك، تغرب في هذه الأرض، فأكون معك” (تك 26: 2، 3). وفي رأيي، يتفق مع هذه الملاحظة قول الرسول فيما بعد: “كنت فتي وقد شخت ولم أر صديقًا تُخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزًا” (مز 37: 25). وفي موضع آخر: “الرب لا يجيع نفس الصديق” (أم 10: 3). كل هذه النصوص تعلن أن الأرض يمكن أن تعاني من الجوع، وأيضًا الذين لهم الفكر الأرضي (في 3: 19). أما الذين لهم الخبز الذي به يفعلون إرادة الآب السماوي (مت 7: 21) والذين تنتعش نفوسهم بالخبز النازل من السماء (يو 6: 51، 59) فلن يعانوا من حرمان مجاعة[241]].
لا نخف إذن من المجاعة، فإنها تصيب الأرض والأرضيين، أما من التصقوا بالرب وقبلوا جسده المقدس طعامًا روحيًا فلن يصيبهم جوع، إذ يأكلون من شجرة الحياة (رؤ 2: 7) ويشربون عصير الكرمة الحقيقية (يو 15: 1) جديدًا في ملكوت الآب (مت 26: 29).
لنكف عن أن نكون أرضًا فلا يصيبنا الجوع، ولننعم بالحياة السماوية فيكون لنا الشبع الأبدي.
. ساراى وفرعون 14-20.
أخطأ إبرام بنزوله إلى مصر دون الرجوع إلى الله أو انتظار إعلاناته له، وسحبه الخطأ إلى أخطاء متوالية… وكانت الثمرة الطبيعية أنه حُرم من زوجته إلى حين إذ سلبه فرعون إياها. والعجيب أن ما كان إبرام عاجزًا عن إعلانه بأن ساراى زوجته أعلنه الله لفرعون ليردها إليه دون أن يمسها بل ونال غني وكرامة.
العجيب أن الله لا يحاسب الإنسان حسب ضعفاته، فلو أن الله سمح لفرعون أن يمس امرأة إبرام لبقي الأخير معذب الضمير كل أيام حياته، مهما نال من بركات أو عطايا… لذلك حفظها الرب من يدي فرعون، بل وردّ لإبرام غني وكرامة… لنقول مع المرتل: “لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يُجازنا حسب آثامنا، لأنه مثل ارتفاع السموات فوق الأرض قويت رحمته علي خائفيه” (مز 103: 10، 11). لقد كان إبرام أحد خائفي الرب ومحبيه، لذا تمتع بالمراحم التي تعلو علي الأرض، وتحقق فيه القول: “لا تمسوا مسحائي، ولا تُسيئوا إلى أنبيائي” (مز 105: 15). وكما يقول القديس أغسطينوس[242] [بأن إبرام ينتظر عمل الله معه، وما كان إبرام يترجاه صنعه له الرب].
سفر التكوين – أصحاح 12
تفاسير أخرى لسفر التكوين أصحاح 12
تفسير تكوين 11 | تفسير سفر التكوين القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير تكوين 13 |
تفسير العهد القديم |