تفسير سفر القضاة ١٤ للقس أنطونيوس فكري
الإصحاح الرابع العاشر
الآيات (1-4): “ونزل شمشون إلى تمنة ورأى امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين. فصعد واخبر أباه وأمه وقال قد رأيت امرأة في تمنة من بنات الفلسطينيين فالان خذاها لي امرأة. فقال له أبوه وأمه أليس في بنات اخوتك وفي كل شعبي امرأة حتى انك ذاهب لتأخذ امرأة من الفلسطينيين الغلف فقال شمشون لأبيه إياها خذ لي لأنها حسنت في عيني. ولم يعلم أبوه وأمه أن ذلك من الرب لأنه كان يطلب علة على الفلسطينيين وفي ذلك الوقت كان الفلسطينيون متسلطين على إسرائيل.”
الزواج بأممية ليس بحسب ناموس موسى بل هو ضده، إذاً فهى ضد مشيئة الله. فلماذا قيل أن ذلك من الرب = لقد أخطأ شمشون فى طلبه هذا فهو تصرف وفقاً لهواه وإختار إمرأة وثنية لكن الله لأنه يريد تأديب أعداء شعبه ولأن الله قادر أن يجعل كل الأمور تعمل معاً للخير فهو سمح بهذا ليستغله لخير شعبه. وهل شمشون وهو بلا شك قد أخطأ فى هذا الإختيار هل ممكن أنه يرمز للمسيح ككل قاضٍ؟ بلا شك شمشون كان يرمز للمسيح فى أنه 8 هو نزل ليخطب لنفسه إمرأة وثنية. والمسيح نزل لعالمنا ليخطب لهُ من بين الأمم عروساً هى كنيسته، يخطبها لنفسه روحياً 9 وكما لم يسترح أبو شمشون لهذه الخطبة لم يسترح الشعب اليهودى لعلاقة المسيح بالأمم ولم يفهموا أن الأمر من الله. 10 بهذه الخطبة بدأ شمشون فى مضايقة أعداء شعبه. والمسيح حينما بدأ يخطب عروسه الكنيسة بدأ يضايق أعداء شعبه (الشياطين) تمهيداً لضربهم تماماً.
والمسيح كان بلا خطية ولكن حمل خطايانا ومات بها على الصليب فهو أدانها على الصليب وحطمها 11وهكذا شمشون ولكن شمشون كانت لهُ خطاياه فعلاً رمزاً للمسيح الذى وهو بلا خطية صار خطية لأجلنا. وشمشون بموته تحت أنقاض الهيكل الفلسطينى أدينت خطاياه فى جسده الذى مات بسبب الخطية. وكان فى موته هلاك أقطاب الفلسطينيين (16 : 30).
ونلاحظ ان الله لم يريد حرباً عامة ضد الفلسطينيين بل مجرد مضايقتهم وتأديبهم لأن الفلسطينيين لم يحاربوا إسرائيل بل عن طريق جبابرتهم إغتصبوا مقتنيات اليهود ووضعوا جزية عليهم فالله يرد عليهم بالمثل. لذلك لم يرسل الله قائداً كجدعون. تمنة = 740 قدماً عن سطح البحر. بينما صرعة مدينة شاول إرتفاعها 1500 قدم لذلك قيل ونزل شمشون رمزاً لنزول المسيح.
الآيات (5-9): “فنزل شمشون وأبوه وأمه إلى تمنة وأتوا إلى كروم تمنة وإذا بشبل أسد يزمجر للقائه. فحل عليه روح الرب فشقه كشق الجدي وليس في يده شيء ولم يخبر أباه وأمه بما فعل. فنزل وكلم المرأة فحسنت في عيني شمشون. ولما رجع بعد أيام لكي يأخذها مال لكي يرى رمة الأسد وإذا دبر من النحل في جوف الأسد مع عسل. فاشتار منه على كفيه وكان يمشي ويأكل وذهب إلى أبيه وأمه وأعطاهما فأكلا ولم يخبرهما انه من جوف الأسد اشتار العسل.”
