تفسير سفر إشعياء ٢٤ للقس أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع والعشرون

 

في الإصحاحات من 24 حتى 27 نبوات خاصة بيهوذا وإسرائيل بل والشعوب المحيطة، نبوات عمومية تخص الأرض كلها عند كمال الأزمنة. إنه هنا يترك الجزئيات ليدخل في الكليات. فيترك الحديث عن عينات من الشعوب إلي شعوب الأرض كلها وهذا ليظهر شمولية الفساد.. و في ثنايا الحديث تظهر بشري الخلاص وما أدخره الله للمفديين من فرح وسرور أبدي وميراث أبدي لا يضمحل.

وسط النبوات بالخراب نسمع صوت الرجاء والخلاص فتتمازج هنا وعود الله للأبرار ووعيده للأشرار. فنسمع أن الأرض فسدت وتبدأ النبوات عن دينونة الأرض بإظهار أن الخطية ضربت جذورها في الأرض كلها وأمام الدينونة العامة، الجميع تحت الحكم سواء الكاهن أو النبي أو الشيخ أو الحكيم. فالجميع يستحق الموت فقد أخطأ الجميع. ثم تأخذ النبوات غآية الإبداع.. فنجد أن الرب يخلي الأرض ويفرغها.. وكأن الرب يعيد من جديد صياغتها، ويعيد خلقتها خليقة جديدة كما صنع منذ البدء حين خلق العالم وقت أن كان كل شيء خراب.

(تك 1 : 2) وهذا هو الخلاص الذي صنعه المسيح لذلك قال بولس الرسول ” إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة” (2كو 5 :17) فالأرض تشير للجسد الذي أخذ منها. و تفريغ الأرض ثم تجديدها إشارة لما يحدث في المعمودية من موت الإنسان العتيق ليقوم الإنسان الجديد. هي الولادة الجديدة.

والخراب المشار إليه قد يكون إشارة للخراب الذي عمله أشور، لكنه يشير صراحة للوضع المأساوي الذي وصل إليه البشر نتيجة الخطية، و يشير حال الخاطئ الآن الذي مازال غير ثابتاً في المسيح وانعدام تعزياته الداخلية.

وهذه الآيات ستتكرر في نهآية الأيام حين تزول الأرض وتخرب وتنتهي صورة العالم القديم ثم القيامة من الأموات والخلاص النهائي في الأبدية. وجزئياً فستخرب بابل إسرائيل ويهوذا لتأديبهما، ثم تسقط بابل أيضاً، والمصائب التي تصيب اليهود هدفها تطهيرهم أما مصائب الأمم غير التائبين فهي للهلاك.

 

آية (1)  هوذا الرب يخلي الأرض و يفرغها و يقلب وجهها و يبدد سكانها.

الأرض = يهود وأمم، فالخلاص لكل بني أدم. ويقلب وجهها = تصير كصحن تقلبه فلا يصير فيه شيئاً. والأرض خربت بسبب الخطية. ونجد دائماً أن نهآية الأفراح العالمية حزن دائم.

 

آية (2) و كما يكون الشعب هكذا الكاهن كما العبد هكذا سيده كما الأمة هكذا سيدتها كما الشاري هكذا البائع كما المقرض هكذا المقترض و كما الدائن هكذا المديون.

الكل سواء في الخراب الواحد الذي يعم جميع الناس بدون استثناء ومراتب الناس لن تحميهم من الخراب أو من غضب الله.

 

آيات (3، 4) تفرغ الأرض إفراغا و تنهب نهبا لان الرب قد تكلم بهذا القول. ناحت ذبلت الأرض حزنت ذبلت المسكونة حزن مرتفعو شعب الأرض.

سبب الخراب هو الخطية والكبرياء مرتفعو = متكبرون.

 

آية (5) و الأرض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع غيروا الفريضة نكثوا العهد الأبدي.

سبب الخراب هو الخطايا = تعدوا الشرائع ” ملعونة الأرض بسببك” ولهذا تأثرت الأرض بخطايا الإنسان إذ صارت ملعونة. العهد الأبدي = هو ناموس الله المطبوع في الإنسان أي الضمير ثم وصايا الناموس لشعب الله.

 

آية (6) لذلك لعنة أكلت الأرض و عوقب الساكنون فيها لذلك احترق سكان الأرض و بقي أناس قلائل.

من مراحم الرب أن هناك بقية.

 

آيات (7 – 9) ناح المسطار ذبلت الكرمة أن كل مسروري القلوب. بطل فرح الدفوف انقطع ضجيج المبتهجين بطل فرح العود. لا يشربون خمرا بالغناء يكون المسكر مرا لشاربيه.

انصبت الدينونة علي من يفرحون بهذا العالم فرحاً زائفاً ويصير الخطاة بلا تعزية وبلا سلام داخلي.

 

آية (10) دمرت قرية الخراب أغلق كل بيت عن الدخول.

قرية الخراب = ربما تكون أورشليم وربما أي مدينة تخرب بسبب الخطايا. أغلق كل بيت= بسبب الحزن والخراب.

 

آية (11) صراخ على الخمر في الأزقة غرب كل فرح انتفى سرور الأرض.

نري هؤلاء البائسين يتصارعون علي الخمر لعلهم يتعزون ولا فائدة.

 

آية (12) الباقي في المدينة خراب و ضرب الباب ردما.

سلامة المدينة في سلامة بابها، وهنا نجد الباب مضروباً.

 

آية(13)  انه هكذا يكون في وسط الأرض بين الشعوب كنفاضة زيتونة كالخصاصة إذا انتهى القطاف.

مرة ثانية في نفس الإصحاح نري أن هناك بقية ستخلص.

 

آيات (14، 15) هم يرفعون أصواتهم و يترنمون لأجل عظمة الرب يصوتون من البحر.لذلك في المشارق

مجدوا الرب في جزائر البحر مجدوا اسم الرب اله إسرائيل.

نجد هنا ترتيل وترنيم لبزوغ النور الإلهي. وقارن مع ترنيمة المفديين (رؤ 15) وترنيمة موسي بعد الخروج. إذاً هذه هي ترنيمة الذين خلصهم المسيح من هذا الخراب الذي حل بالأرض. وهؤلاء المخلصين سيكونون في كل العالم من المشارق إلي غرب الأرض = جزائر البحرالكل يمجد. هذه أفراح البقية الأمينة المؤمنة، وبينما تتوقف الأفراح العالمية لا تتوقف الأفراح الروحية للقديسين (حتى في أوقات استشهادهم أو موتهم).

 

آية (16) من أطراف الأرض سمعنا ترنيمة مجدا للبار فقلت يا تلفي يا تلفي ويل لي الناهبون نهبوا الناهبون نهبوا نهبا.

عند ظهور مجد الرب هناك من يرنم كما سبق، ولكن هناك أيضاً من رفض الإيمان ومن عاش في خطيته هؤلاء الذين يهلكون يصرخون ياتلفي وربما هنا النبي في شفقته عليهم يتكلم بلسانهم. الناهبون نهبوا = من كان أبنا لإبليس في حياته رافضاً التوبة سينهبه إبليس في النهآية.

 

آية (17) عليك رعب و حفرة و فخ يا ساكن الأرض.

العدو يحارب شعب الله بالرعب والخداع والفخاخ.

 

آية (18) و يكون أن الهارب من صوت الرعب يسقط في الحفرة و الصاعد من وسط الحفرة يؤخذ بالفخ لان ميازيب من العلاء انفتحت و أسس الأرض تزلزلت.

المصائب مشبهة بميازيب إشارة لما حدث أيام الطوفان وربما تتزلزل الأرض فعلاً في آخر الأيام، بل هي ستزول وتحترق وتترنح كالسكران، أي هي غير ثابتة.

 

آيات (19، 20)انسحقت الأرض انسحاقا تشققت الأرض تشققا تزعزعت الأرض تزعزعا. ترنحت الأرض ترنحا كالسكران و تدلدلت كالعرزال و ثقل عليها ذنبها فسقطت و لا تعود تقوم.

إنسحقت…. تشققت…. تزعزعت = النبي لم يجد كلمة واحد للتعبير عما حدث. كل ما إعتبره الإنسان ثابتاً سيهتز. هنا نري صورة لثقل الخطية التي حملها المسيح عنا فهي مثل كتلة ثقيلة ارتطمت بالأرض فسحقتها وشققتها وزعزعتها. كالعرزال كوخ يبنيه المراقب في أطراف الشجرة ليراقب الحيوانات في الغابة فيثقل علي الفرع فينثني ولا تعود تقوم = إشارة لسقوط الممالك ونهآية بسقوط الأرض والسماء وزوالها لتقوم الأرض الجديدة والسماء الجديدة (رؤ 21 :1)

 

آية (21) و يكون في ذلك اليوم أن الرب يطالب جند العلاء في العلاء و ملوك الأرض على الأرض.

جند العلاء = هم أجناد الشر الروحية الذين سيحكم الله عليهم.

 

آية (22) و يجمعون جمعا كاسارى في سجن و يغلق عليهم في حبس ثم بعد أيام كثيرة يتعهدون.

المعني أن الله سيحط من شأن الشيطان ويقيده بسلسلة حتى يأتي الزمان الأخير حين يلقيه في البحيرة المتقدة بنار (رؤ 20 :10) أما حط الشيطان وتقييده بسلسلة فهذا تم بالصليب. أساري في سجن = أي موجودين في جهنم مكان انتظار الأشرار حتى يأتي اليوم الأخير الذي فيه يتعهدون أي يعاقبون بدخولهم للجحيم.

 

آية (23) ويخجل القمر و تخزى الشمس لان رب الجنود قد ملك في جبل صهيون و في أورشليم و قدام شيوخه مجد.

هذا ماحدث يوم الصليب وسيحدث في اليوم الأخير، فلقد خجل القمر والشمس أمام ما فعله الإنسان بمخلصه وفاديه. وقد تعني أن الأبرار سيعاينون نور الله الذي أمامه يخجل نور الشمس والقمر. قدام شيوخه مجد = إشارة لكهنة الرب الذين يتقدمون لأسراره.

فاصل

فاصل

تفسير إشعياء 23 تفسير سفر إشعياء
القمص أنطونيوس فكري
تفسير إشعياء 25
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى