تفسير سفر المكابيين الاول ٤ للقمص أنطونيوس فكري

الإصحاح الرابع

الآيات (1-15):

1 واخذ جرجياس خمسة آلاف راجل وألف فارس منتخبين وسار الجيش ليلا. 2 ليهجموا على محلة اليهود ويوقعوا بهم بغتة وكان أهل القلعة أدلاء لهم. 3 فسمع يهوذا فسار هو ورجال البأس ليضرب جيش الملك الذي في عماوس. 4 وكان لا يزال متفرقا في خارج المحلة. 5 فلما انتهى جرجياس إلى محلة يهوذا ليلا لم يجد أحداً فطلبهم في الجبال لأنه قال انهم هربوا منا. 6فلما كان النهار ظهر يهوذا في السهل ومعه ثلاثة آلاف رجل إلا انهم لم يكن معهم من الجنن والسيوف ما يوافق مرادهم. 7 ورأوا أن جيش الأمم قوي وعليه الدروع والخيل من حوله وهم مدربون على الحرب. 8 فقال يهوذا لمن معه من الرجال لا تخافوا كثرتهم ولا تخشوا بطشهم. 9 اذكروا كيف نجا آباؤنا في بحر القلزم حين تتبعهم فرعون بجيشه. 10 فالآن لنصرخن إلى السماء لعله يرحمنا ويتذكر عهد آبائنا ويكسر هذا الجيش أمامنا اليوم. 11 فتعلم كل الأمم أن لإسرائيل فاديا ومخلصا. 12ورفع الأجانب أبصارهم فرأوهم مقبلين عليهم.13 فخرجوا من المحلة للقتال ونفخ أصحاب يهوذا في البوق. 14 واقتتلوا فانكسرت الأمم وانهزمت إلى السهل. 15 وسقط جميع ساقتهم بالسيف فتعقبوهم إلى جازر وسهول أدوم واشدود ويمنيا وكان الساقطون منهم ثلاثة آلاف رجل.”

الجُنن= الدروع والخوذ (آية6). أهل القلعة= التي بنوها على أسوار أورشليم وعسكر فيها جنود اليونان ومعهم أعضاء من الحزب اليوناني. لنصرخن إلى السماء= المقصود لنصرخ إلى الله، لكن كانوا يخشون أن يذكروا إسم الله إحتشاماً وحياءً. ونلاحظ أن السلوكيين لم يتصوروا شجاعة المكابيين ولم يعرفوا معونة الله لشعبه، بل تصوروا أن هذه الحرب مع المكابيين ما هي إلاّ نزهة.

 

الآيات (16-25):

16 ثم رجع يهوذا وجيشه عن تعقبهم. 17 وقال للشعب لا تطمعوا في الغنائم لأن الحرب لا تزال قائمة علينا. 18 فان جرجياس وجيشه بالقرب منا في الجبل فاثبتوا الآن أمام أعدائنا وقاتلوهم وبعد ذلك تأخذون الغنائم بأمان. 19 ولم يفرغ يهوذا من هذا الكلام حتى ظهرت فرقة تتشوف من الجبل.20 فرأت انهم قد انكسروا وان المحلة قد أحرقت كما دلهم على ذلك الدخان المتصاعد. 21 فلما عاينوا ذلك خافوا جدا وإذ رأوا جيش يهوذا في السهل مستعدا للقتال. 22 فروا جميعا إلى ارض الأجانب. 23 فرجع يهوذا إلى غنائم المحلة فاخذوا ذهبا كثيرا وفضة وسمنجونيا وارجوانا بحريا وأموالا جزيلة.24وعادوا وهم يسبحون الرب ويباركونه إلى السماء لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته. 25 وكان في ذلك اليوم خلاص عظيم في إسرائيل.”

كان يهوذا حكيماً فلم ينتشي بالنصر عالماً أنهم سيعيدون الكرة فطلب من جيشه أن يظل مستعداً ولا يسعوا وراء الغنائم، التي ستضعف إستعدادهم القتالي. لكن إذ رأى السلوكيين ما حدث هربوا.

 

الآيات (26-35):

26 ووفد كل من نجا من الأجانب على ليسياس واخبروه بجميع ما وقع. 27 فلما سمع ذلك بهت وانكسر عزمه إذ لم ينفذ في إسرائيل ما كان يريده ولم يتم ما أمر به الملك. 28 فلما كانت السنة القابلة جمع ليسياس ستة آلاف راجل منتخبين وخمسة آلاف فارس لمحاربتهم. 29 فآتوا إلى أدوم ثم نزلوا ببيت صور فلاقاهم يهوذا في عشرة آلاف رجل. 30 فرأى جيشا قويا فصلى وقال مبارك أنت يا مخلص إسرائيل الذي حطم بطش الجبار على يد عبده داود واسلم محلة الأجانب إلى يد يوناتان بن شاول وحامل سلاحه.31فالق هذا الجيش في أيدي شعبك إسرائيل وليخزوا مع جنودهم وفرسانهم.32 احلل عليهم الرعدة وأذب تجبر قوتهم وليضطربوا وينسحقوا. 33أسقطهم بسيف محبيك وليسبحك بالأناشيد جميع الذين يعرفون اسمك. 34ثم التحم القتال فسقط من جيش ليسياس خمسة آلاف رجل وصرعوا أمامهم.35 فلما رأى ليسياس انكسار جيشه وبسالة جيش يهوذا وانهم مستعدون بشجاعتهم أما للحياة وأما للموت ذهب إلى إنطاكية وجمع جيشا من الغرباء ولما كثر جيشه الأول هم بالرجوع إلى اليهودية.”

ليسياس يحاول محاولة ثانية ويهوذا يغلب بقوة الصلاة. وإذ فشل قادة ليسياس في سحق اليهود بحسب أمر الملك رأى ليسياس أن يقوم بهذا بنفسه ليحقق رغبة الملك. بيت صور= جنوب صيدا بحوالي 40كم وشمال حبرون بسبعة كيلو مترات وكانت حصناً عظيماً وكانت تابعة لليهودية. وإنهزم ليسياس وإنسحب إستعداداً ليهجم على شعب الله ثانية. وهكذا حين هزم السيد المسيح إبليس “فارقه إبليس إلى حين” (لو13:4) فإبليس لا يهدأ، وهكذا كل من يتبعه.

 

الآيات (36-53):

36 وان يهوذا واخوته قالوا ها أن أعداءنا قد انسحقوا فلنصعد الآن لتطهير المقادس وتدشينها. 37 فاجتمع كل الجيش وصعدوا إلى جبل صهيون. 38 فرأوا المقدس خاليا والمذبح منجسا والأبواب محرقة وقد طلع النبات في الديار كما يطلع في غابة اوجبل من الجبال والغرفات مهدومة. 39فمزقوا ثيابهم وناحوا نوحا عظيما وحثوا على رؤوسهم رمادا. 40 وسقطوا بوجوههم على الأرض ونفخوا في أبواق الإشارة وصرخوا إلى السماء. 41حينئذ رتب يهوذا رجالا يصادمون اهل القلعة ريثما يطهر المقادس. 42واختار كهنة لا عيب فيهم من ذوي الحرص على الشريعة. 43 فطهروا المقادس ورفعوا الحجارة المدنسة إلى موضع نجس. 44 ثم ائتمروا في مذبح المحرقة المدنس ماذا يصنعون به. 45 فخطرت لهم مشورة صالحة أن يهدموه لئلا يكون لهم عارا لتدنيس الأمم إياه فهدموا المذبح. 46 ووضعوا الحجارة في جبل البيت في موضع لائق إلى أن يأتي نبي ويجيب عنها. 47 ثم اخذوا حجارة غير منحوتة وفاقا للشريعة وبنوا المذبح الجديد على رسم الأول. 48وبنوا المقادس وداخل البيت وقدسوا الديار. 49 وصنعوا آنية مقدسة جديدة وحملوا المنارة ومذبح البخور والمائدة إلى الهيكل. 50وبخروا على المذبح وأوقدوا السرج التي على المنارة فكانت تضيء في الهيكل. 51وجعلوا الخبز على المائدة ونشروا السجوف وأتموا جميع الأعمال التي عملوها. 52وبكروا في اليوم الخامس عشر من الشهر التاسع وهو كسلو في السنة المئة والثامنة والأربعين. 53 وقدموا ذبيحة بحسب الشريعة على مذبح المحرقة الجديد الذي صنعوه.”

لقد صار الهيكل مقفراً، بل موضوع فيه تمثال زيوس وهذا أصعب شئ (من الذي يملك على قلبك، الله أم شهوات العالم، وهل أنت مثمر لله أم مقفر؟ فنحن هيكل الله). وكان هناك جنود سلوكيون في القلعة، فحتى يمكنهم أن يطهروا الهيكل بدون مقاومة من هؤلاء الجنود، وضع يهوذا قوة لتصد أي إعتداء من جنود القلعة. وهم تشاوروا وأزالوا مذبح المحرقة لأن اليونانيين كانوا قد قدموا عليه خنزيرة كذبيحة ونجسوه. ولكنهم وضعوا الحجارة في موضع لائق إلى أن يأتي نبي ويجيب عنها= ماذا يفعلون بها، إذ سبق وقدم عليها ذبائح لله فتقدست كان على النبي أن يخبر أيهما أقوى التقديس السابق أم التدنيس الحالي. أما الحجارة المدنسة= التي كانت مذابح لزيوس فألقوا بها فيموضع نجس= ربما كان وادي إبن هنوم حيث تحرق القمامة.

 

الآيات (54-61):

54 وفي مثل الوقت واليوم الذي فيه دنسته الأمم في ذلك اليوم دشن بالأناشيد والعيدان والكنارات والصنوج. 55 فخر جميع الشعب على وجوههم وسجدوا للذي أنجحهم وباركوه إلى السماء. 56 وأتموا تدشين المذبح في ثمانية ايام وقدموا المحرقات بفرح وذبحوا ذبيحة السلامة والحمد. 57 وزينوا وجه الهيكل باكاليل من الذهب وتروس ودشنوا الأبواب والغرفات وجعلوا لها مصاريع. 58 فكان عند الشعب سرور عظيم جدا وأزيل تعيير الأمم. 59 ورسم يهوذا واخوته وجماعة إسرائيل كلها أن يعيد لتدشين المذبح في وقته سنة فسنة مدة ثمانية ايام من اليوم الخامس والعشرين من شهر كسلو بسرور وابتهاج. 60 وفي ذلك الزمان بنوا على جبل صهيون من حوله أسوارا عالية وبروجا حصينة لئلا تجيء الأمم وتطاه كما فعلت من قبل. 61 وأقام ثم جيشا يحرسونه وحصنوا بيت صور صيانة له حتى يكون للشعب معقلا تلقاء أدوم.”

وهذا ما يسمى عيد التجديد. أزيل تعيير الأمم= الأشياء والتماثيل الوثنية التي كانت في الهيكل وكان عيد التجديد يستمر 8أيام وتضاء فيه أنوار كثيرة ولذلك يسمونه عيد الأنوار. ولأنهم دشنوا فيه المذبح اسموه “حانوكا” وهي تعني التدشين، ويحملون فيه أغصان النخيل. 8أيام= لماذا 8أيام؟ لأنهم وجدوا قنينة زيت من زيت المنارة تكفي لمدة يوم واحد، لكنها إستمرت مملوءة لمدة ثمانية أيام. ولأنها معجزة سماوية قرروا الإحتفال بالعيد لثمانية أيام. وإستمرت هذه الحرية الدينية التي أوجدها لهم يهوذا حتى أيام المسيح وإلى أن دمر الهيكل سنة 70م. وبعد هذا إزداد طمع المكابيين فطمعوا في التوسعات، لذلك بينما أعانهم الرب أولاً، عانوا بعد ذلك. ولقد وصل الأمر إلى أن إستعان بعضهم بالحكام السلوكيين ضد إخوتهم. أما هنا فنرى يهوذا يتخذ إجراءات وقائية لحماية الهيكل حتى لا يتعرض للتدنيس ثانية.

 

زر الذهاب إلى الأعلى