تفسير المزمور ٢ للقمص تادرس يعقوب

المزمور الثاني

عش ملكًا

عش ملكًا!

يقدم لنا المزمور الأول طريق الأبرار الملوكي، طريق الاتحاد مع كلمة الله نهارًا وليلاً، للتمتع بالحياة المطوّبة الداخلية، وتحاشي طريق الأشرار المهلك. الآن في هذا المزمور الملوكي يقدم لنا المرتل المسيا “الملك العام”  بكونه الطريق الضيق المجيد، فيه تدخل إلى معركة الصليب الروحية فنصير ملوكًا، إذ قيل: “جعلنا ملوكًا وكهنة” (رؤ 1: 6).

المزامير الملوكية The Royal Psalms:

أهم المزامير هي (مز 2، 18، 20، 21، 45، 72، 89، 101، 132، 144).

يقول L. Sabourin: [أدَّت النظرة التقليدية التي تتطلع إلى داود ككاتب لأغلب المزامير إلى تزايد عدد المزامير الملوكية (بكون الكاتب ملكًا). وإذ أُعيد تقييم النظرة إلى داود كواضع للمزامير احتل الاتجاه المضاد مركز الصدارة (انكار وجود مزامير ملوكية). أما ما حدث فيخبرنا به Mowinckel: [لقد اتجهت المرحلة الأولى للدراسة العلمية الحديثة إلى إنكار وجود أي شكل ملوكي في المزامير… أينما التقينا بشكل ملوكي كما في المزامير المدعوة بالمسيانية إذ صارت تُفسر على أنها تشخيص لشعب إسرائيل (وليس عن الملك). ويعتبر جانكل Gunkel هو أول من أعاد تحقيق المزامير الملوكية بكونها تخص ملكًا حقيقيًا، مقدمًا تفسيره هذا على أساس علمي سليم[83]].

يمكننا أن نتطلع إلى هذه المزامير من جوانب متباينة:

  1. مزامير الجماعة: تقوم العلاقة بين الله والإنسان أساسًا على اتجاهين متكاملين: اتجاه جماعي وآخر شخصي. ففي العهد القديم كان الملك يمثل الجماعة ككل، لذلك فإن العهد الذي يقوم بين الله وبينه هو بعينه ذات العهد بين الله والشعب. هكذا كانت أهمية الملك، فلا عجب إن وُضعت مزامير لأجل تكريمة[84]، بقصد تكريم الجماعة. في هذه المزامير يقوم الضميران “أنا” و”نحن” بنفس الدور، فإن المتعبد الناطق بهما هو الملك الممثل للجماعة التي لا تنفصل عنه.
  2. مزامير المسيح: يعلن العهد القديم عن يهوه بكونه الملك الحقيقي لشعبه (خر 15: 18؛ 1 صم 8: 7، 21). لهذا دُعي عرش الملك في أورشليم “عرش الرب” (1 أي 29: 23) أو “عرش مملكة الرب” (1 أي 28: 5). الملك الذي يمثل الجماعة ككل يمثل الرب أيضًا، لهذا دُعي “مسيح الرب”. وهو في هذا يرمز للمسيح ملك الملوك، الوسيط بين الآب والجماعة، ذاك الذي هو واحد مع الآب في الجوهر، يتقبل الكنيسة كجسده، يشفع فيها بدمه الكفاري الثمين.

خلال هذه النظرة نتطلع إلى المزامير الملوكية أنها خاصة بالملك المسيح مخلص البشرية.

  1. مزامير الحياة الداخلية: جاء السيد المسيح ليقيم مملكته داخلنا (لو 17: 21)، واهبًا إيانا نعمة الملوكية الروحية كهبة من قبل روحه القدوس. في السيد المسيح  – ملك الملوك – صرنا ملوكًا (رؤ 1: 6).

