ميمر العنصرة أو حلول الروح القدس
للأنبا بولس البوشى
أيها الروح القدس المنبثق من الآب ، الملك السماوى روح الحق ، الحاضر في كل مكان ، مالى. الكل كنز الصالحات ورازق الحياة ، هلم واسكن فينا وطهرنا من كل دنس أيها الصالح وخلص نفوسنا .
يا من منح التلاميذ حكمة فاضلة حتى صاروا معلمين ومرشدين لكل المسكونة امنح أيها الروح المحى عبيدك تدبير أ يؤول إلى الحياة الأبدية حتى نحيا بك . هبنى أنا الحقير أن أتكلم بكرامتك أيها الروح الحق المتكلم في النفوس والأنبياء والقديسين إلى الأبد .
أعطنى معرفة يا من يعطى كل المواهب الفاضلة لكى أعلن مجدك المتساوى مع الآب والابن في الجوهر والقدم والأزلية .
الهمنى منطقاً يا من ولدتنا ميلاداً ثانياً لا يبلى لرجاء حياة لا تفنى ، وبك نجسر أن ندعو الله أبانا ، لكى أنطق بجلال كرامتك وقوة أفعالك الكائنة في كل مكان .
أيها الروح القدس المنبثق من الأب أبديا والمستقر في الإبن أزليا سرمديا بوحدانية الجوهر بلا ابتداء ولا انتهاء.
أنت هو روح الحياة روح الطهارة روح العفاف روح القوة روح المواهب الفاضلة الكثيرة الأنواع روح الرسالة روح النبوة روح القداسة روح المعرفة وروح الحكمة روح الثبات روح الصبر روح الإيمان الفاعل بكل سلطان وقدرة وجبروت ليس كالخادم بل كالمتسلط الحاضر مع كل أحد ، وكائن في كل مكان . المحتوى على كل شيء ولا شيء يحويه . القوى الذي لا يمانع و الفاعل في الملكوت الذي لا يحد البسيط في طبعه ، العظيم في أفعاله ، الجبار في افتداره ، معدن العطايا الفاضلة ، وينبوع المواهب العالية ، المعطى نطقاً للأنبياء ، وبشرى للرسل وتشجيعاً للشهداء ، وعفة للبتوليين ، ونسكا للقديسين ، الفاعل في رتبة الكهنوت ، الوالد المعمدين بنين الله و بواسطته نكمل الذبيحة من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن شمالها إلى جنوبها .
روح البر والحق البارقليط المعزى المنبثق من الآب نسجد له ونمجده مع الآب والإبن كما سلمت إلينا الأمانة الأرثوذكسية .
وهكذا نؤمن أن الثالوث الأقدس لاهوت واحد لأن الله موجود ناطق حى سرمداً . فإذا قلنا الله فإنما نقول الآب والابن والروح القدس ، لأن الخواص لا تزيد عن ذلك ولا تنضم أقل من هذا . ولسنا بهذا نعبد ثلاثة آلهة لئلا نكون كالوثنيين الذين يقولون بكثرة الآلهة . ولا نكون كالهود الذين يجحدون كلمة الله وروحه . لأن الردىء فيهما متساوى[1] وإن كان قولهم مختلفاً . لأنا نستدل أن الله واحد ذو ثلاثة أقانيم وليس له مثيل في هذا . وقد شهوا هذا الاتحاد بنار وحرارة متولدة منها ونور منبعث . فالمنار واحدة والخواص ثلاثة لجوهر النار الواحد وحينما يوجد اللهيب يوجد معه دائما الحرارة والنور ، وإن كان القياس ليس هو كالمقياس به في كل أبحاثه ، إنما يراد به وجه واحد لا غير لأنه لو كان القياس لا يخرج عن المقاس بشيء في كل أنحائه كان إذا هو الشيء نفسه الذي يراد به القياس !! فالثالوث يتعالى عن كل التشبيهات لـكمال خواصه.
فلو أن جوهر الله سبحانه كان عدة أفراد لكان هذا نقصا وحاشا . ولكن لأنه لا مثيل له فقد وجب أن يتعالى في صفة الكمال لا النقص . ولأنه ثلاثة أقانيم جوهر واحد فقد علت صفته عن كل تشبيه ومثال ، لأنه لا سبيل أن يوجد في كل البرايا جوهر واحد ذو ثلاثة أقانيم خاصية كاملة بغير تجزىء في كل أنحائه .
فهذه هي صفة الله بالحقيقة بغير زيادة ولا نقص ، وقد كملت صفته في أحد الوجهين ( أي في الوحدانية والتثليث ) . أما في الواحدة فلاتفاقها وملاءمتها في كل الأنحاء موصوفة بها ذواتها أما في الثلاث صفات التي للخواص الذاتية فلأجل كمالها لأن هذه الصفات ليست بعضا من كل ، لأن التبعيد والتجزيء لا يلائم المحتوى على الكل إلا أن يعجزه شيء من غير جوهره بما يفوقه في القدرة ويجل عليه في القوة ، ومعاذ الله من ذلك . فإذا كان الأمر هكذا فقد صح أنها صفات ذات كاملة ، يظهر كمالها بوحدانيتها وتظهر خواصها بأقانيمها. وهي اضبطها وانبساطها واحتوائها واحدة في جوهرها ( أي مع وجود التثليث والتوحيد فالجوهر واحد ) ، كاملة في فعالها لاهوت واحد في صفاتها .
وإن قال قائل لماذا أثبتم أن الله متكلم حى والكلمة والحياة قديمان معه لكل صفة أقنوماً فهو إذا سميع عليم بصير ، في حال الأزلية والقدم ، فأوجبوا لهذه الصفات[2] أقانيم ؟! نرد عليه قائلين إنما الكلمة والحياة صفتان ذاتيتان وأما غيرها في أفعال صادرة عن الصفات لأنه لا يكون واضع الناموس إلا متكلم ، ولا يأمر وينهي إلا ناطق ، ولا سميع عليم إلا حي ، فيصدر عنه لهذه الصفات وغيرها فأوجبتم لافتعالها منه[3]
وكذلك يقال إنه خالق بالكلمة ذي الحياة كقول داود النبي و بكلمة الله خلقت السموات وبروح فيه كل جنودها ، ( مز33: 6 ) ومكتوب أيضاً, أنه قال فكانوا وأمر خلقوا ، ( مز33: 9 ) والكتاب المقدس في سفر الخليقة يقول وقال الله ليكن نور فكان كذلك ، ( تك1: 3 ) وقال ليكن كذا فكان فخلقها إذا بكلمته وأحياها بروحه ، فصح إذا أن الكلمة والروح صفتان ذاتيتان يصدر عنهما كل الأنواع الموصوفة عن الإله.
وداود النبي يقول, أرسل كلمته فشفاهم وأنقذهم من الفساد ، ( مز 107: 20 ) وعن الروح يقول – ترسل روحك فيخلقون وتجدد وجه الأرض ، ( مز104: 30).
هذه كلمة وجيزة عن الثالوث الأقدس وعن الكلمة الذي كان رمزاً في كتب الأنبياء ، ثم ظهر بالتجسد الإلهي العجيب . ثم نعود إلى موضوعنا وهو شرف هذا العيد المجيد أعنى البارقليط المعزى روح القدس المتكلم في الناموس والأنبياء ، كما هو مكتوب في بدء سفر الخليقة, في البدء خلق الله ذات السماء وذات الأرض وكانت الأرض خالية خاوية وكانت الظلمة غاشية وجه الغمر وروح الله يرف على وجه المياه .
و مكتوب أيضاً في السفر الأول وكلم الله نوحاً قائلا، إن روحي لا يحل في هؤلاء القوم ، ( تك6: 3 ) ومكتوب أيضاً في السفر الأول ، إن فرعون قال لعبيده لأجل يوسف بن يعقوب إسرائيل, هل يوجد مثل هذا رجلا فيه روح الله ، ( تك41: 38 ) ومكتوب في السفر الثاني : وكلم الرب موسى وقال له أعلم أنى انتخبت بملئيل بن أورى بن حور من سبط يهوذا وأسبغت عليه روح الله وملاته من الحكمة والعلم في كل عمل ليعمل الصناعات في عمل آنية الذهب والفضة والنحاس وفي نقش الحجارة التي في القبة ونظمها وكمالها ونجارة الخشب ليعمل كل الأعمال التي أمرتك لصنع القبة ، ( خر31: 2-5) ومكتوب في السفر الرابع: وكلم الله موسى وقال له اجمع سبعين شيخاً من شيوخ بني إسرائيل الذين تعرف أنهم رؤساء الشعب فقدمهم إلى قبة الشهادة وهناك أقدمك وأفيض عليهم من الروح الذي عليك يعنى روح النبوة لأنه روح واحد فاعل في الكل فيحملون معك ثقل هذا الشعب.
وجمع موسى سبعين شيخاً من شيوخ بني إسرائيل وأقامهم أمام الله ، ونظر الله
و كلمه من الغمام ثم أفاض من الروح الذي عليه وجعل على السبعين شيخاً. فلما حل عليهم الروح تنبأوا وتأخر منهم اثنان في المحلة لم يحضرا ، اسم أحدهما الداد واسم الآخر ميداد لم يأتيا إلى القبة وتنبأ في المحلة ، فجاء الخبر إلى موسى أن الداد وميداد تنبأ في المحلة . فقال يشوع بن نون خادم موسى بنقاوة لموسى ياسيدى اقمعهما فقال له لا تحسدهما ليت الله جعل شعبه كله أنبياء لأن الله قد أفاض روحه عليهما فتنبأ ( عد11: 29).
ومكتوب أيضاً في آخر السفر الخامس بعد موت موسى أن يشوع بن نون امتلا من روح الحكمة من أجل أن موسى جعل عليه اليد فأطاعه بنو إسرائيل وفعل كما أوصى الله موسى ( تث34: 9).
ومكتوب أن صموئيل النبي كان عليه روح الله ودبر الشعب جيداً وكان الله معه و حافظا للشعب كل أيام حياة صموئيل . ولما صموئيل النبي شاول بن قيس ملكا قال له هذه علامة أن الله يكمل لك ذلك ، هوذا تذهب في الطريق فتلقى جماعة أنبياء يتنبأون ويحل عليك الروح وتنقيأ معهم. ولما ذهب وجد كما قال له وحل عليه الروح القدس و تنبأ معهم (1صم10: 6 ) لأن هذا الروح الواحد الفعال في النبوة والملك والكهنوت
وأيضاً مكتوب لما مسح صموئيل داود بن يسى ملكا ووضع عليه اليد وصلى عليه حل عليه الروح القدس فتذبا وبدأ يقول المزامير من ذلك اليوم (1صم16: 13) وأن روح الله انتزع من شاول الملك عندما خالف كلمة الله ولم يعمل بها (1صم16: 14) ولأجل هذا الروح كان داود يتضرع إلى الله عندما أخطأ أن يحدده فيه بالتوبة لثلا يناله ما أصاب شاول الذي تقدمه . فتاب بقوة ورجع رجعة فاضلة وكان يتضرع قائلا, قلباً طاهراً أخلق في يا الله وروحاً مستقها جدده في أحشائي لا تطرحنى من يديك ولا تنزع عنى روح قدسك ، اعطنى بهجة خلاصك وبروحك القادر ثبتنى ، ( مز51: 10 ) وقالو روحك الصالح يهديني إلى سبل الإستقامة ( مز119: 10 ) ، وقال من أجل الروح أيضاً ، فتحت فمي واستنشقت روحاً لأني أحببت وصاياك ، ( مز119: 131) .
و إشعياء يقول ومنذ بدأت لم أتكلم في خفية بل أرسلني وروحه ، ( إش48: 16) وقال :”ويحل عليه روح الرب روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب ” ( إش11: 2) وقال “روح الرب على من أجل هذا مسحنى وأرسلني ” ( إش61: 1 ) ، وقال “هذا عهدى معهم يقول الرب روحى الذي هو عليك وكلامي الذي وضعته في فمك” ( إش59: 21) ، وقال أيضاً في إشعياء عن اليهود “إنهم أغاظوني وأغضبوا روحى القدوس” .
وحزقيال يقول : “وأخذني الرب بالروح إلى وادى مملوء عظاما وقال لي تنبأ يا ابن آدم وقل لها أيتها العظام اليابسة اسمعي كلمة الرب ” ( حز37: 4). وقال حزقيال أيضا ” فحل على روح الله وقال قل هكذا يقول الرب” ، وقال أيضاً ” وحملني إلى أرض الكلدانيين في السبي في الرؤيا بروح الله ” ( حز11: 24) ، وقال أيضاً “أنضح عليكم ماء نقيا وأجعل لكم قلباً جديداً فأعطيكم روحا جديداً وأمنحكم روحي” ( حز 36: 25، 26) .
ويقول الرب في دانيال “مكتوب لأجل سوسنة أن الله نبه روحا قدوسا في فتى يدعى دانیال “( دا13: 45) ، ودانيال النبي يقول لنبوخذ نصر ملك بابل إن حكماء بابل ليس فيهم روح الله ، ولذلك لا يعرفون الغيب ولا يقدرون أن يقصوا الرؤيا التي رأيت أيها الملك ، ( دا2: 27، 28) .
وأيضا مكتوب, إن الروح القدس الذي كان على إيليا تضاعف دفعتين على اليشع تلميذه ، ( 2مل2: 9) ، وكيف يفسر ذلك وإيليا إلى اليوم أكبر من اليشع ؟! فاعلم إذا أن الكتاب لم يقل شيئا باطلا وإنما تضاعف الروح في فعل الآيات وذلك أن إيليا صنع سبع آيات مشهورة ، وصنع اليشع أربع عشرة آية معلومة !! لقد أقام إبليا بصلاته ميتاً واحداً وأقام البشع اثنين . إلا أن فعل الآيات ليس كما يشاء النبي بل كما يشاء الروح الفاعل فيه .
وقال ميخا الني, لكنني أنا ملآن قوة روح الرب ، ( می3: 8).
وقال حجى النبي من أجل أنى معكم يقول الرب ضابط الكل وروحى حال في وسطكم ، ( حج2: 5 ) . وقال الله في زكريا, اقبلوا كلامي وشرائعي وكل ما أوحيت به عبيدي الأنبياء بروحي ، ( زك7: 12) .
وقد أردت أن أطنب القول في فعل الروح القدس ، كما ورد في الأنبياء لكن خشيت من التطويل ، هذا الروح الذي منه تعطى كل المواهب الفاضلة كما يقول بطرس الرسول “لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس ” (2بط1: 21) .
ولنختصر الآن في ذكر الأنبياء ونتكلم في فعل الروح القدس مع الرسل الأطهار و نبين ما هو التفاضل الذي بينهم وبين الأنبياء لأن أولئك كانوا يتكلمون حين حلول الروح عليهم بما هو مزمع أن يكون وأما الرسل فكان الروح حالا فيهم دائماً مستمراً وذلك لأنهم تقلدوا تدبير كل المسكونة بالبشرى الإنجيلية والتعليم والتعمير ووضع يد الرئاسة وفعل الآيات كما شهد لهم الرب بذلك قائلا : « إلى معطيكم الباراقليط يثبت معكم إلى الأبد . روح الحق الذي لا يطيق العالم أن يقبله لأنهم لم يروه ولم يعرفوه ، وأنتم تعرفو نه لأنه مقيم عندكم وهو فيكم ، ( يو14: 16) فقد صح أنه ثابت إلى الانقضاء.
ثم منحهم رئاسة وقوة أفضل من الأنبياء كما شهد بولس الرسول قائلا : وأما نحن الذين لنا باكورة الروح ، ( رو8: 23) ، أعنى أن الله شرف الرسل فوق كل الرتب كما قال, إن الله ربنا يسوع المسيح الذي سيظهر في وقته ، الله المبارك العزيز وحده ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده لا يتغير ساكنا في نور لا يدنى منه، الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه . الذي له الكرامة والقدرة إلى أبد الابدين آمين ، ( 1تی6: 15) .
لذلك فإن الروح القدس لا يستطيع أحد أن يراه كما قال الرب – إن الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها ولا تعلم من أين تأتى ولا إلى أين تذهب ، ( يو3: 8) . لقد اصطفى الرسل كما هو مكتوب, ولما شاء الله الذي أفرزنى من بطن أمي ودعانى بنعمته لكى أبشر به بين الأمم ، ( غل1: 15 ) . وقال الرب لحنانيا عن بولس الرسول ، إمض إليه فأنا انتخبته ليكون لي إناءاً مختاراً ليحمل اسمى في الأمم والشعوب و بنى إسرائيل ، ( أع9: 15 ).
وجاء في سفر الأعمال، وفيها هم يصومون ويصلون ، قال الروح القدس افرزوا لى برنابا وبولس للخدمة التي دعوتهما إليها ، ( أع13: 2 ) .
والآب دعا الشعوب كما يقول الرسول, إن الله بحق صادق و به دعيتم إلى مشاركة ابنه يسوع المسيح ربنا ، ( 2تس2: 14) ، وقال, أنتم أيضا مدعو و يسوع المسيح ربنا . إلى جميع من بروميه أحباء الله مدعوين قديسين ، (رو1: 6).
وقال رب المجد, ليس أحد يعرف الآب إلا الابن ولا الابن إلا الآب ، ومن أراد الابن أن يعلن له ، ( مت11: 27) .
وقال عن الروح . إذ جاء ذاك فهو يشهد من أجلى ويخبركم من أجل الآب علانية ، والرسول يقول, لأن من من الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الانسان الذي فيه . هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحـد إلا روح الله ، (1کو2: 11) وقال أيضاً, الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ، (1کو2: 10) ، وهو تعالى فاحص القلوب والكلى كما هو مكتوب ، وكذلك الابن لا يحتاج إلى أحد يشهد له عن الإنسان لأنه يعرف ما في الإنسان ، ويقول الرسول “لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته ، وليست خليفة غير ظاهرة قدامه . بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا” ( عب4: 12) ، والروح القدس فاحص القلوب والكلى كما يقول الرسول, أما نحن فإن الله أظهر لنا ذلك بروحه لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله ( 1کو2: 10) والرب يقول عنه, إنه يأخذ مما لى ويخبركم ، ( يو16: 15 ) ، والرب يقول و كل غرس لم يغرسه أبى السماوي يقلع ، ( مت15: 3 ) وقال أيضاً ولا يقدر أحد أن يقبل إلى إن لم يجتذبه الآب الذي أرسلي ، (يو6: 44) وقال أيضا وكل ما يعطيني الأب فإلى يقبل ، ومن يقبل إلى لا أخرجه خارجا ، ( يو6: 37) وقال . يا أبتاه الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ، ( یو17: 12) ، وقال لبطرس و إن لما ودما لم يعلن لك ، لكن أبي الذي في السموات ، ( مت16: 17) ، وقال ذاته الواحد مع الآب و بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا ، ( يو15: 5) ، وقال : أنا هو الطريق والحق والحياة . لا يقدر أحد أن يأتى إلى الأب إلا بي ، ( يو ١٤ : ٦ ) ، والرسول يقول, ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلا بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح ( أف2: 13 ) ، وقال “لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط” ( أف2: 14) .
ولأجل الروح يقول الرب ، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق ، ( يو16: 13 ) ، والرسول يقول, وليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس ، ( کو12: 3 ) ، وقال وهذه الأشياء التي يتكلم بها ليست بتعليم كلمة الناس بل هي بتعليم الروح وقال ، أنتم لستم للجسد بل للروح ،
وهنا نعلم مساواة الثالوث الأقدس. الآب مولود منه والابن بلا ابتداء ومنبثق منه الروح أزليا وهو باق دائم بلا انتهاء . وهو المتكلم عن الآب الآخذ ما للابن المرشد إلى الحق الناطق في الناموس والأنبياء والرسل والقديسين . جيلا بعد جيل بلا انقضاء. واضع ناموس كامل روحانی. معلم الرسل منير بشرى الإنجيل، الذي يحدد في الأطهار خلقة جديدة . الذي يعطى بسعة واقتدار بغير امتنان . الفاعل في كل مكان وكل زمان . الذي الصلاة للمصليين والبركة للقديسين ، الذي . فصاحة الرسل الأطهار في النداء بالبشرى حتى بلغ قولهم إلى كل الأرض ، وسمع صوتهم في أقطار المسكونة في مدة يسيرة من الزمان ، وخضع لهم الملوك الأكاسرة والولاة الجبابرة والحكماء والفلاسفة والبسطاء والأميين بما أعطوه من القوة ، وأخذوه من المعونة . كما هو مكتوب إن الله يعطى كلمة للمبشرين بقوة عظيمة ، وأيضا مكتوب إلى أنطق بشهاداتك أمام الملوك ولا أخرى ، وأيضا مكتوب بشرت بعدلك في بيعة كبيرة ولم أمنع شفتى . وأيضا قال عنهم و خرجت أصواتهم في كل الأرض وبلغ كلامهم أقطار المسكونة ، ( مز19: 4 ) .
هؤلاء بحق أنهار الحياة الخارجة من أورشليم الذين أرووا كل الأرض كما تنبأ حزقيال . الجميلون في إنذارهم بالخيرات العتيدة ، كما أنبأ إشعياء النبي قائلا, “ما أجمل أقدام المبشرين بالخيرات” . الينابيع الحلوة التي أخبرنا بها موسى أول الأنبياء قائلا إنهم لما عبروا بحر سوف نزلوا على إثنى عشر عين ماء وسبعين نخلة ( خر15: 27) نبوة عن الاثنى عشر رسولا والسبعين تلميذاً الذين منهم استتى العالم التعاليم الروحية . هم فرسان الرب الإله ومركبته الذين حملوا اسمه القدوس في أفطار الأرض ، الجند المحقون للملك السمائي الذين جاهدوا بتموة في مكافحة أعداء سيدهم وهدموا كل علم مضاد للحق ، و نقضوا الحصون المنيعة التي أو ثقتها الشياطين في نفوس البشر . وسبوا كل رأى كان عابد أو أقبلوا به إلى معرفة المسيح، رسل الرب الخصيصون الذين أرسلهم ليدعوا المدعوين إلى العرس السمائي خدامه الماضلون الذين خدموا باهتمام في الشعب المسيحى . . أهل بيته المطلعون على سره الخفي . . ملح الأرض ونور العالم الذين أناروا ظلمتنا القصوى وأرشدونا إلى نور الهداية .. رؤساء أنه كل المسكونة الذين ولدوا الجميع في بدء البشري . . الرعاة الذين أو تمنوا على القطيع الروحاني . . الصخور الثابتة التي عليهم وضع المسيح أساس كنيسته . مهندسو الميناء الوثيق الذي للبيعة كما شهد الرسول قائلا : أنا وضعت الأساس وآخر يبنى عليه ، فإنه لا يستطيع أحد أن يضع أساساً آخر غير الذي وضع الذي هو يسوع المسيح (1كو3: 10) نجدهم فلاحين لأنهم نقوا أرض قلوبنا وزرعوا فيها الزرع الإلهي ، نجدهم سقاة للمسيح الملك لأنهم سقوا نفوسنا من ماء ينبوع الروح القدس . نجدهم كرامين لأنهم تعبوا وعملوا في كرم نفوسنا . نجدهم خاطبين لأنهم خطبوا نفوسنا نقية للختن السمائي المسيح كما يقول الرسول إنى أغار عليكم غيرة الله لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح ، ( 2کو11: 2 ) ، نجدهم شفعاء عنا عند المسيح كما يقول الرسول, إنا رسل وشفعاء عند المسيح ، نجدهم الذين أعطوا الحياة للبشر في بشرى الإيمان وصبغة المعمودية ووضع يد الرئاسة وتناول الأسرار المقدسة و بالجملة نجدهم كاملين في احتواء الفضائل والمواهب المختلفة .
هم رسل وأنبياء ، ورؤساء ومعلمو البيعة ، وشهداء وقديسون ، وكل الفضائل والمواهب المتفرقة في الناس تجدها مجتمعة فيهم حتى لا يفوتهم شيء من الفضائل ويعلوهم أحد من البشر ، لأنه هكذا قد الرب الإله أن لا يكون المبشرون باسمه فلاسفة من حكماء هذا العالم . لأنهم لو كانوا كذلك لكانت أقوالهم متناقضة بعضها مع بعض . كما نجد أقوال الفلاسفة الواحد الواحد يبطل قول الآخر ويزدری به و يعظم نفسه عليه . وذلك لأن حكمتهم ليست من الله ، ولو كان الإيمان بحكمة الناس وتدبيرهم لما كانت له جدوى ولا منفعة ، لأن بطرس الرسول يعلمنا في هذا المعنى قائلا, لأننا لم نتبع خرافات مصنعة إذ عرفناكم بقوة ربنا يسوع المسيح ، ( 2بط1: 16) .
و بولس الرسول الذي كان حجة في الناموس يكتب قائلا ، وأنا كما أتيت إليكم أيها الاخوة أتيت ليس بسمو الكلام أو الحكمة منادياً لكم بشهادة الله . لأنى لم أعزم أن أعرف شيئاً بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبا ، (1کو2: 1و2) . ثم أن كرازة الرسل أيضاً لو كانت معاضدة بقوة السيف وسطوة الإرهاب حتى يرغموا الناس على الدخول إلى الإيمان ، شاءوا ذلك أو لم يشاءوا ، لكان ذلك مشابها لعبادة الأوثان التي قامت بالسيف منذ نحو ثلاثة آلاف سنة من بعد الطوفان إلى بحى. ربنا يسوع المسيح . بل نجد الشهداء الأطهار ، وقد استشهدوا وضربت أعناقهم وهم صابرين ثابتين على الإيمان بربنا يسوع المسيح.
و لقد اختار الله رسله قوما أميين ضعفا. ، لا بصيرة لهم بشيء مما في هـذا الوجود ، فقواهم وعضدهم بما منحهم من موهبة الروح القدس ، وقهر بهم الفلاسفة، حتى خضعوا لهم ، وغلب بهم سطوة الملوك والولاة أصحاب السيف حتى أذعنوا لكرازتهم . ولهذا يقول الرسول, ولكن لنا هذا الكنز في أوان خزفية . أعنى في جسم حقير ضعيف . ثم قال لكي تكون عظمة الموهبة من الله لا منا . فهذا كان الإيمان نعمة صادقة من قبل الروح . وقد سمى روح الآب وروح القدس لأنه واحد في اللاهوت ، كما يقول بولس الرسول و إن لم يكن روح الله فيكم وإلا أنتم مرذولين لأنه إن لم يكن في الإنسان روح المسيح فليس هو من الله .
و بطرس يقول, ذلك الخلاص الذي التمسه الأنبياء وجعلوا يفحصون روح المسيح ، وقدموا الشهادة على آلام المسيح وعلى مجده ، ( 1بط1: 10و11). فهو هذا الروح الواحد المتكلم في الناموس والأنبياء والرسل، وكافة القديسين إلى الأبد . فلنعيد لهذا العيد الآن بفرح روحانى كما يلائمه ، حتى نستحق موهبة الروح مع الرسل الأطهار ، ولنتأمل كيف أن الرسل الأفاضل الكاملين الذين لم يبق عليهم ناموس لأن أعمالهم هي فوق الناموس ، ومع هذا كانوا يكرمون الأعياد الإلهية جيداً . لقد كتب بولس الرسول لأهل كورنثوس ( 1كو16: 7و8) يقول ، إلى سأبقى في أفسس إلى عيد البنطةستي ، أعنى هذا العيد الشريف ، ولم ير تض أن ينتقل إلى مكان آخر حتى يعيده كما يليق . وكتب القديس لوقا في سفر الأعمال و لما أقبل بولس إلى جزيرة كورس ينادي بالبشارة قال كان الرسول مجتهداً أن يعبر أفسس حتى لا يبطىء في آسيا ، لأنه كان يريد أن يعمل يوم عيد البنطقستى في أورشليم ، ( أع20: 16).
تأمل أنه مع مشاغل الخدمة في الكرازة ومصاعبها التي كان يتحملها الرسول ، كان مع كل هذا مجتهداً في إكرام الأعياد الإلهية الشريفة لعلمه بكرامتها . فكم بالأحرى ينبغي لنا أن نهتم بها بنقاوة القلب لكي نتقدس بتذكارها الصالح . لأن بعض لابسي الروح قالوا ، كما أن الملك ينعم بعطاياه في المناسبات الملكية وأيام الأفراح والمواسم على خواصه ، كذلك يفيض الله بمواهبه الروحانية على أولاده الصانعين وصاياه في الاعياد الإلهية الشريفة .
فينبغي لنا أن نعيد الآن بنقاوة روحانية ، موافقة للروح في عيد حلول الروح المعزى حتى يحل فينا ويطهرنا وينقينا من أوساخنا . لنحفظ الجسد طاهراً لأنه هيكل الله للروح القدس حتى يحل فينا . لنحفظ النفس وكل الحواس نقية لكى نشارك الروح القدس أرواحنا ، ونستحق ميراث البنوة في الملكوت الأبدى .
والرسول يعلمنا بمثل هذه التعاليم قائلا :, فلنعش الآن بالروح وتوافقه بروح ضميرنا ، ونحذر أن نصنع ضد ذلك لئلا يسخط الروح القدس ، إذ يقول, لا تسخطوا روح الله الذي به خدمتم ليوم النجاة ، بل كل تذمر وفرية فلينزع ذلك منكم مع بقية الشرور .
لترحم أهل الفاقة لكي نكمل مشورة الروح وتستحق الرحمة لأن الرحمة تفتخر في الدينونة ، كما يقول يعقوب الرسول . لنصنع سلاما وصلحا مع اخوتنا لكى يصنع الروح سلاما وصلحاً في نفوسنا المقاتلة مع أوجاع أجسادنا . ولنعز المتضايقين والمحبوسين بافتقادنا حتى يعضدنا الروح القدس المعزى ويقوينا في شدائدنا ، فقد كتب ر اسند صغيري الروح بكلمة أسندك اليمين القوية ، . ولنغار على السيرة الروحانية التي فيها سلك الآباء الأفاضل لابسى الروح و نتشبه بهم ليكون لنا ميراث و نصيب في المظال الأبدية .
و نحن نسأل ربنا يسوع المسيح الذي افتقدنا بتحنن رحمته من علوه القدوس أن يجدد فينا موهبة الروح ويطهر نفوسنا ، ويغفر لنا خطايانا ، ويتجاوز عن سيئاتنا ويسامحنا عن هفواتنا ، ويمنحنا سيرة روحانية بقية أيام حياتنا ، وينيح أنفس أمواتنا من كافة بني المعمودية الذين رقدوا على رجاء الايمان باسمه القدوس ويجعلنا مستحقين سماع صوته المملوء فرحاً القائل, تعالوا إلى يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم.. بشفاعة سيدتنا الطاهرة البتول القديسة مريم . وشفاعة الرسل الأطهار وكافة الشهداء والقديسين الأبرار . آمين .
- أي لا نؤمن بتعدد الآلهة ولا ننكر وجود الثالوث الأقدس .
- السائل يقول بما أنكم اعتبرتم النطق والحياة أقانيم فيجب أن تكون كل الصفات أقانيم .
- فيرد عليه بأن الصفات الأخرى غير ذاتية أي أنها ليست هي ذات الله وجوهره إنما هي صادرة عن الأقانيم كصفة الخلق والقداسة ـ فهي ليست أقانيم بل صفات أو أفعال صادرة.