الله أعطى قوة لشمشون، وأعطاه هنا أن يختبر قوته فيثق فى نفسه فالله يدربه ليستطيع أن يقف أمام الفلسطينيين. وهكذا صنع الله مع داود. فداود قتل أسداً ودباً فوثق فى إمكانية قتل جلياط الجبار. وكان قتل الأسد وأكل العسل من جوفه تمهيداً للغز الذى حيَّر الفلسطينيين. هنا يظهر شمشون أقوى من الآخرين لأن روح الرب يحركه ويقوده والمسيح لم يكن فى قوته أحد 12 فهو لهُ سلطان على كل شىء حتى الطبيعة وحتى الموت. وشمشون كان يعمل بمفرده كما قيل عن المسيح دُست المعصرة وحدى 13. وهزم شمشون الأسد والمسيح هزم الشيطان الذى يجول كأسد زائر يلتمس أن يبتلع عروسه 14 ووالدى شمشون لم يعرفا سر هزيمة الأسد وقتله واليهود للأن لم يعرفا سر الصليب 15 وشمشون مع أبويه نزل إلى كروم تمنة = رمزاً للمسيح الذى نزل لكنيسته الكرمة الحقيقية. ولم يخبر أباه.. بما فعل = ربما تواضعاً. وإذا دبّر من النحل فى جوف الأسد = لقد جفت جثة الأسد سريعاً بسبب الشمس فجاء النحل وعمل فيها خلية. فإشتار منه = أى قشطه بيديه. وكان يمشى ويأكل = كان فرحاً لأنه وجد لغزاً يصعب على أحد حلّه وكما فرح شمشون وأكل العسل بعد هزيمة الأسد، هكذا كل من يغلب خطية ما بعد أن يقاومها يصير لهُ هذا فرح ولذة. ويتحول الجافى إلى حلاوة. ويكون الذى يفترس الآخرين لنا شيئاً نأكله. ودائماً فالله يخرج لكنيسته وشعبه حلاوة من كل الضيقات التى يدبرها لها أعدائها لأذيتها. فأعطاهما فأكلا ولم يخبرهما = هو خشىِ أن يخبرهما أن العسل من جثة والناموس يمنع ملامسه الميت. وأيضاً خشى أن يخبرهما فهو نذير والنذير لا يليق به لمس جثة ميت. وكذلك حتى لا يفشوا سر الأحجية التى أكتشفها للفلسطينيين. ويسوعنا بعد أن هزم لنا إبليس 16 قدّم لنا عسل أسرار محبته، محبة الله الفائقة. وأكل والديه من العسل يشير لأنه كان من بين اليهود 17 مؤمنين بالمسيح تذوقوا عسل محبته.
وهناك من تأمل فيما حدث وقال إن شمشون يرمز للشعب اليهودى الذى قتل المسيح وهو الأسد الخارج من سبط يهوذا. فالمسيح هو الأسد هُزِم بالموت ليهزم الموت وبموته إنتصر على الشيطان 18 والرأيان يكمل أحدهما الأخر. ويكون العسل فى فم الأسد هو التعاليم المحيية للمسيح (مز 119 : 103) 19
الآيات (10،11): “و نزل ابوه الى المراة فعمل هناك شمشون وليمة لانه هكذا كان يفعل الفتيان. فلما رأوه احضروا ثلاثين من الأصحاب فكانوا معه.”
لماّ رأوه ورأوا قوته أتو بـ 30 رجلاً لخوفهم منه ليحموا أنفسهم.
الآيات (12،13): “فقال لهم شمشون لاحاجينكم أحجية فإذا حللتموها لي في سبعة أيام الوليمة وأصبتموها أعطيكم ثلاثين قميصا وثلاثين حلة ثياب. و ان لم تقدروا ان تحلوها لي تعطوني انتم ثلاثين قميصا و ثلاثين حلة ثياب فقالوا له حاج احجيتك فنسمعها.”
قميص = صدرية من الكتان كملبس داخلى. حلّة ثياب = خاصة بحضور الولائم والمناسبات عوض الثوب اليومى.
آية (14): “فقال لهم من الأكل خرج أكل ومن الجافي خرجت حلاوة فلم يستطيعوا أن يحلوا الأحجية في ثلاثة أيام.”
من الأكل = أى بطن الأسد الذى كان يجب أن يكون قبراً لشمشون خرج أكل = أى عسل الذى صار مصدر حياة وطعام وحلاوة. وهذا فيه إشارة للفلسطينيين الذين كان شمشون سيقف أمامهم وعوضاً أن يقتلوه قتلهم وخلّص شعبه وأعطى شعبه حياة. وتشير أيضاً لصراعنا مع إبليس فالله يعطينا قوة لننتصر عليه فيكون ما هو سبباً لهلاكنا حلة لتتويجنا. الجافى = المر أو الذى لا يؤنس إليه أو جافى الطباع.
الآيات (15-18): ” و كان في اليوم السابع انهم قالوا لامراة شمشون تملقي رجلك لكي يظهر لنا الاحجية لئلا نحرقك و بيت ابيك بنار التسلبونا دعوتمونا ام لا. فبكت امراة شمشون لديه و قالت انما كرهتني و لا تحبني قد حاجيت بني شعبي احجية و اياي لم تخبر فقال لها هوذا ابي و امي لم اخبرهما فهل اياك اخبر. فبكت لديه السبعة الايام التي فيها كانت لهم الوليمة و كان في اليوم السابع انه اخبرها لانها ضايقته فاظهرت الاحجية لبني شعبها. فقال له رجال المدينة في اليوم السابع قبل غروب الشمس اي شيء أحلى من العسل وما اجفى من الأسد فقال لهم لو لم تحرثوا على عجلتي لما وجدتم أحجيتي.”
كان ردهم بهذا الأسلوب الغامض حتى يفهم شمشون أنهم أدركوا الحل بذكائهم وليس من خطيبته الفلسطينية. ولكن شمشون فهم ما حدث فقال لو لم تحرثوا على عجلتى أى لو لم تضغطوا على خطيبتى كما بمحراث حتى يخرجوا ما بداخلها كالأرض المحروثة يظهر ما فى باطنها. ونلاحظ أن إبليس لا يستطيع أن يؤدبنا ما لم يحرث على عجلة شهواتنا وطبيعتنا الفاسدة.
آية (19): وحل عليه روح الرب فنزل إلى اشقلون وقتل منهم ثلاثين رجلا واخذ سلبهم وأعطى الحلل لمظهري الأحجية وحمي غضبه وصعد إلى بيت أبيه.
ظهر هنا لماذا كان أمر الخطبة من الله أى بسماح منه، فلقد تحوّلت أفراح أعداء شعب الله لأحزان، فأياّم الفرح السبعة كانت ضيق للمرأة وأسرتها بسبب ضغط الرجال عليهم، وضيق للرجال فهم لا يستطيعون حل الأحجية ثم موت 30 رجلاً منهم ولاحظ تكرار القول أن روح الرب يحركه وهذا سر قوته. فإذا سمعنا أن سر قوته فى شعره فهذا لأن الشعر علامة تكريسه وليست القوة فى شعره بل فى روح الرب الذى يحركه.
20 من الأكل خرج آكل = هى تشير للمسيح. فالأكل هو الموت الذى ماته المسيح ولكن جاء منه أكُل فالمسيح أعطانا جسده لنأكله (يو 6 : 41). والأمم الوثنية أمنوا فوجدوا حلاوة الحياة من الذى حمل جفاوتهم (المر والخل). ومن فم الأسد الميت أى من فم المسيح الذى ربض ونام كأسد خرج دبّر من النحل أى المسيحيين لو لم تحرثوا على عجلتى لما وجدتم أحجيتى = العجلة هى الكنيسة خطيبة المسيح التى صارت لها أسرار إيماننا معلنة لها بواسطة رجلها. فبواسطة تعاليم الرسل والقديسين وخلال كرازتهم إنتشرت أسرار الثالوث والقيامة والدينونة وملكوت السموات. والوليمة التى عرفت فيها المرأة الأسرار وأذاعتها على العالم (30 من الأصحاب) فتمتعوا بحلل الخلاص خلال مياه المعمودية فرقم 30 يشير لسن عماد المسيح. هى نفس الوليمة التى كانت سر هلاك 30 من الغرباء وسلب حللهم. فما يناله كل منا من نعم وبركات خلال عمل المسيح (رمزه شمشون) يُحسب هلاكاً لإبليس وسلباً لممتلكاته التى سبق فإغتصبها. لقد نُزِعَتْ عن إبليس كل إمكانياته بعد أن كان قبلاً كوكب الصبح ومجلسه فى السمويات لينعم الإنسان بإمكانيات سماوية ويرتفع بين الطغمات الملائكية. ولكل مؤمن قوة تناظر قوة شمشون هى قوة الإيمان الذى ينقل الجبال (جبل المقطم) ويهدم الحصون (2كو 10 : 4) وأعظم ما يغيره الإيمان هو أنه يحول القلب المملوء خطية إلى قلب محب لله.
آية (20): فصارت امرأة شمشون لصاحبه الذي كان يصاحبه.
فصارت إمراة شمشون لصاحبه = هو صاحب العريس الذى يساعده يوم عُرسِهِ أى إشبينه (يو 3 : 29).
سفر القضاة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21
تفسير سفر القضاة: مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 – 17 – 18 – 19 – 20 –21