تفسير سفر أعمال الرسل ٩ للقمص تادرس يعقوب
الأصحاح التاسع
اهتداء شاول
يبدأ هذا الأصحاح بالحديث عن اهتداء شاول الطرسوسى إلى الإيمان المسيحي، وتكريس كل طاقاته لبنيان كنيسة المسيح، بعد أن كانت موجهة بالتمام لاضطهادها ومقاومة الإيمان. بتحوله كرس الرب طاقاته للعمل بين الأمم بقوة الروح القدس، وتأسيس كنائس كثيرة في العالم.
- اهتداء شاول 1-9.
- لقاء شاول مع حنانيا 10-19.
- انطلاقه للكرازة 20-21.
- تهريبه من دمشق 23-25.
- شاول في أورشليم 26-31.
- بطرس الرسول في اللد ويافا 32-43.
- اهتداء شاول
كان شاول من مدينة طرسوس في سهول كيليكية جنوب شرقي آسيا الصغرى، كانت تحت الحكم الروماني. وكان أبواه من اليهود المحافظين على التقاليد والعادات اليهودية وهما في الشتات. كان الوالد ذا شخصية ممتازة، أتى بأعمال باهرة، فكافأته الدولة الرومانية بالرعوية الرومانية، فصارت له هو وأهل بيته امتيازات المواطن الروماني. هذا وكان شاول يعتز بأنه عبراني، كما أتقن اليونانية لغة وفلسفة.
كان والده فريسيًا، وهو نفسه كان فريسيًا، أي من أرقى طبقات اليهود، تحيا حياة ناموسية حرفية مدققة للغاية، يحسب نفسه من جهة الناموس بارًا. اتسم شاول بالقلب الملتهب غيرة على تراث آبائه، فكان مستعدًا أن يبذل حياته حتى الموت من أجل أمانته لديانته.
تكشف رسائله عن شخصية رقيقة للغاية، يذرف دموعه بسهولة حبًا وترفقًا بكل أحدٍ. مستعد أن ينفق نفسه، وينفق كل ما لديه. لكنه إذا آمن بمبدأ ما صار كالوحش المفترس من أجل دفاعه عن هذا المبدأ (ذلك قبل قبوله الإيمان المسيحي)، ظانًا أنه يقدم خدمة لله ودفاعًا عن الحق.
يدعو القديس يوحنا ذهبي الفم الرسول بولس: “معلم الكنيسة الجامعة”.
“أمّا شاول فكان لم يزل ينفث تهدُّدًا وقتلاً على تلاميذ الرب،
فتقدم إلى رئيس الكهنة”. [1]
لم يكن ممكنًا لشاول أن يجد راحة ما دام يوجد مسيحي مستريح. وإذ علم أن المسيحيّين في دمشق في سلام انطلق كالوحش المفترس ينقض عليهم، لعلّه يفقدهم سلامهم وراحتهم.
كان شاول أشبه بحيوانٍ مفترسٍ، يبث سمومه لعله يقتل تلاميذ الرب، فكان ينفث تهددًا، لن يشبع قلبه قط، بل يطلب مزيدًا من سفك الدماء، حاسبًا ذلك عملاً مقدسًا لحساب خدمة الله. إذ ظن أن اسم يسوع يمثل كارثة على الديانة اليهودية انقض على الكنيسة في أورشليم ينفث تهددًا وقتلاً، مستندًا على رسائل رئيس الكهنة.
“وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات،
حتى إذا وجد أناسًا من الطريق رجالاً أو نساء،
يسوقهم موثقين إلى أورشليم”. [2]
لم يكن رئيس الكهنة محتاجًا إلى من يثيره لاضطهاد أتباع يسوع، لكنه وُجد في هذا الشاب الثائر تحت دافع الغيرة على مجد الله وشعبه والناموس والهيكل وتقليدات الآباء ما يلهبه بالأكثر، فيكرس مجمع السنهدرين طاقاته لهذا العمل. وجد رئيس الكهنة فرصته لإبراز بطولته ليس في المقاومة في أورشليم وحدها، بل ولإعلانها خارج أورشليم. أعطي هذا الشاب رسائل يسأل المجامع والمجتمعات وكل يهوديٍ في دمشق لمقاومة كل من يؤمن بيسوع المسيح. كما وجد هذا الشاب في قلب رئيس الكهنة ما يحقق شهوة قلبه، ألا وهو خدمة الله بكل غيرة، ومقاومة ما كان في نظره بدعة خطيرة على مستقبل شعب الله كله.
طلب الرسائل من مجمع السنهدرين، ربما يكشف عن سلطة هذا المجمع في ذلك الوقت على كل المجامع اليهودية في العالم من الجانب الديني. أو لعله وجد المجمع فرصته لتثبيت هذا السلطان بظهوره بالغيرة على مجد الله ومقاومة كل بدعة أينما وجدت.
دمشق
كانت عاصمة سوريا، تقع في منطقة ممتازة تبعد حوالي 120 ميلاً شمال شرق أورشليم و190 ميلاً جنوب شرق إنطاكية. وهي في سهل متسع للغاية محفوف بأشجار السرو والنخيل، وهي أرض خصبة جدًا، يرويها نهر بارادي Barady، كان قبلاً يدعى أبانة (2 مل 5: 21). على بعد حوالي خمسة أميال من المدينة يوجد موضع يُدعى “ملتقى المياه” حيث يلتحم نهر بارادي بنهر آخر وينقسم إلى عدة مجاري تفيض على السهل. هذه المجاري الستة أو السبعة كفيلة بإرواء الحقول هناك كما تمثل منظرًا طبيعيًا فائقًا. يُعتبر هذا الموقع من أروع مناطق العالم. كان الشرقيون أنفسهم يدعونه: “فردوس الأرض”.
أشير إليها في العهد القديم، كانت مدينة في أيام ابراهيم (تك 15: 2)، ولا يُعرف من الذي أسسها. استولى عليها داود (2 صم 8: 6؛ 1 أي 18: 6). يُشار إليها بكونها من المواقع الهامة جدًا في الصراع بين اليهود وسوريا (2 مل 13: 25؛ 16: 5؛ إش 9: 11).
استولى عليها الرومان حوالي عام 60 ق.م، واستولى عليها العرب عام 713م، وفي عام 1250م استولى عليها المسيحيون في الحروب الصليبية، وفي عام 1517م استولى عليها سليم، وصارت تحت حكم العثمانيين.
كانت من أهم المدن التجارية في الإمبراطورية العثمانية، وقد تميزت بالمصانع، خاصة صناعة الحديد، ولهذا دعيت “دمشق الحديد”.
المجامع
إذ انتشر اليهود في كل البقاع المحيطة باليهودية حتمًا كان في دمشق عدد كبير منهم، وكانت لهم مجامع فيها. يؤكد المؤرخ يوسيفوس أن عشرة آلاف شخص ذُبحوا في ساعةٍ واحدةٍ هناك، وفي وقت آخر 18000 رجلاً مع نسائهم وأطفالهم.
لعل البعض منهم قد آمنوا بالسيد المسيح في يوم الخمسين، وإذ رجعوا من أورشليم كرزوا بالإنجيل في سوريا.
انطلق شاول إلى دمشق لكي يقيد المسيحيين ويأتي بهم إلى أورشليم لمحاكمتهم أمام مجمع السنهدرين، الذي يحسب نفسه المسئول الأول عن الأمور الدينية اليهودية، وكان اليهود حتى الغرباء يحترمون سلطانه الديني.
هذا الطريق: دعي المؤمنون “أصحاب الطريق”، ربما من اليهود، إذ حسبوهم قد سلكوا طريقًا مختلفًا عن الطريق الموسوي، وأنهم انحرفوا عن طريق شعب الله والالتزام بالناموس وتقديس الهيكل. ولعل المؤمنون أنفسهم دعوا أنفسهم هكذا بكونهم وجدوا الطريق الحق، وأنهم يسلكون فيه حتى يبلغوا إلى بيتهم الأبدي، ماداموا في العالم فهم في الطريق.
v في كل موضع يدعى تدبيرنا “لطريق“، وإذ نُوجد في الطريق الذي للصلاة لا نذهب إلى الآب ونحن في غضبٍ.
العلامة ترتليان
“وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق،
فبغتةً أبرق حوله نور من السماء”. [3]
في أحلك لحظات شرّه أشرق نور القدّوس البار عليه، ليفضحه أمام نفسه، فيرجع ويتمتّع بنور البرّ. اللَّه في حبّه للإنسان لا يكف عن الاشتياق للالتقاء مع الإنسان الذي جاء لا للأصحّاء بل للمرضى.
لا يعرف بالضبط أين تم ذلك، فالبعض يرى أنه خارج الباب الشرقي للمدينة، والبعض يرى أنه على بعد ميلٍ واحدٍ من المدينة.
النور الذي أبرق على وجه شاول كان بلا شك هو بهاء مجد السيد المسيح، فقد قال الرسول بولس: “آخر الكل ظهر لي أنا أيضًا” (1 كو 5: 8)، كما قال: “ألم أرَ يسوع المسيح ربنا؟” (1كو 9:1)، كما أعلن برنابا كيف رأى شاول الرب في الطريق (أع 9: 27).
إعتاد الله أن يظهر لليهود في سحابة، أو عمود دخان أو نار؛ هكذا كان يعلن الله أيضًا عن حضرته في الشكناة على تابوت العهد. هذه العلامات تمثل مجد يهوه (إش 6: 1-4؛ خر 16: 7). وعندما تجلى السيد المسيح على جبل تابور أحاط به هذا المجد (مت17: 1-5).
لم تحدث هذه الرؤيا في داخل الهيكل أو في وسط اجتماع المؤمنين مقابل في الهواء الطلق حتى يدرك شاول أن روح الله لا يحد عمله بمكان معين، ولكي لا يظن أحد أن ما حدث كان بخداعٍ من المؤمنين المجتمعين حوله.
لم يحدث هذا في أورشليم، مدينة الله، بل على مقربةٍ من دمشق، فكان يليق بمن يدعى للكرازة بين الأمم أن يهتدي إلى الحق في أرض أممية، حتى لا يرتبط قلبه ويحصر في اليهود أو في أورشليم أو في هيكل سليمان.
لم يظهر له السيد المسيح طوال الطريق، بل انتظر حتى اقترب جدًا من دمشق، ولعله ظهر له في لحظات كانت أفكاره قد بلغت القمة وهو يتصور نفسه راجعًا يقتاد الكثيرين في قيود ليذلهم ويلزمنهم بالتجديف على اسم يسوع الناصري.
هكذا لشراق السيد المسيح بنور مجده على شاول الطرطوسي، وظهوره له في اللحظات العصيبة التي كان فيها شاول متعطشًا إلى محو اسم يسوع عن جهالة، يكشف عن عطش الله إلى النفوس لكي ترتوي من ينابيع حبه وتكتشف خطته لتمجيدها!
v كالإيل الذي يشتلق إلى مجاري المياه (مز 42: 2)، هكذا نزل إلى بولس، فأضاء حوله (أع 9: 3)، وقفز فوق كنيسته التي هي بيت إيل، أي بيت الله (مي 5: 1)، لأن دعوة بولس هي قوة الكنيسة.
القديس أمبروسيوس
“فسقط على الأرض،
وسمع صوتًا، قائلاً له:
شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟” [4]
ما حلّ بشاول الطرسوسي حين أبرق عليه النور يشبه ما حدث مع دانيال النبي عندما شاهد رؤيا، إذ شعر بأن قوته قد فارقته (دا 8: 17؛ 10: 8).
دعوة شاول باسمه، وتكرار الاسم كشف لأعماق شاول اهتمام اللَّه به وحنوّه نحوه شخصيًّا. إعتاد الرب أن يكرر اسم الشخص الذى يدعوه عندما يريد تأكيد الرسالة (لو10: 41؛ 22: 31؛ 23: 37). هذا أسلوب الله في النداء المزدوج: “إبراهيم، إبراهيم”، موسى، موسى”، “صموئيل، صموئيل”، “مرثا، مرثا”، “سمعان، سمعان”، هذا النداء يحمل تحذيرًا مع تشجيع.
بعتابه له: “لماذا تضطهدني؟” يذكره بالقول: “ابغضوني بلا سبب”.
بلا شك كان كثير من المؤمنين قد علموا أن شاول في طريقه إلى دمشق قادم كذئبٍ مفترسٍ يهاجم الحملان الوديعة، وربما ارتبكوا للخبر، كما يظهر من كلمات حنانيا [13-14]. لكنهم لم يدركوا أن رب الحملان قادر أن يحول الذئب المفترس إلى حملٍ وديعٍ، يشتهي أن يُذبح من أجل حمل الله، ويتألم من أجل هذه الحملان الوديعة.
امتلأ كأس شاول بالشر، لكنه إذ فعل هذا بجهالة لحقت به مراحم الله في اللحظات الأخيرة قبل دخوله دمشق، لكي تحوله عن شره، وتهبه استنارة وإدراكًا للحق الإلهي. كما أن الشيطان يحل في النفس البشرية خلال الظلمة، فإن رب المجد، نور العالم، يشرق على النفس بنوره لكي تتمتع بشركة مجده، ولكي يجعل من المؤمنين أبناء النور.
غالبًا ما سقط شاول من عن فرسه إلى الأرض؛ ربما لم يحتمل الفرس النور، فإرتعب من بهاء النور الذي اشرق فجأة، وبالتالي سقط شاول. لكن الله حفظ عظامه، فلم يصبها كسر ما.
ما كان يمكن لشاول أن يصعد إلى العمل الرسولي بإمكانيات سماوية فائقة ما لم يسقط أولاً على الأرض، وتصاب عيناه بالعمى، ويشعر بحاجته إلى من يقوده في الطريق، بهذا يدرك حقيقة إمكانياته الضعيفة، وعجزه الكامل حتى يتقبل نعمة الله الغنية.
v بكلمة واحدة إذ جاءته الدعوة من السماء: “شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟” [4] اسقط الثائر بجنونٍ، وأقامه سليمًا؛ قتل المضطهد، وأحيا الكارز.
v أنا في السماء وأنت على الأرض، ومع هذا فأنت تضطهدني. إنك تلمس جسدي لكنك تطأ على أعضائي. ماذا تفعل؟ ماذا تربح؟
v (يسوع المسيح) هو فوق وتحت في نفس الوقت، فوق بنفسه وتحت في من له. فوق مع الآب، وتحت معنا. لهذا كان أيضًا ذاك الصوت لشاول: “شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟” [4] ما كان يقول: “شاول، شاول” لو لم يكن هو فوق، لكن شاول لم يكن يضطهده فوق. إذن ذاك الذي هو فوق ما كان يقول: “لماذا تضطهدني؟” ما لم يكن هو أيضًا تحت.
خفْ المسيح الذي هو فوق، وتعرّف عليه تحت.
إذ لك المسيح فوق يهبك خيراته، أعرفه هنا وهو في احتياج.
المسيح هنا فقير، وهناك غني.
بكونه فقيرًا هنا يخبرنا: “كنت جائعًا، كنت عطشانًا، كنت عريانًا، كنت غريبًا، كنت مسجونًا” (راجع مت 25: 35 الخ)…
لكن ذاك المسيح غني، من لا يعرف ذلك؟ من بين الغنى الذي له أنه حوّل الماء خمرًا. فإن كان الذي لديه خمر هو غني، فكم يكون غنيًا من يصنع الخمر؟
فالمسيح غني وفقير، إنه غني بكونه اللََّه، وفقير بكونه إنسانًا.
غني الآن بكونه صعد إلى السماء ويجلس عن يمين الآب، ولكنه لا يزال فقيرًا وجائعًا وعطشانًا وعريانًا هنا.
القديس أغسطينوس
v لاحظوا أن الرب نفسه قال بأنه هو نفسه في السماء (يو 3: 13) وعلى الأرض. نحن نعترف أيها الأحباء الأعزاء أن المسيح الرب هو رأس الكنيسة.
إن كان هذا حقيقي فهو في السماء بكونه الرأس، وهو على الأرض في ما يخص الجسد.
علاوة على هذا عندما كان الرسول الطوباوي بولس يضطهد الكنيسة أعلن المسيح من السماء: “شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟” إنه لم يقل: “لماذا تضطهد خدامي؟” ولا قال: “لماذا تضطهد أعضائي؟” بل قال: “لماذا تضطهدني؟” الآن اللسان يصرخ إذ يُداس على القدم.
لقد دست عليّ، مع أنه لا يستطيع أحد أن يدوس على اللسان قط، لكن خلال انسجام الحب يصرخ الرأس عن كل الأعضاء.
الأب قيصريوس أسقف آرل
“فقال: من أنت يا سيد؟
فقال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده،
صعب عليك أن ترفس مناخس”.[5]
خرج من أورشليم متجهًا إلى دمشق، حاسبًا أنه يتمم رسالة إلهية سامية، ويبيد تجديفًا ضد الله، ولم يعلم أن خططه تتبخر وتتلاشى، ولا يعود ثانية إلى أورشليم يهوديًا فريسيًا. هذا لم يكن ممكنًا أن يخطر على ذهنه.
مع إرهاق الرحلة المضنية كانت أعماله الوحشية ضد المسيحيين تزعجه وتربكه، فهو لن ينسى وجه القديس استفانوس الذي كان له وجه ملاك، ولن يغيب عن ذهنه سلام المسيحيين الداخلي الذي انعكس على تصرفاتهم حتى أثناء اضطهاداتهم. وكانت أصواتهم ترن في أذنيه، حين كانوا يشهدون بأنهم يروا السماء مفتوحة، ويتمتعون برؤية يسوع المسيح عن يمين العظمة. هذا كله كان ينخس ضميره، فكان يحاول أن يرفسها ويهدئ من ضميره، مؤكدًا لنفسه أنه إنما يقدم خدمة لله.
وسط هذه الدوامة أشرق الرب بوجهه من السماء على شاول الذي لم يستطع أن يتطلع إلى بهاء مجده، فسقط على الأرض كميتٍ. سمع صوته فظنه صوت إنسانٍ عادي، ففوجئ أنه صوت يسوع الحي يوبخه ويحذره.
لم يبلغ شاول إلى معرفة المتكلم، فما كان يتوقع أنه يسوع الذي لم يحفظ الناموس، والذي قال: “انقضوا الهيكل”، والذي تعالى على إبراهيم، فحسب نفسه كائنًا قبله، وتعالى على موسى الذي قدم المن من السماء. لكن سرعان ما عرّفه يسوع بشخصه، فأدرك أنه قد أخطأ الطريق تمامًا، واضطهد كنيسة المسيح، وقاوم الحق الإلهي، وأحزن قلب الله! أدرك أنه ألقى بنفسه في موت أبدي، وهو يظن أنه يخدم العلي.
تحدّث معه كمن هو على حافة هوّة عظيمة كاد أن يسقط فيها، وقد تحرّك إله السماء نفسه لينقذه منها. يا لغنى حب اللَّه الفائق حتى لمقاوميه من البشر!
“أنا يسوع“: واضح من هذا أنه ظهور شخصي للمخلص مُقدم لشاول، لكن هل ظهر له كابن الإنسان في مجده أم ظهر نوره الإلهي فقط، هذا ما لا يمكن تأكيده. أعلن له عن شخصيّته أنه يسوع الذي صُلب منذ فترة قصيرة، وكأنّه يقول له: “لقد صُلبت من أجلك، الآن أود أن أُصلب من خلالك… تشاركني آلام الحب!”
“الناصري“: هذا هو اللقب الذي كان به يسخر شاول بالمسيحيين.
لم نسمع من قبل أن يسوع يشتكي لأجل اضطهاد أحد له، إنّها المرّة الأولى التي فيها يعاتب بقوّة، فقد قبل صلبه بفرح، والآن يئن مع أنّات شعبه، يقف ليحوّل مضطهديه إلى كارزين له وشهود لحبّه الإلهي.
“مناخس“: الجزء الحديدي في نهاية العصا، الذي به ينخس الشخص الثور أو الحصان ليثيره. قتل شمجر 600 رجلاً بمنخسٍ واحد (قض 3: 31).
يستحيل على الإنسان ان يقاوم الله وخطته وناموسه ويبقى سعيدًا.
v دُعي (شاول) شابًا فقط في هذه العبارة عندما حفظ ثياب الذين رجموا استفانوس (أع 7: 58)… مع هذا فقد رآه المسيح عندما أشرق النور حوله (أع 9: 3)، لأن الشباب يُدعون من الخطية بالخوف أكثر منه بالإقناع، لذلك استخدم المسيح المنخس وبرحمةٍ دعاه ألا يرفس مناخس.
القديس أمبروسيوس
“فقال وهو مرتعد ومتحيّر:
يا رب، ماذا تريد أن أفعل؟
فقال له الرب:
قم وادخل المدينة،
فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل”. [6]
لم يكن حلمًا وهو نائم، بل رؤيا صادقة، دخل في حوارٍ مع يسوع المسيح، الرب الذي في السماء. رأى نورًا أبهر عينيه، وأسقطه على الأرض، وسمع صوتًا واضحًا، ودخل في حوارٍ وهو في كامل وعيه. ارتعد شاول الطرسوسي وتحيَّر، فهو في نظر نفسه كما في نظر مجمع السنهدرين، بل وفي نظر الله نفسه، كما كان يظن، بار وخادم أمين، باذل حياته وطاقته لحساب مجد الله، فأية جريمة ارتكبها؟ لعله لم يدرك في البداية ما هذا اللقاء الغريب، ومن هو المتحدث معه.
انحنت نفس شاول في انسحاق لتعلن أنها مستعدة أن تتنازل عن كل مفاهيمها ومعرفتها، حتى عن طاعتها لمجمع السنهدرين، لكي تطيع هذا الصوت السماوي. رفض الآن شاول الخضوع لأية سلطة على الأرض، مادام قد أعلن هذا السماوي ذاته له.
وجهه السيد المسيح إلى دمشق ليعرف طريق خلاصه خلال الكنيسة. لقد اهتدى شاول إلى الايمان بعمل معجزي فائق، وظهر له المخلص نفسه في مجده، فلن يشك بعد في أنه هو المسيا الذي طالما انتظره. أول عمل يلتزم به المؤمن الطاعة لإرادة الله، وأن يلتصق بالله خلال كنيسته المقدسة. لذا صدر له الأمر الإلهي أن يذهب إلى المدينة، وهناك تخبره الكنيسة ماذا يفعل. لم يفكر شاول في سمعته، ولا في خبرته الطويلة، ولا ماذا يقول الناس عنه.
إنها لحظات رهيبة حيث يختار السيد المسيح السماوي إناءً أهان اسم المسيح وكنيسته وجدّف وافترى، ليصير إناءً مختارًا يحمل حبًا للأمم كما لليهود، يتسع قلبه لكل من يلتقي معه، أو يسمع عنه. تمتع شاول الطرسوسي بالسماء المفتوحة والحديث الصريح، إذ لم يتحدث معه خلال ألغاز، كما فعل مع القديس بطرس حين رأى ملاءة نازلة من السماء وصوت يتكلم باللغز.
v عندما نادى السيد المسيح بولس ودعاه فتح له طريق الكمال، لكنه استحسن أن يوجهه إلى حنانيا، طالبًا منه أن يتعلم الحق عن طريقه، قائلاً: “…قم وادخل المدينة فيُقال لك ماذا ينبغي أن تفعل” (أع 6:9).
أرسله إلى رجل شيخ، معتبرًا أن ذلك أفضل من أن يتسلم تعاليمه منه مباشرة. لئلا يصير بولس مثلاً سيئًا في اعتماد الإنسان على ذاته في التعليم، إذ يُقنع كل أحد نفسه أنه هو أيضًا يتعلم أحكام الله وتعاليمه بنفسه دون حاجةٍ إلى طريق تعاليم الآباء. يعلمنا الرسول نفسه عن عدم الاكتفاء الذاتي في التعليم قدر المستطاع، وذلك ليس بالكلام بل بالعمل، فيقول أنه ذهب بمفرده إلى أورشليم لهذا الهدف، أي ذهب إلى مجمع غير رسميٍ يعرض فيه على زملائه الرسل والسابقين عنه الإنجيل الذي يبشر به بين الأمم، ونعمة الروح القدس المصاحبة له بعلامات قوية وعجائب، إذ يقول “…وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين، لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاً” (غل 2:2).
فمن هو هذا المكتفي بذاته، الأعمى، الذي يتجاسر فيثق في أحكامه الخاصة وتمييزه الشخصي، بينما يعترف الإناء المختار باحتياجه للاجتماع والتشاور مع زملائه الرسل؟!
إذن، رأينا أن الله لم يكشف لأحدٍ طريق الكمال، طالما كانت له فرص للتعلم من الآباء واختباراتهم، لئلا يصيروا غير مكترثين بمشورة الآباء، لذلك يقول: “اسأل أباك فيخبرك، وشيوخك فيقولوا لك” (تث 7:32).
الأب موسى
v لنحذر من تجارب الكبرياء الخطيرة هكذا. بالأحرى لندرك الحقيقة أن الرسول بولس نفسه مع كونه قد سقط وتعلم بواسطة صوت الله من السماء أُرسل إلى إنسانٍ ليتقبل الأسرار، ولكي يُضم إلى الكنيسة. وكرنيليوس قائد المائة، مع أن ملاكًا قد أعلن له أن صلواته قد سمعت، وصدقاته صارت تذكارًا، لكنه سُلم لبطرس من أجل التعلم، لم يتقبل فقط الأسرار من يدي الرسول بل وتعلم بواسطته الحقائق الصادقة للإيمان والرجاء والمحبة.
القديس أغسطينوس
يعود القديس أغسطينوس فيكمل بأن هذا التصرف يعطي الإنسان كرامة لأن الله يتكلم خلال هيكله البشري. “لأن هيكل الله مقدس، الذي أنتم هو” (1 كو 3: 17). أضاف أيضًا أن هذا التصرف يربط البشر معًا بالحب [علاوة على هذا فإن الحب نفسه الذي يربط البشر معًا برباط الوحدة لا يكون له وسيلة لسكب النفس في النفس كما لو كان يمزجهما معًا، إن لم يتعلم البشر شيئًا من إخوتهم في البشرية.]
“وأمّا الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين،
يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدًا”. [7]
يبدو أنهم أولاً سقطوا على الأرض (أع 26: 14) عندما أبرق النور، ثم قاموا عندما سمعوا الصوت وإن كانوا لم يميزوا الكلمات، فوقفوا في دهشةٍ صامتين. لقد أدركوا أن حوارًا بين شاول والكائن السماوي يحدث، إذ سمعوا صوت شاول وفهموه، لكنهم لم يفهموا الصوت السماوي.
كان شاول منطرحًا على الأرض، عاجزًا عن الحركة، أفقد النور الإلهي البصر الخارجي ليكشف عن اصطدامه بالظلمة التي غشت قلبه وكل كيانه الداخلي. لقد سقط الكل حين أشرق النور، لكن الكل قاموا ماعدا شاول، وسمعوا الصوت، لكن شاول وحده يفسر كل كلمة ويجيب ويتساءل، أما من كانوا حوله فلم يروا وجه السيد ولا فسروا كلماته، إنما وقفوا في صمتٍ لا ينظرون أحدًا. إنه ظهور خاص بشاول وحده. حسب نفسه من الأخصاء الذين اختارهم الرب، وأظهر ذاته لهم، “وآخر الكل، كأنه للسقط ظهر لي أنا” (١ كو ١٥: ٨).
كان لهذا اللقاء له معناه الخاص عند شاول الطرسوسي. حسب هذا اللقاء شهادة عملية لقيامة الرب من بين الأموات، وصعوده إلى السماء. هذا اللقاء دعوة للشهادة للمسيح الحيّ القائم من بين الأموات.
فتح هذا اللقاء عن بصيرة شاول ليدرك خطة الله للخلاص، فيقبل تجسد الكلمة الإلهي، ويعترف بلاهوته، ويؤمن بالصليب كذبيحة فريدة لخلاص العالم، ويتلامس مع قوة المسيح السماوي المحب لكنيسته والمدافع عنها.
“فنهض شاول عن الأرض،
وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحدًا،
فاقتادوه بيده،
وأدخلوه إلى دمشق”. [8]
إذ ابرق النور حتمًا أغمض عينيه، ومن الدهشة مع بهاء النور لم يفكر أن يفتح عينيه حتى تم الحوار، وإذ حاول بعد ذلك أن يفتحهما أدرك أنه لم يعد يبصر. هذا العمى أمر طبيعي يحدث من شدة بهاء النور الذي لا تستطيع العينان أن تتطلعان إليه، يدعى هذا المرض amaurosis أوgutta serena وهو لا يؤذي العينين، بل يجعلهما عاجزين عن الرؤية. هذا المرض يصيب البعض عندما يحملقون في نور الشمس حين تكون في كمال قوتها، خاصة في المناطق الاستوائية، كما يحدث عندما يحملق الإنسان في الشمس أثناء كسوفها.
خارت قوة شاول الجسدية، وفقد بصيرته الخارجية إلى حين حتى يتقبل في أعماقه ما هو فائق للطبيعة، فيتعرف على شخص السيد المسيح مترنمًا: “بنورك يا رب نعاين النور” (مز ٢٦: ٤٩LXX). كان شاول يظن أنه جبار بأس، يزلزل كنيسة المسيح ويحطمها، وإذا به يتلمس الطريق كأعمى يسنده ويقوده من هم حوله. دخل دمشق لا في تشامخٍ، بل كان صامتًا لا يتكلم، ولا يريد أن يأكل أو يشرب. أدخلوه بيت يهوذا حيث انزوى في ركن يسترجع ما حدث خلال كل حياته، وما حدث معه في الطريق. شعر بالحاجة إلى نعمة الله الغنية، وإرشاد روح الله القدوس، ليبدأ حياة جديدة، ويرافقه في الطريق حتى النهاية. أرعبته الرؤيا وفي نفس الوقت وهبته شوقًا فائقًا لرؤية وجه ربنا يسوع وسماع صوته. لقد اختبر مفهوم التوبة في أروع صورها حيث تنحني النفس لتسمع الصوت الإلهي، وتئن شوقًا نحو اللقاء معه في دائرة الحب.
v إن كان بولس الذئب المفترس، بنيامين الصغير قد أُصيب بالعمى مغشيًا عليه، إنما لكي ينال بصيرته، ولكي ما يقوده الرعب المفاجئ الذي للظلمة المحيطة به أن يدعو ذاك الذي كان يضطهده كإنسان ربًا.
القديس جيروم
v ما كان يمكن لشاول المضطهد أن يموت ما لم يُجرح من السماء (أع 4:9)، وما كان يمكن للمبشر أن يقوم إلا بالحياة التي أعطيت له بدم (المسيح).
v هُدم شاول، وبُني بولس المبشر…
قيل لإرميا: “قد وكلتك… لتقلع وتهدم وتهلك وتنقض، وتبني وتغرس” (إر 10:1). لهذا فإن هذا هو صوت الرب: “أنا أجرح وأنا أشفي” (تث 32:39). إنه يضرب فساد العمل، ويشفي ألم الجرح. هذا ما يفعله الأطباء حينما يقطعون ويجرحون ويشفون. يمسكون بالسلاح (المشرط) لكي يضربوا، يحملوا حديدًا، ويأتوا لكي يشفوا.
v أًغلقت عيناه عن أباطيل هذا العالم، لكن بصيرة أخرى استنارت. ما كان إناء للهلاك إلى حين، صار إناء مختارًا.
القديس أغسطينوس
“وكان ثلاثة أيام لا يبصر،
فلم يأكل ولم يشرب”. [9]
توقف عن الأكل والشرب، ربما لأنه لم يكن يتصور أنه سقط في خطية عظمى كهذه، أنه قاوم المسيا الذي طالما اشتهي الآباء والأنبياء أن يروه ويتمتعوا بعمله الخلاصي. أدرك أنه جدف على الله، وافترى على كنيسته واضطهدها بكل عنف. بقي هذه الأيام الثلاثة في حالة ارتباك شديد، فما كان يظنه خدمة لله وعمل برِّ، اكتشف أنه مقاومة للحق الإلهي، وتحطيم لما هو حق.
لست أظن أنه قد امتنع عن الأكل والشرب كصومٍ اختياريٍ، بل كان نتيجة طبيعية لمرارة نفسه مما فعله في جهالة. أدرك أنه باختياره رفض النور وسقط تحت سلطان قوات الظلمة.
v لقد أُصيب بالعمى في الجسد وحده، لكي يستنير قلبه.
القديس أغسطينوس
- لقاء شاول مع حنانيا
“وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا،
فقال له الرب في رؤيا: يا حنانيا.
فقال: هأنذا يا رب”. [10]
حنانيا: لسنا نعرف عنه الكثير، إنما واضح أنه من سكان دمشق، ولم يكن لاجئًا إليها هاربًا من أورشليم بسبب الاضطهاد [13]. فهو ليس من أورشليم، لكنه يهودي من دمشق، ربما آمن في يوم العنصرة حين كان في العيد، وسمع القديس بطرس، فآمن وتاب واعتمد، وانطلق إلى دمشق يبشر. ولعله كان أحد السبعين رسولاً، وقد سمع عما يفعله شاول الطرسوسي، لكنه لم يكن يعرفه شخصيًا.
“فقال له الرب:
قم، واذهب إلى الزقاق الذي يُقال له المستقيم،
واطلب في بيت يهوذا رجلاً طرسوسيًا اسمه شاول،
لأنه هوذا يصلّي”. [11]
لم يتخلَ الله عن شاول المصاب بالعمي والعاجز حتى عن أن يأكل أو يشرب بسبب مرارة نفسه، بل أرسل له حنانيا. سمح الله بأن يُضرب كما بالعمى، بل ويبقى خلال هذه الأيام الثلاثة كمن هو في حالة موت، الآن يهبه الشفاء فتتمتع النفس بقوة القيامة.
طلب الله من حنانيا أن يذهب ويطلب شاول الطرسوسي، ولا ينتظر كي يأتي إليه شاول؛ هكذا كما يبادر الله بالحب فقد أرسل ابنه إلينا يليق بخادم الله أن يبادر بالحب، ويبحث عن النفوس ويطلب شفاءها. إنه كالمرأة التى توقد سراجًا وتبحث عن الدرهم المفقود، وكالراعي الذي يترك التسعة وتسعين خروفًا ويبحث عن الخروف الضال، وكالآب الذي يركض مسرعًا ليرتمي على عنق ابنه ويقبله. طالبه الرب أن يسرع إلى شاول ليفرح مع الرب كما مع السمائيين، فقد وجد الراعي الصالح خروفه الضال، وها هو يدعو أصحابه ليفرحوا معه!
“االمستقيم“: هذا الزقاق أو الطريق يمتد حاليًا من الباب الشرقي إلى الغربي، ويبلغ طوله ثلاثة أميال، عابرًا بكل المدينة وأحيائها كطريق مستقيم. جاء في التقليد أن بولس الرسول اعتمد في ينبوع ماء موجود في هذا الطريق، كان المسيحيون يشربون منه.
“لأنه هوذا يصلي“: تكشف لنا هذه العبارة عن كيفية سلوك شاول الطرسوسي خلال هذه الأيام الثلاثة التي قضاها بلا طعام ولا شراب. إنه كان يصلي لذاك الذي كان يضطهده! إنه لأول مرة يقدم صلاته لا على مستوى الفريسية التي عاشها قبلاً في اعتزاز ببرِّه ومعرفته، وإنما بقلب منكسر خاشع أمام المصلوب، واثقًا في غنى نعمة الله التي ينالها في المسيح يسوع السماوي. هذه هي علامة صدق اهتدائه للحق، إنه صار رجل صلاة! قبلاً كان في تشامخ يصلي، والآن في انسحاق قلب يطلب المغفرة!
“هوذا يصلي” كأن الرب يقول لحنانيا: “إني أب حنون لا احتمل صرخات طفلي الصغير، أسرع إليه! قدم له اللبن ليرضع، فإنه جائع. ذاك الذي كان ينفث بالسم كثعبانٍ قاتلٍ، ويرفس ليقاوم حتى المناخس، الآن قد صار في بساطة الطفل الرضيع ووداعته يصلي مترقبًا لبنًا يشبعه!”
“وقد رأى في رؤيا رجلاً اسمه حنانيا،
داخلاً، وواضعًا يده عليه لكي يُبصر”. [12]
الآن رأى شاول الطرسوسي حنانيا قادمًا إليه، يضع يده عليه فيبصر وذلك في حلم قبل حضور حنانيا. كما طمأن الرب حنانيا أن شاول المضطهد للمسيحيين قد صار رجل صلاة خاشعًا يترقب نعمة الله المجانية، هكذا طمأن شاول الطرسوسي أنه لن يتركه في عماه، بل يبعث إليه سفيره ليهبه تعزيات إلهية، وينال استنارة القلب خلال المعمودية.
“فأجاب حنانيا: يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل،
كم من الشرور فعل بقديسيك في أورشليم”. [13]
لا تحمل إجابة حنانيا معنى عدم الرغبة في الذهاب إلى شاول، ولا الرغبة في عدم الطاعة للصوت الإلهي، ولا الخوف من احتمال الآلام أو الموت؛ إنما كان هذا في حًلم ليهبه السيد المسيح ثقة أن ذاك الذي سمع عنه سواء خلال رسائل مرسلة إليه من بعض الأحباء في أورشليم أو من أولئك الذين جاءوا إلى دمشق بسبب الاضطهاد قد دُعي بالحق إناءً مختارًا للكرازة بين الأمم، وأنه قد صار رجل صلاة. هكذا كشف الله عن خطته الإلهية بخصوص شاول الطرسوسي.
“القديسون“، هنا يدعو المؤمنين قديسين hagioi، فقد تقدسوا للرب وكرس الروح القدس قلوبهم لملكوته.
“وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة،
أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك”.[14]
“فقال له الرب:
اذهب، لأن هذا لي إناء مختار،
ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل”. [15]
السيد المسيح الذي اختار رسله أثناء خدمته على الأرض هو نفسه الذي اختار شاول رسولاً له بعد صعوده. كما سبق أن أعلن السيد: “لستم أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم” (يو 15: 16).
سأله السيد المسيح أن يسرع إلى شاول، ويقدم له كل عونٍ ممكنٍ، لأنه إناء مختار، أداة في يد السيد المسيح، يثق السيد فيه أن يكون رسولاً للأمم، إناءً لكرامة، يحمل في داخله كنز الإنجيل ليقدمه للكثيرين. حقا إنه إناء خزفي (2 كو 4: 7)، لكنه مختار، يستخدمه الله نفسه ويُسر به.
“يحمل اسمي أمام الأمم“: إنه أداة مقدسة يحركها الروح القدس ليعلن عن معرفة المسيح الفائقة أمام الأمم، يحمل البشارة المفرحة للأمم الوثنية. إنه رسول الأمم (رو 11: 13؛ 15: 16؛ غل 2: 8). يشهد للسيد المسيح أمام ملوك، مثل الملك اغريباس وقيصر نفسه (أع25: 23؛ 26: 32؛ 27: 24). وأيضا أمام بني إسرائيل، فإنه حيثما ذهب يبدأ كرازته في مجامع اليهود حتى يطردوه فيذهب إلى الأمم.
لقد أراد السيد أن يشجع حنانيا، مؤكدًا له أنه سيريه ليس فقط أن يكف عن عداوته للكنيسة واضطهاده لها، بل يجد مسرته في قبوله الاضطهاد من أجلها بفرحٍ. أينما حلّ بولس تلاحقه المتاعب والضيقات من محاكمات ومقاومة، فيجد فيها شركة مع المصلوب.
أدرك شاول الحق الإلهي، فإنه إناء مختار مدعو من الله الذي أفرزه من بطن أمه ودعاه بنعمته (غل ١: ٥). إنه يتقبل تعليمًا إنجيليًا يكمل الناموس، لا يتسلمه من جبل سيناء، بل من السماء عينها. ولا يرى وجه موسى المضيء، بل وجه الرب الأكثر لمعانًا من الشمس في وقت الظهيرة، هذا الذي أمامه يخفت جدًا بهاء وجه موسى النبي.
v أكرر ما أقول، لا تزِنْ الإيمان بعدد السنوات، ولا تظن إني أفضل منك لمجرد أن اسمي تسجل تحت لواء المسيح قبلك، فإن الرسول بولس، الإناء المختار، تشكل من مُضطهد، ومع كونه الآخر في قائمة الرسل إلا أنه الأول في الاستحقاق. فمع كونه الأخير جاهد أكثر من الكل (1 كو 15: 10).
v الإناء المختار الذي له اسم المسيح دومًا على شفتيه… اخضع جسده (لنفسه). ومع هذا كانت تقاومه رغبة جسدية، فكان يفعل ما لا يريده. كإنسان يعاني من العنف صرخ: “ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت؟” (رو 7: 24).
القديس جيروم
v ذاك الذي كان الآخر صار عظيمًا، لا بنفسه بل بذاك الذي كان قبلاً يضطهده، إذ أرسله إلى الأمم. تحوّل من سارقٍ إلى راعٍ، ومن ذئبٍ إلى حملٍ. أرسل آخر التلاميذ إلى الأمم، وتعب كثيرًا بين الأمم، وآمن الأمم عن طريقه، وها هي رسائل شهود لذلك.
v قبل بولس نير الإيمان، واخُتير معلمًا للأمم، ونموذجًا للشهداء، ورُعبًا للشياطين، وغافرًا للأخطاء، وجرنًا للفضائل.
القديس أغسطينوس
v جُعل بولس إناءًا مختارًا، لأنه اهتدى فقط بواسطة حب الرب العميق، لهذا لم يعزِ أي شيء لاستحقاقه، بل كان ينسب كل شيءٍ للمسيح، ويقول: “لأني أصغر الرسل، ولست مستحقًا أن أُدعى رسولاً، لأنني اضطهدت كنيسة الله، ولكن بنعمة الله أنا ما أنا، ونعمته فيّ لم تكن باطلة” (1 كو 15: 9-10).
سكن بثقة في البيت (تث 33: 12) الذي اعتاد أن يفرغه من ساكنيه.
سكن في منازل المسيح، بينما اعتاد قبلاً أن يجول في الغابات كذئب!
لقد ستره الله (تث 33: 12) عندما ظهر له المسيح، وعلى الرغم من أنه لم يرَ شيئًا حينما كانت عيناه مفتوحتين (أع 9: 8) إلا أنه رأى المسيح.
كان لائقًا أن يرى المسيح حاضرًا وسمع أيضًا كلامه.
القديس أمبروسيوس
v بولس الإناء المختار [15] فسّر كل هذه البركات (النبوات) الواردة في الناموس بطريقة روحية. لقد عرف أنها ليست بركات جسدية. يقول لأهل أفسس: “مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية” (أف 1: 3).
العلامة أوريجينوس
v من هو أفضل من كل البشر؟ من هو إلاّ صانع الخيام (أع 18: 3)، معلّم كل المسكونة، ذاك الذي عبر فوق البرّ والبحر كما لو كانت له أجنحة، الإناء المختار، المرافق للمسيح العريس، الذي غرس الكنيسة (1 كو 3: 6)، البنّاء الحكيم (1 كو 3: 10)، الكارز، الذي ركض في الميدان وجاهد الجهاد الحسن (2 تي 5: 7)، الجندي، مدرّب المصارعين، الذي ترك ذكريات لفضائله في كل موضعٍ في العالم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“لأني سأُريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي”. [16]
بينما ظهر الرب لشاول ليحول نظره إلى السماء، إذا به يظهر لحنانيا يدعوه للذهاب إلى بيت يهوذا ليلتقي مع شاول الطرسوسي، فقد اختاره إناءً مختارًا ليحمل اسمه أمام أممٍ وملوكٍ وبني إسرائيل، وأنه سيهبه أن يتألم من أجل اسمه. اختاره الرب إناءً يجد مسرته في التألم من أجل اسمه أكثر من جميع الرسل (٢ كو ١١: ٢٢-٢٣). “الآن أفرح في آلامي لأجلكم، وأكمل نقائص شدائد المسيح في جسمي لأجل جسده الذي هو الكنيسة” (١ كو ١: ٢٤).
v ليس أحد أحب المسيح بغيرة أكثر من بولس، ولا من سرَّ الله أكثر من بولس.
v كان بولس يبلغ إلى كمال أعظم في كل يومٍ، كان يتوق إلى المتاعب العظمى، والجهاد الأعظم والمخاطر الأكثر والآلام العظمى من أجل المسيح، بنفس الطريقة كما تنتشر النار في الغابة حتى أتصير كل الغابة لهيبًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فمضى حنانيا ودخل البيت،
ووضع عليه يديه، وقال:
أيها الأخ شاول،
قد أرسلني الرب يسوع،
الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه،
لكي تبصر،
وتمتلئ من الروح القدس”. [17]
“وضع عليه يديه“، كان ذلك طقس كنسي لتقديم البركات الإلهية ونوال موهبة الروح القدس.
دعاه “الأخ شاول” كشريكٍ معه في الإيمان المسيحي.
“الرب يسوع” جاءت في العبرية “أرسلني الرب الذي هو يسوع“، حتى يدرك شاول أن الرب الذي يعبده أو يهوه هو يسوع.
“الذي ظهر لك في الطريق“: فما حدث مع شاول في الطريق أعلمه به الرب وهو في دمشق، حتى يتأكد شاول أن ما حدث معه في الطريق هو من قبل الرب يسوع. لقد أشار إليه بطريق غير مباشر أن دعوته هي من الرب مباشرة. وكما يقول الرسول نفسه: “بولس رسول، لا من الناس ولا بإنسانٍ، بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات” (غل ١: ١). “وأعرفكم أيها الإخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسانٍ، لأني لم أقبله من عند إنسانٍ ولا عُلمته، بل بإعلان يسوع المسيح” (غل ١: ١١-١٢).
v بولس مضطهد الكنيسة، الذئب المفترس الخارج من سبط بنيامين (تك 49: 27) أحنى رأسه أمام حنانيا أحد قطعان المسيح، واستعاد بصره فقط عندما استخدم دواء العماد.
v ليست فضائل الوالدين ولا رذائلهم تسقط على أبنائهم. الله يحاسبنا فقط منذ نوالنا الميلاد الجديد في المسيح. بولس، مضطهد الكنيسة الذي كان في الصباح ذئب بنيامين المفترس (تك 49: 27) أخضع نفسه للحمل حنانيا (أع 9: 17).
القديس جيروم
v بينما كان في استطاعته أن يعيد لشاول بصيرته إلا أنه أرسله إلى تلميذه حنانيا لكي ببركته تُصلح عينا شاول، البصيرة التي فقدها.
القديس أمبروسيوس
“فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور،
فأبصر في الحال،
وقام واعتمد”. [18]
لم تسقط من عينيه قشور كقشور السمك، وإنما كما لو كانت قشورًا. كان لابد أن يسقط من عينيه ما يشبه القشور حتى يستطيع أن يبصر، ففي تمسكه بالحرف أصابه عمى. وإذ وُضعت اليد عليه لكي يحل عليه الروح القدس سقطت قشور الظلمة التي تتبدد بحلول النور.
v ليس دائمًا أن الذي يُعمّد أعظم من الذي يعتمد (منه). حنانيا لم يكن أعظم من بولس. فيلبّس عمّد (أع 8: 13، 38)، وبطرس أعطى الروح بوضع الأيدي.
العلامة أوريجينوس
يقول العلامة ترتليان أن شاول الطرسوسي التقى بالرب وآمن أن الناصري هو الرب ابن الله، لكنه كان في حاجة إلى العماد، لهذا أرسله الرب إلى حنانيا.
v تحول بولس من مضطهدٍ إلي كارزٍ. أصيبت عيناه الجسديتان بالعمى لكي تنفتح عينا نفسه، والذي كان يسوق خدام المسيح في قيود أمام مجمع اليهود (أع 8: 3) عاش فيما بعد في مجد قيود المسيح.
القديس جيروم
v كان بولس أناءً وقد أثبت نفسه بالشهادة للحق وليس للغش. لقد رفض كل شيء أرضي من خلال العماد الذي أزال القشور من عينيه (أع 18:9)، وأصبح طفلاً للروح القدس، لأنه تكوّن من طيب رائحته العطرة. بعد ذلك صُنع هذا الإناء من نحاس مُختار، وأصبح أناءً يُصب منها خمر كلمة اللّه، وملآنة بمعرفة الأسرار. فلا تحتاج إلى عملٍ إنسانيٍ، فلم يأخذ بولس تعاليمه من لحمٍ ودمٍ (غل 16:1)، لكنه يُنتج المشروب المقدس، ويصبه لمن يريده، بينما تُشبه الفضائل المختلفة العطور برائحة المسيح الذكية. وتُعدل هذه حسب حاجة الأشخاص المختلفة الذين يستقبلون كلمة اللّه – اليهود واليونانيين، النساء والرجال، الأسياد والعبيد، الآباء والأطفال، وكل من كان خاضعًا أو غير خاضع للناموس. وتتحد روّعة هذه التعاليم المتنوعة مع كل فضيلة. ويمزج العطر في الإناء حسب حاجة كل شخص يستقبل كلمة اللّه.
القديس غريغوريوس النيسي
“وتناول طعامًا فتقوّى،
وكان شاول مع التلاميذ الذين في دمشق أيامًا”. [19]
لم يذكر لوقا البشير زيارة شاول للعربية، لكنه لم ينكرها. لقد بقي شاول بعد عماده عدة أيام مع المؤمنين (التلاميذ) لا نعرف عددها، ثم ذهب من دمشق إلى العربية، ثم عاد إلى دمشق ومنها إلى أورشليم (غل 1: 17).
تحول شاول الطرسوسي إلى الإيمان المسيحي يحمل شهادة قوية لصدق الإيمان للأسباب التالية:
- اتسم شاول كيهودي بالمعرفة والعلم، وقد بلغ القمة في الفكر اليهودي بثقافة عالية، فجاء اهتداؤه للإيمان مثيرًا لقادة اليهود الذين كانوا يأملون أن يكون هو الأداة القوية لاقتلاع جذور المسيحية.
- لم تكن دعوته للإيمان قائمة على إغراء مادي أو للكرامة، فقد كان المسيحيون فقراء وموضع سخرية اليهود والأمم، بل ومُستهدفين للاضطهاد حتى الموت. فلم يكن أمام شاول أي افتراض انه يُستثنى من التعرض للموت، بل كان بالأكثر مستهدفًا لذلك.
- كانت مفاهيم شاول معارضة تمامًا للفكر الإنجيلي، فما كان يمكن إقناعه بهذه السرعة العجيبة ليتحول إلى الفكر الذي كان يحمل له كل عداوة وبغضة، لو لم تتدخل نعمة الله الفائقة.
- ما أن قبل الإيمان حتى صار كارزًا وشاهدًا للإنجيل، يتحرك من بلدٍ إلى بلدٍ، معلنًا فرحه بالإيمان، مشتهيًا إن أمكن أن تتمتع كل البشرية بما يتمتع هو به.
- لا يمكن تحقيق تحوله من مضطهدٍ إلى كارزٍ، إلا بدعوةٍ من السماء وبإمكانيات إلهية تعمل في قلبه وفكره وتوجه قدراته ومواهبه إلى ما كان يحمل له عداوة.
- 3. انطلاقه للكرازة
“وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح،
أن هذا هو ابن اللَّه”. [20]
بدأ الكرازة فورًا معلنًا أن يسوع هو المسيح، لا ليؤكد أنه صادق في إيمانه فحسب، وإنما لأن قلبه الناري المقاوم للحق قد تحول إلى ادراكه للحق، فاشتهي أن يتعرف الكل على ما تعرف هو عليه، وأن يتمتعوا بالمسيا مشتهي الآباء والأنبياء. لقد وجد المسيا ابن الله الذي هو عصب كل العهد القديم.
أبصر شاول نور الحب الإلهي الفائق والعهد الجديد بدم رب المجد يسوع، قام واعتمد، فنال الميلاد الجديد وتقوى بطعام الإيمان. الآن صار الذئب حملاً، والعدو خادمًا محبًا ومحبوبًا.
انطلق يشهد للنور في وسط المجامع، مشتهيًا أن يتمتع الكل بما ناله. بدأ يكرز أن المسيح ابن الله. فقد اختبر بنوة المسيح الطبيعية للآب بتمتعه هو بالبنوة خلال نعمة المعمودية باسم يسوع. أعطته الرؤيا الإلهية أو اللقاء الشخصي ومحبة المسيح له كشفًا حقيقيًا عن شخص يسوع المسيح. كان قبلاً يردد مع إشعياء النبي: “حقًا أنت إله محتجب يا إله إسرائيل المخلص” (إش ٤٥: ١٥)، الآن يدرك قول السيد المسيح: “الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر”.
إذ يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن قيام القديس بولس بعد تحوله مباشرة يقول:
v هل رأيت إخلاص قلب بولس؟ هل رأيته يؤكد لنا أن تلك الأحداث التي تصرفها قبلاً قد مارسها عن جهل؟…، على أي الأحوال عندما عرف من معطي الشريعة نفسه أنه كان في الطريق الخاطئ لم يؤجل تركِه لخطأِه، ولا تأخر، بل ما أن استنار بنور الروح حتى ترك خطأه وصار كارزًا بالحق.
v هل رأيته هائجًا كالأسد مندفعًا في كل موضع؟ أنظر إليه مرة أخرى، فقد تغير في الحال إلى حملٍ وديعٍ. الذي كان قبلاً يُقيد من يؤمنون بالمسيح ويسجنهم ويضطهدهم ويتعقبهم، الآن يتدلى من السور في سلةٍ ليهرب من مؤامرات اليهود (أع 9: 25).
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فبُهت جميع الذين كانوا يسمعون، وقالوا:
أليس هذا هو الذي أهلك في أورشليم الذين يدعون بهذا الاسم،
وقد جاء إلى هنا لهذا،
ليسوقهم موثقين إلى رؤساء الكهنة”. [21]
هذا التغير المفاجئ والذي صاحبه تحرك عملي لا لقبول الإيمان فحسب، بل والكرازة به، أدهش الكثيرين، فالذي جاء ليخرب ويدمر الكنيسة في دمشق صار صديقًا لها وعاملاً باذلاً لحسابها.
من يستطيع أن يصف حال المجامع التي كانت تترقب مجيء شاول الطرسوسي لكي يقودهم على حملة اضطهاد وإبادة تامة للمسيحيين، الآن يدخل إليهم بروح القوة ليدعوهم للتمتع بنعمة السيد المسيح وعمله الخلاصي الفائق، والعبادة له بكل خشوع! بلا شك سمع كثيرون منهم عن شخص يسوع وعن الآيات والعجائب التي تُصنع باسمه، وفي نفس الوقت كان قرار السهندرين حازمًا، وتكريس شاول الطرسوسي الفريسي البار لإبادة اسم يسوع قد أربكهم.
v يعلن بولس عن المسيح قائلاً: “فإننا لسنا نكرز بأنفسنا، بل بالمسيح يسوع ربًا، ولكن بأنفسنا عبيدًا” (2 كو 5:4)…
من هو هذا المتكلم؟ المضطهد السابق! يا للقدرة العجيبة! المضطهد السابق يكرز بنفسه بالمسيح!…
لقد ذهب ليضطهد وبعد ثلاثة أيام صار مبشرًا في دمشق، بأية قوة؟
يأتي الآخرون بأصدقائهم كشهودٍ، أما أنا فأقدم لكم عدوًا سابقًا كشاهدٍ.
إن شهادة بطرس رغم قوتها لكن قد تجد بابًا للشك، لأنه صديقه، أما ذاك الذي كان قبلاً عدوًا، فيقبل بعد ذلك أن يموت من أجله، من يقدر أن يشك في الحق بعد ذلك؟!
في هذه النقطة امتلئ دهشة من تدبير الروح القدس الحكيم، كيف قلل عدد رسائل الباقين بينما أعطى لبولس المضطهد السابق الامتياز ليكتب أربعة عشر رسالة… لنصير نحن جميعًا مؤمنين هكذا، إذ الجميع اندهشوا منه قائلين: أليس هذا هو المضطهد السابق؟! (راجع أع 21:9) ألم يأتِ إلى هنا لكي يقودنا مقيدين إلى أورشليم؟!
يقول بولس: لا تندهشوا فإنني أعلم أنه صعب عليّ أن أرفس مناسخ. إنني أعلم إنني لست أهلاً أن أُدعى رسولاً، لأنني اضطهد كنيسة اللَّه (1 كو 9:15)، لكنني فعلت هذا في جهل (1 تى 13:1). إذ ظننت أن التبشير بالمسيح يحطم الشريعة، والآن أعرف أنه جاء ليكمل الناموس لا لينقضه (مت 17:5)، لكن “تفاضلت نعمة ربنا جدًا” في (1 تى 14:1).
القديس كيرلس الأورشليمي
“وأمّا شاول فكان يزداد قوة،
ويُحيِّر اليهود الساكنين في دمشق،
محققًا أن هذا هو المسيح”. [22]
أن كان الاعلان الإلهي في الطريق قد وهبه يقينًا أن يسوع هو المسيح، فإن عمل الله اليومي معه وهبه قوةً جديدةً يومية، شجعته بالأكثر على العمل الكرازي بكل جسارة. هذه القوة المتزايدة يوميًا خلقت جوًا مثيرُا بين اليهود، فتساءلوا عن شخص يسوع الناصري الذي له هذه الفاعلية حتى بعد صلبه.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن اليهود وقد رأوا قوة كرازته لم يجدوا وقتًا للتخطيط لمحاكمته، ولا لاختلاق اتهامات وتدبير شهود زور. كان الأمر بالنسبة لهم يمثل خطورة عظيمة تحتاج إلى تحرك سريع.
لقد رُجم استفانوس الذي كان يحاجج اليهود في المجامع بأورشليم ويفحمهم. هوذا الآن خليفته شاول الطرسوسي الذي كان يقاومه وله يد في رجمه يقوم بذات عمله بقوة خارج أورشليم. صار شاول شاهدًا بقيامة المسيح ليس معتمدًا على شهادة استفانوس وحدها، خاصة في لحظات رجمه، وإنما على شهادته الشخصية، إذ قيل: “لأني لهذا ظهرت لك لانتخبك خادمًا وشاهدًا بما رأيت، وبما سأظهر لك به” (أع ٢٦: ١٢).
“يزداد قوة” تتناسب مع قول الرب: “بما سأظهر لك به”، فإن إعلان الله لشاول كما لكل مؤمنٍ حقيقيٍ عمل ديناميكي ينمو بلا توقف. خبرتنا مع الله يومية، تدخل بنا دومًا إلى معرفة أعمق وتمتع أعظم بقوته العاملة فينا. يشتهي الله أن يقدم إعلانات إلهية مستمرة مادامت النفس جادة في شوقها لذلك. وكما يقول الرب: “والذين يبكرون إليّ يجدونني” (أم ٨: ١٧).
“محققًا” أي في جدية بدأ يدرس الناموس والنبوات والأحداث بمنظارٍ جديدٍ ليتعرف على أسرار ملكوت الله التي حجبتها قشور عينيه عن الرؤية.
- تهريبه من دمشق
“ولما تمَّت أيام كثيرة تشاور اليهود ليقتلوه”. [23]
تضم هذه الأيام الكثيرة الفترة التي قضاها الرسول في العربية ما بين عامين وثلاثة أعوام (غل 1: 18). لقد وضع اليهود خطة مع ممثل الملك أريتاس العربي لقتل الرسول بسب غيرته المتقدة ونجاح خدمته.
“فعلم شاول بمكيدتهم،
وكانوا يراقبون الأبواب أيضًا نهارًا وليلاً ليقتلوه”. [24]
لا نعرف كيف تعرف الرسول بولس على هذه الخطة التى أشار إليها في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس (2 كو 11: 32-33).
إذ شعروا بأن الخبر قد تسرب إلى القديس بولس حرسوا أبواب المدينة لكي لا يهرب. ربما كان الحاكم يهوديًا، وكان يشارك اليهود فكرهم، ويود الخلاص من القديس بولس. ولعله لم يكن يهوديًا، لكن اليهود في دمشق صوروا له الرسول بأنه مقاوم للسلطات، لذلك طلب الحاكم مراقبة تحركاته، دخوله المدينة وخروجه منها.
هكذا انتقل الرسول بولس بسرعة عجيبة من مضطهدٍ إلى مؤمنٍ، وبسرعة من مؤمنٍ إلى كارزٍ، وأخيرًا من كارز إلى رجل آلام يعرف كيف يتألم لأجل اسم المسيح. لقد أنعم عليه الرب ببركات دخوله في آلام كثيرة.
“فأخذه التلاميذ ليلاً،
وأنزلوه من السور،
مدلِّين إيّاه في سلَّة”. [25]
انقسمت المجامع إلى ثلاثة فرق، فريق جاد في البحث عن خلاصه، اكتشف الحق خلال عمل الله الفائق في شاول الطرسوسي. فاشتهوا أن يروا ما رآه، ويختبروا ما يعيش فيه من فرح الملكوت. وفريق آخر وقف في حيرة بين ما ورثه من أفكارٍ وما يحمله من نظرة حرفية مع احترام وطاعة كاملة للسنهدرين وبين ما يرويه شاول الطرسوسي ويلمسوه فيه. وأما الفريق الثالث فأدرك أن الحل الوحيد هو قتل شاول حتى يصمت هذا الصوت الملتهب بالروح. لقد وضعوا خطة لمراقبة أبواب دمشق حتى لا يفلت من أياديهم. أخفاه المؤمنون في النهار وبالليل دلوه بزنبيل (سلة) من نافذة في سور المدينة، وذلك كما فعلت راحاب بالجاسوسين (يش 2: 15) وكما هرب داود من وجه شاول (1 صم 19: 12).
تصرف هؤلاء المؤمنين وقبول الرسول ذلك فيه تحقيق لوصية السيد المسيح الذي يطالب تلاميذه أن يهربوا من مدينة إلى أخرى متى اضطهدوهم (مت 10: 23).
لقد خدم وسط المجامع ثلاث سنوات كما ذكر في غلاطية ١: ١٨، لكن الدعوة الموجهة إليه هي خدمة أهل الغرلة لا الختان، لهذا كان لزامًا أن يُطرد من دمشق لينطلق للخدمة التي دُعي إليها. يروي لنا الرسول هذا الطرد: “في دمشق والي الحارث (أريتاس) الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يريد أن يمسكني، فتدليت من طاقة في زنبيل من السور، ونجوت من يديه” (٢ كو ١١: ٣٢-٣٣). لم يعرف أحد اسم الوالي الذي عينه الحارث على رعاياه في دمشق.
هذا والي الحارث الملك هو أريتاس الرابع (٤٠-٩ ق.م.) كان يحكم بلاط النبطيين، وعاصمتها بترا التي أمضى فيها بولس عزلته، وهي تُدعى العربية، وتخومها من حول دمشق حتى خليج العقبة. اتفق هذا الوالي مع اليهود الثائرين ضد بولس على حراسة الأبواب للقبض عليه.
تدليه بواسطة سلة من طاقة بالسور نوع من الإذلال لرجل كانت كل أورشليم تهتز لحركاته، وكانت دمشق تترقب دخوله كبطلٍ مدافعٍ عن الحق، في مسرة قبل هذه المذلة من أجل الرب، وقد حسبها الرسول أحد الآلام التي اجتازها (٢ كو ١١: ٣٢).
بدأ شاول الطرسوسي خدمته في الوسط اليهودي، وكان يظن أن معرفتهم له أنه كان يضطهد الكنيسة، وأنه كان أكثر غيرة من غيره على حفظ الناموس وتقليدات آبائه وفريسيته السابقة هذه كلها تكون سندًا له في إقناع اليهود على صدق الإيمان المسيحي وإعلان المسيح له. لكن الله أصر أنه رسول الأمم، إذ يعلم كيف لم يكن ممكنًا لليهود أن يقبلوه. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم في العظة الأولى على الرسالة إلى العبرانيين أن هذه كلها سببت كراهية أكثر من بني جنسه له، لأنه كان منهم وتركهم فجأة، فتطلعوا إليه كعدوٍ لا يُحتمل. لهذا قاومه ليس فقط اليهود بل حتى اليهود المتنصرون، كمن يهدد نظام الناموس والعوائد اليهودية.
v يقول البعض أن هذا التصرّف لم يكن لائقًا ببولس لأنّه لم يُنقذ بعون اللَّه. ولكن ما الحاجة إلى ذلك (تدخل عون اللَّه دون العمل البشري) مادام يُمكن إنقاذه بعون البشر. فإن الوقت لتدخل عون اللَّه ضروري عندما يفشل العون البشري.
أمبروسياستر
- شاول في أورشليم
“ولما جاء شاول إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ،
وكان الجميع يخافونه غير مصدّقين أنه تلميذ”. [26]
كيف لم يسمع التلاميذ عن اهتداء شاول الطرسوسي؟
- لم تكن وسائل الاتصال بين البلاد قوية وسريعة كما في عصرنا الحالي.
- كانت هناك عداوة بين هيرودس وأرتياس ملك العربية، فقد تزوج الأول بابنة الثاني ثم طردها فيما بعد، هذا سبب خلافًا بينهما وقيام حرب، مما جعل الاتصال بين البلدين شبه منقطع.
- ربما سمع بعض اليهود، خاصة القيادات اليهودية، عن اهتداء شاول، وقد حاولوا كتمان الخبر خاصة عن المسيحيين، حتى لا يستغلوا هذا الحدث لجذب اليهود للإيمان المسيحي.
- عدم مجيء شاول إلى أورشليم بعد اهتدائه مباشرة، وتأخره لمدة ثلاث سنوات، جعل حتى الذين سمعوا عن خبر اهتدائه ليس لديهم شهادة أكيدة عن الحدث.
لم يذهب إلى أورشليم بعد اهتدائه مباشرة، وإنما ذهب أولاً إلى العربية. لقد جاهد لكي ينضم إلى جماعة المؤمنين، لكنهم لم يستطيعوا أن يصدقوا أنه قد آمن بالسيد المسيح، إنما تشككوا في أمره، وربما ظنوه أنه يخدعهم لكي يدخل في وسطهم ويتقن ضرباته ضدهم. أما علة تشككهم فإن ماضيه يقدم صورة مرة عن مقاومته للإيمان.
عند عودته إلى أورشليم لأول مرة بعد ثلاث سنوات لم يذهب إلى رئيس الكهنة والفريسيين ولم يلتقِ بمجمع السنهدرين، بل أراد أن ينضم إلى المؤمنين، فقد صاروا في عينيه مجتمعًا أشبه بالمجتمع السماوي.
“فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل،
وحدّثهم كيف أبصر الرب في الطريق وأنه كلّمه،
وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع”. [27]
قدمه القديس برنابا للقديسين بطرس ويعقوب (غل 1: 18-19)؛ ربما لأن بقية التلاميذ والرسل كانوا غائبين عن أورشليم.
“فكان معهم يدخل ويخرج في أورشليم،
ويجاهر باسم الرب يسوع”. [28]
إذ اطمأنوا له قبلوه معهم في الشركة، فكان ملازمًا معهم، وقد مكث في أورشليم 15 يومًا فقط (غلا 1: 18).
“وكان يخاطب ويباحث اليونانيين،
فحاولوا أن يقتلوه”. [29]
كان يلتقي باليهود المتكلمين باللغة اليونانية، وهي الجماعة التي كان القديس استفانوس يشهد أمامهم للسيد المسيح (أع 6: 9). كان يتحدث بكل جرأة عن يسوع أمام اليهود الهيلينيين، شاهدًا أنه هو المسيح، لذا حاولوا قتله، إذ لم يستطيعوا الحوار معه، ومقاومةالروح القدس العامل فيه. دخل شاول في هذه الفترة القصيرة إلى ذات المجامع التي كان استفانوس يحاور فيها، وكان قبلاً شاول واحدًا منهم يقاوم استفانوس. الآن يجتمع بهم ليباحثهم بذات الروح الذي كان به يباحثهم استفانوس. لم يحتملوا ذلك فأرادوا قتله.
“فلما علم الإخوة أحدروه إلى قيصرية،
وأرسلوه إلى طرسوس”. [30]
إذ سمع الإخوة المؤمنون بذلك، خشوا أن يًرجم كما سبق أن رجموا القديس استفانوس منذ قرابة ثلاث سنوات أو أكثر، فساعدوا شاول على الهروب إلى قيصرية، ومن هناك ذهب إلى طرسوس بلده، وغالبًا ما انشغل هناك بالكرازة بالإنجيل.
كان اسم شاول الطرسوسي مصدرًا للرعب، فلم تمحُ السنوات الثلاث التي قضاها في دمشق وما حولها “العربية” سمعته في أورشليم بسبب ما عاناه المسيحيون من اضطهاد على يديه. حاول الالتصاق بالكنيسة، فظنوه جاسوسًا جاء ليتمم خطته السابقة وينكل بهم. وإذ قدمه برنابا للرسل وتأكدوا من صدق تحوله صارت بهجة في الكنيسة. حقًا لقد سمعوا عن تحوله خلال هذه السنوات لكن لم يكن من السهل تصديقها، حتى رأوه وتلامسوا مع نعمة الله العاملة فيه، فمجدوا الله على قبول صلواتهم من أجله. “ولكني كنت غير معروفٍ بالوجه عند كنائس اليهودية التي في المسيح. غير أنهم كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلاً يبشر الآن بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه، فكانوا يمجدون الله فيّ” (غل ١: ٢٢-٢٤).
لم يبقَ في أورشليم سوى أسبوعين، وكان يود أن يبقى فيها يخدم اليهود واليونانيين (كما سبق أن قلنا أنهم إما يهود عاشوا في بلاد يونانية أو من الأمم دخلوا اليهودية).
ظهر له السيد المسيح في رؤيا وهو في الهيكل يصلي يأمره بالخروج عاجلاً من أورشليم، لكنه حاول أن يقنع الرب بأن خدمته في أورشليم أجدى (أع ٢٢: ١٧-٢١). بحسب منطقه البشري أنه إذ كان مضطهدًا للكنيسة في أورشليم والآن صار كارزًا بالسيد المسيح، فتكون لخدمته أثرها الفعّال في حياة اليهود هناك، لكن الرب نفسه، حكمة الله اختاره، لا لخدمة أهل الختان بل أهل الغرلة.
كرر له السيد أن يخرج، فإنه مدعو للعمل في أممٍ كثيرة، وإذ أخبر الإخوة أحضروه إلى قيصرية، ومن هناك ذهب إلى طرسوس موطنه الأصلي، عاصمة إقليم كيليكية.
“وأمّا الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة،
فكان لها سلام،
وكانت تُبنى وتسير في خوف الرب،
وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر”. [31]
توقف الاضطهاد على الكنيسة إلى حين، فانتفع القادة بهذا الهدوء للكرازة، فازداد العدد والرعاية، ونمت الكنيسة روحيًا، وتقدمت في المعرفة. هكذا يعمل القادة الروحيون وسط الضيق كما وسط السلام، ويجدون أن كل الأمور تعمل معًا للخير للذين يحبون الله.
يرى البعض أن اليهود في ذلك الحين انشغلوا بأحداث خطيرة تمس وجودهم نفسه في أورشليم مما شغلهم عن مقاومة المسيحيين. يقول د. لاردنر Dr. Lardner أنه بعد أن اعتلى كالجيولا Caligula العرش عاني اليهود من اضطهاد المصرين لهم في الإسكندرية، وقد خربت أماكن عبادتهم هناك بالكامل. وفي السنة الثالثة من تولي كاليجولا العرش (سنة 39 م)، أرسل بترونيوس إلى سوريا ومعه أوامر بوضع تمثال الإمبراطور في الهيكل بأورشليم. جاء هذا الأمر الصادر من كاليجولا كالصاعقة على اليهود. فلم يعد يشغلهم أمر آخر غيره، كما يخبرنا كل من فيلون اليهودي السكندري والمؤرخ يوسابيوس. يقول يوسابيوس أن بترونيوس جاء إلى أورشليم بجيش لإقامةالتمثال في الهيكل، وكانت الأوامر الصادرة إليه هي قتل كل من يقاوم هذا العمل مع أخذ بقية الأمة عبيدًا. لهذا سار برتونيوس من إنطاكية إلى اليهودية بثلاثة فرق لتحقيق ذلك.
وصف فيلون الوضع بأن اليهود قد تركوا مدنهم وقراهم وحقولهم عند مجئ بترونيوس إلى فينيقية (لبنان)، خرجوا رجالاً ونساء، الشيوخ والشباب والصغار، وارتموا على الأرض أمام بترونيوس يبكون وينوحون.
كان حتمًا لا يشغلهم موقفهم من المسيحيين، إنما وضع تماثيل الإمبراطور في الهيكل بالقوة، وأن مقاومة ذلك ثمرته الموت والعبودية. أمام هذه الكارثة كفوا عن اضطهاد المسيحيين، وحلّ السلام داخل الكنيسة، وتوقف أول اضطهاد عام ضد الكنيسة. ونمت الكنائس التي في منطقة فلسطين، أي في اليهودية والجليل والسامرة.
أيضًا بتحول شاول الطرسوسي إلى الإيمان وبقائه في العربية ثلاث سنوات بدأت عاصفة الاضطهاد في أورشليم وكل اليهودية والجليل والسامرة تهدأ، وكانت الكنيسة تنمو في هدوء وسلام.
الآن انطلقت الكنيسة حتى بلغت السامرة حسب وعد ربنا يسوع المسيح لتلاميذه وخطته الإلهية. إذ سمع المؤمنون عن الذين قبلوا الإيمان على يدي فيلبس الرسول، ازدادوا فرحًا في الرب.
- بطرس الرسول في اللد ويافا
“وحدث أن بطرس وهو يجتاز بالجميع،
نزل أيضًا إلى القديسين الساكنين في لدّة”. [32]
إذ رجع القديسان بطرس ويوحنا من السامرة يبدو أن الرسول بطرس استراح للخدمة خارج أورشليم، فانطلق يخدم في البلاد التي حولها حتى بلغ لدة متجهًا نحو الساحل. وكان قد سبق وعبر القديس فيلبس في نفس الخط.
لدة أو اللد: مدينة قديمة (١ أي ٨: ١٢؛ عز ٢: ٣٣؛ نح ١١: ٥٣)، تقع في الطريق ما بين أورشليم وقيصرية فيليبي. تبعد ما بين 10 و12 ميلاً جنوب شرقي يافا، وهي في اختصاصات سبط افرايم. دعاها اليونانيون ديوسبوليس أو مدينة جوبتر، يُحتمل أن هيكل جوبتر كان قد أُقيم في وقت ما في هذه المدينة. الآن صارت مُدمرة تمامًا، صارت قرية بائسة. جاء في التقليد أن الإمبراطور يوستنيان أنشأ كنيسة هناك. فيها صارع الشهيد مار جرجس التنين – حسب التقليد المسيحي – وقد أشيع أن السيد المسيح سيأتي فيها ويقتل التنين “ضد المسيح”. اشتهرت اللد بالأرجوان.
قام القديس بطرس بزيارة الكنائس التي نشأت حديثا بواسطة الكارزين الذين تشتتوا. كرسول لم يحد نفسه بموضعٍ معين، ولا التزم برعاية كنيسة معينة دون غيرها، بل افتقد كثير من الكنائس، ليثبتها في الإيمان الذي تسلموه خلال الذين تشتتوا بسبب الاضطهاد وانطلقوا من أورشليم. لقد تشبه هو وغيره من الرسل بمعلمهم الذي كان يجول يصنع خيرًا.
“إلى القديسين“، إذ اتسم المسيحيون بروح القداسة، يدعوهم الكتاب المقدس قديسين (مز 16: 3).
“فوجد هناك إنسانًا اسمه اينياس،
مضطجعًا على سرير منذ ثماني سنين،
وكان مفلوجًا”. [33]
إذ وجد القديس بطرس في اللد إنسانًا مفلوجًا منذ ثماني سنوات شفاه باسم يسوع المسيح. بلا شك فقد اينياس ومن حوله كل رجاء في شفائه، متوقعين بقاءه على السرير في مرضه حتى يدخل القبر، وقد أبرز الله خلال رسوله بطرس أنه إله المستحيلات!
“فقال له بطرس: يا إينياس يشفيك يسوع المسيح،
قم وافرش لنفسك.
فقام للوقت”. [34]
قد تطول فترة الفالج إلى ثماني سنين، لكن في الوقت المعيّن يعمل اللَّه فينا ليهبنا كمال الصحّة، فنقوم من سرائرنا ونتحرّك للعمل بلا توقف.
قبل أن يشفيه وجه نظره إلى الطبيب الحقيقي، واهب الشفاء، يسوع المسيح. في المسيح يسوع حملت كلمات القديس بطرس قوة الشفاء العاجل والتام، لأنها قدمت اسم يسوع المسيح مصدر كل قوةٍ. وأمره أن يفرش لنفسه، أي يتحول الشلل إلى صحةٍ مع قوةٍ وحركةٍ.
مسيحنا إله المستحيلات، يهتم بالمرضى الميؤس من شفائهم، لكي يعلن قوّة اسمه كمصدر شفاء، ويهب المرضى قوّة للقيامة، فيحمل المريض سريره ويشهد بقوّة فترجع النفوس إلى الربّ.
“ورآه جميع الساكنين في لدة وسارون،
الذين رجعوا إلى الرب”. [35]
إذ رأوا قوة اسم يسوع المسيح رجعوا إلى الحق، وقبلوا الرب يسوع في حياتهم.
سارون أو شارونة يتاخمها سهل شارون، وهي أرض خصبة ممتدة حتى جبل الكرمل.
“وكان في يافا تلميذة اسمها طابيثا،
الذي ترجمته غزالة،
هذه كانت ممتلئة أعمالاً صالحة وإحسانات كانت تعملها”. [36]
يقدم لنا القديس لوقا معجزة أخرى، صنعها القديس بطرس لتثبيت الإنجيل، تفوق المعجزة السابقة، إذ أقام طابيثا بعد موتها.
يافا: على ساحل البحر الأبيض المتوسط، تبعد عشرة أميال شمال غربي اللد. كانت تابعة لسبط دان، تبعد حوالي 30 ميلاً جنوب قيصرية، و45 ميلاً شمال غربي أورشليم. كانت ميناءً رئيسيًا لفلسطين، مع أن الميناء نفسه كان فقيرًا. استخدمه سليمان في استقبال الخشب الذي استورده من صور لبناء الهيكل (2 أي 2: 16).. اُستخدم لذات الغرض في وقت عزرا (عز 3 :7). وهي مدينة قديمة جدًا ذُكر اسمها في نقوش تحتمس الثالث (١٤٩٠ – ١٤٣٦ ق.م). وردت في يش ١٩: ٣٦ أثناء دخول الشعب أرض الموعد، لكنها ظلت تابعة للفلسطينيين. استطاع يوناثان المكابي أن يغزوها ويستولي عليها من ملوك سوريا عام ١٤٨ ق.م. لكن بومبي الروماني استعادها للسوريين سنة ٤٧ ق.م أُعطيت لهركانوس الثاني المكابي، الملك والكاهن اليهودي. كان أكثر مواطنيها من اليونان، وقد حطمها فسبسيان عام ٦٨م. تُعرف يافا حاليًا بحدائقها وفواكهها الممتازة عن فواكه أغلب المناطق الأخرى.
“طابيثا” اسم عبري، باليونانية دوركاس، ومعناها غزالة، وهو حيوان مبهج. كانت “تلميذة“، أي قبلت الإيمان بالسيد المسيح، ونالت العماد، وتتلمذت على السيد المسيح خلال أحد المعلمين. اتسمت بالجهاد في الأعمال الصالحة كثمرٍ متكاثرٍ لإيمانها الحي. ترجمت إيمانها إلى عملٍ مستمرٍ، كانت شهادتها لمسيحها، لا بالكلمات، بل بالأعمال المملوءة حنوًا وحبًا.
“وحدث في تلك الأيام أنها مرضت وماتت،
فغسّلوها ووضعوها في عُليِّة”. [37]
غسل الجثمان كعادة كثير من الشعوب، وًضع في العلية استعدادًا للجنازة، وربما كانوا يتوقعون مجيء القديس بطرس الرسول كطلب التلاميذ، ولعلهم كانوا يترجون إقامتها من الأموات.
“وإذ كانت لدّة قريبة من يافا،
وسمع التلاميذ أن بطرس فيها،
أرسلوا رجلين يطلبان إليه أن لا يتوانى عن أن يجتاز إليهم”. [38]
لعل التلاميذ استدعوا القديس بطرس من أجل تعزية النفوس الحزينة، إذ كانت سندًا لكثير من الأرامل والفقراء. أما توقعهم أن يقيمها من الموت، فغالبًا لم يكن واردًا، لأننا لا نسمع عن اقامة موتى بواسطة الرسل منذ صعود السيد المسيح أو حلول الروح القدس على الكنيسة وإلى تلك اللحظات.
“فقام بطرس وجاء معهما،
فلما وصل صعدوا به إلى العُليّة،
فوقفت لديه جميع الأرامل يبكين،
ويرين أقمصة وثيابًا مما كانت تعمل غزالة وهي معهن”. [39]
كانت طابيثا إحدى التلميذات، أي المؤمنات، كرست حياتها لخدمة الأرامل. لم يقدم أحد مراثٍ وقصائدٍ شعرية في مديح القديسة طابيثا، لكن قدمت الأرامل أعمال حبها وحنوها شهادة حية لتقواها. لم تخجل الأرامل الفقيرات من الإعلان علانية أنهن مدينات لها بأعمال الرحمة والصدقة. اتسمت هؤلاء الأرامل بروح الشكر والعرفان بالجميل، وأعلنت الأرامل حاجتهن الماسة إلى هذه التلميذة التقية.
كانت الأقمصة في العادات اليونانية والعبرية تُرتدى فوق الملابس، لهذا عندما دخل السيد المسيح أورشليم فرشوا القمصان أمامه، أي الأقمصة الخارجية.
يرى البعض أن أهل يافا بعثوا يستدعون بطرس الرسول ليسير عشرة أميال ويأتي ليقيم طابيثا بعد موتها. إنه الإيمان العجيب للأرامل اللواتي رأين وتلامسن مع إيمان طابيثا الرائع التي عبَّرت عنه بحبها العملي لهن. كان لديهن اليقين في إمكانية الإيمان وإدراك لضعف الموت وهزيمته أمام قوة قيامة السيد المسيح.
v عندما يقترب إنسان من الموت ليت صديق ذلك الشخص الذي يموت يُعد له الأكفان، ويحث الراحل أن يترك شيئًا للمحتاجين. ليرسله بهذه الثياب إلى القبر، تاركًا المسيح وارثًا له.
القديس يوحنا الذهبي الفم
“فأخرج بطرس الجميع خارجًا،
وجثا على ركبتيه وصلى،
ثم التفت إلى الجسد وقال:
يا طابيثا قومي.
ففتحت عينيها،
ولمّا أبصرت بطرس جلست”. [40]
طلب القديس بطرس خروج الجميع، فإنه لم يطلب مديحًا من إنسانٍ ولا مجدًا باطلاً من العالم. جاء، لا لكي يستعرض إمكانياته وقدراته، بل ليمارس حنوه الداخلي في الرب. أراد أن يتحدث مع الله مخلصه في هدوءٍ، بعيدًا عن الضجيج. قدم صلاة بروح تقوي وفي خشوع، يطلب عون لله، يعلن خضوعه كخادمٍ للرب، وليس كما أقام السيد المسيح لعازر بسلطانه الإلهي.
يطالبنا القديس يوحنا الذهبي الفم أنه يكون لساننا كلسان المسيح ينطق بذات كلماته. فقد نطق الرسول بطرس (أع 9: 40) بذات كلمات الرب (مت 5: 5). [ليتنا نتكلم بنفس الطريقة التي بها يتضح بجلاء مما نقوله إننا ننطق بكلمات المسيح… فإنه ليس فقط إن قلت: “قم وامشِ” (مت 5: 5) أو “طابيثا قومي” (أع 9: 40) أكون قد نطقت بكلمات المسيح، بل ما هو أكثر عندما أُشتم فأبارك، عندما يُساء إليَّ فأصلي من أجل المسيئين إليّ. أقول إن لساننا هو اليد التي تلمس قدمي المسيح (تتوسل إليه)… لساني هو لسان متمثل بالمسيح، إن أظهر الغيرة اللائقة، وإن نطق بالأمور التي يريدنا أن ننطق بها. ما هي هذه الأمور؟ كلمات مملوءة تواضعًا ووداعة، كما نطق هو عندما تحدث مع من أساءوا التعامل معه.
“فناولها يده وأقامها،
ثم نادى القديسين والأرامل وأحضرها حيّة”. [41]
v هذه التي منحت الأرامل المتألمات معونة ليعشن بها، تأهلت أن تسترد الحياة بطلبات الأرامل.
الشهيد كبريانوس
“فصار ذلك معلومًا في يافا كلها،
فآمن كثيرون بالرب”. [42]
هذه كانت أول معجزة من نوعها تمت على يدي رسول، فأدرك كثيرون أن الإنجيل رسالة سماوية، وآمنوا به.
إقامة طابيثا لم تمجّد القدّيس بطرس بل ربّنا يسوع إذ “آمن كثيرون بالرب“، إذ ذاقوا قوّة إنجيل الخلاص.
“ومكث أيامًا كثيرة في يافا عند سمعان رجل دبّاغ”. [43]
إقامة طابيثا فتحت الباب للقدّيس بطرس للعمل في يافا فمكث فيها أيّامًا كثيرة. انفتح باب الكرازة وقَبِلَ كثيرون في يافا الإيمان، فمكث القديس بطرس أيامًا كثيرة في هذه المدينة. لم يمكث في بيت طابيثا التي أقامها، مع أنها كانت غنية، حتى لا يظن أحد أن الرسول صنع هذه الآية لمنفعةٍ خاصةٍ به.
ليس جزافًا أن يذكر لوقا البشير صناعة سمعان الذي مكث عنده الرسول بطرس أيامًا كثيرة. فإن الدباغة مهنة غير طاهرة بالنسبة لليهود، وكل ما في البيت يُحسب دنسًا، لأن بها جلود حيوانات ميتة، وأحيانًا تكون عفنة. هنا بدأ الرسول بطرس يتحرر تدريجيًا من حرف الناموس.
من وحي أع 9
لتتجلّى في داخلي، فأشهد لحبك!
v ظن شاول أنّه الرجل الأول بعد غمالائيل،
فمن جهة الناموس، من هو أبرّ منه؟
ومن جهة تقليدات آبائه، من هو أكثر منه غيره؟
من جهة أسرته، عبراني أصيل، روماني الجنسيّة، ويوناني الثقافة!
اليد اليّمنى لرئيس الكهنة المقاوم ليسوع وأتباعه.
الإرادة القويّة في يد مجمع السنهدرين لإبادة المسيحيّين.
في نظر نفسه، من يخدم اللَّه وشعبه مثله؟
v انطلق هذا الشاب الثائر ليحقّق شهوة قلبه.
انطلق في الطريق إلى دمشق، يبحث عن أصحاب الطريق.
انطلق في طريق قلبه المملوء بغضة، يطلب من هم في طريق الحب الإلهي!
v اقترب جدًا من دمشق،
لا يفكّر في شيء، إلا ألاّ يفلت أحد من أهل الطريق من يده.
فجأة، سقط هو في يد محب البشر.
أشرق بنور مجده عليه!
لم يره في سحابة، ولا خلال عمود دخًان، أو نار.
لم يره في الهيكل بأورشليم، بل في الطريق، قرب دمشق الأمميّة!
رآه في نور سماوي إلهي.
لم يكن ممكنًا لعينيه أن تبصر ذاك الذي لا يُرى!
سقط كميّت ليقوم محمولاًَ على ذراعي القائم من الأموات.
فقد بصره الجسدي إلى حين،
ليتمتّع مع بصر الجسد البصيرة الأبديّة.
سمع اتهامًا موجّهًا إليه من رب السماء!
لا لكي يدخل به إلى السجن الأبدي،
بل ليرفعه إلى مستوى ملائكي فائق.
v الآن أدرك من هو يسوع!
إنّه الحب عينه، يسكب محبّته حتى على مقاوميه.
لا يحطّم الطاقات المضادة له، بل يحولّها إلى طاقات لبناء الكثيرينّ.
إنّه خالق السماء والأرض، لا تحدّه مدينة أورشليم، ولا هيكل سليمان!
v سمع شاول رأس الكنيسة يصرخ:
شاول، شاول لماذا تضطهدني؟
أتّطأ بقدميك على قدميّ (الكنيسة) ولا تحسب ذلك إهانة لي؟
من يمس أحد أصابع قدمّي، يهين الرأس ذاته!
عدْ إلى نفسك،
لتدرك من هو ذاك الذي تقاومه؟
صعب عليك أن ترفس مناخس!
v ما كان يحسبه خداعًا،
حين كان المسيحيّون يعلنون عن رؤية أبواب السماء المفتوحة،
قد رآه هو بعينيه،
وسمع السماوي يتحدّث معه شخصيًّا.
لم يصدّق نفسه،
إن ذاك الذي قال: “انقضوا الهيكل”، قائم في مجده السماوي، في الأقداس الإلهيَّة.
سمع السماوي يدعو نفسه “الناصري”!
اللقب الذي كان يسخر به يعتزّ به خالق السماء!
v تحدّث معه رب الكنيسة،
لكنّه لم يعَلِمَه إلاّ أن يرجع إلى كنيسته،
هناك يتلقن الحق، ويتمتّع بالحياة الجديدة!
لم يعلمه الرب المتواضع الكبرياء والاعتداد بالذات،
بل في تواضع ينحني تحت يدي حنانيا،
ليقبل من الكنيسة عطايا الروح!
v بقي ثلاثة ايّام صائمًا مصليًا.
أدرك أنّه في حاجة إلى توجيه إلهي.
عاش ثلاثة ايّام كمن هو في قبرٍ.
وأرسل له اللَّه حنانيا ليختبر قوّة القيامة من الأموات.
أدرك أن قيامة يسوع المسيح ليست من وحي خيال أحدٍ،
بل حقيقة يعيشها ويختبرها بنفسه كل يوم!
صار المقاوم شاهدًا، لقد رأى يسوع القائم من الأموات، والصاعد إلى السماوات!
v لم يبعث بشاول إلى حنانيا،
بل انطلق حنانيا إلى شاول يسأل عنه.
إنّه يحمل روح الكنيسة التي تطلب من قد هلكّ!
وتبحث عن الدرهم المفقود،
والابن الضال التارك بيت أبيه!
v سقط من عينيه ما يشبه القشور،
لكي يرى بالروح أسرار اللَّه،
ويتفهّم الناموس روحيًّا،
ويُدرك تحقيق النبوّات في شخص يسوع المسيح.
سقطت قشور الحرف التي تطمس البصيرة،
وصار له نور الروح الذي لا يُعبر عنه.
v صار شاول إناءً مختارًا،
يحمل أطياب الروح القدس، الحاملة رائحة المسيح الزكيّة.
أطيابه ليست من عمل يديه،
لكنّها كلمة اللَّه، المقدّمة لليهود كما للأمم،
للسادة كما العبيد،
الكبار مع الصغار.
يقدّم من إنائه لبنًا للصغار، وطعامًا قويًا للناضجين.
يا لغنى نعمة اللَّه الفائقة!
v بعد ثلاثة أيّام في خلوته الفريدة،
نال شاول الطرسوسي سرّ العماد.
انطلق بالروح القدس من العماد إلى الكرازة.
الذي جاء ليقتل ويهلك، صار يشتهي أن يموت معهم!
المضطهِد صار في لحظات كارزًا بالحق!
v انطلق للكرازة، يشهد لما يختبره بنفسه كل يوم.
ويتجلّى قدّامه معلمه استفانوس في لحظات رجمه.
وفي جديّة عاد يدرس العهد القديم بمنظارٍ جديدٍ.
صار يتحقّق أسرار اللَّه ويكتشفها بالروح اللَّه الساكن فيه.
v كان لابد من الثورة ضدّه،
فينزل في مذلّة في زنبيل، متدلّيًا من سور دمشق.
نزل لكي تنفتح أمامه أبواب الخدمة بين الأمم.
v في أورشليم خشاه المؤمنون لئلا يكون مخادعًا لهم.
وإذ تلامسوا مع عمل اللَّه فيه مجّدوا الرب.
اشتهى أن يخدم شاول إخوته في أورشليم.
وفي داخل الهيكل ظهر له الرب في رؤيا ليخرج للأمم.
في طاعة كاملة تحرّك، فإنّه أداة مطيعة للَّه!
v الذي حوّل شاول المضطهد إلى كارز،
كان يعمل في بقيّة التلاميذ.
باسم يسوع المسيح شَفي بطرس إينياس.
وباسمه أقام طابيثا من الموت!
v أعدّت طابيثا لنفسها أكفانًا لا يمسّها عث!
كفنت جسدها بأعمال الحب والرحمة.
لم يستطع الموت أن يلحق بنفسها.
حتى جسدها تمتّع بالإقامة إلى حين،
لكي يقوم فيما بعد أبديًا!
سفر أعمال الرسل : 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 – 25 – 26 –27 – 28
تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة – 1 – 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7– 8 – 9 – 10 – 11 – 12 – 13 – 14 –15 – 16 –17 – 18 – 19 – 20 – 21 – 22 – 23 – 24 –25 – 26 –27 – 28