تفسير رسالة أفسس ٣ لأصحاح للقمص أنطونيوس فكري
شرح رسالة أفسس – الإصحاح الثالث
الآيات 1-8
آية 1: بسبب هذا أنا بولس أسير المسيح يسوع لأجلكم أيها الأمم.
أسير المسيح لأجلكم أيها الأمم: هذه لها عدة تفسيرات:
1. بسبب بشارة بولس بأن المسيح جعل الأمم واليهود شعباً واحداً، وأنه قَبِلَ الأمم، سجنوا بولس وثاروا عليه فى أورشليم، ومن أورشليم أُرسِلَ للمحاكمة فى روما. وكان هناك فى الأسر الأول سنة 62م حين كتب هذه الرسالة. فقوله هنا أسير المسيح أى أنه مأسور وسجين بسبب كرازته بالمسيح وسط الأمم، وأن الأمم صاروا مقبولين لدى الله كاليهود.
2. هناك نظرة أعمق للأمور، فبولس تصوَّر أنه ليس فى يد اليهود أو الرومان بل هو فى يد الرب ضابط الكل. بولس ليس فى يد نيرون ولا رؤساء الكهنة اليهود ولا فى يد عسكرى مربوط معه بسلسلة، بل هو فى يد الله، هذا يتفق مع قول السيد المسيح “لم يكن لك علىَّ سلطان البته إن لم تكن قد أعطيت من فوق” (يو11:19). وهكذا يجب أن نفكر مثل بولس، فكما أن الله هو الذى سمح بسجن بولس، هكذا فى كل أمور حياتنا، نحن لسنا فى يد إنسان مهما كان مركزه، بل نحن فى يد الله، هو يحمينا. حتى تجارب الشيطان هى بسماح من الله. ونحن لسنا فى يد جرثومة تصيبنا بمرض، بل نحن فى يد الله، ولا نحن خاضعين لحادثة عرضية، بل نحن فى يد الله.
3. وهناك ما هو أعمق من ذلك، فبولس يتصور أنه أسير حب المسيح، محصور بمحبة المسيح. ويتساءل كيف أرد لك يارب محبتك وجميلك، فأنت لا تحتاج لشىء. لذلك سأرد جميلك لأولادك الذين أحببتهم وصلبت لأجلهم، أى سأكرز لهم مهما حدث لى، حتى لو قتلت. لذلك قال أنه مديون لليونانين والبرابرة… (رو14:1). أنا أخذت منك الكثير يارب، وسأحاول أن أرد لهؤلاء الذين تريد أنت خلاصهم. سأرد جميلك عن طريقهم = لأجلكم أيها الأمم.
وقوله أنه أسير فى الرب تعنى حالة الوجود الدائم فى المسيح.
وقوله أنا وتكرارها يؤكد اعتزازه برسالته التى كلفه بها المسيح واعتزازه بسجنه لأجل هذه الرسالة، لقد إعتبر لقب أسير يسوع المسيح شرفاً لهُ ومعنى كلامهُ هنا أن المسيح مات لأجل محبته لهم، وهو أيضاً مأسور وسجين لأجل محبته لهم وان هذا شىء يُفْرِحَهُ.
آية 2: إن كنتم قد سمعتم بتدبير نعمة الله المعطاة لي لأجلكم.
يتحدث هنا أن الله أرسله إلى الأمم وكان هذا تدبير نعمة الله: وكلمة تدبير كلمة خاصة بتدبير البيت أو الكنيسة أو الدير. والله دَبَّر أن يكون كنيسته شاملة الجميع يهوداً وأمم على السواء. ودَبَّرَ أن الأمم لا يحفظوا ناموس الفرائض. المعطاة لى: الله استأمن بولس على نشر هذا الإنجيل حين ظهر لهُ ثم أرسلهُ ليعلم الأمم أن الله اختارهم للمجد. وبسبب بشارته هذه للأمم هو مسجون. فمن تدبير الله أنه ظهر لبولس وان الله أرسله لحنانيا.
آية 3: إنه بإعلان عرفني بالسر كما سبقت فكتبت بالإيجاز.
إنه بإعلان: (غل12،11:1). ربما أثناء سفره إلى دمشق، أو وهو يصلى فى الهيكل (أع21:22). او وهو يصلى عموماً. أو وهو مختطف للسماء الثالثة. عموماً هى معرفة موهوبة من الله بوضوح. السر = هو قبول الأمم وإنهم صاروا شركاء الجسد والمجد والميراث. ولقد سبق المسيح وقال لى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة (يو16:10). وكان يقصد بهذا الأمم. بالإيجاز: ما قلته فى إصحاح 1، 2 هو إيجاز، وهو قليل جداً بالنسبة لهذا السر العظيم.
آية 4: الذي بحسبه حينما تقرأونه تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح.
المعنى أنكم لو قرأتم ثانية ما قلته فى إصحاحى 2،1 ستفهمون ما أعنيه بسر المسيح: أى السر الخاص بالمسيح من نحو الآخرين، وإرادته فى قبول الأمم كشركاء فى الجسد. هو سر فلم يكن أحد يعرفه سوى الله. وحتى يحكموا على أن بولس له دراية، فمن المؤكد أنه انكشف لهم هم أيضاً هذا السر.
آية 5: الذي في أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح.
كثير من الأنبياء إن لم يكن كلهم تنبأوا عن دخول الأمم للإيمان (أش10:11) + (مز117). ولكن لم يقل أحدهم إنهم سيتساووا مع اليهود فى البنوة والميراث والمجد وأن يصير الاثنان واحداً فى جسد واحد. لم يكن يهودى واحد يتصور ان الأمم الذين يسمونهم كلاب سيكونون شركاء المجد والميراث وهذا يعنى = الذى فى أجيال أخر لم يعرف به بنو البشر. لذلك فكلمة أنبيائه هنا هى عن أنبياء العهد الجديد فهى أتت بعد الرسل. بالروح: الروح القدس هو الذى أعلمهم، فهو روح الإعلان حسب وعد المسيح“هو يعلمكم كل شئ” (يو26:14 + 13:1).
آية 6: إن الأمم شركاء في الميراث والجسد ونوال موعده في المسيح بالإنجيل.
هنا يكشف الرسول عن ما هو السر الذى أشار إليه فى (آية3،4) موعده: أى الروح القدس (لو49:24). وهذا حدث أولاً مع كرنيليوس.
شركاء فى الميراث: شركاء اليهود فى الميراث المعد.
شركاء فى الجسد: أى فى جسد المسيح الذى وُهِبَ للكنيسة أن تعيش به وفيه أى الكنيسة الواحدة.
فى المسيح بالإنجيل: الروح لا يُسكب إلا على من هم فى المسيح، أى من آمن ببشارة الإنجيل واعتمد “من آمن واعتمد خلص” (مر16:16) ولذلك الكنيسة لا تعطى سر الميرون إلاّ بعد المعمودية أى بعد أن نتحد بالمسيح.
آية 7: الذي صرت أنا خادمًا له حسب موهبة نعمة الله المعطاة لي حسب فعل قوته.
الذى صرت أنا خادماً له: أى خادماً للإنجيل (آية6). والمفهوم أن بولس صار خادماً لإنجيل الأمم كما صار بطرس خادماً لإنجيل الختان. موهبة نعمة الله = أى الرسولية وهذا يتضح من أية 8. حسب فعل قوته = كل ما حدث ليس بقوتى بل هى قوة الله التى حولتنى من مضطهد للكنيسة إلى كارز بإسم المسيح جاب أوروبا كلها. كارزاً وسط أهوال من الاضطهادات. بولس يشهد هنا أن عمل الله فيه ومعه كان قوياً جداً. فالله الذى يكلف أحد بعمل يعطيه المواهب والقوة اللازمة، بل هى قوة ترفعه ضد ضعفات جسده (2كو9:12). وقوة الله إختبرها بولس أيضاً مع الأمم الذين تحولوا من الوثنية إلى مؤمنين قديسين لهم مواهب. حقاً بولس غرس وأبلوس روى لكن قوة الإنماء كانت من الله.
آية 8: لي أنا أصغر جميع القديسين أعطيت هذه النعمة أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح الذي لا يُستقصى.
هنا نرى كيف أعانته هذه القوة وهذه النعمة. أصغر جميع القديسين وترجمتها حسب أصلها اليونانى أصغر من أصغر جميع القديسين. والقديسين هنا هم كل المؤمنين المسيحيين، فهو فى تواضعه يلغى وجوده، بل هو حين قال “حسب فعل قوته” أية 7 تذكر أعمال الله القوية والعجيبة معه. وكيف أنقذه من كل الأهوال التى صادفته (2كو11). وكيف كانت كرازته مؤثرة.. ولما تذكر عمل الله معه تصاغر فى عينى نفسه. لذلك علينا أن لا ننشغل بما عملناه ولكن بعمل الله معنا فنتصاغر فى أعين أنفسنا ولا نسقط فى فخ الكبرياء. وهذا هو الشعور الصحيح الذى يجب أن يكون داخلنا أننا لا شئ.. مجرد عبيد بطالون. ولا نتفاخر بأى شئ عملناه. بل علينا أن لا نَرْضَى عن أنفسنا أبداً، فإذا كان هناك عمل جيد عملناه فلننسبه لله ونقول الله فعل كذا وكذا. ومن يشعر بالرضى عن نفسه سريعاً ما يسقط فى الكبرياء، أو إدانة الله عن اى تجربة يتعرض لها فيقول “أنا يارب عملت لك كذا وكذا فلماذا تسمح بهذا الألم” لكن المسيح حتى يحمينا من هذا الفخ قال لنا قولوا إننا عبيد بطالون.. فإن أتى الألم، نقول أننا نستحقه، إن أتى النجاح نقول من الله. والحقيقة هى إننا خطاه، ومن انفتحت عينه سيرى هذا، ويقول مع بولس “الخطاة الذين أولهم أنا” ولاحظ أن الفريسي الذى استضاف المسيح وعمل كذا وكذا لم يخلص، بل خلصت المرأة الخاطئة التى بكت محتقرة نفسها.
بغنى المسيح الذى لا يستقصى: النعمة التى أعطيت لبولس هى أن يبشر الأمم الذين كانوا فى منتهى الجهل بغنى المسيح، وهذا فوق قدرات البشر. وكل ما يتصور بولس الرسول غنى المسيح العجيب وتدبيره ومحبته وقدرته يتصاغر فى عينى نفسه ويرى انه الأصغر. وبولس يبشر بالمسيح الغنى فى مجده، ولكن لقد صار كل ماله هو لنا، فقد صرنا شركاء الميراث آية6. وهذا معنى أن المسيح صار وارثا (عب2:1). أن جسد المسيح ورث المجد، ونحن جسده، فمجده صار لنا لذلك قال المسيح “وأنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى” (يو22:17). الذى لا يستقصى: هذه مثل ما لم يره عين وما لم تسمع به أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (1كو9:2).
الآيات 9-13
آية 9: وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح.
وأنير: هذه هى رسالتى أن أبشر بين الأمم بغنى المسيح. فإذا أنار الله عينيه وعرف السر، وجد نفسه ملتزماً أن يقود الجميع لمعرفة هذا السر، سر حب الله للجميع، بل هو يكشف هذا السر حتى للسمائيين، فقد كان مكتوماً عن الكل. الكنيسة الواحدة تعلن هذا للسمائيين (آيات11،10) منذ الدهور: هنا نرى أزلية خطة الله. فى الله: كان الله حافظاً هذا السر فى نفسه. السر المكتوم أن البشر سيكون ميراثهم فى السماء. خالق الجميع: أى الأمم واليهود وكل رتب الملائكة. بيسوع المسيح: المسيح خلق آدم وكل الخليقة. ويخلقنا الآن ثانية فى المعمودية.
آيات 10، 11: لكي يعرف الان عند الرؤساء و السلاطين في السماويات بواسطة الكنيسة بحكمة الله المتنوعة. حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا.
لكى يُعرّف: لكى عائدة على الآية السابقة، أى أن بولس يكرز ليُعْلم السمائيين أيضاً بالسر. فبكرازة بولس الرسول عَرِف الملائكة السر الذى كان مكتوماً. بواسطة الكنيسة: فى الكنيسة الواحدة فقط ظهرت وتحققت رحمة الله.
حكمة الله المتنوعة: الله له خطة أزلية ينفذها، وهذه كانت غير معلنة حتى للملائكة ماذا كان يرى الملائكة؟ هم رأوا الله يخلق الجنة فى مئات الملايين من السنين ثم يخلق آدم ليسكن الجنة الأرضية. فتصوروا أن مكانهم السماء، أما آدم ونسله يكون مكانهم الجنة. ثم يسقط آدم ويطرد من الجنة، وحزن الملائكة إذ صار مصير آدم مجرد أرض ملعونة. ثم يختار الله إبراهيم ويعطيه كنعان ميراثاً ويهمل الأمم ثم يكون لليهود شعباً لهُ، وينحدر الأمم من فساد لفساد، فظن الملائكة إن الله لا يمكن أن يقبلهم أو يتعامل معهم. وظن الملائكة إن أقصى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان التقى هو قطعة أرض يعطيها له الله ليزرعها. وإذا بالمسيح يتجسد ويقبل الأمم ويحولهم من الفساد لقديسين صالحين. إذا بالملائكة يرون أن من يموت بعد المسيح صار يذهب للفردوس (للمؤمنين الأبرار قطعاً). وإذ بهم يرون المسيح يُكَوَّنْ جسداً واحداً من السمائيين والأرضيين، إذاً لقد صار هناك وحدة بين السمائيين والأرضيين. بل إكتشفوا بكرازة بولس الرسول أن البشر الذين صاروا جسد المسيح، صار ميراثهم السماء مثل الملائكة. هم كانوا يتصورون أن أقصى ما يمكن أن يصل إليه البشر هو ميراث الأرض. فسمعوا من كرازة بولس، ومن شكل الكنيسة الواحدة أن البشر صارت السماء ميراثاً لهم.
لقد صار الملائكة الآن يشاهدون كيف أن الله يكون الجسد من السمائيين والأرضيين ليكون مكانهم السماء، ومن يتمرد ويرفض يكون خارج الجسد فى الظلمة الخارجية.
حكمة الله المتنوعة: هى قبول اليهود ورفض الأمم فترة. ثم قبول الأمم ورفض اليهود ثم عودة اليهود فى نهاية الأزمنة (رو25:11-36).
حسب قصد الدهور: كل ما عُمِلَ فى الفداء. وقبول اليهود لفترة ثم قبول الأمم كان فى قصد الله قبل الدهور، أى منذ الأزل. وظهرت الآن حكمته. صنعه: أى أكمله وأتمه أو حققه فى المسيح. ومن حكمة الله أن الكنيسة تستلم أعمال لله وتخبر بها. وحينما تظهر الكنيسة فى السماء، جالسة فى السماء سيعرف السمائيين مقدار حكمة الله وتدبيره حين يظهر غنى نعمته على الكنيسة.
آية 12: الذي به لنا جراءة و قدوم بإيمانه عن ثقة.
الذى به: بالمسيح (من آية 11). بعد أن حَلَّقَ الرسول فى الأبدية نجده ينزل ليأخذ بيدنا ويشرح لنا أنه بالمسيح لنا قدوم لدى الآب (أف18:2). ونتكلم معهُ بجرأة قائلين له أبانا. بإيمانه: أى بالإيمان بالمسيح لنا هذه الجرأة.
عن ثقة: بعد أن رأينا خطة الله وحبه وتدبيره، الذى دبر لنا بفدائه أن نرث أمجاد السماء، وعرفنا أنها خطة أزلية، أى أن محبة الله لنا أزلية، ألا نتقدم عن ثقة، هل مازلنا نشك فى محبة الله. وقطعاً فإن الإيمان بالمسيح هو الطريق لثباتنا فيه واتحادنا به ووجودنا فيه، وهذا ما يشفع لنا فى أن نقف أمام الله فى ثقه. وبولس فى ثقته هذه يثق أن الكرازة للأمم ستتم رغماً عن سجنه (آية13).
آية 13: لذلك أطلب أن لا تكلوا في شدائدي لأجلكم التي هي مجدكم.
لذلك: هذه الآية إذاً مبنية على السابقة والمعنى لأن لى ثقة أقول الآتي.. بولس يكتب من سجن روما، وقد يُحكم عليه بالموت فى المحاكمة، وهنا يدعوهم ألاَّ يكلوا ويخوروا فى إيمانهم بسبب آلامه، إذ أن آلامه كانت بسببهم. وإذا فهمتم أن الله يحبنا وله خطة أزلية سيتممها ولن يفشل، فلماذا أنتم حزانى على قيودى التى كانت بسبب كرازتى لكم، فبسببها كان إيمانكم وبالتالى مجدكم، إذاً نفهم أن الآلام صارت مجداً للإنسان بعد أن كانت هواناً، الله من محبته لا يسمح لنا بألم إن لم يكن هذا الألم هو الطريق الوحيد للمجد. فالآم بولس ستكون لمجده هو ولمجدهم هم أيضاً. فآلامه كانت بسبب كرازته لهم وإيمانهم. عموماً فأى تجربة يسمح بها الله هى طريقى للمجد، الضيقة لم تعد عقوبة بل الطريق للسماء، بل هى الطريق الوحيد للسماء، وبها تنفذ خطة الله. هو بدأ فى1:3. بأنه أسير الرب ثم شرح أن الله لهُ خطة أزلية، لذا نفهم أن آلام الرسول لن تعطل الخدمة، بل هى جزء من خطة الله، فخطة الله لن يعطلها القيود، بل بما أن الله سمح بها لأحد خدامه فهو قادر أن يحولها للمجد وللخير لهذا الخادم بل لآخرين. الله قادر أن يخرج من الجافى حلاوة.
الآيات 14-21
أيات 14-19: بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح. الذي منه تسمى كل عشيرة في السماوات وعلى الارض. لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن. ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم. وأنتم متأصلون و متأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو. و تعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا الى كل ملء الله.
تبدأ هذه الآيات الرائعة بأن بولس الرسول يحنى ركبتيه أى يصلى من أجلهم آية 14… فلماذا يصلى ؟ نفهم هذا من آية 19 لكى يمتلئوا إلى كل ملء الله: ماذا يعنى كل ملء الله ؟ تصور أن جسد المسيح الذى حلَّ فيه كل ملء اللاهوت أنه خزان ضخم جداً جداً. وإنني أنا مجرد آنية صغيرة متصلة بهذا الخزان. هذا اتصال تم بسبب تجسد المسيح ثم فدائه ثم بالمعمودية التى تجعلنا نموت معهُ ونقوم متحدين به ثابتين فيه. ثم بحلول الروح القدس علينا ليثبتنا فى المسيح. ثم بالتناول المستمر.
وباتحادنا بالمسيح صار هو قادراً أن يملأنا كما يملأ هذا الخزان الضخم الآنية الصغيرة المتصلة به. ما يحدد ما تأخذه الآنية، محدوديتها. وبماذا نمتلئ؟ من الحكمة والقداسة والبر. لقد كان سليمان مثال الحكمة وداود مثال للوداعة ويوحنا مثال للمحبة. ولكن المسيح قادر أن يملأنى من كل هذا. بل يجعلنى صورة له، أى ألبس المسيح أى تكون لى كل الفضائل التى للمسيح. بل يملأنى أيضاً محبة وفرح وسلام وغيرة… والأهم من هذا كله.. هو أن الله يسكن عندى (1كو16:3) + (يو23:14) بل يملأنى فيصير الله هو مصدر كل شىء أحتاجه. وجوده فى داخلى هو مصدر شبعى وفرحى وسلامى لذلك قال الرسول عن المسيح أنه سلامنا، أى وجوده فى داخلى صار مصدر سلامى. وبنفس المفهوم قال إشعياء عن الله أنه.. خلاصى وقوتى وترنيمتى وقد صار لى خلاصاً (إش2:12). وقوله ملء.. إذاً لن يكون هناك مكان لشىء لآخر، أى لن أحتاج لمصدر فرح خارجى أو شبع خارجى، لن أحتاج لآخر، فلا مكان لآخر، فهو يملأنى. هذا سيتم بالكامل فى السماء. ولكن هنا نأخذ العربون على الأرض، أى نتذوق شىء من هذا هنا على الأرض وهناك من جرب هذا الشعور، أنه ما عاد يحتاج لشىء من هذا العالم. إن من يمتلئ من الله يصبح هدفه الوحيد وغايته الوحيدة هو الله.. لماذا؟
ببساطة لأنه اختبر هذا الشعور الممتع بإن الله فى داخله نبع أفراح وسلام وتعزيات. بل هو صار يطلب المزيد من الامتلاء. وأماّ من لم يختبر فهو مازال يسعى للشبع من هذا العالم الذى قيل عنه “من يشرب من هذا الماء يعطش” (يو4: 13). وقيل عنه أنه قبض الريح (جا17:1) أى ما يشبه ظاهرة السراب.
إن من يمتلىء بالله لا يعود يحتاج لشىء من هذا العالم. هذا ما يطلبه بولس الرسول لنا. ولاحظ أن الفرح الذى يعطيه الله هو فرح حقيقى، ؟أما ما يعطيه العالم فهو أفراح غاشة تزول بزوال المؤثر الخارجى. ومن هنا نفهم لماذا قيل أن محبة العالم عداوة لله (يع4:4). والسبب ببساطة أن من يحب العالم ويسعى وراء شهواته لم يكتشف بعد حلاوة الشبع والملء من الله، لم يتذوق هذا الإنسان العربون الذى يعطيه الله لنا الآن، ومن لم يتذوق العربون فى هذه الأرض، فهو لن يحصل على شئ فى السماء. إن الأكل والشرب.. ألخ ليسوا عداوة لله، ولكن إذا كان العالم فقط هو الذى يشبعك بملذاته، فلن تبحث عن الله. إذاً ماذا ستفعل فى السماء؟ إذا لم تكتشف أن الله قادر أن يشبعك ويفرحك، إذاً ستسير وراء إله آخر يشبعك فى هذا العالم. لذلك فمحبة العالم عداوة لله.
وكيف نصل لكل ملء الله؟ تعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة
ماذا يعنى التعبير: محبة المسيح الفائقة المعرفة؟
يعنى ببساطة أننا سندرك أشياء فائقة وسامية جداً لو تذوقنا محبة المسيح.
مثال: رجل غنى له قصر مملوء من التحف الرائعة، فإن أسهل طريقة حتى يمكننى أن أرى كل هذا المجد الذى فى داخل القصر، هى أن أدخل فى علاقة حب مع صاحب القصر، فيدعونى هو بدالة المحبة والصداقة للدخول إلى قصره. هكذا إذ دخلنا فى علاقة حب مع الله، فالله سيكشف لى عن أمجاد السماء (1كو9:2-12) إذاً فالروح القدس الذى فينا مستعد أن يكشف لنا كل شىء حتى أعماق الله. بل أن الروح القدس هو الذى يعطينا المحبة (غل22:5) + (رو5:5). وكلما زادت المحبة زاد الإدراك، وشعرنا بأمجاد السماء كما فى لغز أو مرآة الآن (1كو12:13). ولكن ما علاقة المعرفة الفائقة بكل ملء الله؟ المعرفة ليست فقط فى معرفة المجد الذى أعده لنا الله بل هى معرفة الله نفسه، وماذا يمكن أن يعطينى الله وكلما عرفنا الله سنعرف أنه وحده قادر أن يفرحنا ويشبعنا، فنطلب أن نزداد فى الملء. هذا معنى أن الله سيصير غايتنا الوحيدة، لن نريد غيره، لأننا سنعرف الفرح الحقيقى واللذة الحقيقية، ما عاد العالم يخدعنا بملذاته بعد أن عرفنا الحق، والحق حررنا من الباطل أى كل ملذات العالم
(يو32:8). لهذا قال السيد المسيح “وهذه هى الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقى ويسوع المسيح الذى أرسلته” (يو3:17). فللأسف فإن معظم الناس لا تعرف طريقاً للشبع سوى ملذات العالم حتى وما هو خاطئ منها، ولم يكتشف أحد منهم أن الله هو المشبع الوحيد، وهذا ما جعل الله يعاتب الناس (أر13:2).
مثال: ولد شحاذ فقير لا يعرف طريقاً للطعام الذى يشبعه سوى القمامة الملقاة فى الشوارع. وعرض عليه أحد الأغنياء إسم وجبة فخمة يعطيها له على أن يمتنع عن الأكل من القمامة. من المؤكد أنه سيرفض فهو لا يفهم حتى إسم هذه المأكولات الفخمة. ولكنه يوم يتذوقها سيحتقر تماماً مأكولات القمامة. وهذا معنى مثل السيد المسيح عن الإنسان الذى وجد لؤلؤة كثيرة الثمن، فمضى وباع كل ما كان يملكه من لآلىء. فاللآلىء، أو مأكولات القمامة، هو ما يُشبِعْ الناس الآن من ملذات العالم، لكن يوم نعرف المسيح اللؤلؤة كثيرة الثمن سأطلبه وحده، ولو طلبته سأُعطى “أسألوا تعطوا” وإذا سألت سأمتلىء من الله. فالمهم أن أعرف محبة المسيح وهذه تنقلنى للإدراك بل حتى فى السماء ستبقى معرفتنا محدودة لأننا سنظل محدودين كبشر أمام الله غير المحدود. وكلما أعرف الله أكثر أفرح وأطلب الإتساع لأعرف أكثر وأفرح أكثر وهكذا بلا نهاية. وهذه هى الحياة الأبدية أن نظل نعرف جديداً عن الله، ونتسع فنفرح ونطلب فنمتلىء. وهذا ما يطلبه الرسول لأهل أفسس أن يعرفوه ويتذوقوه من الآن.
آية 14: بسبب هذا أحني ركبتي لدى أبي ربنا يسوع المسيح.
بسبب هذا: بسبب ثقة بولس أن الله قبل الأمم وأحبهم، وأنه يحول كل شىء لمجدهم حتى سجنه هو. هذه الثقة جعلت بولس يصلى لأجلهم = أحنى ركبتىَّ: فالوضع الأمثل للصلاة هو إحناء الركبة أو الوقوف بخشوع مع رفع الأيادى على هيئة صليب، كما فعل موسى فى حربه مع عماليق (خر12:17). فالصلاة بإسترخاء لا تأتى بنتيجة (نش3: 2،1). وبولس يصلى طالباً لهم:
1. أن يتأيدوا بالقوة بروح الله أية 17.
2. أن يدركوا المحبة وتكون لهم المحبة أية 18.
لذلك يقول لدى أبى ربنا يسوع المسيح: فبسبب بنوة المسيح للآب صرنا كلنا أبناء لله. وحينما إتحدنا بالأبن صار الآب يحبنا بالحب الذى يحب الآب إبنه به. صارت محبته التى تنسكب فى إبنه، صارت تنسكب فينا أيضاً. وبولس يصلى أن نكتشف هذا الحب. وبسبب إتحادنا بالإبن صار الروح القدس يحل فينا. لذلك فالرسول يذكر أن الآب هو أبى ربنا يسوع المسيح لأن بنوة المسيح للآب وإتحادنا بالمسيح. صارا هما الطريق الوحيد لما يطلبه أى
1. إكتشاف محبة الآب لنا.
2. تدعيم وقوة الروح القدس لنا. كأن بولس فى صلاته هذه يُذكّر الآب بأنه شعب أفسس صاروا عروساً لإبنه، وبهذه الدالة يطلب أن يتمتع الكل بمحبة الآب.
آية 15 : الذي منه تسمى كل عشيرة في السماوات وعلى الأرض.
الذى تسمى منه كل عشيرة فى السموات وعلى الأرض: الإسم فى العبرية يشير للكيان والحياة والشخصية والقدرة. فالمعنى أن الله هو خالق العالم كله ما فى السماء وما على الأرض بقوته. والرسول يريد أن يقول لأهل أفسس ” يا شعب أفسس لا تخجلوا أن تطلبوا من الله أن تمتلئوا لكل ملء الله، وتمتلئوا من معرفته ومحبته، فهم أبوكم. ونفهم هذا من قوله لدى أبى ربنا يسوع المسيح فى الآية السابقة، وقوله هنا كل عشيرة. فهو أى الله صار بيسوع المسيح أبا لنا جميعاً. فلنحذف كل عشيرة ونضع مكانها كنيستنا أو عائلاتنا… الله صار أباً لنا جميعاً فلنطلب منه بلا خجل. وكلمة عشيرة أصلها Patria أى أبوة. فكل أبوة (جسدية أو روحية) هى مستمدة من الآب. وتنتمى لله كأب. فالآب أصل كل حياة. وكل قوة فى الوجود لجميع الكائنات بمختلف فصائلها سواء ملائكة أم بشر. وكلمة تسمى = تستمد إسمها وكيانها أو تأخذ وجودها وحياتها وقوتها منه. هو مصدر كياننا، هو أبونا، هكذا قال السيد صلوا هكذا” أبانا الذى…
آية 16: لكي يعطيكم بحسب غنى مجده أن تتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن.
أن تتأيدوا بالقوة بروحه = هذه قطعاً لمن إعتمد وحِلَّ عليه الروح القدس، وصار له إنسان داخلى جديد = الإنسان الباطن. وهذا الإنسان الداخلى إماّ أن ينمو أو يضمحل ويضعف. والرسول يطلب لهم أن يمتلئوا من الروح القدس ليدعم إنسانهم الباطن هذا. والروح يبكت على الخطية وعلى البر ويدعمنا لنترك الخطية ونسلك فى البر. وهو يعطينا حياة المسيح وبره نحيا بهما. ولكن الروح القدس يعطى لمن يتجاوب معه ويقرر أن يصلب شهواته، هذا يعطيه الروح قوة تجعل الشهوة الخاطئة ميتة فيه. ومن ماتت الخطية فيه يكون صالحاً لسكنى المسيح فيه أية 17. الروح القدس يبكت بمعنى أنه يقنع المؤمن بان يترك طريق الخطية ويسلك فى البر، ومن يتجاوب معه يعطيه قوة، فهو يعين ضعفانا (رو26:8). والروح يسكب محبة الله فينا (رو5:5) وبهذا يزيل محبة العالم ويضع بدلاً منها محبة الله، فبدلاً من ان ينجذب المؤمن للعالم يصير يشتهى الجلوس مع الله الذى أحبه، أماّ الكراهية فهى رائحة نتانة، معها لا يسكن الله. وإذا إمتلاء القلب من المحبة يكون مستعداً لسكنى المسيح فيه آية 17 أما القلب المنقسم بين محبة الله ومحبة العالم لن يسكن فيه المسيح. والروح القدس يميت محبة العالم (لمن يحاول ويريد) فى القلب يسكن فيه المسيح أية 17. والمسيح كعريس للنفس حتى يسكن فيها يريد تجديد الداخل ويكون هذا بأن يسمح الله ببعض التجارب حتى إذا فنى إنساننا الخارجى يتجدد الداخل يوماً فيوم (2كو16:4)، وحتى لا يفشل المؤمن وسط التجربة يعطيه الروح القدس عزاء ومساندة ومعونة حتى تتم عملية تجديد الداخل إستعداداً ليحل المسيح فىالقلب آية 17. والآن كيف نفنى الإنسان الخارجى حتى يتجدد الداخل ؟
1. أحيا كميت أمام الخطية (رو11:6) + (كو5:3).
2. الحياة فى زهد وأصوام وهذا منهج كنيستنا الأرثوذكسية.
3. قبول الصليب الذى يساعدنا به الله لكى يفنى إنساننا الخارجى.. بشكر.
بحسب غنى مجده: الله مشتاق أن يؤيدك بقوة روحه القدوس، ولكن إلى أى مدى؟ هنا الإجابة بحسب غنى مجده: أى لا حدود لهذا التدعيم وبسخاء لا يوصف. ولكن الروح القدس مستعد أن ينسكب ويملأ ويدعم ويؤيد القلب المنفتح له، الذى يريده، والذى يطلبه، فالروح القدس يعطيه الله لمن يسألونه (لو13:11).
آية 17: ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم.
ليحل المسيح بالإيمان فى قلوبكم: إذاً صلاة الرسول أن يدعمنا الروح القدس ويؤيدنا حتى يحل المسيح فى قلوبنا. وهذا ما شرحه الرسول فى (غل20:2). “مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ. فما أحياه الآن فى الجسد فإنما أحياه فى الإيمان..” وحين يحل المسيح فى داخلى يملك على عواطفى ومشاعرى. ويتربع على عرش قلبى ويعلن ملكوته فىَّ ويتخذ قلبى مسكناً لهُ والقلب هو جماع العواطف والأحاسيس والإرادة والضمير والفهم، فأحبه ولا أحب سواه. وحلول المسيح فى القلب هو شىء لا يرى بل هو بالإيمان ولكن لنراجع (غل20:2). فكلما مارسنا عملية صلب الجسد مع الأهواء والشهوات كلما كانت لنا حياة المسيح. وحل المسيح فى قلوبنا بالإيمان. عموماً فالإيمان هو المدخل لحياة المسيح فينا، وبلا إيمان لا يكون لنا أى شىء من هذه البركات، فبدون إيمان لا يمكن إرضاؤه (عب6:11). ومن يحيا فىالمسيح، من يكون المسيح ساكناً فى قلبه يمتلىء بالروح. مثل هذا يتأصل فى المحبة.
آية 18: وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو.
متأصلون فى المحبة Rooted. متأسسون: الأساس الذى نبنى عليه فأساس علاقتنا مع الله هى المحبة، الله محبة ولا يطيق الكراهية. فالمسيحى الذى يريد أن يقيم علاقة مع الله يجب أن يفهم أن أساس العلاقة مع الله هو المحبة، ويبدأ بقرار أن يجاهد ليسلك بالمحبة، بل لا يكفى الأساس، لكن أن يتعمق فيها. عموماً كل ما يجاهد الإنسان ليحيا بالمحبة سيدخل إلى أعماق المحبة. إن المحبة أسمى من الزهد والتقشف وأى شىء أخر. أى شىء غير المحبة هو كرائحة نتانة أمام الله،لن نصل إلى أى أعماق يريدها الله لنا، ولا لهذه التى يطلبها الرسول لنا إن لم تكن المحبة هى أساس علاقتنا مع الله ومع كل الناس حتى أعدائى. والروح القدس حقاً هو الذى يسكب المحبة فينا، ولكن لمن يجاهد.
كيف نصل لمحبة الله؟
1. الطلب فى الصلاة للإمتلاء من الروح القدس.
2. عشرة الله لأوقات طويلة، فى صلوات وتسابيح طويلة ودراسة كلمة الله. والروح القدس يحكى لك عن الله فتحبه ومن يزرع بالكرم (وقت طويل مع الله) سيحصد بالكرم.
كيف نصل لمحبة الناس؟ يقول السيد المسيح “أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم أحسنوا إلى مبغضيكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم“. فمحبة الأعداء هى نعمة يعطيها الله لمن يجاهد بأن:
1. يتكلم حسناً عن كل الناس حتى أعدائه.
2. يقدم خدمة لكل إنسان.
3. يطلب الخير فى صلواته لكل إنسان.
حتى تدركوا مع جميع القديسين: ما يقوله بولس هو متاح لكل المؤمنين. من يحيا فى المسيح ممتلئاً من الروح القدس يتأصل فى المحبة، فالروح القدس يفتح عينيه فيدرك محبة الله التى لا تُدرك بالعقل. بل يملأ المؤمن بالمحبة فهو روح المحبة رو5:5. فعوضاً عن الشهوات العالمية التى ماتت، يحل مكانها أشواق للسمائيات ولله، وحينما نكتشف محبة المسيح يملأ القلب فرح عجيب.. فالمحبة تتحول إلى فرح. وكلما زادت المحبة لله يزداد الفرح الذى يملأ القلب، وهذه أسماها الرسول كل ملء الله، أى كل البركات، بركات الله التى يريد ويحب الله ان يعطيها للإنسان. والله يُسَّر بأن يفرح أولاده. فمن يتخذ قراره بأن يؤسس حياته ويثبتها على أساس المحبة (فالمسيح لا يحتمل ولا يحل فى قلب مملوء كراهية وحسد وبغضة وشهوة إنتقام أو تجريح وإساءة لسمعة الآخرين) من يجاهد أن يسلك فى محبة يعطيه الله أن يمتلىء قلبه بالمحبة كعطية منه، عطية سماوية ومن يحصل على المحبة كعطية من الله ينعم بعطية الإدراك الروحى والمعرفة الفائقة. وعلى هذا الأساس يصل لدرجة ” كل ملء الله“.
العرض والطول والعمق والعلو: هى محبة بلا حدود، حدودها هى حدود الله نفسه، فالله محبة، والله غير محدود. محبة الله لا توصف ولا تدرك. لذلك يصفها الرسول بهذه الصفات العرض والطول… ألخ. ليبين مدى اتساعها وشمولها كل البشر. وأن المسيح يغفر جميع الخطايا، ومحبته تشملنا حتى أعماقنا وأن لها سمو فائق يعلو إدراك البشر.
العرض: محبة المسيح تضم فى عرضها كل البشر.
الطول: محبة المسيح هى من الأزل وإلى الأبد.
العمق: محبة المسيح لا يصل لعمقها مخلوق، هى عميقة عمق الهاوية التى نزلنا إليها بالخطية فنزل إلينا لينتشلنا.
العلو: لا يمكن لعدو أن يرتفع إليه. علو محبته هو علو عرش المسيح فى السماء. وهو فى علو محبته سيأخذنا لهذه السماء ولن يعوقه عن ذلك عدو حاسد.
آية 19: وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله.
حين تعرفون هذه المحبة العجيبة سوف تدركون عن خبرة مقدار المحبة التى أحبنا بها المسيح والتى تعلو عن كل إدراك بشرى. وعند ذلك سوف تشعرون بحبكم الشديد نحو الله، وتمتلئوا من حب الله. وحين ذلك يصل المؤمن لحالة الإدراك الفائق = الفائقة المعرفة.. وبالتالى يمتلىء إلى كل ملء الله = ملء بركات الله ومواهبه، وملء إشراقه وفيض محبته، وعمق حكمته وسمو قداسته وعظمة قدرته وغنى مجده، مما يفوق كل إدراك.
آية 20: والقادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا.
بعد كل ما قاله الرسول، تصور أن من يسمع سيسأل وهل هذا ممكن لى أنا الخاطىء؟ وفعلاً فإن ما صلى بولس لأجله أن نمتليء إلى كل ملء الله هو طلب عجيب. ولكن الله يعطينا أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر. فهو يعطينا بحسب القوة التى تعمل فينا = أى قوة الروح القدس الذى يؤيدنا. وقوة الروح القدس غير محدودة. إذاً فلنطلب بثقة.
آية 21: له المجد في الكنيسة في المسيح يسوع إلى جميع أجيال دهر الدهور آمين.
أمام عطايا الله العجيبة لا نملك سوى أن نسبحه. والكنيسة التى فى المسيح يسوع هى التى تمجد الله. وعلى كل جيل أن يورث الجيل الذى يليه لغة التسبيح والتمجيد لله. بل أن تسبيح وتمجيد الله سيكون عملنا فى السماء. وعلينا أن نتعلمه على الأرض. ولنلاحظ أن أهم ما يمجد الله ليس ألسنتنا بل أعمالنا “لكى يرى الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات” (مت16:5). فالآب يتمجد فى الكنيسة عروس المسيح.
تفسير أفسس 2 | تفسير رسالة أفسس | تفسير العهد الجديد |
تفسير أفسس 4 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة أفسس | تفاسير العهد الجديد |