يو5: 23 لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب، من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله
“19فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ. 20لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ. 21لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ. 22لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ، 23لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابْنَ لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ. “(يو5: 19-23)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب،
من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله”. (23)
إن كان الابن يُكرم كما يكرم الآب، له ذات الكرامة، تسجد له الخليقة السماوية والأرضية وتتعبد له، الأمر الذي لا يليق إلاَّ بالله، فهو مع الآب الله الواحد.
v هل الابن أقل لأنه قال أنه مُرسل؟ إنني أسمع عن الإرسال لا الانفصال…
بين البشر الراسل أعظم من المُرسل. ليكن، لكن الشئون البشرية تخدع الإنسان، الإلهيات تطهره، لا تتطلع إلى الأمور البشرية التي فيها الراسل يظهر أعظم من المُرسل… ومع ذلك توجد حالات كثيرة فيها يُختار الأعظم لكي يرسله من هو أقل…
ترسل الشمس شعاعًا ولكنه لا ينفصل عنها…
والسراج يفيض نورًا ولا ينفصل عنه. إنني أرى إرسالاً دون انفصال…
الإنسان الذي يرسل آخر يبقى خلفه بينما يتقدم المُرسل. هل يذهب الراسل مع الذي أرسله؟ أما الآب الذي اُرسل الابن لا ينفصل عن الابن… الآب الراسل لا ينفصل عن الابن المُرسل، لأن المرسل والراسل هما واحد.
v ألا ترون كيف ترتبط كرامة الابن بكرامة الآب؛ قد يقول أحد: ما هذا ؟ فإننا نرى نفس الشيء في حالة الرسل إذ يقول المسيح: “من يقبلكم يقبلني” (مت 10 :40). في ذلك يتحدث هكذا، لأنه مهتم بخدامه الذين هم له، أما هنا فالسبب هو أن الجوهر واحد والمجد واحد مع الآب. لذلك لم يقل عن الرسل “لكي يكرمونهم”، أما هنا فبحق يقول: “من لا يكرم الابن لا يكرم الآب” [23]. فإنه متى وجد ملكان، من يسب الواحد يكون قد سب الآخر، خاصة إن كان ابنه وأيضًا من يسيء إلي جنوده يحسب كمن أساء إليه، لكن بطريقة مختلفة.
تفسير الأب متى المسكين
23:5- لِكَيْ يُكْرِمَ الْجَمِيعُ الابن كَمَا يُكْرِمُونَ الآبَ. مَنْ لاَ يُكْرِمُ الابن لاَ يُكْرِمُ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَهُ.
المسيح هنا يعلن صراحة ولأول مرة عن لاهوته المساوي للآب بلا مواربة, مع أنه شخصيأ لا يطلب الكرامة لنفسه: «مجداً من الناس لست أقبل» (يو41:5). ولكنه يطلب مجد الآب: «من يتكلم من نفسه يطلب مجد نفسه وأما من يطلب مجد الذي أرسله فهو عادل وليس فيه ظلم» (يو18:7)، ولكن كيف يمجد الناس الآب وهم يرفضون بل ويهينون الابن «لكني أكرم أبي وأنتم تهينوني. أنا لست أطلب مجدي، يوجد من يطلب ويدين (يو49:8-50). فالواقع الإلهي هو أن الآب أرسل ابنه لكي يستعلن حقيقة الله الآب والحياة الآبدية التي عنده! التي فيها وبها الخلاص، لذلك أصبح الابن حاملاً بالضرورة كرامة الآب ومجده: «أنا مجدتك على الأرض» (يو4:17). لذلك يتحتم لكي يمجد الناس الآب أن يمجدوا الابن, هذا من جهة شخص الابن في ذاته، وإضافة إلى ذلك فإن الابن يمثل شخص الآب الذي أرسله، فالذي لا يمجد الابن, المسيح, لا يكرم الآب الذي أرسله. والمسألة في عمق معناها ليست مسألة مرسل ومرسل، بل مسألة الوحدة القائمة بينهما!!
هذا يعني أن المسيح يطالب بمجد الآب سواء في شخصه كابن الآب أو بصفته كمرسل من الآب ويمثله بذاته! لذلك فعدم تكريم الابن هو كذلك بالنسبة للآب. والذي يزدري بالمسيح يزدري بالله الآب وعقابه أشر: «من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلا ثة شهود يموت بدون رأفة. فكم عقاباً أشد تظنون أنه يُحسب مستحقاً من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قُدس به دنساً وازدرى بروح النعمة … مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي.» (عب28:10-31).
وتحقيقاً لبنوة المسيح للآب قام المسيح بشفاء الناس واعطاهم الحياة على أساس غفران الخطاياى الأمر الذي هو من صميم اختصاص الله الآب: «ولكن لكي تعلموا أن لأبن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا, حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب إل بيتك.» (مت6:9)
وتحقيقاً لكون المسيح مرسلاً من الآب, فقد باشر أعمال الآب: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يو34:4). ولكن إذ أعطى الله الابن سلطاناً لكي يشفي ويحيي ويقيم من الموت، تحتم أن يعطيه أيضاً سلطاناً لكي يدين، لأن غفران الخطايا هو الجزء الأعظم من سلطان القاضي أو الديان. وحينما تقول الآية التي نحن بصددها وفي مستهلها: «لكي» فهي تعني «وبناء على ذلك»، أي بناء على كل ما سلف، بمعنى بناء على أن الابن يعمل عمل الآب، وبناء على أن الآب يحب الابن ويريه كل ما يعمل, وبناء على أن الابن يقيم الأموات ويعطي حياة, وبناء على أن الآب أعطى كل الدينونة للابن؛ بناء على ذلك كله، تحتم أن يكرم الناس الابن كما يكرمون الآب، وإلا فالمهانة وعدم الإكرام تصبح موجهة للآب الذي أعطاه كل هذا والذي أرسله أيضاً.
ولكن واضح تصميم الآب أنه لكي يكون للابن الكرامة والمجد المساويين للآب في كل شيء, أعطاه كل الدينونة لتخضع له كل خليقة ما في السموات وما على الأرض. هنا حق للمسيح أن يقول: «أنا والآب واحد» (يو30:10)، وأن يخاطب الآب: «كل ما هو لي فهو لك وما هو لك فهو لي وأنا ممجداً فيهم» (يو10:17)؛ وكذلك, وعن حق وعن يقين واستحقاق، أن يدعى المسيح ابن الله، وأن يدعو المسيح الله الآب «أبي».
ولكن يخطىء الناس وإلى يومنا هذا في أنهم يفهمون أن المجد قد صار كله للابن، لذلك لم تعد الغالبية من المؤمنين يقدمون المجد والكرامة إلا للمسيح ولا يُذكر مجد الآب إلا في الجمل الرسمية من الصلوات المحفوظة. لذلك وجب هنا أن ننبه أن المسيح جاء ليستعلن الآب, حتى تكون صلتنا بالآب أكثر وضوحاً وتغلغلاً في الفكر والقلب بالعبادة الشخصية. والحقيقة التي يتحتم أن يفهمها كل مؤمن أنه كلما ازدادت صلتنا بالمسيح ازداد حضور الآب في القلب بصورة عملية: فإذا ضعفت صورة الله الآب في الوعي, فهذا معناه أن الوعي المسيحي ناقص جداً والإيمان يحتاج إلى مراجعة شديدة. «في ذلك اليوم تطلبون باسمي، ولست أقول لكم أني أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني.» (يو26:16-27)
ومن صميم الإيمان الحي الموصل للحياة بالفعل أن يكون إيماننا بالآب هو الموصل لإيماننا بالمسيح, لأن المسيح هو عطية الله الآب لنا: «لو كت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب» (يو10:4)، ثم أن المسيح سبق وأعلن أنه: «لا يقدر أحد أن يقبل إليّ إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلنى» (يو44:6)، وأن كافة التلاميذ المخلصين للمسيح هم عطية الله الآب للمسيح: « كانوا لك وأعطيتهم لى» (يو6:17). فحتى الشكر الذي نقدمه يتحتم أن نقدمه دواماً للآب في اسم المسيح (أف20:5, كو17:3)، علماً بأن جوهر الإيمان والعبادة ينص أن المجد والكرامة متساوية تماماً بين الآب والابن والروح القدس، لذلك تحتم أن تكون العلاقة الشخصية الحية والعملية مع الحب المتبادل للثالوث الأقدس متساوية.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (23): “لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله.”
الذي أرسله= ليؤكد لهم صلته بالله الآب. وأرسلهُ هذه كما ترسل الشمس أشعتها بدون إنفصال عنها. وهنا المسيح يعلن مساواته للآب في لاهوته بغير مواربة. وهذا راجع للوحدة بينهما. لكي= أي لأن الابن يحيي ويدين تحتم أن يكرم الناس بل كل الخليقة، الابن، كما يكرمون الآب. الإيمان بأحد الأقنومين يستلزم الإيمان بالآخر فهما واحد وكذلك إكرام أحدهما. في الآيات (21،22،23) يعلن المسيح لاهوته علانية.