تفسير رسالة أفسس – المقدمة للقس أنطونيوس فكري


المقدمة

أفسس هى عاصمة المقاطعة الرومانية المسماة آسيا، وهى فى آسيا الصغرى (تركيا حاليا). وكانت أفسس ملتقى للطرق التجارية، وأشتهرت بهيكلها العظيم للإلهة أرطاميس، وهى إلهة تمثل أماً لها فى صدرها كثير من الثُدىّ فهى مرضعة جميع البهائم والحيوانات. وتعتبر أرطاميس إلهة القمر عند اليونان وتقابل ديانا عند الرومان. وكان أهل أفسس متهافتين على الوثنية والسحر والخلاعة (أع19:19).

كتبها بولس الرسول من سجن روما (السجن الأول سنة 62 – سنة 63م) حين أُذِنَ له أن يستأجر بيتا لمدة سنتين (أع30:28). وهناك كتب رسائل الأسر الأول وهى: أفسس وفيلبى وكولوسى وفليمون. وبهذا تحوّل السجن الى كرازة إنتشرت عبر الأجيال ولآلاف السنين.

ورسالة أفسس تكلمنا عن مفهوم الكنيسة، وكيف أن كل منا لا يحيا كفرد منعزل بل كل منا هو عضو فى الجسد المقدس (جسد المسيح). وهى تختلف مثلاً عن الرسائل الأخرى كغلاطية وكورنثوس، فلا توجد فى أفسس أخطاء عقائدية أو أخطاء سلوكية يعالجها الرسول فى رسالته. لذلك لا توجد نبرة غضب كالتى نجدها فى رسائل (غل، 1كو، 2كو) ولكن الرسول وهو فى فرحه بهذه الكنيسة يبحث عن النمو الروحى لمن هم سالكون فى الطريق الصحيح. وهذا النمو فى نظر بولس هو نمو بلا حدود، فيطلب أن نمتلىء إلى كل ملء الله (3 :19). وليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم  (3: 17). فالمسيحى الحقيقى يجب أن ينمو دائماً.

تأسيس كنيسة أفسس:

كان بأفسس كثير من اليهود لهم الجنسية الرومانية. وكرز لهم بولس الرسول فى زيارته لأفسس حوالى سنة 54م فى نهاية رحلته التبشيرية الثانية. وكرز بولس فى المجمع اليهودى وترك أكيلا وبرسكيلا يكملان عمله (أع18: 21). وفى غيبته جاء أبلوس من الأسكندرية، وكان من تلاميذ يوحنا المعمدان. وجاهر بما عرفه عن السيد المسيح فى المجمع. وقام أكيلا وبرسكيلا بتعليمه طريق الرب بأكثر تدقيق (أع24:18 –26) ورجع بولس الرسول إلى أفسس حسب وعده فى خريف سنة 54م فى رحلته التبشيرية الثالثة حيث وجد بعض التلاميذ لم يقبلوا سوى معمودية يوحنا فبشرهم بالسيد المسيح وعمدهم وإذ وضع يده عليهم حل الروح القدس عليهم فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون (أع19: 3-9).

وعظ بولس الرسول فى مجمع اليهود 3 أشهر ولما  قاومه اليهود اعتزلهم (أع19: 8-12). وظل يعلَِّم فى مدرسة تيرانس سنتين لليهود ولليونانيين. فقبل كثير من اليهود والأمم الإيمان. ونتيجة الإيمان أحرق كثيرون من السحرة كتب السحر (أع19:19). ولما انهارت عبادة أرطاميس قام صنَّاع الفضة بثورة (أع19: 24-29).

وتأسست فى أفسس كنيسة عظيمة لها قسوسها (أع20) (تقع ميليتس جنوب أفسس) وبعد أن ترك بولس أفسس خدم فيها تلميذه تيموثاوس (اتى1: 3). وأرسل بولس هذه الرسالة الى أفسس بيد تلميذه تيخيكس  (أف 6: 21+ 2تى 12:4). وأفسس هى أحدى الكنائس السبع التى أرسل لها السيد المسيح رسائل فى سفر الرؤيا. وفى أفسس قضى القديس يوحنا اللاهوتى أواخر أيامه، وتنيح فى جزيرة بطمس وهى فى مقابل أفسس. وفى سنة 431م انعقد فيها مجمع مسكونى. وصارت أفسس الآن قرية أفيس ولايوجد بها مسيحيون تنفيذاً لنبوة السيد المسيح أنه سيزحزح منارتها لأنها تركت محبتها الأولى رؤ 2: 5.

 السر:

يتحدث الرسول فى رسالة أفسس عن السر الذى أعلنه له المسيح شخصياً. ويقصد به خلاص الأمم مع اليهود (أف2: 14). ووحدة اليهود مع الأمم ستكون نموذجاً لما سيتم فى توحيد كل العالم فى المسيح، إذ تنتهى كل عداوة بين البشر، وكانت أصعب عداوة هى التى بين اليهود والأمم. عموماً فالله خلق العالم فى وحدة، فالله خلق آدم واحد، ومنه أُخِذت حواء، ومن كليهما أتى الأولاد، أى كل الخليقة هى جسد آدم. والمفروض أن تكون هناك وحدة بين البشر. ولكن الخطية سببت الانقسام وقام قايين وقتل أخيه. ولكن المسيح أتى ليعيد هذه الوحدة، (يو17: 21)، أتى المسيح ليجعل الكل واحد فى جسده، أى سيجعل كل اثنين متنافرين متخاصمين واحداً. بل أن المسيح قد وحدّ السمائيين بالأرضيين (أف 10:1). وصار هو رأساً لكليهما. لذلك نجد فى (رؤ9:5) أن السمائيين صاروا يسبحون على الخلاص الذى تم للأرضيين، هم صاروا يتكلمون بالنيابة عنا، ويفرحون لنا، فلقد صرنا واحدا. وهذه الوحدة تمت الإشارة لها رمزياً فى حادثتين. الأولى إلتقى فيها المسيح بسفينتين، وكان صيد سمك وفير وكان هذا فى بداية خدمة السيد المسيح (لو1:5ـ10) والثانية كانت فى نهاية أيام المسيح على الأرض بالجسد، وكانت بعد القيامة إذ التقى بسفينة واحدة (يو21: 3ـ11) والسمك رمز للمؤمنين، والسفينة رمز للكنيسة، التى كانت سفينتين قبل عمل السيد المسيح الفدائى، وصارت سفينة واحدة أى كنيسة واحدة بعد أن أتم المسيح عملهجعل الاثنين واحدا ” (أف14:2).

ونلاحظ أن بولس يذكر أيضاً فى رسالة كولوسى كلمة السر الذى عرفه، لكنه فى كولوسى يقصد سر المسيح. ففى أفسس يكلمنا بولس عن الكنيسة جسد المسيح أنها عائلة واحدة، بل جسد واحد يجمعها الله من وسط العالم، من كل شعب ولسان وأمة، وسيستمر فى جمعها عبر السنين إلى أن تكمل، وهو يعدها لمصير أبدى مجيد. إذاً وفى أفسس يتكلم عن الكنيسة (أف 5: 22-32 +أف 1: 23) وأنها جسد المسيح الواحد. أماّ فى كولوسى فهو يتكلم عن من هو المسيح وأنه رأس هذه الكنيسة، وأنه مصدر كل بركات ونعم هذه الكنيسة، هو بلاهوته وسلطانه كان فيما قبل الخليقة، وهو أزلى، خلق الكل. وبعد فدائه صار مصدراً لكل خيرات الكنيسة إذ هو رأس الكنيسة (هذا هو السر فى كولوسي). وهناك تكامل فى المعنيين (راجع الآيات كو15:1ـ20 مع أف1: 17-23) لترى أزلية المسيح وسلطانه على كل الخليقة. إذاً أفسس تتحدث عن الكنيسة جسد المسيح، وكولوسى تتحدث عن المسيح رأس الكنيسة.

 

هناك تشابه فى الكلمات والآيات بين رسالتى أفسس وكولوسى. والسبب أن الموضوعين متكاملين (الكنيسة جسد المسيح، والمسيح رأس الكنيسة). لذلك طلب بولس الرسول أن يتبادل شعبا كولوسى وأفسس الرسالتين لقراءتهما. خصوصاً أن تيخيكس كان حاملاً للرسالتين (أف 21:6+ كو7:4).

رسالة أفسس كانت مرسلة أصلا إلى أفسس وإلى لاودكية وإلى المدن المحيطة بهما. فهى رسالة دورية مرسلة لكنائس آسيا الصغرى. ولم تكن أفسس أكبر وأشهر كنيسة فى المنطقة بل كانت لاودكية هى الأشهر مع أن أفسس كانت عاصمة أقليم أومقاطعة آسيا.

ولقد وردت الآية الأولى (أف1:1) فى أقدم النسخ هكذا:

بولس، رسول يسوع المسيح بمشيئة الله، إلى القديسين الذين فىوالمؤمنين فى المسيح يسوعأى وُجِدَ مكان كلمة أفسس فارغاً. وذلك حتى يكتب اسم المدينة المرسلة إليها فى المكان الفارغ ووُجدت رسائل مكتوب فيها فى المكان الفارغ اسم مدينة أفسس أى إن الرسالة كانت تنسخ ويكتب فى المكان الفارغ اسم المكان المرسلة إليه وما يؤكد صحة هذا الرأى أن الرسالة خلت تمامًا من وجود أى تحيات إلى أشخاص بالذات من الموجودين سواء فى أفسس أو لاودكية. لذلك حين يقول بولس الرسول فى (كو4: 16) “ومتى قُرِئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تقُرأ أيضاً فى كنيسة اللاودكين والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضًافهو يقصد بالرسالة التي من لاودكية رسالته إلى أفسس (المعروفة بهذا الاسم حالياً). ونلاحظ جغرافياً أن أفسس ولاودكية مدينتان متقاربتان.

الفكر العام فى الرسالة

الكنيسة جسد المسيح

 1ـ الكنيسة جسد المسيح كما أن الخليقة جسد آدم :

(أف1: 22، 23 + 2 :16 + 4: 12 + 5: 30) العالم كله هو جسد آدم. كلٌ منا عبارة عن جزء من آدم ولأن رأسنا آدم مات فنحن كلنا نموت. وبنفس المنطق فنحن فى المسيح خليقة جديدة (أف2: 10 + 2كو5: 17). 

ولأن رأسنا حى، فالكنيسة حية ونحن ننتمى لجسد المسيح الحى بالمعمودية والتى بها نموت ونقوم ثابتين فى المسيح ونكون أعضاء فى جسد المسيح. وكرمز لهذا رأينا نوحاً كرأس لجسد جديد كانت له حياة إذ نجا من الطوفان بالفلك (رمز المعمودية) وصار رأساً جديدة للخليقة.

 2ـ كل منّا ينتمى لجسد المسيح بالمعمودية: (أف5: 26) 

وهذا تنبأ عنه حزقيال (16: 1-9) “رأيتك مدوسة بدمكفحممتك بالماء وغسلت عنك دماءَكِ ومسحتك بالزيت” (هنا نرى المعمودية وزيت الميرون). وهنا نسمع فى (أف5: 26) “لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء“. وبالمعمودية مات الإنسان العتيق ووُلد الإنسان الجديد ومع إحتكاكنا بالعالم نُحيى الإنسان العتيق إذ نعود نمارس الخطية لذلك كان هناك سر التوبة وهو الموت عن الخطية، وهنا نسمعأن تخلعوا من جهة التصرف السابق الإنسان العتيق الفاسدوتلبسوا الإنسان الجديد” (أف4: 22-24) فنظل ثابتين فى جسد المسيح إن عشنا حياة التوبة. وطبعاً يضاف لهذا التناول من جسد الرب ودمه لنثبت فيه.

 

3ـ الكنيسة عروس المسيح: (أف5: 23 –32) 

أحبها وأسلم ذاته لأجلها  لكى يقدسها وكما خرجت حواء من جنب آدم إذ وقع عليه نعاس، خرجت الكنيسة من جنب المسيح المطعون (دم للتقديسوماء للمعمودية خرجا منه) إذ مات على الصليب. لذلك قيل هنا إن الكنيسة أعضاء جسمه من لحمه وعظامه (أف5: 30) كما قيل عن حواء. ولذلك نجد الرسول هنا يعقد مقارنة بين المسيح وكنيسته والرجل وزوجته.

 4ـ تعبيرفى المسيح” + “كلنا أعضاء جسد المسيح” : (أف1:1، 3+4: 11) 

ورد تعبيرفى المسيحفى هذه الرسالة أكثر من 20 مرة. وهو تعبير خاص ببولس الرسول يشير لاتحادنا بالمسيح وثباتنا فيه (وهذا يتم بالمعمودية ثم بحياة التوبة والتناول). وكل منا حينما يثبت فى المسيح يصير عضواً فى جسد المسيحلأننا أعضاء جسمه” (أف30:5). وأعضاء الجسم لكل منها عمل يختلف عن الآخر. ولكن الكل يتكامل ليكون الجسم صحيحاً. وهذا ما نراه هناأعطى البعض أن يكونوا رسلاً والبعض…” (أف4: 11) والهدفتكميل القديسين لعمل الخدمة لبنيان جسد المسيح” (أف12:4) فالكل يخدم الكل، ويحدث التكامل. 

 5ـ لكل عضو عملة ووظيفتة: (أف2: 10 +4: 11، 16) 

والروح القدس هو الذى يوزع الأدوار ويعطى المواهب (1كو11:12). وهو الذى يعمل فى الأسرار. وهدف الأسرار هو تكوين جسد المسيح. فبالمعمودية نولد فى الجسد وبالميرون يحل الروح القدس علينا، وهو الذى يبكتنا ويعلمناوفى الإعتراف تمحى خطايانا وبالتناول نثبت فى الجسد فتكون لنا الحياة. والكهنوت خادم كل الأسرار. وفى سر الزواج تتكون خلية متكاثرة لينمو جسد المسيح عددياً ثم يعطى الروح المواهب لكل عضو فينمو الجسد روحياً. وكل عضو له مواهب تختلف عن الآخرليكن كل واحد بحسب ما أخذ موهبة يخدم بها بعضكم بعضاً ” (1بط4: 10).

 6ـ الأعضاء تترابط فى محبة: (أف4: 15، 16)  

فالجسد مشبه هنا بأعضاء ترتبط بعضها ببعض بمفاصل (هى المحبة التى يربط بها الروح القدس الأعضاء معاً) ونجد فى تشبيه المفاصل أن كل عضو حر فى حركته، لكنه مرتبط مع باقى الأعضاء بمفاصل. فيصبح جسداً واحداً. وهكذا الكنيسة جسد المسيح.

 7ـ الجسد الذى نحصل عليه هو جسد جديد: (أف2: 10+2: 14ـ16+4: 22–24) 

هنا نرى موت الإنسان العتيق، وأننا خُلقنا فى المسيح خلقة جديدة. ولكن لنا حرية الإرادة فى أن نعود للإنسان العتيق أو نحيا بالجديد. فالتوبة قرار حر بأن نموت عن الخطايا التى فى العالم، ونحيا للمسيح.

 8 ـ قامة ملء المسيح : (أف4: 13) 

هذا التعبير خاص برسالة أفسس التى تُكلمنا عن الكنيسة جسد المسيح. لذلك فهذا التعبير لا يخص الفرد بل هو خاص بالكنيسة جسد المسيح. ونحن المؤمنين نملأ هذا الجسد، فكل عضو منا هو عضو فى هذا الجسد. ولذلك يسمى الكنيسة إنسان كامل أى إنسان واحد، وليس أناس متعددين وكيف يحدث الامتلاء؟

 9ـ الأمتلاء يحدث بالنمو: (أف4: 15) “ننمو فى كل شىء 

كل عضو ينمو. كطفل ينمو، نجد أن كل أعضائه تنمو. ولو توقف عضو أوأكثر عن النمو، لما كان هذا الجسد طبيعاً. سيكون عاجزاً. أما لو نما كل عضو بطريقة طبيعية لامتلأ الجسم، وقام بوظيفته. وعمل جسد المسيح على الأرض هو أن يمجد أبانا السماوى 

(مت5: 16) ويكون هذا بأن نُظهر صورة المسيح للناس.

 

أمثلة عملية: 

v     الكنيسة هى جسد المسيح، يعطيها المسيح مواهب، لكل واحد موهبته أو وزناته، وهى تتكامل ليكون جسد المسيح كاملاً.

v     يشير لهذا ثوب يوسف الملون، ذو الألوان المتعددة، وكما هو معروف فيوسف يشير للمسيح الذى سلمه اخوتة وباعوه ثم ملك عليهم. والآب أعطى الكنيسة عروساً للمسيح  كما أعطى يعقوب إبنه ثوباً ملوناً. فالألوان تشير لتعدد المواهب فى الكنيسة. 

v     كان قوس قزح متعدد الألوان يشير للكنيسة:

1.     كان علامة أن الله  يريد الحياة لأولاده. 

2.     سقوط ضوء الشمس الأبيض (والمسيح شمس البر مل4: 2) على قطرات الماء الباقية فى الجو من المطر(والمطر يشير للروح القدس) (هو6: 1-3 + أش44: 3-4 + يو7: 37- 39). وكما تحلل ذرات المطر الضوء الأبيض لألوان متعددة. هكذا يعطى الروح القدس المؤمنين مواهب متعددة ومختلفة تتكامل معاً. 

v     تجربة علمية : يقسم قرص الى 4 أقسام ويقسم كل قسم إلى 7 أقسام ويلون كل جزء بأحد ألوان الطيف ويكرر هذا مع بقية الثلاثة أجزاء للدائرة ويدار القرص بسرعة كبيرة جدًا فنجد أن اللون الأبيض هو اللون الذى يظهر. فكأن الألوان حين تتكامل يظهر اللون الأبيض ثانية.

 ولو حدث أن كل عضو فى الكنيسة كان نموه الروحى طبيعياً وقام بدوره المكلف به (عمله المخلوق لأجله 10:2) بحسب مواهبه ووزناته، لظهر المسيح فى هذه الكنيسة، ولتمجد الله. أماّ لو كانت الألوان على القرص غير متطابقة مع ألوان الطيف لظهر لون آخر غير اللون الأبيض عند دوران القرص أى لو لم يقم كل واحد بعمله بأمانة لما ظهر المسيح ولما تمجد الله.

مثال آخر: فى فرقة موسيقية، لو عزف كل عازف بطريقة صحيحة لظهرت قطعة موسيقية رائعة. ولو أخطأ أحد لصدر صوت نشاز من الفرقة.

مثال آخر: نحن نرى رائحة المسيح الزكية (2كو2: 15) فلو كان كل منا ثابتاً فى المسيح ويحيا فى قداسة، لإنتشرت رائحة المسيح الزكية فى كل مكان.

إذاً قامة ملء المسيح هى أن يقوم كل عضو بدوره، يثبت فى المسيح، يقوم بعمله الذى يمجد به الله حسب مواهبه، وينمو نمواً طبيعياً. هنا تفوح رائحة المسيح الزكية من هذا المكان، هنا يسمع الناس صوت المسيح، هنا يرى الناس المسيح، هنا نرى قامة ملء المسيح. جسد المسيح أى كنيسته إمتلأ بأعضاء نامية قادرة أن تظهر جسد المسيح فى شكله الحقيقى الذى يريده اللهوالنتيجة مجد إسم الله.

 10ـ الكنيسة سماوية  

رأس الكنيسة فى السماء (20:1) وأبونا سماوى ونحن مسكن لله (22:2). بل وأن الكنيسة تحيا فى السماويات 2: 6 فما يحدث للرأس يحدث للجسد. لكن ما نأخذه الآن هو عربون (14:1). وحروب الشيطان ضد الكنيسة هى لأجل أن يبعدها عن هذه السماويات       (12:6) لكن الله أعطانا أسلحة نحارب بها إبليس ونطرده عنا  10:6-18. لذلك تحيا الكنيسة فرحة مسبحة على ما نالته (1: 6، 12،14).

 11ـ المسيح صار رأساً للسمائيين والأرضيين: (أف10:1+ 14:2)

المسيح يجمع من هو ثابت فيه من الملائكة والبشر، ويجعل الكل جسده (فهناك ملائكة سقطوا وهم صاروا شياطين، وهناك بشر رفضوا المسيح) وبجسده هذا سيقدم الخضوع للآب عن حب للآب. علامة حب هؤلاء (جسد المسيح) سيكون خضوعهم والمسيح رأس لهم (1كو28:15) وعلامة حب الآب لهم أنه سيفيض من خيره عليهم. ويكون المسيح نور هذا الجسد، لذلك لا يحتاجون لشمس تنير لهم (رؤ22: 5) أما من تمرد على الله ورفض المسيح (شياطين أو بشر) فسيكون مصيرهم الظلمة الخارجية أى خارج الجسد حيث لا نور (مت 30:25) بل سيكون نصيبهم بحيرة متقدة بالنار (رؤ10:20، 15) جسد المسيح من السمائيين والأرضيين سيخضعون عن حب، أما المتمردون فسيضعهم الله تحت قدميه (مز 110: 1) سيخضعون قهراً.

 12ـ الروح القدس فى الرسالة: 

كان تجسد المسيح هو بذرة الكنيسة، هو أخذ جسداً من الإنسان، فكان جسده إنساناً كاملاً ولكن بدون خطية، فهو جسدنا بمعنى أنه إتحد بالإنسان إتحاداً كاملاً، وبهذا الجسد صُلب 

(1بط2: 24) ومات فأنهى العقوبة التى علينا، وهكذا تصالحنا مع الله وصرنا مقدسين فى المسيح وأبناء الله بجسد المسيح. ثم قام بجسدنا وصعد به للسماويات فالمسيح ليس منفصلاً عن الكنيسة، كل ما عمله كان لحساب الكنيسة، التى صارت جسده وهو رأسها. وكان صعود المسيح للسماء كباكورة لصعود الكنيسة جسده للسماء. ونحن بالمعمودية نموت معه ونقوم معه ونتحد به، ثم بالتناول نتحد بجسده. وما يفصلنا عنه هو الخطية ولكن شكراً لله فهناك سر التوبة والإعتراف الذى به نرجع للثبات فيه ولذلك أرسل الله الروح القدس للكنيسة فهو الذى يعمل فى الأسرار ليثبتنا فى جسد المسيح. وأن كان المسيح قد أتحد بنا بجسده، إذاً ففى جسد المسيح يتلاقى المسيح بالإنسان فى إتحاد، وهذا معنى عمانوئيلالله معناأنتم فىّ وأنا فيكم (يو14: 20+ غل 2: 20) والمسيح يجمع الكنيسة كإنسان واحد له قامة المسيح، بل أن المسيح وحّد السمائيين مع الأرضيين أف 1: 10 لذلك نصلى فى القداس الغريغورى   ” الذى ثبت قيام صفوف غير المتجسدين (الملائكة) فى البشر“. وبهذا نفهم أن القداس توجد فيه صفوف الملائكة مع صفوف البشر، الكل قائمون أمام الله. وبالروح القدس ينكشف لنا هذا السر، بل إنكشف هذا السر للسمائيين أنفسهم (10:3، 11) والروح القدس هو الذى يعمل على تأسيس هذا الجسد السرى للمسيح أى الكنيسة.

أ‌.        هو ختم: (1: 13) سرى غير منظور، والختم يختم به العبيد أو قطيع الماشية علامة التبعية والملكية. ونحن صرنا ملكاً لله ومن قطيعه. والختم لايكرر والروح حل على التلاميذ على هيئة ألسنة نار دون أن يتغير شىء فى مظهرهم الخارجى أمام الناس. لكن الروح له مفاعيل واضحة (يو3 : 8).

ب‌.    هو عربون ميراثنا : (1: 14) ما نحصل عليه  الآن جزء من كل ما سنحصل عليه فى السماء وكل ما يعطيه  الروح القدس لنا الآن من تعزية وفرحما هو إلاّ عربون.

ت‌.    لمدح مجده : (1 :12) عمل الروح أن يعطينا أن نشعر بمجد الله وعظمته ومقدار محبته لنا وعمله لنا فنشكره ونسبحه. ومدح مجد الله صفة ملازمة لنوال البنوة والنعمة. لايمكن أن يكون هناك مسيحى قد تذوق عمل الله ولا يمدح مجده وعمله. فإذا كف الإنسان عن التسبيح تنحصر الروح وتكتئب. فلقد صارت هناك شركة بين الروح وبين الله الذى هو مصدرها، فهى خُلقت لتسبح مجده وتحمده (مز3:22) والخليقة الجديدة تنمو وتزدهر بقدر تسبحتها. وبقدر تسبحتها تقترب لله أكثر وتتقوى وتتجدد.

ث‌.    يعطينا الحكمة والمعرفة : (16:1-18+14:3-19).

ج‌.     والروح إذاً يعطينا أن نعرف أسرار عمل المسيح ومحبته لنا. والروح يشرح لنا بعض المعانى الغامضة علينا والتى هى أكبر من قدراتنا الفكرية والعقلية وتحتاج إلى تأييد الروح القدس مثلكل ملء الله،يحل المسيح بالإيمان فى قلوبنا “.

ح‌.     والروح القدس يملأ الكنيسة بعد قيامة المسيح وصعوده وجلوسه عن يمين الآب فهو فاض بملئة من المسيح الرأس الممجد فى السماء على الكنيسة التى هى جسده ليصير ملء الله فى الكنيسة التى هى جسد المسيح (23:1). وهذا شرحه بولس الرسول فى (10:4-16)، أن المسيح نزل للجحيم ثم صعد لكى يملأ كنيسته من الروح القدس ومواهبه فأعطى للبعض أن يكونوا رسلاً والبعضصارت الكنيسة هى المحل أو الهيكل الذى فيه يسكن الروح القدس إبتداءً من يوم الخمسين وبلا إنقطاع إلى أن يكتمل جسد المسيح بأكتمال عمل الروح القدس فى العالم ليجمع كل شىء فى المسيح ويكمل إعداد العروس لتزف للعريس السماوى يسوع المسيح فى مجيئه الثانى المجيد (رؤ7:19+17:22).

خ‌.     الروح القدس يحزن وينطفىء إذا قاومه الإنسان واختار طريق الخطية والعالم. ويفرح ويملأ الإنسان لو تجاوب مع صوته وقدم توبة وعاش شاكراً مسبحاً (أف30:4+18:5-21+اتس19:5).

د‌.       الروح يجمع أعضاء الجسد فى محبة (أف16:4). لذلك لا يُعرف المؤمن خارج الكنيسة ومنعزلاً عن إخوته، خارجاً عن الجسد. الإنسان الجديد يُعرف أنه إنسان جديد كعضو فى الكنيسة جسد المسيح، له دوره فى بنيان جسد المسيح.

ذ‌.       من يمتلىء من الروح القدس سيحقق الهدف المخلوق لأجله (أف10:2) وينمو نمواً مستمراً، ولو كل عضو إمتلأ ستتحقق قامة ملء المسيح. أماّ من يحزن الروح فهو لن ينمو. بل أن سبب الشقاق والتناحر والأحزاب أن الكل ليس ممتلئاً بعد من الروح القدس، وإلاّ فأين المفاصل أى رباطات المحبة؟

ر‌.      لقد صارت الكنيسة سماء ثانية ففيها يسكن الله (1كو16:3، 17+أف19:2-22) والروح القدس هو عنصر البناء السرى. والرَبْطْ الذى يربط ويشد أزر البناء كله. والكنيسة بذلك تصير جسماً (جسداً) روحانياً غير منظور وفيه يسكن الله (1بط3:2-5). وقطعاً فالروح يربط الكنيسة بالمحبة فهو روح المحبة (رو5:5) والكنيسة هى جسد الرب لا يعيش فيها المؤمن منفصلاً عن المسيح ولا عن اخوته (15:4، 16). هنا نرى المحبة تجمع أعضاء الجسد.

 13 ـ الجسد الجديد : (أف14:2-16وقارن مع 2كو17:5)

فأعضاء الكنيسة جسد المسيح قد جازوا الموت والقيامة مع المسيح بالمعمودية وقبلوا الروح القدس. والإنسان الذى قام فى المعمودية هو إنسان جديد وعضو فى جسد المسيح. لذلك تتغذى الكنيسة دائماً على جسد المسيح فتتحد به وهو يدبرها فهو رأسها. يقودها فى بر وقداسة (أف22:4-24). وهذا الإنسان الجديد مخلوق بحسب الله أى على شبه الله. على شكله أو صورته، فى المحبة والقداسة. فالله قدوس والله محبة. ولأن الله قدوس فهو يعطى للإنسان الجديد أن يشتهى السماويات ولا يفرح بالأرضيات ولأنه محبة فهو يعطى للإنسان الجديد أن  يحب الله ويحب كل إنسان حتى عدوه. إذاً الكنيسة فى المعمودية تلد بقوة الله إنسانا ًجديداً على صورة الله فى البر وقداسة الحق، إنساناً يكون لابساً المسيح (رو14:13+أف24:4).

فهرس رسالة أفسس  تفسير رسالة أفسس تفسير العهد الجديد تفسير أفسس 1
القمص أنطونيوس فكري
تفاسير أفسس – مقدمة تفاسير رسالة أفسس تفاسير العهد الجديد

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى