يو3: 19 وهذه هي الدينونة: أن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور…

 

14«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. 19وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. 20لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. 21وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ».”(يو3: 14-21)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“وهذه هي الدينونة:

أن النور قد جاء إلى العالم،

وأحب الناس الظلمة أكثر من النور،

لأن أعمالهم كانت شريرة”. (19)

هنا يشير إلى اللصوص وقطاع الطرق، غالبًا ما يمارسوا شرهم في الظلام بالليل. فقد وهب الله الإنسان الشمس لكي تنير، فيعمل الإنسان نهارًا ويستريح ليلاً. أما الذي يختار أن ينام نهارًا لكي يمارس شره ليلاً، فإنه مستحق للعقوبة ككاسرٍ لناموس إلهي.

إنجيل المسيح نور، إذ جاء إلى العالم، أشرق عليه ليعطي البشرية بهجة للعمل لحساب ملكوت الله. وفي نفس الوقت أوجب القضاء العادل على السالكين في الظلمة، مبغضي النور الحقيقي. بمعنى آخر تجسد الكلمة، وحلول النور الحقيقي بيننا فرز محبي النور من عاشقي الظلمة، وبدأ روح القضاء يعمل. لذلك قيل: “رئيس هذا العالم قد دين” (يو16: 11)، ” الآن دينونة هذا العالم، الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا” (يو 12: 31).

لأن أعمالهم شريرة“، إذ يصممون علي السلوك في الظلمة والالتصاق بإبليس ورفض “النور” مخلص العالم.

v كأن المسيح يقول: لو كنت جئت إلى العالم لأعاقب، مطالبًا بحجج عن الأعمال التي عملها الناس، لكان لهم أن يقولوا إننا لهذا السبب ابتعدنا عنه هاربين. لكنني جئت لأريحهم من الظلام، ولهذا السبب يُعاقبون، لأنهم لم يريدوا أن يتركوا الظلام ويأتوا إلى النور، هذا يبعدهم عن تقديم أي عذر.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

 19:3- وَهَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ
لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً.

‏هنا يربط القديس يوحنا «الدينونة بالنور». ولكي تظهر الدينونة بمعناها الأسهل نقول إنها القضاء. فالقضاء لا يمكن أن ينعقد لواؤه إلا بوجود أداة التمييز يين الخطأ والصواب للحكم بالعقاب أو البراءة. ونحن هنا بصدد الروحيات، فالقضاء أداته الوحيدة هي النور الإلهي الذي يفرق بين أعمال الظمة وأعمال النور.
‏فيقول القديس يوحنا أنه بمجيء النور إل العالم وجب القضاء وتحتم, لأن العالم به الشر أصلاً وبه الخير أيضا؛ فكل من ينحاز إلى النور فهذا يوضح أنه أحب النور. والذي يرفض النور معناه أنه أحب الظلمة أكثر من النور. والنور هنا في هذه الحالة هو أداة التفريق والتمييز، وفي نفس الوقت هو القاضي. من هنا جاء الإلتباس أن الذي يبغض النور ويقع عليه العقاب يبدو كأن هناك عداوة أو نقمة بين القاضي وهو المسيح وبين الرافض للنور. ولكن لشرح هذا الإلتباس نقول إن القاضي يحكم بمقتض قانون ولا يحكم حكماً كأنه من عنده، ولكن الحكم أو الدينونة منشأها النور كأداة أو قانون, وليس القاضي نفسه، فالقاضي يحكم بما يحكم به النور أو قانون النور، وقانون النور مطلق أزلى وليس وضعياً أو مجرد اجتهاد أو تفكير شخصي.
‏بدخول النور، وهو المسيح، ومعه الحق الإلهي إلى العالم انقسم العالم إل محبي النور ومحبي الظلمة وبدأ في الحال روح القضاء يأخذ عمله.
‏والذي يجعل القضاء يطالب بحقه من الآن هو التقرير النهائي الذي اتحذه الذين رفضوا النور، لآنهم «أحبوا»، وهذا فعل في اللغة اليونانية يفيد القرار القاطع المنتهى منه في محبة الظلمة، والخطورة الكبيرة هنا هي أن هذا الحب الذي ينتمي إلى نوع من العشق أو الارتباط هو ليس فقط حباً لأعمال الظلمة من سرقة وزنى وفجور وكذب وعداوة, بل إن هذه الأعمال تمتد لتتعاقد مع أقنوم الظلمة, رئيس هذا العالم, وهو القوة المشخصة المحرضة على أعمال الشرور. من هنا جاء القضاء كعمل لا مناص منه لكبح جماح القوة الشريرة والحد من تجبرها. فالنور وراءه شخص ابن الله والظلمة وراءها إبليس, لذلك فمبغضي النور ليسوا محايدين بل منحازين للظلمة ضد النور، فنشاطهم سلبي بالنسبة للنور, لهذا يتدخل القضاء للفرز والعزل والمحاصرة.
‏ومعروف بالقطع أن الشيطان كرئيس لهذا العالم المحرض على كل الشرور قد دين: «لأن رئيس هذا العالم قد دين» (يو11:16). أي إن دينونة الشيطان وخروج حكم القضاء عليه تم يوم صلبوت المسيح، لذلك فإن الذين يرفضون النور هم بنوع ما ينحازون إلى رئيس هذا العالم، وبالتالى يقعون تحت الدينونة والرفض: «الآن دينونة هذا العالم، الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً» (يو31:12)
«لأن أعمالهم كانت شريرة»: دور الأعمال هنا محدود، فالأعمال الشريرة لا تمنع الإنسان أن يطلب الخلاص منها ويرتمي تحت أرجل المخلص لينجو. فالأشرار الذين تمرغوا في كل أصناف الشرور خرج منهم قديسون، نتشفع بهم. ولكن المفهوم من الأعمال الشريرة هنا أنها عطلت كثيرين عن الخلاص. لأن تمادي الإنسان في أعمال الشر وانغماسه فيها يولد عادات وارتباطات ومجاملات تنازع الإنسان في إرادته وتنكر عليه حريته في التخلص منها أو حتى الاقتراب من مصادر النور، ثم تؤثر تأثرا مستمراً على الأخرين.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (19): “وهذه هي الدينونة أن النور قد جاء إلى العالم واحب الناس الظلمة اكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة.”

الدينونة هي القضاء. ولا يمكن أن ينعقد إلاّ بوجود أداة التمييز بين الخطأ والصواب للحكم بالعقاب أو البراءة. والقضاء أداته الوحيدة هي النور الإلهي الذي يفرق بين أعمال الظلمة وأعمال النور. فالمسيح جاء للعالم نوراً للعالم وهم الحق الإلهي. وكل ما ينحاز للنور فهذا يوضح أنه أحب النور ومن يرفضه يعلن أنه إختار الظلمة. والنور بهذا يصير هو أداة التفريق والتمييز وهو القاضي. لأن الذين يرفضون النور ينحازون إلى رئيس هذا العالم فيقعون تحت الدينونة والرفض (يو31:12). ربما كان لنا عذر في خطايانا لو لم يأت المسيح، لكنه أتى وظهر النور، وعرفنا الحق. فكل من ينحاز للشر يُدان. والدينونة تبدأ من هنا على الأرض في الضمير المتألم، أما من يؤمن بالمسيح يكون له سلام مع الله (رو1:5). أما غير المؤمن فهو لم يحصل على الحياة الأبدية ولا الشفاء الروحي ولا الخلاص ولا السلام، هو سبب لنفسه هذه الدينونة برفضه المسيحأحب الناس الظلمة= أي تمسكوا بها (شهوات وضلالات فكرية..). هؤلاء فضلوا الخطية والشيطان على المسيح. يوحنا هنا يتكلم عن الغارقين في الشر، وليس عمن يخطئ عن ضعف. فالإستغراق في الشر يؤثر على قابلية الإنسان للتوبة وقبول النور. لأن أعمالهم كانت شريرة= أعماق نفوسهم صارت مصبوغة بالشر، الشيطان أصبح يسود على ضمائرهم. الاستمرار في الأعمال الشريرة يُوَلِّدْ عادات وإرتباطات تؤثر على حرية الإنسان فلا يستطيع أن يقترب من النور. ولكننا نرى نيقوديموس الذي أتى للمسيح ليلاً. وقد نما إيمانه وأتى للمسيح في النور ساعة الصلب. (يو39:19). ونسمع عن فيلسوف فرنسي ظل في حالة عداء للمسيح حتى لحظة موته فقال (أخيراً إنتصرت أيها الناصري المصلوب).

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى