تفسير سفر زكريا ٣ للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح الثالث
يهوشع الكاهن العظيم

لكي يتحقق فرح بنت صهيون ظهر ربنا يسوع نفسه (يهوشع) رئيس كهنة في هيكله يحمل عنا ثيابنا القذرة، ثياب السبي، ليهبنا نفسه لباس البر وعمامة (تاجًا) طاهرة.

يهوشع والشيطان  [1-2].

“وأراني يهوشع الكاهن العظيم قدام ملاك الرب والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه. فقال الرب للشيطان: لينتهرك الرب يا شيطان، لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم، أفليس هذا شعلة منتشلة من النار؟!” [1-2].

ماذا تعنى هذه الرؤيا؟ كان رئيس الكهنة رمزًا لخدمة الهيكل، وبسبيه إلى بابل ظهر تحطيم كل خدمة الهيكل. لكن وراء هذا تكمن عداوة خفية ليست بين بابل ورئيس الكهنة، وإنما بين إبليس والله. لقد وقف الشيطان عن يمين يهوشع ليقاومه ولكن يهوشع يدرك أن الحرب إنما هي ضد الله نفسه، لذا قال: “لينتهرك الرب”.

لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم“، ليس عن فضل من جانبها أو برّ فيها من ذاتها، ولا لأنها لاقت مرارة السبي وإنما لأن الله في محبته اختارها. وكما أكد السيد المسيح لتلاميذه: “ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم” (يو 15: 16). إنه يغير علينا من أجل محبته لنا، خاصة وهو يرى الشيطان “شعلة منتشلة من النار“، عمله أن يلقي بذاته فينا ليجعل منا أتون لا ينطفئ.

من هو يهوشع بن يهو صادق الكاهن العظيم؟ يرى الآباء[23] في يهوشع رمزًا ليسوع المسيح الكاهن الأعظم وأسقف نفوسنا. فإن كلمة “يسوع” مختصرة عن يهوشع أي “يهو خلاص”، أما “يهو صادق” فتعني “الله بر”. فقد جاءنا ربنا يسوع بكونه الله مخلصنا وبرنا، جاء يحمل طبيعتنا فلم يدرك الشيطان حقيقته بل تشكك في أمره خاصة أنه جاع وعطش وتألم… فوقف عن يمينه ليقاومه، فغلبه الرب وانتصر عليه لحسابنا.

لقد حارب السيد المسيح الشيطان الذي هو “شعلة منتشلة من النار“، الشعلة المهلكة التي اختارها البشر لأنفسهم فألهبتهم بنار الشهوات المميتة. وكما يقول القديس أكليمندس السكندري: [ لماذا يهرب الناس إلى هذه الشعلة المميتة فيموتون بها بينما في إمكانهم أن يعيشوا مكرمين في الله؟![24]]. ويرى القديس ديديموس الضرير أن الشيطان شعلة منتشلة من النار، كان يمكن لله أن يتركها تحترق دون أن ينتشلها، لكنه لم يسمح بعقابه كل العقاب حاليًا إنما انتشله ليستخدمه في أغراضه الإلهية دون أن يثمر الشيطان كالغصن الذي أصابته النار فلا تعود إليه الحياة. يستخدمه الرب أداة ليتمجد فيه بنصرة أولاده عليه.

فاصل

يهوشع والعمامة الطاهرة [3-5].

لا نعجب إن كان يهوشع قد ظهر لابسًا ثيابًا قذرة وظهر واقفًا قدام الملاك ليسمع الأمر الصادر: انزعوا عنه الثياب القذرة، فإن يهوشع يرمز ليسوع المسيح، كلمة الله المتجسد الذي حمل ثيابنا القذرة[25]لكي بصليبه تُنزع عنا خطايانا لنحمل بره ونكلل.

يقول القديس جيروم: [إن السيد حمل هذه الثياب فأعطى الفرصة للعدو أن يقف أمامه ليقاومه؛ إذ لبس خطايانا ففي ذلك يكون مقاومًا له[26]].

يقول القديس ديديموس الضرير: [بعد أن نزعوا عنه الثياب القذرة وضعوا على رأسه العمامة الطاهرة وألبسوه ثيابًا. فمن أجل إعادة تأسيس المدينة والهيكل وبنائهما يرتدي رئيس المأسورين الذي أُعتقوا ثياب الخلاص ورداء البر، فيقول: “تبتهج نفسي بإلهي لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص، وكساني رداء البر” (إش 61: 10). تُلقى عنه الثياب القذرة إذ يجب ألاَّ يحزن بعد بل يفرح ويتهلل بخلاص الذين تحملوا الأسر ولكن من هم الذين صدر إليهم الأمر بنزع ثياب الحزن عنه والتي وُصفت أنها قذرة؟… يمكن القول أنهم الملائكة اللذين يحيطون بخائفى الله يحموهم ويمنعوهم من الشعور بالهم والحزن اللذين تقدمهما تجارب الحياة].

قيل ليهوشع: “قد أذهبت عنك إثمك وألبسك ثيابًا مزخرفة” [3-4].

كيف يقال له: “قد أذهبت عنك إثمك؟” يقول معلمنا بولس الرسول: “جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن برّ الله فيه” (2 كو 5: 21)، “المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب: ملعون كل من عُلق على خشبه، لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح” (غل 3: 13-14). كأنه حمل مالنا من خطايا لكي بالصليب ينزعها فنحمل بره.

أما الثوب المزخرفة الذي لبسه السيد عوض الثياب القذرة إنما يُشير إلى كنيسته المزخرفة بمواهب متعددة، وكأنها القميص الملون الذي أهداه يعقوب لابنه يوسف. كل واحد منا يمثل خيطًا في هذا الثوب، لو أُنتزع يفقد الثوب جماله ومتانته. هذا هو الثوب الذي يتجلى فيه السيد فيصير ناصعًا كالنور (مت 17: 2). وكما يقول القديس أغسطينوس: [ثيابه هي الكنيسة، لأنه إن لم يمسكها من يرتديها تسقط، في هذا الثوب كان بولس كما لو كان هدبًا، إذ قال عنه نفسه: “لأني أصغر الرسل” (1 كو 15: 9)… لذلك فإن المرأة التي كانت تعاني من نزف الدم إذ لمست هدب ثوب السيد المسيح برئت. هكذا الكنيسة التي جاءت من الأمم صارت صحيحة خلال تعاليم بولس الرسول[27]].

ويرى القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن خلع الثياب القذرة وارتداء الثوب المزخرف يُشير إلى خلع إنساننا القديم وتمتعنا بالإنسان الجديد خلال مياه المعمودية، إذ يقول: [بهذا نتعلم بطريقة رمزية أنه في عماد السيد المسيح إذ نخلع خطايانا كثوب فقير وقذر ونلبس ثوب التجديد المقدس اللائق جدًا[28]].

أما العمامة الطاهرة فهي التاج الذي نكلل به في الرب القدوس.

فاصل

 يهوشع العامل في بيت الرب [6-10].

صارت الوصية المقدمة إلينا موجهة إلى رأسنا وكاهننا الأعظم يسوع المسيح: “هكذا قال رب الجنود إن سلكت في طرقي وإن حفظت شعائري فأنت أيضًا تدين بيتي وتحافظ أيضًا على دياري وأعطيك مسالك بين هؤلاء الواقفين” [7]. أما سر تقديم الوصية إليه فهو أننا لن نستطيع تنفيذها إلاَّ من خلاله ولا يمكننا تحقيق شعائر الله بدون عمله فينا.

إن كانت الكنيسة هي بيت الله فربنا يسوع هو الذي يدين الكنيسة، يسند القائمين ويقيم الساقطين، بهذا يكون أولاده واقفين أي قائمين فيه، ويجد هو لنفسه مسلكًا بينهم.

أخيرًا يختم هذه الرؤيا بالكشف عن شخص هذا الكاهن العظيم: “لأني هأنذا آتي بعبدي الغصن، الشرق اسمه، فهوذا الحجر الذي وضعته قدام يهوشع على حجر واحد سبع أعين، هأنذا ناقش نقشه يقول رب الجنود يُنادي كل إنسان قريبه تحت الكرمة وتحت التينة” [8-15].

يمكننا أن نلخص حديثه هنا عن شخص ربنا يسوع المسيح بالآتي:

أولاً: يدعوه: عبدي، الغصن، الشرق، الحجر، كل لقب يكمل بقية الألقاب. فخلال التجسد صار عبدًا إذ “أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس” (فى 2: 6-7). وبانتسابه لداود الملك خرج كغصن وهو خالق الكرمة (أش 11: 1-2)، أما دعوته بالشرق فبكونه شمس البرّ الذي يضيء على الجالسين فى الظلمة. وأخيرًا دُعي بالحجر إذ رفضه البناءون فصار حجر الزاوية يضم اليهود والأمم معًا فى المبنى الروحي السماوي الذي قال عنه الرسول: “مبنيين على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية” (أف 2: 20).

ثانيًا: يقول: “أزيل إثم تلك الأرض فى يوم واحد” الذي هو ظهور ربنا يسوع المسيح بكونه الشمس التي أشرقت علينا بلا غروب، فحولت ليلنا إلى نهارًا بلا ليل، فيه نزعت آثامنا بالصليب.

ثالثًا: فى ذلك اليوم، يوم الصليب، ارتبطنا معًا “فيُنادى كل إنسان قريبه تحت التينة” أي ارتباطنا فيه بالحب خلال كنيسته الكرمة المقدسة والتينة المثمرة. فى دراستنا لسفر هوشع رأينا كيف تُشير الكرمة إلى الكنيسة المتألمة التي تجتاز المعصرة مع عريسها، والتينة إلى وحدة الروح القدس الذي يُشار إليه بغلاف التين الذي يضم فى داخله بذار كثيرة لا قيمة لها إلاَّ من خلال وحدة الروح[29].

فاصل

فاصل

تفسير زكريا 2 تفسير سفر زكريا
القمص تادرس يعقوب ملطي
تفسير زكريا 4
تفسير العهد القديم

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى