تفسير سفر نحميا ٢ للقمص تادرس يعقوب
رجل صلاة وعمل
يرى البعض أن هذا الأصحاح أعظم درس عن القيادة الحكيمة في العالم، أو على الأقل هو درس عظيم في هذا الشأن.
يكشف لنا هذا الأصحاح عن حقيقة هامة، وهي أن الله يود أن يعمل بنا أكثر من رغبتنا نحن في أن نعمل.
كان نحميا وهو رجل صلاة، رجلًا عمليًا لم يتحرك للبناء إلا بعد أن طلب من الملك تصاريح تسنده للبدء في العمل وتكملته (2: 7-8).
1. تحركه للعمل 1-3
وَفِي شَهْرِ نِيسَانَ فِي السَّنَةِ الْعِشْرِينَ لأَرْتَحْشَسْتَا الْمَلِكِ.
كَانَتْ خَمْرٌ أَمَامَهُ فَحَمَلْتُ الْخَمْرَ، وَأَعْطَيْتُ الْمَلِكَ.
وَلَمْ أَكُنْ قَبْلُ مُكَمَّدًا أَمَامَهُ. [1]
شهر نيسان يقابل جزءًا من مارس وآخر من أبريل.
المدة ما بين سماع نحميا لأخبار أورشليم (شهر كسلو) إلى وقوفه هنا أمام الملك (شهر نيسان) بلغت أربعة أشهر. لم يرد نحميا أن يتسرع في عرض الأمر على الملك بالرغم من إدراكه ثقة الملك فيه، وذلك حتى يتحصن بقوة إلهية. وربما انتظر نحميا حتى يأتي دوره في تقديم الخمر للملك.
فَقَالَ لِي الْمَلِكُ:
لِمَاذَا وَجْهُكَ مُكَمَّدٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مَرِيضٍ؟
مَا هَذَا إِلاَّ كآبَةَ قَلْبٍ!
فَخِفْتُ كَثِيرًا جِدًّا [2]
كان العاملون في القصر ملتزمين أن يظهروا أمام الملك بوجهٍ باشٍ، تحت كل الظروف. لكن لم يكن في استطاعته أن يخفي المرارة التي ملأت نفسه بسبب الحال الذي بلغت إليه أورشليم. وإذ كان أرتحشستا الملك يثق في نحميا سأله عن سبب كآبة قلبه. حزن نحميا لم يكن مصادفة، إن صح التعبير، إنما هو انعكاس لمرارة نفسه من أجل شعب الله.
سؤال الملك يكشف عن تعجبه من حزن نحميا، فقد اعتاد أن يراه دائمًا متهللًا. ولعل تهليل قلب نحميا كان ينعكس على وجهه، فيعطي بهجة للملك. سلام قلب نحميا حتمًا كان يختلف تمامًا عما يظهره السقاة الآخرين، لأن الأول يتقبل بهجته من الرب، أما الآخرون فكانوا يفتعلون البهجة لإرضاء الملك.
لم يكن ممكنًا لنحميا الذي انكسر قلبه من أجل شعبه أن يخفي حزنه، وكما يقول سليمان الحكيم: “للبكاء وقت، وللضحك وقت؛ للفرح وقت، وللرقص وقت” (جا 3: 4). فالمؤمن الحقيقي يعرف متى يفرح ومتى يحزن. ليس كل فرحٍ مستحقًا للمديح، ولا كل حزن مستحقًا للذم.
* كما أن الضحك ينقسم إلى نوعين: أحيانًا يكون مستحقًا للمدح، وأحيانًا للتوبيخ، هكذا البكاء يلزم أن يُرى بنفس الطريقة.
الضحك المستحق للمديح يتناغم من البكاء المستحق للمديح، وهكذا يتناغم الضحك والبكاء اللذان يستحقان الشحب.
غالبًا الحياة التي تميل للشهوة لا لحب الله هي ضحك فيه يقيم الضاحك من نفسه إلهًا.
آخرون يحسبون معدتهم آلهة، وآخرون المال، وآخرون الفكاهة يريدون أن يكونوا ظرفاء الخ، فيبني الشخص مذابحً للضحك بكونه إلهًا، مقدمًا ذبائح له…
على أي الأحوال، هؤلاء الذين يبكون هنا كثيرًا للتوبة يصلون لله بهذه الكلمات: “قد أطعمتهم خبز الدموع، وسقيتهم الدموع بالكيل الكامل” (مز 6: 5 LXX) [1].
القديس ديديموس الضرير
يرى القديس غريغوريوس النيسيأن المؤمن التقي يحزن بجسده، ويرقص بروحه، كما كانت نفس داود متهللة، ترقص أمام تابوت العهد (2صم 6: 14- 17) [2].
أول عنصر هام في العمل هو أن يستخدم المؤمن كل فرصة مواتية للعمل، غير أن البعض لا يريد أن يتلمس وجود هذه الفرص للعمل.
حين سأله الملك عن سبب حزنه خاف كثيرًا جدًا، لكن إذ رفع قلبه لله تشجع وأجاب بكل صراحة وبحكمة. لقد منعهم مرسوم سابق من إعادة بناء السور (عز 4: 6- 24).
لم يخجل نحميا من الاعتراف بخوفه، لكنه أبى أن يستسلم للخوف، ويتوقف عن انجاز العمل الذي دعاه إليه الرب. أستير أيضًا خافت وفي صلاتها طلبت من الرب أن ينجيها من خوفها.
* يوجد من يخاف لئلا يجلد، وهذا خوف العبيد، ويوجد من يخاف لئلا يخسر وهذا خوف الأجير. ويوجد من يخاف لئلا يغيظ وهذا خوف الصديقين [3].
القديس مار فيلوكسينوس
* لا أخشى أعدائي، لكنني أجزع من الموت الذي تحكم به كلمتك [4].
القديس البابا أثناسيوس
* لماذا تخافون أيها المسيحيون؟
المسيح يتحدث: “أنا هو لا تخافوا”.
لماذا تنزعجون لهذه الأمور؟ لماذا تخافون؟
لقد سبق فأخبرتكم بهذه الأمور أنها ستحدث حتمًا… “أنا هو لا تخافوا. فرضوا أن يقبلوه في السفينة“.
إذ عرفوه وفرحوا تحرروا من مخاوفهم. “وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التي كانوا ذاهبين إليها“. وُجدت نهاية عند الأرض، من المنطقة المائية إلى المنطقة الصلدة، من الاضطراب إلى الثبات، من الطريق إلى الهدف [5].
القديس أغسطينوس
وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ:
لِيَحْياَ الْمَلِكُ إِلَى الأَبَدِ.
كَيْفَ لاَ يَكْمَدُّ وَجْهِي،
وَالْمَدِينَةُ بَيْتُ مَقَابِرِ آبَائِي خَرَابٌ،
وَأَبْوَابُهَا قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ؟ [3]
“ليحيا الملك إلى الأبد”: هذه عبارة عامة يُخاطب بها الملوك (1 مل 31:1؛ 4:2؛ 9:3). بحكمةٍ لم يذكر نحميا اسم المدينة “أورشليم“، بل دعاها “المدينة بيت مقابر آبائي“. فمن جانب لم يرد أن يثيره بأنه يطلب أحياء مدينة قامت بابل بتخريبها، لا ننسى أن ما يحزن قلب نحميا هو ثمرة قرار قديم للملك بوقف إصلاح المدينة وسورها. ومن جانب آخر أراد أن يكسب وده، إذ كان الملوك يحترمون المقابر، ولا يهجمون عليها، فقد كان للأموات تقديرهم الخاص عندهم.
هذا ولم يكن الملك في بداية حكمه يستريح للمنطقة المحيطة بيهوذا. فإقامة مدينة حصينة في المنطقة يمكن أن تشجع على قيام حركات تمرد على مملكة فارس. أما في ذلك الحين، فقد استقر الوضع، واستراح الملك من جهة المنطقة، بالإضافة إلى ثقة الملك في نحميا وإخلاصه له، ومع هذا لم يذكر اسم المدينة حتى لا يثير مشاعر الملك القديمة: إن إصلاح أورشليم يعادل إمكانية قيام حركة تمرد على العرش الفارسي.
نحميا أيضًا حين تحدث مع الله لم يذكر اسم المدينة، فإن ما يشغله لا المدينة في ذاتها كمن يتعصب لها، إنما يدعوها بالاسم المحبوب لدى الله: “المكان الذي اخترت لإسكان اسمي فيه” (1: 9؛ تث 30: 1- 5).
2. صلاة سهمية 4
مع رغبتنا في اقتناص كل فرصةٍ للعمل، نحتاج إلى الصلاة، لكي ندرك ما هي إرادة الله في كل عمل نمارسه.
لقد عرف نحميا أنه لم يكن يُسمح لساقي الملك أن يقترح شيئًا على الملك، ولا يطلب منه شيئًا، لكنه إذ رفع قلبه إلى الله، أجابه الرب أن يسأل الملك.
فَقَالَ لِي الْمَلِكُ:
مَاذَا طَالِبٌ أَنْتَ؟
فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلَهِ السَّمَاءِ [4]
كان نحميا يشعر وهو واقف أمام الملك، أنه في الحقيقة في حضرة إله السماء، القادر أن يوجّه قلب الملك كيفما شاء. لقد رفع قلبه إلى إله السماء، القادر وحده أن يسمع كلمات القلب الصامتة، فيهبه حكمة في الإجابة على الملك، ويعطيه نعمة في عينيه.
يحوي هذا السفر أمثلة كثيرة لصلوات نحميا، وما ورد في الأصحاح الأول لم يكن إلا اقتباسًا من صلواته التي دامت إلى أربعة أشهر (1: 4). بعد صلوات لمدة أربعة أشهر إذ وقف نحميا أمام الملك قدم ما تُعرف بالصلاة السهمية السريعة (2: 4)، أو صلاة القلب الخفية أو صلاة يسوع، لكن هل كان يمكن لهذه الصلاة السهمية السريعة أو صلاة القلب الخفية أن يكون لها فاعليتها لو لم يكن نحميا رجل صلاة، وقد قدم صلوات طويلة، دامت أحيانًا إلى عدة أشهرٍ.
* إننا بالقلب نسأل، بالقلب نطلب، ولصوت القلب ينفتح الباب [6].
* الصلاة هي بلوغ العقل المملوء حبًا إلى الله، إنها تشغل الذهن والقلب، الفكر والرغبة، المعرفة والحب. الحياة الكاملة للمسيحي الصالح هي رغبة مقدسة [7].
* من يصلي برغبة يسبح في قلبه، حتى إن كان لسانه صامتًا. أما إذا صلى (الإنسان) بغير شوقٍ فهو أبكم أمام الله حتى إن بلغ صوته آذان البشر [8].
القديس أغسطينوس
3. خطة عمل 5-8
لقد عرف نحميا ماذا يطلب من الملك، ولماذا، وما هي احتياجاته لتحقيق هدفه. لقد كانت أمامه خطة يقدمها للملك بعد أن قدمها لله، أو تسلمها من الله.
وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ:
إِذَا سُرَّ الْمَلِكُ، وَإِذَا أَحْسَنَ عَبْدُكَ أَمَامَكَ،
تُرْسِلُنِي إِلَى يَهُوذَا،
إِلَى مَدِينَةِ قُبُورِ آبَائِي، فَأَبْنِيهَا. [5]
لم يشر إلى اسم المدينة، بل طلب إرساله إلى يهوذا، إلى مدينة بيت قبور آبائه.
فَقَالَ لِي الْمَلِكُ وَالْمَلِكَةُ جَالِسَةٌ بِجَانِبِهِ:
إِلَى مَتَى يَكُونُ سَفَرُك؟َ
وَمَتَى تَرْجِعُ؟
فَحَسُنَ لَدَى الْمَلِكِ وَأَرْسَلَنِي.
فَعَيَّنْتُ لَهُ زَمَانًا. [6]
“الملكة” هنا تعني الملكة الأم أو ما يعادلها، وكان لها حق الحضور في المناسبات العامة. كما كان لها تقديرها عند الملك.
لا ننسى أن سفر نحميا كشف عن دور النساء مع الرجال (نح 3: 12؛ 5: 1-5؛ 8: 2- 3؛ 10: 31؛ 12: 43).
يبدو أن نحميا طلب فترة قصيرة يتغيب فيها لتحقيق رسالته؛ بعد ذلك سأل الملك أن يمد له الفترة. فقد قضى نحميا في الفترة الأولى 12 عامًا كحاكمٍ ليهوذا (14:5). وجاء إلى الملك يقدم له تقريرًا، وعاد مرة ثانية إلى يهوذا (6:13).
وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ:
إِنْ حَسُنَ عِنْدَ الْمَلِكِ: فَلْتُعْطَ لِي رَسَائِلُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ،
لِيُجِيزُونِي حَتَّى أَصِلَ إِلَى يَهُوذَا [7]
اعتادت بعض الشخصيات الهامة أن يحملوا رسائل توصية من قبل الحاكم أو من ينوب عنه، لكي يتحركوا في حدود الدولة في أمان، ويلتزم من تقدم لهم هذه الرسائل بحماية حامليها. بهذه الرسائل كان نحميا قادرًا على التحرك في كل البلاد الخاضعة للإمبراطورية الفارسية في أمان [9].
يحتاج مع وجود الخطة إلى قوة تسنده للعمل، هي يد الله الصالحة، وقدرته كإله المستحيلات. يقول الرسول، “والقادر أن يفعل فوق كل شيء، أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر، بحسب القوة التي تعمل فينا” (أف 3: 20).
وَرِسَالَةٌ إِلَى آسَافَ حَارِسِ فِرْدَوْسِ الْمَلِكِ،
لِيُعْطِيَنِي أَخْشَابًا لِسَقْفِ أَبْوَابِ الْقَصْرِ الَّذِي لِلْبَيْتِ،
وَلِسُورِ الْمَدِينَةِ وَلِلْبَيْتِ الَّذِي أَدْخُلُ إِلَيْهِ.
فَأَعْطَانِي الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلَهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ. [8]
كلمة “آساف” معناها “الرب يجمع”، ويرى القديس أغسطينوس أنها تعني “جماعة محتشدة (مجموعة مصلين)”.
“فردوس الملك” الذي طلب نحميا أن يأخذ منه أخشابًا لسقف أبواب القصر ولسور المدينة، غالبًا ما كان في لبنان، حيث تشتهر بغابات الأرز (1 مل 6:5 ، 9؛ 2 أي 2: 8-9 ، 16؛ عز 7:3). يرى البعض أن الكلمة المترجمة هنا “فردوس” فارسية، وترجمتها “بستان” أو “حديقة”. في مصر تستخدم كلمة “جنينة” أو “جنة” لتعني حديقة.
يعتقد البعض أنه حديقة سليمان في إيثام على بعد حوالي 6 أميال جنوب أورشليم، تعرف بحدائقها الجميلة (2 مل 25 :4؛ جا 2 :5-9؛ إر 4:39؛ 7:52).
4. تنفيذ عملي 9
فَأَتَيْتُ إِلَى وُلاَةِ عَبْرِ النَّهْرِ،
وَأَعْطَيْتُهُمْ رَسَائِلَ الْمَلِكِ.
وَأَرْسَلَ مَعِي الْمَلِكُ رُؤَسَاءَ جَيْشٍ وَفُرْسَانًا. [9]
تحرك نحميا في الحال ولم يتأخر مثل عزرا (عز 22:8). وكان في رفقته فرقة مسلحة، ليس لأنه أقل إيمانًا من عزرا، وإنما بسبب مركزه الرسمي كحاكمٍ ليهوذا. إرسال الملك رؤساء جيش وفرسان مع نحميا فيه إشارة ضمنية أمام الحكام أنه هو الرجل الذي يُسر به الملك، وأن يلتزم الكل بتقديم كل احترامٍ ووقارٍ له.
5. مقاومة العدو 10
وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ،
سَاءَهُمَا مَسَاءَةً عَظِيمَةً،
لأَنَّهُ جَاءَ رَجُلٌ يَطْلُبُ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. [10]
يليق بنا أن نعمل ما يريده الله، حتى لو وقف الكل ضد هذا العمل. فالعقبات لن تحطم نفسيتنا، بل تدفعنا للعمل بالأكثر مادام العمل حسب مشيئة الله.
نحتاج إلى الثقة والإيمان أننا مادمنا نعمل عمل الرب، فلا نخشى المقاومة أيَّا كان مصدرها، إنما نتفهم الموقف، ونواجه كل مقاومة في ثقة بعمل الله معنا.
سنبلط الحوروني (من حورنائيم):“سنبلط” اسم أكادي يعني “ليت سن (إله القمر) يمنحه حياة”. يلقب بالحورني، غالبًا ما كان ينتسب إلى “بيت حورون” في أفرايم على بعد نحو ثلاثين كيلومترًا شمالي غربي أورشليم (يش 10:10). البعض يرى أنه من حورونايم المدينة الموآبية (إش 5:15؛ إر 3:48 ، 5، 34).
كان سنبلط يحسب نفسه عابدًا لإله اليهود، فقد دعا اسمي ابنيه ديلايا Delayah وشلمايا Shelemyah ، وهما اسمان مرتبطان بيهوه Yahweh[10]. وكان حاكمًا لمنطقة السامرة شمال يهوذا.
هو أخطر مقاوم لنحميا، أخذ موقفًا معارضًا لبناء السور، ربما للأسباب التالية أو بعضها:
أ. إنّ نَحَميا يُعارض أمر سابق للملك، أي لسبب سياسيّ. أُتهم بأن ما يفعله بخصوص إعادة بناء أسوار أورشليم وإقامة أبوابها ثورة وعصيان ضد ملك فارس [17-20].
ب. خشي لئلا يؤثر هذا في خضوع اليهود في أورشليم للفرس، وقد يمتد هذا إلى السامرة مما يدفع الفرس إلى استخدام العنف لإخماد أي تمرد، فيصير في موقفٍ حرجٍ بكونه حاكمًا للسامرة.
ج. ببناء سور أورشليم، تَنْغَلِقُ المدينة على الحركة التجاريّة، أي لسبب اقتصاديّ.
د. ببناء سور أورشليم، لا يعود الهيكل مفتوحًا، إلا لأبناء أورشليم وجوارها، أي لسبب دينيّ.
هـ. وصل نَحَميا حاملًا أمر الملك مُتخطّيًا سلطته، فشعر ببعض القَهْر، أي لسبب شخصيّ.
و. يرى البعض أنه كان يرفض إعادة بناء سور أورشليم بسبب نيته في امتداد ولايته لتشمل اليهودية مع السامرة. فقد أظهرت المستندات فيما بعد أنه كان حاكم السامرة، يكِّن كل عداوة ليهوذا، وكان دون شك يترجى أن تُعطى له كل اليهودية تحت حكمه.
طوبيا: على ما يُظن أنه كان حاكمًا لعمون في عبر الأردن شرق يهوذا. ولعل كلمة “العبد” هنا تعني أنه كان يومًا ما عبدًا. وكما جاء في سفر نحميا (6: 17-19؛ 13: 4-9) دخل في علاقات عائلية مع أناس لهم سلطانهم في أورشليم. ربما كان يحسب نفسه عابدًا ليهوه.
6. دراسة في الموقع 11-16
فَجِئْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
وَكُنْتُ هُنَاكَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. [11]
بالرغم من سماع سنبلط وطوبيا عن رحلة نحميا وقدومه إلى أورشليم لمهمة لصالح بني إسرائيل، لكن يبدو أنهما لم يكونا يعرفان ما هذه المهمة. لم يهتما هما أو غيرهم من الحكام المحيطين بيهوذا أن يستقبلوا نحميا، فقد وصل إلى أورشليم مع رؤساء الجيش والفرسان، وبقي ثلاثة أيام ولم يشعر أحد بقدومه.
بحكمة كان نحميا يفكر فيما سيتعرض له من مخاطر ومقاومات، لكن هذه الأمور لم تدفعه إلى اليأس، وإن كانت قد دفعته إلى عدم التسرع في الإعلان عن خطته للعمل، وما يعلنه كان تحت الضرورة حسب مقتضيات الحاجة، دون استعراض لبطولته ودوره في الإصلاح.
كان نحميا في حاجة إلى هذه الأيام الثلاثة للراحة بعد رحلة طويلة شاقة (عز 32:8).
لم يعتمد نحميا على التقارير التي وصلت إليه، وإنما قام ببحث الأمر بنفسه.
هذا ورقم 3 يشير إلى قيامة السيد المسيح، فلا يمكننا العمل لبنيان أورشليمنا الداخلية أو سورها ما لم نتمتع بالحياة المقامة بالسيد المسيح.
* عَلِمَ إبراهيم أنه يمثّل بعض الأمور العتيدة، فعرف أن المسيح سيأتي من نسله ويقدم نفسه ذبيحة حقيقية من أجل خلاص العالم كله ومن أجل قيامة الأموات… كما سار مسيرة ثلاثة أيام حتى وصل إلى الموضع الذي أشار إليه الرب ليقدم ابنه ذبيحة (تك 4:22).
اليوم الثالث دائمًا هو أنسب الأيام للأسرار.
فشعب بني إسرائيل قدموا ذبيحة لله بعد خروجهم من أرض مصر في اليوم الثالث (خر 18:3).
وتمت قيامة الرب في اليوم الثالث[11].
* لم يسمح فرعون لبني إسرائيل أن يتقدموا إلى موضع العلامات، وأراد أن يمنعهم من التقدّم للتمتع بأسرار اليوم الثالث. اسمع ما يقوله النبي: “الرب يحيا بعد يومين؛ وفي اليوم الثالث يقيمنا فنحيا معه” (هو 2:6).
اليوم الأول بالنسبة لنا هو آلام المخلص؛
والثاني يمثل نزوله إلى الجحيم؛
والثالث هو قيامته.
لهذا في اليوم الثالث سار الرب أمامهم كعمود سحاب بالنهار وعمود نار بالليل؛ كما ذكرنا قبلًا يعلّمنا الرسول بولس بحق أن هذه الكلمات تخفي سرّ المعمودية، يتبع ذلك “كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت” (رو 3:6). فحينما تصنع لنفسك سرّ اليوم الثالث، سيقودك الله بنفسه ويكشف لك طريق الخلاص [12].
العلامة أوريجينوس
ثُمَّ قُمْتُ لَيْلًا أَنَا وَرِجَالٌ قَلِيلُونَ مَعِي.
وَلَمْ أُخْبِرْ أَحَدًا بِمَا جَعَلَهُ إِلَهِي فِي قَلْبِي،
لأَعْمَلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ.
وَلَمْ يَكُنْ مَعِي بَهِيمَةٌ إِلاَّ الْبَهِيمَةُ الَّتِي كُنْتُ رَاكِبَهَا. [12]
كثيرون يبدأون العمل ولا يكملون، لأنهم يتكلمون مع الناس كثيرًا، وليس مع الله واهب النجاح والنصرة.
بدأ عمله بحرصٍ شديدٍ، فقد خرج ليلًا ومعه رجال قليلون، وبدأ يستكشف الموقف على ضوء القمر.
وَخَرَجْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي لَيْلًا،
أَمَامَ عَيْنِ التِّنِّينِ إِلَى بَابِ الدِّمْنِ،
وَصِرْتُ أَتَفَرَّسُ فِي أَسْوَارِ أُورُشَلِيمَ الْمُنْهَدِمَةِ،
وَأَبْوَابِهَا الَّتِي أَكَلَتْهَا النَّارُ. [13]
لم يقم بدورة كاملة للسور، وإنما اكتفى بمنطقة الجنوب ليرى إلى أي مدى كان السور محفوظًا. كانت أورشليم تهاجم دائمًا من الشمال، لذلك لا توجد إلا بقايا قليله من السور في الشمال.
عين التنين أو بئر التين، دعيت هكذا، لأنه يوجد تمثال على شكل تنين تفيض من فمه المياه.
بَابِ الدِّمْنِ أو الزبل، حيث كانوا يلقون الأوساخ، يبعد عن باب الوادي قرابة ألفي ذراع.
وَعَبَرْتُ إِلَى بَابِ الْعَيْنِ وَإِلَى بِرْكَةِ الْمَلِكِ،
وَلَمْ يَكُنْ مَكَانٌ لِعُبُورِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي تَحْتِي. [14]
غالبًا ما كان باب العين في السور من جهة جنوب شرقي يواجه عين روجل.
فَصَعِدْتُ فِي الْوَادِي لَيْلًا،
وَكُنْتُ أَتَفَرَّسُ فِي السُّورِ،
ثُمَّ عُدْتُ فَدَخَلْتُ مِنْ بَابِ الْوَادِي رَاجِعًا. [15]
عاد إلى المدينة من باب الوادي في المنحدر الغربي من أوفيل Ophel .
وَلَمْ يَعْرِفِ الْوُلاَةُ إِلَى أَيْنَ ذَهَبْتُ،
وَلاَ مَا أَنَا عَأمِلٌ،
وَلَمْ أُخْبِرْ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ الْيَهُودَ،
وَالْكَهَنَةَ وَالأَشْرَافَ وَالْوُلاَةَ وَبَاقِي عَأمِلِي الْعَمَلِ. [16]
العجيب أن نحميا وصل إلى أورشليم وأقام لمدة ثلاثة أيام، ثم تحرك ليلًا على ضوء القمر لدراسة الموقع دون أن يخبر أحدًا، حتى الذين يعملون معه، فإنه لم يكن يستريح للمباهاة والدعاية لنفسه.
لم يرد نحميا أن يلفت أنظار أحد إلى ما في ذهنه، حتى لا يثير الأعداء ضده، ولكي لا يترك لهم الفرصة للتخطيط ضده قبل البدء في العمل. فمع إيمانه أن عمله هذا بناء على دعوة من الله، لكنه كرجل الله يلزم أن يسلك بروح الحكمة، ولا يثير أحدًا مادام الأمر في استطاعته، ولا يسبب توقفًا للعمل.
7. دعوة للعمل المشترك 17-18
ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ:
أَنْتُمْ تَرُونَ الشَّرَّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ،
كَيْفَ أَنَّ أُورُشَلِيمَ خَرِبَةٌ وَأَبْوَابَهَا قَدْ أُحْرِقَتْ بِالنَّارِ.
هَلُمَّ فَنَبْنِيَ سُورَ أُورُشَلِيمَ، وَلاَ نَكُونُ بَعْدُ عَارًا. [17]
إذ جاءت لحظة الانطلاق للعمل، بدأ يخبر الذين سيشتركون معه في العمل عن الحال الذي صار إليه شعب الله، وعن يد الله الصالحة معه.
يحسب نحميا انهيار المدينة هو انهيار للشعب نفسه، وسقوطه في عار.
كان سور أورشليم وأبوابه في خراب منذ تدميره بواسطة نبوخذنصر منذ أكثر من 140 عامًا بالرغم من المحاولات لإعادة أقامته، وقد استسلم القادة والشعب للموقف تمامًا. أما نحميا فلا يعرف الاستسلام، بل آمن بالله القادر أن يعمل به.
وَأَخْبَرْتُهُمْ عَنْ يَدِ إِلَهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ،
وَأَيْضًا عَنْ كَلاَمِ الْمَلِكِ الَّذِي قَالَهُ لِي.
فَقَالُوا: لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ.
وَشَدَّدُوا أَيَادِيَهُمْ لِلْخَيْرِ. [18]
أبرز نحميا خطورة الموقف، كما طلب تعاون الكل معًا في العمل، فهو ليس بالعمل الخاص بنحميا وحده، ولا بفئةٍ معينةٍ من القيادات، إنما هو عمل خاص بالكل سواء كانوا قادة أو من الشعب.
أبرز نحميا أن ما جاء ليمارسه ليس بعمله الخاص، إنما هو عمل الجماعة كلها. ومن جانبٍ آخر مع ما في يده من أمرٍ أو منشورٍ ملوكيٍ لم يصدر أمرًا إليهم للعمل، بل تحدث بلغة الحب والصداقة والتقدير لهم.
انعكس روح نحميا القوي وتمسك بيد الله الصالحة على كل السامعين، فقرروا العمل معًا في همةٍ ونشاطٍ.
هنا أبرز نحميا أساسيات العمل:
أ. أنه يمس حياة الشعب كله.
ب. أنه ليس بالعمل الذي يقوم به رجل واحد، بل أن أمكن كل الشعب والقادة.
ج. أن يد الله الصالحة قد بدأت بالعمل فعلًا، وستسند العاملين.
د. أن الملك تجاوب مع هذا العمل الإلهي.
هـ. يلزم أن تتشدد الأيادي، فلا يُمارس مثل هذا العمل برخاوة.
8. استخفاف العدو بهم 19-20
وَلَمَّا سَمِعَ سَنْبَلَّطُ الْحُورُونِيُّ وَطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ وَجَشَمٌ الْعَرَبِيُّ،
هَزَأُوا بِنَا وَاحْتَقَرُونَا وَقَالُوا:
مَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتُمْ عَأمِلُونَ؟
أَعَلَى الْمَلِكِ تَتَمَرَّدُونَ؟ [19]
جشم: انضم جشم العربي إلى سنبلط وطوبيا. كان رئيسًا لمجموعة من العرب، يعيشون عبر الأردن في منطقة أدوم ونجب، جنوب وجنوب شرقي يهوذا. هكذا كان الثلاثة يحيطون يهوذا من الشمال والشرق والجنوب. هؤلاء كانوا يخشون تحصين أورشليم مما يفقدهم سلطانهم على يهوذا، إذ كان للثلاثة مصالح لاستغلال يهوذا. وربما كل واحد منهم يطمع في ضم يهوذا تحت ولايته.
من أجل المصلحة الشخصية اتفق القادة الثلاثة على وضع خطة موحدة لإفساد العمل. فبدأوا بإحباط الهمم عن طريق الاستخفاف بالعمل والسخرية.
فَأَجَبْتُهُمْ: إِنَّ إِلَهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ،
وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي.
وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ لَكُمْ نَصِيبٌ وَلاَ حَقٌّ وَلاَ ذِكْرٌ فِي أُورُشَلِيمَ. [20]
نجاح العمل ليس عطية من قبل الملك، وإنما من قبل إله السماء.
إذ كان الثلاثة لا ينتسبون إلى أسباط بني إسرائيل، ومن كل قلوبهم لا يطلبون لهم الخير، يجردون أنفسهم من بركة انتمائهم وسكنلهم في أورشليم.
من وحي نح2
هأنذا فأرسلني!
* إلهي، من يستحق أن تمتد يده للعمل في كرمك.
هأنذا فأرسلني، كما أرسلت نحميا للعمل.
هب لي روح الصلاة،
لأتمتع بقيادتك لي، وعملك خلالي!
علمني لغة الصلاة الصادقة.
دِّرب قلبي على الحديث السري معك.
فإنك تشتاق إلى الاستماع إلى لقلب النقي.
* أرسل ملك فارس نحميا،
ووهبه حراسة من رؤساء جيش وفرسان،
وقدم له توصيات لدى الولاة.
لكن نحميا كان يتحرك تحت ظلك،
حاسبًا كل نجاحٍ هو من عندك.
* أنت ملك الملوك، قائد التاريخ كله.
لن أتحرك بدونك.
وعدتني أن تكون سور نار حولي.
لا تقدر كل قوات الظلمة أن تقتحمني.
ترسل لي ملائكتك لمساندتي.
وتهبني نعمة ونجاحًا في كل ما تمتد إليه يدي.
* هب لي حكمة من لدنك.
فأتحرك في كل صغيرة وكبيرة بإرشادك.
* علمني كيف أعمل مع إخوتي وآبائي.
نعمل عملك بيدٍ قويةٍ وذراعٍ رفيعةٍ.
نبني سور أورشليم، ولا نكون بعد عارًا.
تشدد أيادينا للخير!
لك المجد يا إله السماء،
بك نقوم نحن عبيدك، ونبني بلا توقف!
تفسير سفر نحميا 1 | تفسير سفر نحميا القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير سفر نحميا 3 |
تفسير العهد القديم |