الملك المسياني The Messianic King:

يبدأ المزمور الأول كما ينتهي المزمور الثاني بالتطويب. فالطبيعة المطوّبة التي يترجاها المرتل في المزمور الأول لا يمكن تحقيقها إلا خلال الملك المسيّا الجامع المُعلن عنه في المزمور الثاني. ففي ربنا يسوع المسيح يتجدد المؤمنون القادمون من كل الأمم ويتقدسون بروحه القدوس. اُقتبس هذا المزمور مرارًا في العهد الجديد، بكونه خاصًا بالسيد المسيح الملك العظيم ابن داود، مسيح الرب (أع 4: 25 إلخ؛ 13: 23؛ عب 1: 5؛ 5: 5[85]).

يتطلع التقليدان اليهودي والمسيحي على حد سواء إلى المزمور الثاني بكونه مزمورًا مسيانيًا، مثله مثل المزمور 110 الذي يبدو أنه اعتمد عليه[86]. يقول Arno C. Gaebelein: [كان التفسير المسياني عند اليهود هو التفسير الوحيد (للمزمور) حتى القرن العاشر/ الحادي عشر. بعد ذلك حدّه اليهود ليعني داود، وذلك من أجل مقاومة التفسير

المسيحي له[87]]. 

يكشف هذا المزمور عن مخلصنا؛ فيتنبأ تحت اسم مملكة داود عن مملكة المسيا ابن داود، بكونها هدف المزمور الأساسي[88].

يميز القديس يوحنا الذهبي الفم بين مملكتين إلهيتين، قائلاً: [يعرف الكتاب المقدس مملكتين لله؛ واحدة بالتخصيص والثانية بالخلقة. فهو ملك على الجميع، على اليونان واليهود، كما على الشياطين وعلى مقاوميه، وذلك بكونهم خليقته. لكنه هو ملك على الأمناء الراغبين فيه، الخاضعين له، فيجعلهم خاصته. هذه هي المملكة التي قيل عنها أيضًا إن لها بداية، إذ يقول عنها في المزمور الثاني: “اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك” [7]. بخصوصها أيضًا قال لتلاميذه: “دُِفَع إليّ كل سلطان من أبي” (راجع مت 28: 18)[89]].

دخل المسيا في معركة مستمرة ضد الشيطان، ليعد الطريق الملوكي لنصرتنا. ارتضى أن يكون مرذولاً من أجلنا؛ هذا الرذل (1-3؛ أع 4: 25-28) لا يزال مستمرًا عبر الأجيال ليبلغ أقصاه في الارتداد العظيم في الضيقة العظيمة. إننا لسنا طرفًا في المعركة، إنما يلزمنا أن نختفي في أحد طرفي المعركة. فإن إختفينا في السيد المسيح نُرذَل من أجل اسمه، لكننا بالتأكيد ننال النصرة بينما يدين الله العالم الرافض المسيح!

مزمور تتويج  A Coronation Psalm:

يُسمى هذا المزمور الملوكي “مزمور تتويج”، ربما لأنه وُضع بمناسبة تتويج داود ملكًا، حيث تحقق الوعد الوارد في (2 صم 7: 8-16). وقد اُستخدم فيما بعد في تتويج الملوك خلفاء داود، لا لتكريمهم بكونهم المسّيا، وإنما لتذكيرهم بمن يرمزون إليه.

يرى Carrol Stumueller بأنه لا غرابة من ارتباط المزمور الأول بالثاني بكونهما مقدمة لسفر المزامير كله، فإن المزمور الأول هو ثمرة الحركة الخاصة بالحكمة Wisdom Psalm بينما وُلد المزمور الثاني في ظروف سياسية ترتبط بمراسم تتويج الملوك الجدد في هيكل أورشليم وفي القصر الملكي. فقد التزم الملوك باحتضان الحكمة وحمايتها، لذا نرى سليمان الملك أحكم جميع الناس (1 مل 4: 29-34)[90].

يعلن المزمور عن مدى مقاومة الملوك الوثنيين للملك الجديد الممسوح والمتوّج، هذا الذي كان رمزًا للمسيا الملك الذي يقاومه كثيرين.

يرى بعض الدارسين أن هذا المزمور المستخدم في الاحتفال بتتويج الملك الجديد يرنم بالنظام التالي:

* أعداد [1-2]: ينشدهما خورس المرنمين في الهيكل، للتعبير عن ثورة الملوك الوثنيين ضد حكم الله الذي يتحقق خلال ملكه المسموح.

* عدد [3]: ينشده خورس خاص من المرنمين ينطقون باسم هؤلاء الملوك.

* أعداد [4-6]: التدبير السماوي المنعكس على الهيكل في طقس التتويج (السخرية الإلهية بالملوك الثائرين). يوضع هذا الاستيخون ردّ فعل الله تجاه تمرد هؤلاء الملوك. مجرد كلمات الله تكفي لبث الرعب في حياتهم.

* أعداد [7-9]: التتويج، ينطق به نبي باسم الرب (مرسوم إلهي). يوضح هذا الاستيخون ثقة الملك القائمة على كلمة الله

* أعداد [10-12]: دعوة موجهة إلى الملوك للخضوع الجامع، أي خضوع كل الملوك في المسكونة.

من هو هذا الملك؟

  1. مسيح الرب:

“قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا

على الرب وعلى مسيحه” [2].

 اهتمت كثير من المزامير الملوكية بالكشف عن قدسية عمل الملك، خاصة في هذا المزمور، حيث ذُكر أنه مختار من الله.

كان مسح الملك عملاً قدسيًا (1 صم 10: 1)، ودعى الملك “مسيح الرب”. وقد انطبق هذا على شاول وادود[91]. لهذا فإن الثورة ضد الملك الممسوح ليست إلا ثورة ضد الله. وبالمثل مقاومة العالم للكنيسة ولأبنائها القديسين إنما هي مقاومة للسيد المسيح نفسه كما قال السيد لشاول (أع 9: 5).

كلمة “مسيا” مشتقة من الكلمة العبرية Mashia لتعني “الممسوح”، وكلمة “المسيح” مشتقة عن الكلمة اليونانية Christos لتعني ذات المعنى. فقد مُسح (الابن المتجسد) لينوب عني في المعركة الروحية، واهبًا إياي نصرته (1 يو 2: 13). فيه نصير نحن أيضًا مسحاء الرب خلال مسحة الميرون، أعضاء جسده المقدس، أبناء الله، وذبائح حب من أجل الآخرين.

يقصد المرتل بالملوك والرؤساء القادة الأشرار الذين مع تباين مصالحهم اتحدوا معًا عند لحظات الصليب السيد المسيح. اتحد ليس فقط الأقوياء بل وأيضًا الرعاع، إذ صرخ الشعب: “أصلبه! أصلبه!” وكما يقول ربنا: “أبغضوني أنا وأبي” (يو 15: 24). أبغضوه هو وأباه، قائلين: “لنقطع أغلالهما ولنطرح عنا نيرهما” [3]. لقد رفضوا الخضوع لولايتهما، ولم يطيقوا احتمال نير حبهما وقداستهما، قائلين: “لا نريد أن هذا يملك علينا” (لو 19: 14).

يبغضنا الأشرار بكوننا ممسوحين لله. وكما يقول ربنا: “لأنه إن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس؟!” (لو 23: 31).

  1. السماوي المتوّج [2، 4]:

يقابل الهياج والتمرد على الأرض [1] صورة السلام الفائق الذي يملك في السماء. ويقابل الملوك العاجزون على الأرض قدرة الله الفائقة، ملك السماء[92]! ففيه ننعم بالحياة السماوية وننال عربون الأبدية.

v   “الساكن في السموات يضحك بهم” [4].

إن كنا نفهم كلمة “السموات” بكونها النفوس المقدسة، فإن الله (الساكن في قديسيه) بسابق علمه يضحك بهم (بالأشرار) ويستهزئ بهم!

القديس أغسطينوس

إنه في السماء بعيدًا عن متناول تهديداتهم ومحاولاتهم العاجزة. هناك يعد عرشه للدينونة، لذا يسهل جدًا الاستهزاء بمحاولات الأعداء. يضحك بهم كجماعة من الحمقى، ويسخر بهم، كما تزدري بهم كنيسته العذراء ابنة صهيون (إش 37: 22)؛ هذه المؤسسة على صخرة، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها (مت 16: 18).

يقول القديس كيرلس الكبير: [إن الساكن في السموات يضحك بهم، لأنه بالحقيقة الرب الابن والوارث بكونه واحدًا في الجوهر مع الآب في السلطة تجسد، داعيًا الذين آمنوا به إلى الشركة معه في مملكته السماوية ومجده الأبدي، لكن الأشرار بكبريائهم رفضوا ذلك، ظانين أنهم قادرون أن يملكوا بدونه[93]].

تحققت هذه النبوة برفض اليهود للسيد المسيح. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يعلن المسيح نفسه: “هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا” (مت 23: 38). كما تعلن أمثاله ذات الأمر، إذ يقول: “ماذا يفعل بأولئك الكرامين؟.. أولئك الأردياء يهلكهم هلاكًا رديًا” (مت 21: 40-41)[94]].

  1. الملك:

في المسيح – الملك الحقيقي – نصير ملوكًا (رؤ 1: 6)، يصير لنا سلطان على عواطفنا وأحاسيسنا وأجسادنا وعقولنا الخ…

المسيح كملك يملك على قلوبنا لا خلال حب السلطة وإنما بالحب، حتى أننا نحن أيضًا كملوك روحيين نلتزم أن نربح الآخرين بانفتاح قلوبنا بالحب على كل البشرية.

  1. الابن الوحيد الجنس [7]:

“أنت ابني وأنا اليوم ولدتك” [7]. اقتبس القديس بولس هذه الآية في (عب 1: 5) ليثبت أن للسيد المسيح اسم أعظم مما للملائكة، بكونه ابن الله الوحيد، لا بالتبني بل بالوراثة، له ذات طبيعة الآب. 

v   يقول الآب: “أنا اليوم ولدتك” ولم يقل: “أنا خلقتك”. لا يدعو الابن الله خالقه في ولادته الآزلية الإلهية، بل أباه[95].

v   كلمة “اليوم” وليس “بالأمس” تشير إلى ما قيل عن اتخاذ ذاك المولود أزليا من جهة اللاهوت جسدنا[96].

القدديس أمبروسيوس

 

v يظهر الآبُ (المسيحَ) بكونه ابنه اللائق به والوحيد، قائلاً: “أنت ابني” [7]، و”هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” (مت 3: 17). لهذا يخدمه الملائكة بكونه فوقهم؛ يسجدون له بكونه أعظم منهم في المجد، وفوق كل المخلوقات… وهو وحده ابنه الحقيقي جوهريًا[97].

القديس أثناسيوس الاسكندري

في المسيح الابن نصير نحن أبناء الله. هذا وجدير بالذكر أن كثيرًا من الوثنيين حسبوا أن ملوكهم قد وُلدوا من اللاهوت، وقد نبذ العهد القديم فكرة بنوة الملك الجسدية للاهوت لتعارضها مع الفهم الروحي لله (مز 89: 26 الخ؛ 2 صم 7: 14؛ 1 كو 28: 6).

  1. رئيس الكهنة الأعظم:

المسيا هو الملك، ابن الله ورئيس الكهنة، الذي له السلطان أن يدخل السماء ويشفع عن كل الأمم بذبيحة نفسه. يشير المرتل عنه هنا كشفيع عن المؤمنين [8] بعدما تحدث عن ملكوته وبنوته للآب. هذه الشفاعة هي رجاء العالم (يو 17: 20).

v “اِسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك” [8] للوهلة الأولى يبدو أن لهذه الآية مفهومًا زمنيًا بالنسبة إلى اتخاذه الناسوت، إذ قدم نفسه ذبيحة عوضًا عن كل الذبائح الأخرى، والذي يشفع أيضًا فينا…

القديس أغسطينوس

  1. مخلص العالم [10]:

 فيه صرنا أعضاءً في الكنيسة الجامعة، مع شعورنا بالتزام بالشهادة له أمام العالم.

ثورة الشعب والملوك:

عند موت قائد قوي لإحدى الإمبراطوريات العظمى في الشرق القديم تجتاح مشاعر الثورة والهياج الأمم كلها، حيث تعلو الصرخات وسط الأمم المستعَبدة طلبًا للتمتع بالحرية. لذلك كانت المهمة الرئيسية والأساسية التي تواجه الملك الجديد عند اعتلائه العرش هي تعزيز سلطة إمبراطوريته العظيمة وتأكيدها من جديد[98]. هنا يعبر المرتل عن دهشته لأن الأمم وملوكهم يفعلون ذات الأمر عند تتويج الملك الروحي المسيا على الصليب، إذ يقيم مملكته لتحريرهم من الملك الطاغية، إبليس، الذي أقام مملكته العنيفة ومارس السلطة عليهم حتى دُعى رئيس سلطان الهواء (أف 2: 2) الذي نتنسمه، وإله هذا العالم (2 كو 4: 4) الذي نعيش فيه. فالشيطان يعلم تمامًا أنه ما أن تقوم مملكة السيد المسيح حتى يُطرح أرضًا، كقول ربنا: “رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء” (لو 10: 18).

v أُعطى السلطان للشيطان (لو 22: 53)، ولليهود أن يقفوا ضد المسيح، لكنهم حفروا لأنفسهم هوة الهلاك. فبالحقيقة فدى (السيد) كل الذين هم تحت السماء بحبه للبشرية، وقام في اليوم الثالث، وداس مملكة الموت تحت قدميه، لكنهم جلبوا على أنفسهم دينونة لا مفر منها مع التلميذ الخائن. ليسمعوا إذن الروح القدس القائل على لسان المرتل: “لماذا ارتجت الأمم وتفكرت الشعوب في الباطل؟! قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا، على الرب وعلى مسيحه”…  لقد اقحمت هذه الخليقة التعيسه نفسها في جريمة قتل ربهم، أما نحن فنمجده كمخلص لنا ومحررنا، ربنا يسوع المسيح[99].

القديس كيرلس الاسكندري

v نسى اليهود بتصوراتهم وموافقتهم على التصرفات الظالمة تجاه الرب أنهم إنما يجلبون السخط عليهم. لذلك يرثى الكلمة حالهم، قائلاً: “لماذا ارتجت الأمم وتفكرت الشعوب في الباطل؟!” [1]. فإنه بالحقيقة باطل هو ما تصوره اليهود، إذ عزموا على قتل مصدر الحياة وتلفيق ما هو باطل ضد كلمة الآب[100].

v كانت تصورات اليهود ومن هم على شاكلتهم باطلة، إذ جاءت النتائج على غير ما توقعوا، فقد انقلبت ضدهم، فصار الجالس في السموات يضحك بهم والرب يستهزئ بهم [4]. لهذا عندما اُقتيد مخلصنا إلى الموت انتهر النساء اللواتي كن ينحن وهن يتبعنه، قائلاً لهن: “لا تبكين عليّ” (لو 23: 28)؛ ليعني بهذا أن موته هو مصدر فرح لا

حزن، وأن الذي يموت عنا إنما هو حيّ[101]!

البابا أثناسيوس الرسولي

v “لماذا ارتجت الأمم وتفكرت الشعوب في الباطل؟!” [1]… قيل: “لماذا؟” كما  لو أنه يقول إن ما يفعلونه هو باطل، إذ لم يحققوا ما كانوا يأملونه، أي القضاء على المسيح. قيل هذا عن مضطهدي ربنا، الذين أُشير إليهم في سفر الأعمال.

القديس أغسطينوس

هذا  هو مركز الأشرار رافضي السيد المسيح كملكهم الروحي، أما بالنسبة لنا فسلطانه مفرح ونيره حلو للغاية.

v إن كنا نحني أعناقنا باتضاع لنتقبل نير المسيح، فإن النير نفسه بالحرى يحملنا ولسنا نحن الذين نحمله. إن كان نير العالم يضغط دائمًا على الإنسان لينزل به إلى أسفل فإن نير المسيح يرفعه إلى أعلى. والآن مادام كل إنسان إما أن يرتفع بحمله المسيح أو ينزل إلى الأمور الدنيا بحمله نير العالم لذلك يجب عليه أن يمتحن ضميره[102].

الأب قيصريوس أسقف آرل

مخلصنا الذي حطم الشيطان كملوك أشرار توّج المؤمنين به ملوكًا روحيين. وكما يقول القديس أغسطينوس: [أنتم الآن ملوك، قادرون أصحاب سلطان على كل ما هو دنئ وشهواني في داخلكم. كما لكم القدرة على الجهاد لا كضاربين في الهواء، وإنما إذ تقمون أجسادكم تخضع لكم (1 كو 9: 26-27)… الآن فصاعدًا إذ أنا متوج ملكًا لا أحزن].

يليق بنا أن ندرك أن غضب الله أو سخطه ليس انتقامًا لنفسه، إنما هو تعبير عن بره الذي لا يقبل الخطية أو الشر.

الحاجة إلى التأديب [10-13]:

يقول Weiser: [بإن المزمور يعود إلى نقطة البداية، حيث يوجه الحديث إلى حكام الأرض، منذرًا ومحذرًا إياهم، سائلاً إياهم أن يتضعوا أمام القدير وأن يعبدوه بخوف ورعدة].

تعبير “قبلوا قدميه” طبق على الله بطريقة تُناسب العادات البشرية؛ إذ ربما نبع ذلك عن عادة تقبيل قدميّ الملك كعلامة على الولاء والطاعة، هذه العادة تعرفنا عليها من الوثائق البابلية والمصرية.

يفهم الحاخام ابن عزرا هذه العبارة “قبلوا قدميه” بكونها تخص المسيا[103].

بعد تحذير داود النبي قضاء الأرض وحكامها والأمم المتمردة على الرب وعلى مسيحه يذكر التأديب كوسيلة للإصلاح، وكأنه يقول: “اقبلوا الاصلاح والتأديب لئلا يغضب الرب فتبيدوا بترككم الطريق المستقيم”.

v   بتأديب الله (لنا) وإرشاده نخلص من الموت[104].

القديس اكليمندس الاسكندري 

v التأديب هو صمام الآمان للرجاء، رباط الإيمان، مرشد إلى طريق الخلاص، الحافز والمشبع لنزعات الخير، معلم الفضيلة الذي يدعونا إلى الالتصاق الدائم بالمسيح، وإلى الحياة الدائمة لأجل الله وإدراك الوعود السماوية والمكافآت الإلهية.

اتباعنا للتأديب هو نافع لنا، وإهماله وإدارة ظهورنا له هو موت[105].

القديس كبريانوس

v   التأديب هو نوع من الحماية ودفاع ضد كل ما يضرنا.

v يلزمنا ألا نتطلع إلى غضب الله [5] بكونه اضطرابًا في الفكر؛ بل بالحرى هو القوة التي بها يثبت له حقوقه في العدل، حيث تخضع كل خليقة لخدمته[106].

القديس أغسطينوس

“اعبدوا الرب بخشية وهللوا له برعدة” [11]

في عبادتنا لله يلزم أن تمتلئ قلوبنا بمخافة إلهية مقدسة، وفي نفس الوقت تمتلئ بثقة مفرحة في الرب. لذلك يرى آباء الكنيسة نوعًا من التكامل بين مخافة الرب المقدسة والفرح الروحي. فإن العبادة والنظام الروحي يخلقان ليس فقط نوعًا من الرعدة أو الخوف وإنما أيضًا فرحًا داخليًا.

بخصوص مخافة الرب نقتطف العبارات التالية:

v   لننظر أي إنسان يجب أن يكون القديس! يجب أن يكون لطيفًا، حكيمًا، حزينًا، نائحًا، منسحق القلب!

الإنسان الذي هو هزلي في تعاملاته ليس قديسًا. فحيث توجد النجاسة يكون الهزل؛ وحيث الضحك في غير أوانه يكون الهزل. اصغ إلى قول النبي: “اعبدوا الرب بخوف وهللوا له برعوده” [11]. 

الهزل يسلم النفس إلى التنعم والتكاسل. إنه يثير النفس بصورة غير لائقة، فكثيرًا ما تجنح إلى أعمال العنف وتوجد حروبًا[107].

القديس يوحنا الذهبي الفم

v عندما تتلو مزمورًا تأمل كلمات من هذه التي تتلوها، ولتبتهج نفسك بندامة حقيقية أكثر من الإعجاب بلذة الصوت، فإن الله يُقدر قيمة دموع من يسبحه أكثر من عذوبة الصوت. يقول النبي: “اعبدوا الرب بخشية وهللوا له برعدة” والآن حيث يوجد الخوف والرعدة لا يوجد صوت عالٍ وإنما يكون اتضاع الفكر مع نحيب وبكاء[108].

(المدعو) سولبيتس ساوريرس

v أنه لأمر عظيم أن نخدم الله، إذ قيل: “أعبدوا الرب بخوف”، وأمرُ عظيم أن تُدعى من الله “عبدي” (إش 49: 6)… مع ذلك قيل للرسل: “لا أعود أسميكم عبيدًا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده” (يو 15: 15)… ها أنت ترى أن هناك مراحل متعددة للكمال، وأن الله يدعونا إلى أمور عالية، ثم يعود فيدعونا إلى ما هو أعلى حتى أن من يصير مباركًا وكاملاً في مخافة الرب يرتقي كما هو مكتوب: “من قوة إلى قوة” (مز 84: 7)[109].

الأب شيريمون

v   إنه لمن اللائق أن نقف أمام الله بعقل يقظ متنبه ممتزج برعدة وخوف مع التهاب الروح بالفرح والحب العميق (رو 12: 11-12) [110].

الأب مارتيروس

v   إن كنت تتذكر الديان وقت الشدة فحَسْب كمن يبث خوفًا ومن هو أمين بلا فساد فأنت لم تتعلم بعد أن “تعبد الرب بخشية وأن تفرح به برعدة[111].

الأب أوغريس من بنطس

v   يوجد فرح فنقدم شكرًا، وتوجد رعدة لئلا نسقط[112]!

الأب قيصريوس أسقف آرل

يقول مؤلف كتاب السلم (الدرجات) من القرن الرابع: [عندما يُعتق إنسان من عبودية الموت يلزمه أن يخدم الرب بفرح لا بحزن[113]].

المسيح القائم من الأموات:

يُسبح بهذا المزمور في صلاة باكر حسب الطقس القبطي، بكونه مزمور القيامة. يقول C. Stuhlumeller: [يتمم يسوع هذا المزمور بكونه ملكًا، لا من حيث ولادته من نسل داود، مكتسبًا ذلك خلال يوسف (مت 1: 16-17؛ لو 1: 32)، وإنما خلال قيامته من الأموات، متوَّجًا عن يمين الله، يُرسل الروح القدس (أع 4: 25-26، 13: 33؛ عب 1: 5، 5: 5).

يختم المزمور بالقول: “طوبى لجميع المتكلين عليه” [12].

v   الثقة فيه هي أمر أعظم من الإيمان، فإنه إذ يؤمن إنسان أن ابن الله هو معلمنا يثق أن تعاليمه هي الحق[114].

القديس اكليمندس الإسكندري

 

صلاة

v العالم بكل جبروته يود الخلاص من رباطات حبك، والتحرر من نير وصيتك أيها المسيح مخلصي. اربطني بالحب وهب لي أن أحمل نير صليبك العذب!

v   العالم بنيره الثقيل أحنى ظهري وأحدرني إلى الهاوية، أما نيرك فأحمله لكي يحملني منطلقًا به إلى سمواتك!

v   أيها الابن الوحيد الجنس… ضمني إلى حضن أبيك، فأشاركك الميراث الأبدي! ليؤدبني الآب بروح الأبوة، ولا يغضب عليّ!

فاصل

فاصل

 تفسير المزمور 1 تفسير سفر المزامير
القمص تادرس يعقوب ملطي
 تفسير المزمور 3
تفسير العهد القديم

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى