تفسير رسالة العبرانيين أصحاح 7 للقديس يوحنا ذهبي الفم

الأصحاح السابع

العظة الثانية عشر (عب7: 1-10)

” لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي الذي استقبل إبراهيم راجعاً من كسرة الملوك وباركه الذي قسم له إبراهيم عشراً من كل شئ المترجم أولاً ملك البر ثم أيضا ملك ساليم أى ملك السلام” (عب 7: 1-2).

1. لقد أراد القديس بولس أن يُظهر الفرق بين العهد الجديد والعهد القديم، فبدأ يقول هذا (الكلام) في حالات كثيرة، ويناقشه، ويذيعه على أسماع المتلقين ويعلمه. وقد ذكر هذا الكلام على الفور في افتتاحية الرسالة، قائلاً إن الله كلّم الآباء بالأنبياء، بينما كلّمنا نحن في إبنه، وبالطبع قد كلّم الآباء بأنواع وطرق كثيرة، بينما كلّمنا نحن بواسطة ابنه. ثم بعد ذلك، وبعدما تكلّم عن الابن، وقال من هو وماذا فعل، ونصح أن نخضع له، لكي لا نعاني نفس ما عاناه اليهود ، وبعدما قال إنه رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق وقد أراد مرات عديدة أن يشير إلى هذا الإمتياز، وبعدما رتب أموراً كثيرة، ووبخهم ، لأنهم كانوا ضعاف في الإيمان وعالجهم أيضا، وشجعهم لكي يكون لديهم أمل، آنذاك تكلّم إلى آذان ناضجة عن الفرق بين كهنوت ملكي صادق والناموس، لأن ذاك الذي وهن أو ضعف، لن يمكنه السماع بسهولة ولكي تعلم هذا إسمع ماذا يقول الكتاب المقدس ” لم يسمعوا لموسى من صغر النفس “. ولهذا بعدما أبعد أولاً صغر النفس هذا بكلام كثير ومخيف ثم بكلام رقيق، عندئذ تحدث عن هذا الفرق. وماذا يقول؟ يقول ” لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي “. والمدهش حقا أنه أظهر أنه يوجد فارق كبير في النموذج أو المثال أي أن ما قاله يعني أن الحقيقة تتأكد دوماً بواسطة المثال، ومن الأمور الماضية تتأكد الأمور الحاضرة، وبسبب الضعف الروحي للمستمعين. يقول ” لأن ملكي صادق هذا ملك ساليم كاهن الله العلي الذي استقبل إبراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه الذي قسم له إبراهيم عشرا من كل شيء “.

بعدما ذكر القصة باختصار فسرها رمزيًا. يقول مفسراً ” المترجم أولا ملك البر” وهذا صحيح. لأن كلمة Σεδέχ صادق تقال عن البر ، وكلمة  Μελχι عن الملك. إذا فإن ملكي صادق هو ملك البر. أرأيت الدقة في الأسماء أيضًا؟ ومَن يكون ملك البر سوى فقط ربنا يسوع المسيح؟ ” ثم أيضًا ملك ساليم ” أي ملك السلام، أي من المدينة (مدينة السلام). لأنه هكذا تُفسر كلمة “ساليم” وهذا (السلام) هو صفة للمسيح، لأنه جعلنا أبراراً وحمل السلام لكل من هم السموات، ومن هم على الأرض. هل هناك إنسان ملك للبر وملك للسلام؟ لا أحد آخر سوى ربنا يسوع المسيح. ثم بعد ذلك يضيف فرق آخر، قائلاً: 

” بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة بل هو مشبه بابن الله هذا يبقى كاهناً إلى الأبد” (عب 7: 3).

ولأن هذا كان عكس عبارة ” أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق” ، لكن ذاك ملكي صادق مات ولم يصر كاهنًا إلى الأبد، لاحظ كيف تناول الأمر. ولكي لا يعارضه أحد ويقول له ومَن يقدر أن يقول هذا الكلام عن إنسان؟ لم يذكر هذا الأمر. أى لا نعرف من هو أبوه، أو مَنْ هي أمه، ولا متى مات. وما أهمية هذا؟ وهل بسبب أننا لا نعرف فهو لم يمت أو لم يكن له أب ولا أم؟ بالصواب تتكلم، لأنه مات، وأن له أب وأم. إذا كيف تقول ” بلا أب بلا أم؟ وكيف يقول ” لا بداءة أيام له ولا نهاية “؟ كيف هذا؟ يقول هذا من حيث إنه لم يحدث أن تحدث عنه الكتاب المقدس بالتفصيل. وما أهمية هذا الأمر؟ الأهمية تتعلق بأنه تماماً كما أن ذاك ملكي صادق بلا أب من حيث إنه لا يوجد له نسب، هكذا فإن المسيح أيضًا لم يكن له أب من جهة ولا متى تقلد الرتبة ، طبيعته الجسدية.

2. وها هو بلا بداية ولا نهاية. وكما أننا لا نعرف عن ملكي صادق بداية أيامه، ولا نهاية حياته، لأنها غير مكتوبة في الكتاب المقدس، هكذا أيضا بالنسبة ليسوع لا نعرف لا لأنها ليست مكتوبة، بل لأنها لا وجود لها (أي البداية والنهاية).

ملكي صادق كان مثالاً، ولهذا لا نعرف عنه شيء، لأنه غير مكتوب عنه (متى بدأ أو متى انتهى). تماماً مثلما أن الأمر هنا مرتبط بالصفات، لأن الصفات كانت هي ملك البر وملك السلام، إلا أن هناك (بالنسبة للمسيح) تستعلن حقيقة كل الأشياء. إذا هنا الأمر مرتبط بصفات بينما هناك مرتبط بحقيقة كل الأشياء. كيف إذا تكون له بداية؟ أرأيت أن الابن بلا بداية لا لأنه ليس له علة، لأن هذا أمرا مستحيل، إذ له آب وإلا كيف سيكون ابن ؟ ، بل لأن حياته ليست لها بداية ولا نهاية.

يقول إنه ” مشبه بابن الله”. وأين هو الشبه؟ في أنه لا نعرف النهاية والبداية لا للمسيح ولا لملكي صادق، فعدم معرفتنا ببداية ونهاية ملكي صادق ترجع إلى أنها غير مكتوبة، بينما للمسيح هي غير موجودة هنا يوجد الشبه. لكن إن كان هناك شبه في كل الجوانب، لما كان هناك مثال وحقيقة بل سيكون الإثنان مثال. ويمكن للمرء أن يرى هذا في الصور المرسومة. لأن في هذه الصور يوجد بالطبع شبه ما، لكن يوجد شئ مغاير أو مختلف، وبحسب الرسم البسيط يوجد شبه ما في الملامح ، لكن مع إضافة الألوان يتضح الفرق جيدا، من حيث الشبه والاختلاف.

يقول ” ثم انظروا ما أعظم هذا الذي أعطاه إبراهيم رئيس الآباء عشرا أيضا من رأس الغنائم” (عب 7: 4).

أولاً هو طابق المثال (على الأصل). بعد ذلك أظهر بشجاعة أن هذا (أي ملكي صادق) هو أكثر بهاءً من كل رؤساء اليهود بكل ميراثهم وممارستهم الحقيقية. فإن كان ملكي صادق الذي كان مثالاً للمسيح هو أسمى بهذا القدر الكبير ليس فقط أسمى من الكهنة، بل ومن جد الكهنة نفسه، فماذا يمكن للمرء أن يقول عن الحقيقة؟

أرأيت كيف يُظهر الامتياز (امتياز الحقيقة عن المثال) بصورة قوية جدا. يقول ” انظروا ما أعظم هذا الذي أعطاه إبراهيم رئيس الآباء عشرا أيضًا من رأس الغنائم”. ودعيت الغنائم ἀκροθίνιά أى رأس الغنائم ولا يمكن للمرء أن يقول إنه أعطاه لأنه شارك في الحرب. ولهذا تحديدا قال إنه قابله عندما عاد من كسرة الملوك مظهراً بهذا أنه بقى في بيته وأنه أعطاه الباكورات من تلك التي اكتسبها بمشقة.

” وأما الذين هم من بني لاوي الذين يأخذون الكهنوت فانهم وصية أن يعشروا الشعب بمقتضى الناموس فى إخوتهم مع أنهم قد خرجوا من صلب إبراهيم (عب 7: 5).
هكذا يقول إن امتياز الكهنوت هو عظيم جدًا، حتى أن كل من هم من الخلف أو الأبناء الذين يتقلدون نفس الرتبة ولهم نفس الجد (أى إبراهيم)، يكونوا أسمى بكثير من الآخرين يأخذون من هؤلاء عشراً إذا عندما يوجد شخص ليأخذ العشور من هؤلاء أنفسهم، فهل يا ترى هؤلاء لا ينتسبون إلى رتبة العلمانيين وأولئك لرتبة الكهنة؟ وليس هذا فقط بل ولا كان متساو في الكرامة مع هؤلاء، لكنه من نسل آخر. حتى إنه لم يكن له أي لإبراهيم) أن يعطي العشور الغريب، إن لم تكن الكرامة ( كرامته) عظيمة يا للعجب ماذا فعل (أي ق بولس)؟ لقد أوضح الأمر الآن أكثر مما هو عليه عندما تكلم عن الإيمان في رسالته إلى أهل رومية، لأن هناك قال إن إبراهيم أب للجميع لنا ولمنهج الحياة اليهودية، بينما هنا يقلل منه كثيراً، ويوضح أن غير المختتن هو أسمى بكثير. إذا كيف أظهر هذا؟ وأي علاقة لهذا الأمر بنا نحن؟ له علاقة على كل حال، لأنه لن تزعموا أن اللاويين هم أسمى من إبراهيم.

“ولكن ملكي (صادق) الذي ليس له نسب منهم من اللاويين قد عشر إبراهيم” (عب 7: 6).
بعد ذلك لم يمر على هذا الأمر هكذا ببساطة، بل أضاف ” وبارك الذي له المواعيد لأن هذا الأمر (أن لهم إبراهيم أبا) كان موضع افتخار اليهود في كل مكان، فقد أظهر من خلال الإحتكام للعامة؟ أن ملكي صادق كان أكثر عظمة من إبراهيم يقول
” وبدون أي مشاجرة الأصغر يبارك من الأكبر” (عب 7: 7)
أي أن الجميع يؤمنون أن الأصغر أبارك من الأكثير. وبناء على ذلك هذاك الذي هو مثال المسيح هو أسمى من ذاك الذي له المواعيد.

” وهنا أناس مائتون يأخذون عشرًا وأما هناك فالمشهود له بأنه حي “‏.(عب 7: 8)

لكن لكي لا يقولوا لماذا يعود إلى الأمور الماضية؟ وما أهمية ذلك بالنسبة لكهنتنا ، إن كان إبراهيم قد أعطى عشرا؟ وأنه يجب أن تتكلم عن الأمور التي تهمنا، لذلك أضاف: “حتى أقول كلمة” بالصواب قال هذا، ولم يتكلم بوضوح، حتى لا يجرحهم.

” إن لاوي أيضا الآخذ الأعشار قد عشر بإبراهيم ” (عب 7: 9) .

بأي طريقة ؟

” لأنه كان بعد في صلب أبيه حين استقبله ملكي صادق” (عب 7: 10).

أي أن لاوي كان في صلب إبراهيم، وإن كان لم يُولد بعد، وقد أعطى العشور من خلال إبراهيم. ولاحظ أنه لم يقل “اللاويين”، بل قال “لاوي”، مستنتجا من هنا ، كما أراد ، الأمر الأسمى الذي يُبرهن على الإمتياز.

أرأيت مقدار الفرق بين إبراهيم وملكي صادق الذي حمل نموذج رئيس كهنتنا؟ وهذا يظهر أن الامتياز قد صار بسبب السلطان وليس بسبب الإلزام. لأن إبراهيم أعطى العشور الأمر الذي يليق بالكاهن، أما ملكي صادق فقد بارك الأمر الذي يليق بالأكبر. هذا الإمتياز ينتقل إلى الخلف. وبطريقة مدهشة وبتوفيق كبير ألقى بالأمور اليهودية إلى خارج من أجل هذا إذا قال: ” قد صرتم متباطئ المسامع”، لأنه أراد أن يضع هذه الأساسات، حتى لا يذهب هؤلاء بعيداً. هذه هي حكمة بولس، يُعد أولاً الأذهان، ثم بعد ذلك يقول ما يريده. لأنه من الصعب إقناع الجنس البشري إذ يحتاج الأمر إلى عناية كبيرة، بل وأكثر من العناية التي نقدمها للنباتات. لأن في النباتات توجد البذور والأرض تستجيب لأيدي الفلاحين، بينما هنا الأمر مرتبط بالرغبة التي تتغير مرات كثيرة، والتي تُفضل مرة هذا، ومرة ذاك، كذلك تميل بسهولة نحو الشر.

3- ” ولهذا يجب دائماً أن نسهر حتى لا يداهمنا النوم لأنه يقول ” إنه لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل” و ” لا يدع رجلك تزل”. لم يقل “لكي لا تزل”، بل قال “لا يدع. إذا علينا يعتمد الأمر، فنحن الذين نترك أرجلنا لكي تزل، وليس أحد آخر. أي لو أردنا أن نقف بثبات غير متزعزعين، فلن تزل. هكذا، هذا ما يُشير إليه، كما هو واضح في كلامه. ماذا إذا؟ أليس هناك شيئًا يعتمد على الله؟ بالطبع كل الأشياء تعتمد على الله، لكن ليس على النحو الذي فيه تضار حريتنا أو تصادر. إذا إن كان الأمر يعتمد على الله فلماذا يُديننا ؟ ولهذا قال، ليس على النحو الذي تُلغى فيه حريتنا. إذا الأمر يعتمد علينا وعلى الله فيجب علينا نحن أولاً أن نختار الصلاح، وعندما نختار نحن حينها سيقدم الله كل ما له. لا يفعل شيء قبل أن نريد نحن حتى لا يلغي حريتنا. لكن عندما نختار الصلاح، عندئذ يقدم لنا معونته الكبيرة.

حسنًا إن كان الأمر يعتمد علينا نحن، فكيف يقول الرسول بولس ” ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم ؟ “. أولاً هو لا يقدم هذا الأمر بإعتبار أن هذا رأيه الخاص، بل قد استنتجه من سياق الحديث الذي ناقشه من قبل. لأنه بعدما قال ” أرحم من أرحم وأتراءف على من أتراءف ” ، أضاف ” ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل لله الذي يرحم “. لكنك ستقول لي، لماذا يدين بعد؟ ثانيا يمكننا أن نقول إن الجزء الأكبر يعتمد على فلان يعني في عرفنا أن كل شيء يعتمد عليه. هكذا فإن القرار والإرادة يعتمدان علينا، لكن تتميم وتحقيق هذه الإرادة يعتمد على الله. إذا كما يقول القائل طالما أن الجزء الأكبر يعتمد على الله، فإن كل شيء يعتمد عليه، إنه يقول هذا كما قلنا بحسب عادة البشر.

هذا الأمر نفسه تحديداً نفعله نحن أيضًا. وأعني بما أقوله الآتي: نرى منزلاً وهو يُبنى بشكل جيد، ونقول أن كل شيء يعتمد على المهندس المعماري، وإن كان بالطبع لا يعتمد عليه كل شيء، بل وعلى العمال أيضاً، وعلى مالك المنزل الذي يقدم له مواد البناء، وآخرين كثيرين، لكن لأن المعماري هو الذي قدم الجزء الأكبر، نقول إن كل شيء يعتمد عليه نفس الأمر يحدث هنا أيضاً. وأيضا في حالة الجموع، حيث إنهم الأكثرية نقول عنهم الجميع، لكن حيث هم قليلون، نقول لا أحد . هكذا يقول الرسول بولس هنا إن “ليس لمن يشاء ولا لمن يسعى بل الله الذي يرحم”. وبقوله هذا يصحح أمرين كبيرين، الأول ألا تفتخر من جهة الأشياء التي تحققها، والثاني هو أننا عندما نحقق شيئا ، ننسب لله . سبب إنجازاتنا. إذا سواء جاهدت، أو حاولت فيجب ألا تعتقد أن الإنجاز هو لك، لأنه إن لم تنال الدعم من الله، فكل شيء يضيع هباءً.

لكن من حيث إنك ستنجح في محاولتك بمعونة الله، فهذا أمر واضح جدا، يكفي أن تحاول وأن تريد. إذا فهو لم يقل إننا نجاهد بلا هدف، لكن إن إعتقدنا أن كل شيء يعتمد علينا، وإن لم ننسب الجزء الأكبر الله فإننا نجاهد بلا هدف. وبالطبع الله لا يُريد أن كل شيء يعتمد عليه، حتى لا يبدو أنه يكللنا بلا سبب، ولا أيضا أراد أن يعتمد كل شيء علينا نحن حتى لا نسقط في الكبرياء. لأنه إن كان الجزء الأقل يعتمد علينا نحن ومع هذا نعتد بأنفسنا، فما الذي كان سيحدث لو أن كل شيء كان تحت سلطاننا؟ أى أن الله فعل الكثير لكي ينزع عنا افتخارنا. يقول النبي ” ومد (الرب) يده عليه ” . ما هو حجم المعاناة التي أحاطنا بها حتى يقطع افتخارنا ؟ وما هو مقدار الوحوش التي وضعها حولنا؟ لأنه عندما قال البعض لماذا هذا؟ إلى أي شيء يرمي هذا؟ قالوا هذه الأمور ضد إرادة الله. لقد وضعك في خوف هذا مقداره، ومع هذا لم تتضع، بل وإن حدث مرة وبذلت شيئا يسيرًا حسنًا ، فإنك تفتخر حتى تصل إلى السماء ذاتها.

4. ولهذا توجد التحولات والتغييرات المفاجئة، لكن مع كل هذا لا نتعلم. لذلك تحدث ميتات مستمرة ومبكرة، لكننا نفكر كما لو أننا خالدون، وأننا لن نموت أبدا. وهكذا نخطف و نسلب، وهكذا نصير طماعين، كما لو أننا لن نحاسب أبدا. وهكذا نبني كما لو أننا سنبقى هنا على الدوام ، ولا حتى كلمة الله التي تتردد يوميًا على مسامعنا ولا أمورنا الحياتية، تعلّمنا شيئًا. فلا يوجد يوما ولا ساعة إلا ونرى فيها جنازات كثيرة. إذا كل شيء يصير بلا هدف ولا يوجد شيء يؤثر فينا ويُغيّر من قسوتنا ولا يمكننا أن نصير أفضل حتى مع رؤيتنا لمصائب الآخرين، أو من الأفضل القول إننا لا نريد لكن حين نحزن وحدنا، آنذاك نستحي، وإن أرخى الله يده أو خفف يده، فنحن أيضا نمد أيدينا.

لا أحد يدرك الأمور السمائية، ولا يوجد أحد يحتقر الأمور الأرضية، ولا أحد يتطلع نحو السماء ومثل الخنازير التي تنكس رأسها إلى أسفل، وتنحنى تجاه بطونها وتتمرغ في الطين هكذا أيضاً الأكثرية من البشر، يلوثون أنفسهم بأسوأ طين ولا يشعرون لأنه أفضل للمرء أن يتلوث بطين قذر، على أن يتلوث بالخطية. أي أن ذاك الذي تلوث بالطين يُنظف أو يتنقى بسرعة شديدة، ويصبح مثل ذاك الذي لم يسقط من البداية في هذا المستنقع. لكن ذاك الذي سقط في هوة الخطية قد تلوث بالنجاسة، والتي لا تنظف بالماء، بل تحتاج لوقت طويل وتوبة حقيقية ودموع وإنقطاع ونواح أكثر مما تظهرونه لأولئك الذين تحبونهم.

 النجاسة التي تأتي من الخارج تلفظها سريعًا لكن نجاسة الخطية تولد داخلنا، ومن أجل ذلك بصعوبة نمحوها عندما نتنقى منها، لأنه يقول ” من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور ” . ولهذا قال النبي ” قلبا نقيا اخلق في يا الله “، ويقول إرميا ” اغسلي من الشر قلبك يا أورشليم”. أرأيت أن الإنجاز أي تحقيق التقوى) هو لنا ولله؟ وأيضًا يقول رب المجد “طوبي لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله “. إذا لنصر أنقياء، على قدر ما تسمح به طاقتنا ولنتطهر من خطايانا.

لكن كيف يمكن أن نتنقى منها؟ يُعلَّم النبي قائلاً: ” اغتسلوا اعزلوا شر أفعالكم من أمام عيني” . ماذا يعني بعبارة ” أمام عيني؟ لأنه أمام البشر يبدو على البعض بأنهم ليسوا أشرار، بينما أمام الله هم ظاهرين فهم قبور مبيضة، ولهذا يقول هكذا إعزلوا هذه الشرور ، كما أراها أنا. يقول ” تعلموا فعل الخير اطلبوا الحق انصفوا المظلوم إنصفوا اليتيم حاموا عن الأرملة. هلم نتحاجج يقول الرب إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض كالثلج إن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف “.

أرأيت أنه ينبغي أولاً أن تنقي أنفسنا، وبعد ذلك ينقينا الله؟ لأنه بعد ما قال أولاً “أغتسلوا أعزلوا شر أفعالكم” أضاف ” إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيض”. إذا لا ينبغي لأحد من أولئك الذين وصلوا إلى أسوء مستوى من الشر أن ييأس، لأنه وإن كنت بعد قد وصلت إلى مرحلة التعود على طبيعة هذا الشر، فيجب ألا تخاف. ومن أجل هذا حين كانوا يستخدمون نوع من الألوان لا يُمحى بسهولة لأنه تقريبا يتفاعل المادة التي يصبغونها ، قال أنه سيغيرها ،جذريًا، أي ستصير بيضاء، لأنه لم يقل أنه سيغسلها، لكن سيجعلها بيضاء مثل الثلج ومثل صوف الخراف، لكي يعطينا رجاء صالح. وبناء على ذلك فإن قوة التوبة هي قوة عظيمة، طالما أنها تجعلنا مثل الثلج، وتجعلنا في بياض مثل الصوف حتى وإن لحقت بنا الخطية وصبغت نفوسنا، فلنعتني إذا أن نصير أنقياء، فهو لم يعط أي وصية ثقيلة. يقول: “أقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة”. أرأيت كيف أن الله في كل موضع، يتكلم عن الرأفة، والدفاع عن المظلومين؟

من نوال فلنسعى نحو تحقيق هذا العمل الباهر (التوبة)، وسنتمكن بنعمة الله خيرات الدهر الآتي، والتي ليتنا جميعًا نكون مستحقين لها، بمعونة ربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور أمين.

العظة الثالثة عشر (عب7: 11-28)

“فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال إذ الشعب أخذ الناموس عليه ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق ولا يقال على رتبة هرون لأنه إن تغير الكهنوت فبالضرورة يصير تغير للناموس أيضا. لأن الذي يقال عنه هذا كان شريكا في سبط آخر لم يلازم أحد منه المذبح. فإنه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا الذي لم يتكلم عنه موسى شيئا من جهة الكهنوت” (عب 7: 11-14).

1- يقول “لو كان بالكهنوت اللاوي كمال” (عب 7: 11) .

فبعدما تكلّم عن ملكي صادق وبرهن أنه كان أسمى من إبراهيم وأوضح الفارق الكبير، بدأ من هنا يُظهر إختلاف هذا العهد، وكيف أن العهد القديم هو عهد غير كامل، بينما العهد الجديد هو كامل. وهو لم يتكلم بعد عن هذه الأمور، لكنه تحدث عن العهد إنطلاقا من الكلام عن الكهنوت أولاً ، لأنه هذه الأمور آنذاك أصبحت موضع تصديق وثقة أكثر لغير المؤمنين حين يكون الدليل من تلك الأمور التي تم قبولها والإيمان بها. لقد أظهر أن ملكي صادق أسمى بكثير من لاوي، ومن إبراهيم، طالما أنه صار كاهنًا لهما. إذا فهو يشرع في توضيح هذا أيضا من خلال أمراً آخر. وما هو هذا الأمر؟ من الكهنوت الحالي، ومن الكهنوت اليهودي.

لاحظ من فضلك حكمته الفائقة، لأنه من قبل ذاك الذي كان طبيعي أن يخرجه من الكهنوت، لأنه لم يكن من نسل هرون أقامه وأخرج أولئك (أي المنتسبين للكهنوت اليهودي). وهو يفعل ذلك مقدما نفسه كمن يتحير في شيء، أي لماذا لم يُقال على رتبة هارون، وهكذا يزيل هذه الحيرة، لأنه لم يصر على رتبة هرون لأن هذا هو ما يوضح قوله “فلو كان بالكهنوت” اللاوي كمال”، و “ماذا كانت الحاجة بعد إلي أن يقوم كاهن آخر على رتبة ملكي صادق” قال هذا بتشديد كبير. إذًا لو إفترضنا أن المسيح قد جاء أولاً كإنسان على رتبة ملكي صادق، ثم بعد ذلك أعطي له الناموس وكهنوت ،هرون، فمن المنطق أن يقول المرء، لأن الناموس وكهنوت هارون هما الأكمل، فإنهما يُبطلان ما يأتي بعدهما في مرحلة لاحقة. لكن بما أن المسيح هو الذي جاء أخيرًا، وأخذ كهنوته على رتبة أخرى، فمن الواضح أنه صار هكذا، لأن الناموس وكهنوت هرون كانا غير كاملين.

لنفترض أن كل شيء قد كمل، وأنه لا يوجد شيء غير كامل في الكهنوت (اليهودي). إذا هل كان يجب أن يُقال ” على رتبة ملكي صادق” وليس “على رتبة هرون؟”. ولماذا ترك هرون، وأدخل كهنوت أخر ، كهنوت ملكي صادق؟ بقول فإن كان بالكهنوت اللاوي كمال”، أي إن كان كمال التقاليد اليهودية، والعقائد والحياة ناتج عن عمل الكهنوت اللاوي. ولاحظ كيف أنه يتقدم تدريجيًا. لقد قال أنه أتى على رتبة ملكي صادق، لكي يظهر أن الكهنوت الذي على رتبة ملكي صادق، كان أسمى جدا. بعد ذلك يظهر هذا من خلال الزمن حيث أنه بعد هرون أي كأسمى.

وماذا يريد بالعبارة اللاحقة “إذ الشعب أخذ الناموس عليه ” ماذا يعني بقوله أخذ عليه ؟ يعني على أساس الكهنوت اللاوي أو من خلاله كان يفعل كل شيء بالناموس، ” إذ الشعب أخذ الناموس عليه”، أي أنه يستخدم هذا الكهنوت وقد استخدمه، إلا أنه لا نستطيع أن نقول إنه كان كامل، لأنه لم يحمي الشعب. ” إذ الشعب أخذ الناموس عليه، أي هذا الكهنوت هو الأساس الذي أخذ عليه الناموس. إذا ماذا كانت الحاجة لكهنوت آخر، لو كان الكمال بهذا الكهنوت؟.

“لأنه إن تغيّر الكهنوت فبالضرورة يصير تغير للناموس أيضا” (عب 7: 12).

لكن إن كان ينبغي وجود كاهن آخر أو من الأفضل أن نقول كهنوت آخر فبالضرورة يجب أن يوجد ناموس آخر. هذا الكلام مُوجّه لأولئك الذين يقولون هل كانت هناك حاجة للعهد الجديد؟ بالطبع كان يمكنه أن يذكر شهادة من الأنبياء أيضاً ” والعهد الذي عاهد به الله أبائنا ” . لكنه بدأ معركته من الكهنوت.

ولاحظ كيف أنه قد حاول منذ البداية أن يقول هذه الأمور. قال ” على رتبة ملكي صادق. هذا قد أزاح كهنوت هرون ، لأنه إذا كان كهنوت هرون أسمى، لما كان قد قال ” على رتبة ملكي صادق. إذا إن كان قد دخل كهنوت آخر، فيجب أن يوجد عهد آخر. لأنه من غير الممكن أن يوجد كاهن بدون عهد، وناموس، ووصايا، ولا يمكن بعد ما أخذ كهنوت ،آخر أن يستخدم الكهنوت القديم بعد ذلك وهو الأمر الذي كان متعارض، كيف كان يمكن أن يكون كاهن، دون أن يكون لاوي؟ بعد ما ذكر هذا مسبقا في الإصحاحات السابقة، لا يريد أن يشرحه، لكنه يطرحه فقط. لقد قال تغيّر الكهنوت وبناء على ذلك تغيّر أيضًا العهد. لكنه تغيّر ليس فقط من جهة الطريقة ولا من جهة الوصايا، لكن أيضا ومن جهة النسل. لأنه كان يجب أن يتغيّر من جهة النسل. كيف؟ يقول ” إن تغير الكهنوت” ولهذا تغيّر من سبط إلى سبط، ومن وضع كهنوتي إلى وضع ملوكي، لكي يكون العهد نفسه ملوكي وكهنوتي. ولاحظ السر، أولاً كان ملوكي والآن صار كهنوتي، تماماً كما حدث في حالة المسيح، لأن المسيح كان ملكا على الدوام، وصار كاهنًا عندما تأنس، وعندما قدم ذاته ذبيحة. أرأيت التحول.

والأمور المختصة بالعهد القديم كانت متعارضة فيما بينها، وهذه يقدمها هكذا كما لو أن تتابع الأمور هو الذي يتطلبها. يقول

” لأن الذي يُقال عنه هذا كان شريكا في سبط آخر لم يلازم أحد منه المذبح فإنه واضح أن ربنا قد طلع من سبط يهوذا الذي لم يتكلم عنه موسى شيئا من جهة الكهنوت وذلك أكثر وضوحا أيضا إن كان علي شيئا ملكي صادق يقوم كاهن آخر” (عب7: 13-15).

ما يقوله يعني الآتي أنني أقول وأعرف هكذا يقول الرسول بولس، إن هذا السبط ليس له أي علاقة بالكهنوت، وأن لا أحد من هذا السبط صار كاهنا ، لأن هذا هو معنى ” لم يلازم أحد منه المذبح”، لكن كل شيء قد تغير. وهكذا كانت هناك ضرورة لأن يتغيّر الناموس والعهد القديم، طالما أن هذا السبط قد تغير. أرأيت كيف أنه يظهر اختلاف آخر أو فرق آخر بسبب تغير السبط؟ وليس فقط هذا التغيّر يُظهر مقدار الفرق، بل أيضا بسبب الشخص، وبسبب العهد والأسلوب، وبسبب النموذج أو المثال نفسه.

ثم يقول ” قد صار ليس بحسب ناموس وصية جسدية بل بحسب قوة حياة لا تزول” (عب 7: 16).

2. يقول ” قد صار (كاهنًا ) ليس بحسب ناموس وصية جسدية” لأن الناموس القديم، كان غير ناموسي في أمور كثيرة. وبالصواب قد دعى الناموس، ناموس وصية جسدية، لأن كل ما قرره جاء بخصوص جسد الإنسان لأنه إذ يقول ختن الجسد، إمسح الجسد، إغسل الجسد، نظف الجسد ، قص شعر الجسد ، أضبط الجسد، إطعم الجسد، إعط راحة للجسد ، فلتخبرني هل كل هذا لا يخص جسد الإنسان؟ لكن إن كنت تريد أن تعرف ما هي الخيرات التي وعد بها ، يقول حياة ممتدة، وللجسد لبن وعسل وراحة وتمتع من هذا الناموس أخذ هارون الكهنوت، لكن ملكي صادق لم يأخذه هكذا.

 يقول ” وذلك أكثر وضوحا أيضاً إن كان على شبه ملكي صادق يقوم كاهن آخر”. وما هو ذلك الذي يُعد أكثر وضوحا ؟ هي المسافة بين هذا الكهنوت وذاك، والفرق بينهما، وكم هو أسمى ذاك الذي صار كاهنا ليس بحسب ناموس وصية جسدية؟ هل هو ملكي صادق؟ ليس هو ملكي صادق، بل المسيح يقول

” بحسب قوة حياة لا تزول. لأنه يشهد أنك كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق” (عب 7: 17).

أي ليس بشكل وقتي، بل بحسب قوة حياة لا تزول هذا قد قاله، لكي يُظهر أنه صار كاهنا بقوته وقوة الآب وبالحياة التي لا نهاية لها، هذا بالطبع ” قد صار (كاهنا) ليس بحسب ناموس وصية جسدية “. لكن حين يقول “ناموس وصية جسدية” ، فإنه يُظهر البعد الوقتي، كما يقول في موضع آخر إنها ” فرائض جسدية فقط موضوعه إلى وقت الإصلاح” ، ويقول ” بحسب قوة حياة ” أي أنه يحيا بقوته. لقد قال إن الناموس تغيّر وأظهر كيف. بعد ذلك يبحث عن السبب، ودائما عندما يعرف البشر السبب يستطيعوا أن يدعموا أنفسهم بالأكثر، ويقودهم بذلك إلى إيمان أكثر. حينئذ نؤمن أكثر، لأننا نعرف السبب، والعلة التي لأجلها صار (كاهنًا).

يقول: ” فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها ” (عب 7: 18).

هنا يهاجموننا الهراطقة قائلين ها هو بولس أيضًا قد دعى الوصية بانها عديمة النفع، لكن لاحظ جيداً، أنه لم يقل، لأنها كانت سيئة ، أو شريرة، بل قال “من أجل ضعفها وعدم نفعها ” . بل وفي موضع آخر أيضًا يُظهر ضعفها، عندما يقول “في ما كان ضعيفا بالجسد. وبناء على ذلك فإن هذه (الوصية) ليست هي الضعيفة، بل نحن

“إذ الناموس لم يكمل شيئا ” (عب 7: 19).

ماذا تعني عبارة “الناموس لم يكمل شيئًا ؟ هل تعني أنه لم يجعل أحد كاملاً، لأنه لا أحد أطاع الناموس؟ كذلك أيضًا حتى ولو أطاع أحد الناموس، فلن تجعله كاملاً وصالحاً. الكلام هنا لا يقصد هذا المعنى، بل يعني أن الناموس لم يحقق شيئًا. وهذا صحيح جدًا، لأن الناموس) كان بمثابة أحرف مكتوبة، والتي كانت تقول أفعل هذا ، ولا تفعل ذلك، كانت فقط تحث، لكنها لم تعط قوة. لكن الرجاء ليس هكذا.

وماذا يعني بقوله “إبطال؟ يعني التحول، والرفض. لكن أية وصية تُعلن عن هذا الذي يُضيفه بعبارة “الوصية السابقة؟ ” هكذا يدعو الناموس ” بالوصية السابقة”، لأنه أبطل، إذ كان ضعيفًا، فالذي مضى والقديم، دعاه سابق، بسبب ضعفه. وبناء على ذلك فإن البطلان ،يعني بطلان تلك الوصايا أو الأمور المتعلقة بالناموس التي كانت سارية. ويتضح بالأكثر من هذا ، أنه كان ساريًا، لكنه أبطل، لأنه لم يحقق أي شيء. إذا هل الناموس لم ينفع مطلقا؟ بالطبع كان نافعًا، بل وبشكل جيد جدًا، لكنه لم ينفع في أن يقود إلى الكمال. ومن أجل هذا يقول “إذ الناموس لم يُكمّل شيئًا. طالما أن كل الأشياء كانت نماذج، وظلال، سواء كان ختان، أو ذبيحة، أو السبت، والتي لم تستطع أن تنفذ داخل النفس لهذا تراجع وتخلى عن مكانه.

” ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله وعلى قدر ما أنه ليس بدون قسم” (عب 7: 20).

أرأيت أن القسم هنا حتمي؟ وبناء على ذلك فقد اهتم بأمور كثيرة في الأجزاء السابقة، مثل أقسم الله، أقسم لأجل التثبيت. يقول ولكن يصير إدخال رجاء”. ماذا يعني هذا أن الناموس يحمل رجاء أيضًا، لكن ليس مثل هذا الرجاء، لأنهم قد ترجوا قديمًا، إن كانوا قد أرضوا الله وأنهم سيرثون الأرض، وأن لا يُصابوا بأي شر. لكننا الآن نترجي أن ترضي الله، وأن لا نمتلك الأرض، بل السماء. أو من . الأفضل أن نقول وهو الأمر الذي يُعد أسمى بكثير من هذا، إننا نترجى الوقوف والمثول بالقرب من الله إننا نتمنى أن نقترب من العرش الأبوي، ونخدمه مع الملائكة. ولاحظ كيف يشير إلى هذه الأمور تدريجيًا. لأنه يقول فيما سبق “تدخل إلى ما داخل الحجاب “، وهنا يقول “به (الرجاء) نقترب إلى الله. وعلى قدر ما أنه ليس بدون قسم.

ماذا يعني بقوله : “على قدر ما إنه ليس بدون قسم؟ يعني أنه ليس بدون قسم (قد صار كاهنًا إلى الأبد). وها هو فرق آخر. وهو لم يعد بهذه الأمور بدون سبب، يقول:

” لأن أولئك بدون قسم قد صاروا كهنة وأما هذا فبقسم من القائل له اقسم الرب ولن يندم أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق، على قدر ذلك قد صار يسوع ضامتا لعهد أفضل وأولئك قد صاروا كهنة كثيرين من أجل منعهم بالموت عن البقاء. وأما هذا فمن أجل أنه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول” (عب 7: 21-24).

يذكر هنا، فرقين أن كهنوته ليس له نهاية، بعكس كهنوت الناموس وأنه أعطي بقسم تحقق في المسيح وهو كهنوت لا يزول، لأنه يقول “بحسب قوة حياة لا تزول”. وقد تحقق بالقسم، لأنه أقسم لأنه إن كانت تلك الوصية ضعيفة، فقد أزيحت، ، لكن هذه لأنها قوية فقد بقيت.

يفعل هذا من خلال الكاهن. كيف؟ مُظهرًا أنه هو واحد. ولن يكون واحدا ، إلا إذا كان غير مائت لأنه كما يوجد كهنة كثيرون، لأنهم مائتين، هكذا واحدا هو الواحد، لأنه إلى الأبد. “على قدر ذلك قد صار يسوع أفضل”، لأنه قد أقسم له أنه كاهن إلى الأبد. وما كان له أن يكون هكذا، إن لم يكن يحيا إلى الأبد. ضامنا لعهد حي

” فمن ثم يقدر أن يخلص أيضا إلى التمام الذين يتقدمون به إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم” (عب 7: 25).

3- أرأيت أنه يتكلم تدبيريًا بحسب الجسد ؟ عندما أظهر أنه كاهن، آنذاك وفي الوقت المناسب يقول أنه يشفع. وبناء على ذلك عندما يقول الرسول بولس أنه يشفع فينا يشير إلى نفس الأمر ، أنه يشفع لأنه رئيس كهنة. لأن ذاك الذي يُقيم الأموات بإرادته، ويعطي حياة مثل الآب، كيف يشفع هناك ويخلص؟ ذاك الذي يُدين كل المسكونة، كيف يشفع؟ ذاك الذي يُرسل الملائكة، حتى أنهم يلقون البعض في أتون النار، والبعض يُنقذون، كيف يشفع؟

ولهذا يقول ” يقدر أن يخلص”. إذا فهو يخلص ، لأنه لا يموت. لأنه يحيا إلى الأبد، وليس آخر بعده. وبما أنه لم يكن هناك آخر يأتي بعده، فإنه يستطيع أن يحمي ويخلص الجميع حينئذ فإن رئيس الكهنة مهما كان جدير بالإعجاب ومهما كانت أهمية الوقت الذي كان فيه رئيس كهنة، مثل صموئيل وكل رؤساء الكهنة نظرائهم، إلا أنهم رحلوا بعد ذلك، لأنهم ماتوا . لكن هنا لم يحدث نفس الأمر، بل إنه “يخلص إلى التمام . ماذا تعني عبارة ” إلى التمام ” . إنه يشير إلى سر ما كبير. إذ يقول، ليس هنا فقط، بل إنه يخلص هناك أيضا الذين يتقدمون به إلى الله بأي طريقة يُخلّص؟ يقول “إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم”.

أرأيت كم هو بسيط ومتواضع هذا الذي يقوله تدبيريًا عن الطبيعة الإنسانية؟ لأنه لم يقل أنه قد حقق هذا عندما تشفع مرة واحدة، بل أنه يشفع دائما ، وعندما ستكون هناك ضرورة لأن يشفع للجميع، لأن هذا ما تبينه عبارة إلى التمام. أو “دوما” تعني ليس الآن فقط، بل وهناك حين يجلس عن يمين الآب. إذا هل هو ملزم أن يشفع إلى التمام؟ وكيف سيمكنه أن يجد مبرر لهذا؟ وكيف يمكن لأناس أبرار في مرات كثيرة بطلبة واحدة أن يُحققوا كل شيء، وهو يشفع دائما؟ ولماذا يجلس مع الآب؟ أرأيت كيف أنه عندما يتكلم بتواضع، يعني بهذا التنازل؟ ما يقوله يعني الآتي: لا تخافوا أبداً، ولا تقولوا : ” نعم هو يحبنا بالطبع، وله دالة لدى الآب، لكنه لا يستطيع أن يُحيي إلى الأبد”، بل هو حي في كل حين، حي إلى الأبد.

” لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة…” (عب 7: 26).

 أرأيت أن كل الحديث قد قيل عن الطبيعة الإنسانية؟ لكن عندما أتكلم عن الطبيعة الإنسانية، لا أفصل الطبيعة الإلهية عنها ، لكنني أترك للمرء أن يُفكر في هذه الأمور التي ينبغي أن يفكر فيها. أرأيت الإمتياز الذي لرئيس الكهنة (الحقيقي)؟ وقد لخص كل ما قيل في الجزء السابق، قائلا : ” مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية ” يقول لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر” ماذا يعني بقوله “بلا شر؟” بار بلا خطية ولا يوجد فيه غش. ومن حيث أنه هكذا ، إسمع النبي الذي يقول ” ولم يكن في فمه غش”. هل من الممكن أن يقول أحد هذا الكلام عن الله؟ لكن ألا يخجل من قوله إن الله ليس مراء ولا غشاش؟ هذا الأمر يجوز بالنسبة لله الذي صار إنسانًا، قدوس بلا شر”، وهذا يمكن أن يقوله المرء عن الله، لأن له طبيعة لا تتدنس. 

 

” قد انفصل عن الخطاة”. إذا ألا يُظهر هذا وحده ، الفرق أو يُظهر الذبيحة ذاتها ؟ بالطبع والذبيحة أيضًا يُظهرها. كيف؟ يقول

” الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه ” (عب 7: 27).

هنا بالفعل يعلن إمتياز الذبيحة الروحية. ذكر إمتياز الكاهن ذكر إمتياز العهد، بالطبع لم يذكر كل الإمتيازات بل على الأقل هنا قد ذكر بعض الامتيازات هنا هو بالفعل يعلن عن الذبيحة ذاتها. إذا لا تعتقد حين تسمع أنه كاهن، أنه كاهن على الدوام. لأنه وُجد كاهنًا مرة واحدة، ثم بعد ذلك جلس. ولكي لا تعتقد أنه يقف في السموات خادم أقداس يُظهر أن الأمر هو عمل تدبيري. وكما صار عبدا ، هكذا صار كاهنًا، وخادم أقداس. لكن وكما أنه عندما صار عبدا ، فإنه لم يبقَ عبدا ، هكذا عندما صار خادما للأقداس لم يبقَ هكذا، لأن سمة خادم الأقداس ليست أن يجلس ، بل أن يقف. حسنًا إنه يشير هنا لعظمة الذبيحة التي بالرغم من أنها واحدة وقدمت مرة واحدة، إلا أنها أنجزت أمور كثيرة لم تستطع كل الذبائح الأخرى أن تحققها.

لكنه لم يتكلم بعد عن هذا الأمر، في الوقت الحاضر، هذا فقط. هو ما يقوله ” لأنه فعل هذا مرة واحدة ” يقول “هذا ” . وأتسائل: ما هو . هو الإلتزام بأن يكون لديه شيء يقدمه، ليس عن نفسه وكيف كان سيقدم عن نفسه، طالما كان بلا خطية) بل ما يقدمه هو عن الشعب. ماذا تقول؟ وهل لا يحتاج أن يقدم عن نفسه شيئًا، وفي إستطاعته أن يقدم الكثير؟ يقول نعم. ولكي لا تعتقد أن عبارة فعل هذا مرة واحدة”، قد قيلت عن نفسه، إسمع ماذا أضاف: هذا؟

” فإن الناموس يقيم أناسا بهم ضعف رؤساء كهنة ” (عب 7: 28).

ولهذا فهم يقدمون عن أنفسهم على الدوام. لكن ذلك (أي الابن) الذي هو قوي وبلا خطية، لماذا يقدم عن نفسه؟ بالتالي فهو لم يقدم عن نفسه شيئًا، بل عن الشعب، وهذا قد فعله مرة واحدة.

وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابنًا مُكَمّلاً إلى الأبد“. ماذا نعني كلمة ” مكملاً؟ ” لاحظ أن الرسول بولس لا يذكر الفروق بشكل قانوني لأنه بعد ما قال “أناسا بهم ضعف”، لم يتكلم عن الابن الذي هو قوي، بل الذي هو مُكملاً، أن يقول أرأيت أن إسم “الابن”، مضاد لكلمة العبد؟ لكنه يقصد بالضعف هنا إما الخطية وإما الموت. ماذا تعني كلمة إلى الأبد؟” تعني أنه بلا خطية ليس الآن فقط، بل دائمًا. إذا طالما هو كامل، فهو لا يخطئ أبدا ، وطالما هو حي إلى الأبد، لماذا سيقدم عنا ذبائح مرات عديدة؟ لكن الآن هو لا يدعي شيئا مثل هذا ، بل يقول أنه لا يقدم عن نفسه شيئًا.

إذا طالما لدينا رئيس كهنة مثل هذا فلنتمثل به ولنتبع آثاره. لا توجد ذبيحة أخرى، ذبيحة واحدة هي التي جعلتنا أنقياء، بعد هذا يوجد نار وجحيم. ومن أجل هذا نجده يتوجه في كل موضع ويقول أنه يوجد كاهن واحد وذبيحة واحدة، حتى لا يعتقد أحد أنه توجد ذبائح كثيرة، وبناء عليه يخطئ بلا حياء.

4- إذا على قدر ما إستحققنا ختم المعمودية، وتمتعنا بالذبيحة، وشاركنا في المائدة الأبدية، فلنحفظ أصلنا النبيل وكرامتنا بإستمرار. لأن السقوط ليس بلا خطورة، لكن كل الذين لم يعتبروا هذه العطايا ذات قيمة، ينبغي عليهم أن لا يأملوا في شيء. لأنه عندما يخطئ المرء، معتمداً على أنه سيأخذ المعمودية المقدسة في نهاية حياته، فإنه لن ينجح مهما حاول. وصدقوني ما أريد أن أقوله، لا أقوله لأجل تخويفكم ، لأنني أعرف أن كثيرين قد عانوا من هذا الأمر، والذين بسبب رجائهم في المعمودية (على أساس أنها ستمحو عنهم خطاياهم)، إرتكبوا خطايا كثيرة، لكن حين جاء يوم موتهم رحلوا بدون معمودية من أجل هذا أعطى الله المعمودية لكي يمحو الخطايا، لا لكي تُزيدها. لكن إن كان أحد يستخدم المعمودية لكي يرتكب خطايا أكثر بلا خوف، فإن هذا سببا للخمول. هكذا يظنون أنهم يحيون في أمان أكثر طالما لم يعتمدوا ولم ينالوا غفران سيصير الخطايا.

أرأيت أن عبارة ” لنفعل السيئات لكي تأتي الخيرات ” ، نحن الذين نجعلها تقال؟ لذلك أرجوكم ، وأنتم غير العارفين بالأسرار، أن تكونوا حذرين. ينبغي ألا يُمارس أحد الفضيلة كأجير، وكجاحد أو يعتبر الفضيلة شيء مسبب للحزن والضيق. إذا لنمارسها برغبة وفرح. ألا ينبغي أن يكون المرء صالحاً حتى وإن لم يكن هناك أجر؟ بل لنصر صالحين سواء كان هناك أجر أم لا. إذا كيف لا يكون هذا الأمر مصدر خجل ومدعاة للوم كبير؟ فإن لم تعطني أجر، فلن أصير كامل، هكذا يُقال.

حسنًا، هل أتجرأ وأقول شيئا؟ لن تصير كاملاً أبدا، ولا حتى حين تتهذب، ما دمت تفعل هذا بأجر، لأنه إن لم تحب ممارسة الفضيلة فأنت تعتبرها أنها بلا قيمة. لكن الله بسبب ضعفنا الشديد أراد لنا في البداية ممارسة الفضيلة حتى مع وجود أجر. لكن نحن ولا هكذا نمارسها.

لنفترض أن إنسان في النزع الأخير، وبعدما إرتكب شرور لا حصر لها ، وإستحق المعمودية، والتي أعتقد أنها لا تتم بسهولة، أسألك كيف سيذهب إلى هناك؟ بالطبع سيذهب بدون عزاء، لأجل ما إرتكبه من شرور في حياته، بل وبدون دالة، وهذا صواب. لأنه حين يعيش مائة عام، ولا يُظهر أي عمل صالح، بل ما فعله أنه فقط لم يُخطئ، أو من الأفضل أن نقول ولا حتى قد فعل هذا، بل خُلُص فقط بالنعمة، ثم يرى أخرين ،متوجين، مشرقين وممجدين أخبرني ألا يُعاني من الضيقة، بالرغم من أنه لم يسقط في جهنم؟

ولكي أجعل الأمر أكثر وضوح أسوق هذا المثل، لنفترض أن هناك جنديين، وأن الواحد منهما يسرق ويظلم، ويتصف بالطمع، بينما الأخر لم يفعل أي شيء من كل هذا، بل عمل أعمال باهرة، وحقق أمور عظيمة، وأقام أنصبة الإنتصار في الحروب، وأُصيب في يده اليمنى. بعد ذلك عندما يأتي الوقت (وقت التكريم)، نجد الواحد في تلك المكانة (العظيمة التي يقيم فيها والسارق (في مكانة أخرى)، فجأة يُقاد (مَن حقق إنجازات) إلى العرش الملوكي ويُلبس الأرجوان، بينما الأخر السارق، يبقى هناك في مكانه، وبسبب محبة الملك فقط لا يُعاقب عما إرتكبه، لكنه يبقى في أسوء مكان وخاضع للملك ، هل سيعاني من الضيقة، أخبرني عندما يرى ذاك الذي كان معه وقد صعد إلى قمة الرتب وصار أكثر بهاء ويسود على المسكونة، بينما الأخر يبقى بعد في مكانه متدنية، وحتى وإن لم يُعاقب، فهذا لا لأنه يستحق ذلك، بل بسبب عفو ومحبة الملك للناس ؟ لأنه حتى وإن كان الملك قد تركه، وأنقذه من الإتهامات، سيعيش في خجل، لأنه لن يكون موضع إعجاب من الآخرين.

في مثل هذه الحالات من العفو لا تُعجب بأولئك الذين يأخذون العطايا، بل بأولئك الذين يعطونها. وعلى قدر ما هي عظيمة العطايا التي يقدمونها، على قدر ما يخجلون أولئك الذين يأخذونها حين تكون خطاياهم كبيرة. إذا كيف سيستطيع شخص مثل هذا أن يواجه أولئك المقيمون في القصور، عندما يكون لدى هؤلاء ما يظهرونه من جهد وعرق وإصابات بينما هذا ليس لديه أي شيء يظهره، بل هذا الخلاص الذي له قد ناله بسبب محبة الله للبشر فقط؟ أي مثلما لو أن شخص أنقذ قاتل أو سارق أو زاني محكوم عليه بالإعدام، ثم بعد ذلك أمره أن يقف عند الباب الخارجي للقصور، فذاك لن يستطيع حينئذ أن يواجه أي أحد، على الرغم من أنه أنقذ من العقاب، هكذا تماماً هو ذاك الذي يرتكب خطايا كثيرة ويتهاون في حياته. 

5- ينبغي ألا تعتقدوا أن الجميع سيتمتعون بنفس القدر، لأن الكلام هو عن القصور الملكية، لأن هنا في هذه الحياة الحاضرة يوجد داخل القصور النبلاء وكل الذين يُشكلون الحاشية الملكية، وكذلك أيضاً أولئك الذين هم في وضع أقل بكثير، الذين يُدعُون خدم. فإن كان في داخل القصور يوجد فرق كبير جدا بين النبيل ،والخادم، فبالأكثر جدا هذا سيحدث في القصور السمائية. وهذا لا أقوله أنا وحدي، لأن الرسول بولس يذكر فرق أخر أكبر من هذه الفروق. كما يقول بقدر الفروق التي توجد بين الشمس والقمر، هكذا توجد فروق كبيرة بين أولئك الذين هم في الملكوت. ومن حيث أن الفرق بين الشمس وأصغر نجم هو أكبر من الفرق بين العبد والنبيل، فهذا أمر واضح للجميع لأن الشمس تنير وتبهج كل المسكونة، وتخفي القمر والنجوم في نفس الوقت، بينما في مرات عديدة لا يبدو أن هذه النجوم توجد في ظلام، لأن هناك نجوم كثيرة لا نراها إذا عندما نرى أن البعض يصيرون شموس، بينما نحن نحتل مكانة أكثر النجوم ضآلة والتي لا تظهر أبدا، فأي عزاء سيكون لنا؟.

أترجاكم ألا تكونوا متوانيين وخاملين بهذا القدر الكبير، وأن لا نتعامل مع الخلاص المقدم لنا من الله بلا مبالاة، بل لنستفيد منه ، ونتمتع إلى أقصى حد. لأنه حتى وإن كان أحد ما زال ضمن صفوف الموعوظين، لكنه يعرف المسيح، وعرف الإيمان، ويسمع للكلمات الإلهية، فهو ليس بعيداً عن المعرفة الإلهية، ويعرف إرادة الله. إذا لماذا يؤجل (معموديته)؟ لماذا يتردد ويتأخر؟.

لا يوجد شيء أسمى من الحياة الحسنة، سواء هنا في هذه الحياة الحاضرة أو هناك (في حياة الدهر الآتي)، للمعمدين وللموعوظين. لأنه ما هي الوصية الصعبة التي أخذناها؟ يقول أن يكون لك زوجة وتكون عفيف هل هذا أمر صعب؟ وكيف يكون هذا أمرًا صعبًا، حين يتصف الكثيرين بالعفة دون أن يكون لهم زوجة، وليس فقط المسيحيون، بل والوثنيين أيضًا؟ إذا هذا الذي يتجاوزه الأممي بسبب المجد الباطل، ألا تحفظه أنت بسبب مخافة الله؟ يقول الكتاب “تصدق من مالك ولا تحول وجهك عن فقير ٣٤٣. فهل هذا أمرًا ثقيل ؟ بل وفي هذا المجال أيضاً يديننا الوثنيون الذين أنفقوا ثروات كاملة بسبب المجد الباطل. لا تكون بذئ اللسان. هل هذا أمرًا صعب؟ إذًا فإن لم تعط مثل هذه الوصية، أما كان ينبغي أن نحقق هذه (أي (العفة حتى لا نظهر عديمي الأخلاق؟ ومن حيث أن العكس هو أمر صعب، أي الفسق، فهذا أمر واضح من جهة أن النفس تستحي وتخجل، إن وصلت لأن تتكلم بشيء مثل هذا ، ولن تتفوه به ، إن لم تكن ثملة.

وإن كنت تصنع هذا (أي الفسق) في البيت، فلماذا حين تجلس في السوق لا تفعله؟ هل لأجل تواجد الناس ؟ لماذا لا تصنع هذا بسهولة تجاه زوجتك؟ هل لكي لا تهينها؟ إذا أنت لا تفعل هذا حتى لا تُهين زوجتك، لكن ألا تستحي وتخجل حين تهين الله؟ لأنه حاضر في كل مكان ويسمع كل شيء يقول لا تسكر، وهذا صواب. ألا يُعد هذا في حد ذاته عقاب؟ لم يقل عذب الجسد ، لكن ماذا قال؟ قال لا تسكر، فلا تحتقره هكذا، حتى تنزع عن النفس سلطانها. ماذا إذا؟ ألا ينبغي على المرء أن يعتني بجسده؟ حاشا ، أنا لا أقصد هذا بل لا تعتني بأن تُرضي شهواته، لأن الرسول بولس أمر هكذا ، قائلاً “لا تصنعوا تدبيرا للجسد لأجل الشهوات”.

يقول لا تختطف ما هو ليس لك، لا تكن طماع، ولا ناقض للقسم. فهل هذه الأمور تحتاج إلى جهد وعرق؟ يقول لا تتكلم بالنميمة ولا تسعى بالفساد أو الوشاية. أي تعب يحتاجه هذا الأمر؟ إذا عكس هذا هو تعب. لأنه عندما نتكلم بالسوء تجاه أحد ، تتعرض على الفور للخطر، وينتابك الشك، ربما يكون قد سمع لما قلته، سواء كان عظيماً أو كان بسيطًا. فإن كان عظيما ستتعرض على الفور لخطر (القيام بأعمال شاقة، لكن إن كان بسيطا، سيبادلك بنفس كلام السوء، أو من الأفضل أن نقول بل وأسوأ بكثير من هذا الكلام، لأنه سيتكلم عنك بأكثر سوء. لم نأخذ أي وصية صعبة أو مزعجة، إن أردتم تنفيذها، فستقدرون، لكن إن لم ترد ، فإن أكثر الوصايا سهولة، ستبدو لنا صعبة. ما هو الأكثر سهولة من الطعام؟ ولكن بسبب الحماقة الشديدة، فإن الكثيرين يتضايقون لأجل هذا، وأسمع كثيرين يقولون بأن الطعام أيضا متعب. لا شيء من كل هذا، يمثل تعب إن كنت بالطبع ترغب فيه أو تريده لأن كل شيء يعتمد على إرادتنا، بعد نعمة الله.

إذا لنرغب في الصلاح، لننال الخيرات الأبدية بالنعمة ومحبة البشر اللواتي لربنا يسوع المسيح الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والقوة والكرامة، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.

تفسير رسالة العبرانيين 6 رسالة العبرانيين 7 تفسير رسالة العبرانيين تفسير العهد الجديد تفسير رسالة العبرانيين 8
القديس يوحنا ذهبي الفم
تفاسير عبرانيين 7 تفاسير رسالة العبرانيين تفاسير العهد الجديد
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى