تفسير سفر أعمال الرسل 12 للقمص أنطونيوس فكري

 

مقدمة:-

لماذا يسمح الله باستشهاد يعقوب على يد هيرودس ويرسل ملاكًا لينقذ بطرس؟ لكل إنسان عمل معين خلقه الله ليؤديه (أف 10:2). وبعد أن ينهى عمله يذهب للراحة في السماء. ولسان حال المسيحي المؤمن لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح…. ولكن بقية الآية مهمة…. لكن أن أبقى ألزم لأجلكم (في 23:1، 24) فيعقوب له اشتهاء أن ينطلق ولأنه أتم عمله نقله الرب إلى الراحة، وبطرس كان له اشتهاء أن ينطلق ولكن بطرس كان مازال أمامه عمل ليؤديه لذلك أخرجه الله من السجن. فليس هيرودس أو العالم هو الذي يتحكم في حياة أولاد الله، لكن الله الذي يسمح ويحدد متى نغادر العالم وبأى طريقة (يو 19:21). هيرودس الملك= هو هيرودس أغريباس الحفيد الأكبر لهيرودس الكبير. وهو ابن شقيقة هيرودس أنتيباس الذي قطع رأس يوحنا المعمدان. وكانت أمه من عائلة المكابيين. لذلك كان له شعبية لأنه يجرى في دمائه الدم اليهودي فالمعروف أن عائلة هيرودس أنهم أدوميين. وهيرودس هذا تربى في روما لذلك فهو على صلة وصداقة مع كاليجولا الإمبراطور، الذي منحه لقب ملك، وملكه على ربعين. ثم أتى كلوديوس قيصر بعد كاليجولا فأعطى لهيرودس اليهودية والسامرة وبهذا صارت مملكته كمملكة هيرودس الكبير. وهذا الهيرودس كان يتودد لليهود كثيرًا. لذلك بدأ اضطهادًا ضد الكنيسة، بل بدأ بالرسل أنفسهم. وربما كان ذلك لأن الرسل فتحوا الباب للأمم. وهو حاول استرضاء اليهود بمراعاة الناموس الفريسي. وكان يقرأ التوراة في الأعياد وإمعانًا في هذه السياسة قتل يعقوب وحاول قتل بطرس.

 

آية (2):-

فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف.

بذلك صار يعقوب هو أول شهيد بين الرسل. ويقال أنه أثر في رئيس السجن فآمن واستشهد معه (يوسابيوس). والآن بدأ الاضطهاد على يد السلطة المدنية. ويعقوب هذا هو ابن زبدى أخو يوحنا.

 

آية (3):-

وإذ رأى أن ذلك يرضي اليهود عاد فقبض على بطرس أيضًا وكانت أيام الفطير.

إمعانًا في إرضاء اليهود أراد هيرودس قتل بطرس المتقدم في الرسل. وربما كان هيرودس يجامل اليهود في العيد كما كان بيلاطس يجاملهم ويطلق لهم سجين كل عيد. أيام الفطير = هي 7 أيام بعد الفصح لا يأكلون فيها خميرًا، وفيها لا يقتلون أحدًا لذلك كان لا بُد من انتهاء أيام الفطير ليقتلوه لذلك حبسوه حتى تنتهي أيام الفطير.

 

آية (4):-

ولما امسكه وضعه في السجن مسلما إياه إلى أربعة ارابع من العسكر ليحرسوه ناويا أن يقدمه بعد الفصح إلى الشعب.

أربعة أرابع = هم أربعة نوبات يتناوبون الحراسة. وكل نوبة 4 عساكر. اثنين منهم يربطان بالسلاسل في يدي بطرس واثنين حراسة على الباب.

 

 آيات (5-7):-

فكان بطرس محروسا في السجن وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلاة بلجاجة إلى الله من اجله.ولما كان هيرودس مزمعا أن يقدمه كان بطرس في تلك الليلة نائما بين عسكريين مربوطا بسلسلتين وكان قدام الباب حراس يحرسون السجن. وإذا ملاك الرب اقبل ونور أضاء في البيت فضرب جنب بطرس وأيقظه قائلا قم عاجلا فسقطت السلسلتان من يديه.

لقد إستجيبت صلواتهم لأنها بحسب إرادة الله (1يو 5: 14) ولأن الله مازال يرى أن لبطرس عملًا يؤديه قبل أن يستشهد. وطبعًا فإن الملاك لم يره سوى بطرس. ولاحظ نوم بطرس في سلام بين العسكريين وهو يعلم أنه سيقتل.

 

آيات (8-9):-

وقال له الملاك تمنطق والبس نعليك ففعل هكذا فقال له البس رداءك واتبعني. فخرج يتبعه وكان لا يعلم أن الذي جرى بواسطة الملاك هو حقيقي بل يظن أنه ينظر رؤيا.

اتبعني = ربما لأن بطرس كان السجن غير ذي أهمية عنده. وهذا ما حدث مع بولس، إذ حينما انفتحت أبواب السجن لم يخرج بل ظل يُسَبِّح. وربما كان بطرس في حالة ذهول وما يؤكد هذا أن الملاك يرشده لما يفعل = تمنطق والبس نعليك فهو شبه نائم أو كمن في حلم.

 

آية (10):-

فجازا المحرس الأول والثاني وأتيا إلى باب الحديد الذي يؤدي إلى المدينة فانفتح لهما من ذاته فخرجا وتقدما زقاقا واحدًا وللوقت فارقه الملاك.

كان بطرس في الحبس الداخلي وهو الحبس المشدد، وكان ذلك لمن يُخشى هروبهم وغالبًا يكون للمحكوم عليهم بالإعدام. انفتح لهما من ذاته = من يتبع الله تفتح أمامه حتى الأبواب الحديدية. فلا يستحيل على الرب شيء. وتقدما زقاقًا= حتى يخرج بطرس من محيط الخطر وحتى تنتهي منه حالة الدهشة.

 

آية (11):-

فقال بطرس وهو قد رجع إلى نفسه الآن علمت يقينا أن الرب أرسل ملاكه وأنقذني من يد هيرودس ومن كل انتظار شعب اليهود.

هنا رجع بطرس لنفسه وانتهت دهشته وحالة عدم التصديق فهو كان في ذهول.

كل انتظار شعب اليهود = الذين كانوا منتظرين رجمه كهدية في العيد من هيرودس. وخلاص بطرس من السجن هنا هو صورة مبسطة لما عمله المسيح إذ أخرجنا من حبس الشيطان والخطية لنسير في نوره حتى ينفتح باب الحديد وننطلق للسماء.

  

آيات (12-17):-

ثم جاء وهو منتبه إلى بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس حيث كان كثيرون مجتمعين وهم يصلون. فلما قرع بطرس باب الدهليز جاءت جارية اسمها رودا لتسمع. فلما عرفت صوت بطرس لم تفتح الباب من الفرح بل ركضت إلى داخل وأخبرت أن بطرس واقف قدام الباب. فقالوا لها أنت تهذين وأما هي فكانت تؤكد أن هكذا هو فقالوا أنه ملاكه. وأما بطرس فلبث يقرع فلما فتحوا ورأوه اندهشوا. فأشار إليهم بيده ليسكتوا وحدثهم كيف أخرجه الرب من السجن وقال اخبروا يعقوب والاخوة بهذا ثم خرج وذهب إلى موضع أخر.

ذهب بطرس إلى مقر اجتماع الكنيسة ليُعلمهم بما حدث ثم ذهب لمكان بعيد عن عيني هيرودس الذي كان مصمماً على قتله = ذَهَبَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ = ربما كان مصر(حيث كان مرقس يبشرها 1بط 13:5 حيث بابل هي بابيلون مصر القديمة أو مكان في العراق بابل فقد كان هناك جالية يهودية) والإخوة الكاثوليك يقولون إن الموضع الآخر هو روما حيث ذهب ليؤسس كرسى روما. وهذا مرفوض علمياً وتاريخياً.

أَخْبِرُوا يَعْقُوبَ = يعقوب هو أخو الرب وكاتب رسالة يعقوب ورئيس مجمع أورشليم (أع15). وهو غير يعقوب بن زبدى أخو يوحنا الذي إستشهد بسيف هيرودس.

مَلاَكُهُ = ربما ملاكه الحارس فاليهود يعتقدون أن لكل إنسان ملاك حارس. وربما يعنون أنه مات واستشهد وهذه هي روحه (لو 24: 37).

 

آيات (18-23):-

فلما صار النهار حصل اضطراب ليس بقليل بين العسكر ترى ماذا جرى لبطرس. وأما هيرودس فلما طلبه ولم يجده فحص الحراس وأمر أن ينقادوا إلى القتل ثم نزل من اليهودية إلى قيصرية وأقام هناك. وكان هيرودس ساخطا على الصوريين والصيداويين فحضروا إليه بنفس واحدة واستعطفوا بلاستس الناظر على مضجع الملك ثم صاروا يلتمسون المصالحة لأن كورتهم تقتات من كوره الملك. ففي يوم معين لبس هيرودس الحلة الملوكية وجلس على كرسي الملك وجعل يخاطبهم. فصرخ الشعب هذا صوت إله لا صوت إنسان. ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يعط المجد لله فصار يأكله الدود ومات.

الله لم يمهل هذا الطاغية المتكبر المغرور كثيرًا. بل مات ميتة شنيعة.

سَاخِطًا عَلَى الصُّورِيِّينَ = أهل صور وصيدا كانوا يحصلون على طعامهم من الجليل وهذا من أيام سليمان الملك وحيرام ملك صور (1مل 9:5) ومن أتوا بعده. ولما غضب عليهم هيرودس لسبب ما، منع قوافل التجار من الذهاب إليهم فجاعوا.

يلبس الحلة = حتى يبهر الصوريين والصيداويين الذين جاءوا إليه ويستعرض أمامهم عظمته فيبهرهم ويرهبهم. وجاءت القصة هنا في سفر الأعمال مطابقة تمامًا لما ذكره يوسيفوس المؤرخ اليهودي. في يوم معين = يقول يوسيفوس أنه يوم تكريم كلوديوس قيصر (ربما يوم ميلاده أو جلوسه على العرش). وهيرودس هذا الذي مات هو والد دروسلا وأغريباس الصغير وبرنيكى (أع 24:24 + 13:25).

فصار يأكله الدود = يقول يوسيفوس أنه في يوم لبس الحلة الملوكية الموشاة بالفضة وحين وقع عليها ضوء الشمس، أثار مجده الملوكي الدهشة والرعب فصرخوا ارحمنا نحن نرفعك فوق البشر وأنت لست من البشر، أما هو فارتاح للإطراء ولم يردعهم على تملقهم المزيف.  فداهمه ألم شديد في جوفه. حملوه على إثره إلى القصر ومات بعد خمسة أيام بعد مُلك دام 7 سنين. وكانت عادة تأليه الحكام عند الرومان قد بدأت في الانتشار وذلك للأباطرة. ففي سنة 29 سمح أغسطس قيصر بإقامة هياكل تكريمًا له. وهنا نجد الشعب في تملق واضح يؤله أغريباس أيضًا. وهو يقبل هذا. ولكن كيف يقبل وهو اليهودي قارئ الناموس ولا يُرجع المجد لله.

 

أية (24):-

وأما كلمة الله فكانت تنمو وتزيد.

كان أغريباس ساهرًا على خراب الكنيسة ولكن الله كان ساهرًا على نموها. ومات أغريباس ولكن الكنيسة امتدت لكل العالم. بل نجد عبر التاريخ أن ذراع الرب تستعلن وسط الضيقات.

 

أية (25):-

ورجع برنابا وشاول من أورشليم بعدما كملا الخدمة وأخذا معهما يوحنا الملقب مرقس.

لقد أغلقوا الهيكل في وجه الرسل واضطهدوا المسيحيين بل والرسل في أورشليم. ولكن الله يسمح بأن تمتد الكنيسة. ويصير هناك مركزًا جديدًا للكنيسة في إنطاكية ورسولًا عظيمًا سيمتد من إنطاكية لكل أوروبا هو بولس الرسول. ويبدو أن بولس وبرنابا أقاما في بيت مرقس.

هنا نرى عودة برنابا وشاول من أورشليم إلى إنطاكية، بعد أن أكملوا خدمة فقراء أورشليم. وجاء معهم مرقس (مار مرقس كاروز ديارنا المصرية) وكان هذا إيذاناً بإنطلاق الكرازة للعالم كله. ومرقس هو ابن أخت برنابا (كو 10:4). فمريم أم مرقس هي أخت برنابا وهي صاحبة العُلِّيَة. وكون بولس وبرنابا يأخذان معهما مرقس، فهذا غالباً كان لإقامة برنابا وبولس في علية مار مرقس مركز الكنيسة في أورشليم، حيث كان يجتمع الرب مع تلاميذه.

وكانت عودة بولس وبرنابا ومرقس لإنطاكية سنة 46م بعد موت هيرودس أغريباس بسنتين وهذا مات سنة 44م.

وكانت هناك زيارة أخرى لبولس الرسول لكنيسة أورشليم ليعرض الإنجيل الذي يبشر به على التلاميذ (غل 1:2-10) وبهذا تنطلق الكنيسة إلى الأمم بإنجيل بولس مصدقاً عليه من التلاميذ.

من هذه الآية إنطلق بولس وبرنابا ومرقس ليكرزوا للعالم كله وكان معهم لوقا ويقال أن لوقا من إنطاكية. ولوقا هو كاتب سفر الأعمال وإنجيل لوقا.

 

الآيات الخاصة بشاول الطرسوسي

بولس الرسول العظيم

آية (25):- 25وَرَجَعَ بَرْنَابَا وَشَاوُلُ مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَا كَمَّلاَ الْخِدْمَةَ، وَأَخَذَا مَعَهُمَا يُوحَنَّا الْمُلَقَّبَ مَرْقُسَ. “

ثانيًا:- شاول الطرسوسي: بولس الرسول العظيم

 

مَنْ هو بولس الرسول :

هو شاول من طرسوس جنوب شرق أسيا الصغرى، وكانت تحكم بواسطة الرومان. وهو عبراني، فريسي ابن فريسي، من اليهود المحافظين. وغالبًا فقد أدى والده خدمات ممتازة للدولة الرومانية فحاز على الجنسية الرومانية (الرعوية الرومانية) بمعنى أن يكون له كل امتيازات المواطن الروماني هو وكل أسرته. وأتقن بولس الرسول اليونانية لغة وعلمًا وفلسفة. وأرسله والده إلى أورشليم ليتعلم في مدرسة غمالائيل أشهر معلمى اليهود ليصير من الفريسيين (كمن هو حاصل على دكتوراه في اللاهوت الآن). وكان الفريسيين يعيشون حياة مدققة للغاية (أع 5:26). وعاش شاول مطيعًا للناموس، وكما قال هو عن نفسه أنه كان بلا لوم من جهة الناموس. وكان اليهود يعلمون أولادهم حرفة يدوية ولذلك تعلم شاول حرفة صناعة الخيام من غزل شعر الماعز. كان شخصًا غيورًا على الحق الذي يراه حقًا ولذلك تعصب لليهودية والناموس. وهو استمع إلى خطاب اسطفانوس وأدرك أنه لا معايشة بين الدين الجديد أي المسيحية وما يعرفه عن اليهودية فاشتعل حماسًا ضد المسيحية وسفك دماء المسيحيين ولكن بعد أن اكتشف الحق الأعلى الذي في المسيحية دافع عنها حتى الاستشهاد.

إعداد الله شاول ليصير بولس :

1- إعداده كفريسي متعمق في الناموس والأنبياء وهم يشهدوا للمسيح.

2- إعداده كدارس للفلسفة اليونانية فهو يبشر الأمم ويقف أمام ملوك.

3- سمح له الله أن يستمع لإسطفانوس في خطابه أمام السنهدريم لشيوخ اليهود. وكانت شهادة اسطفانوس نارية طبعت صورة لا تُمْحَى من ذهن بولس الرسول، فهو التقط صورة وجه إسطفانوس الملائكي وهو يشهد بأنه يرى الرب يسوع في السماء.

4- ثم يرى شاول الطرسوسي الرب يسوع من السماء لتنطبق الصورة التي سمعها من إسطفانوس على ما رآه في السماء.

 

الإصحاح السابع

أية (58):-

وأخرجوه خارج المدينة ورجموه والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول.

كان عند اليهود من يجدف يُرجم. وهم اتهموا إسطفانوس بالتجديف (لا13:24-16). وكان الأمر يحتاج لشاهدين أو ثلاثة على التجديف. وإذا صدر الحكم ضد المجدف يبدأ الشهود برجم المجدف (تث 6:17-7) وهنا نسمع عن شاول للمرة الأولى إذ كان شاهدًا على قتل اسطفانوس وكان راضيًا بقتله (1:8). وخلع الشهود الذين شهدوا ضد اسطفانوس ثيابهم عند قدمي شاول ليبدأوا عملية رجم اسطفانوس. وظل بولس الرسول حزينًا على هذا اليوم كل أيام حياته (أع 20:22) واليهود لم يكن لهم سلطان على إعدام شخص ولكن كانوا يفعلونها في غفلة من الحاكم إذا كان متساهلًا أو في غيبة.

 

الإصحاح الثامن

  1. وكان شاول راضيًا بقتله : كلمة راضيًا تشير إلى أنه كان لهُ دور في الإجراءات، وشريك في الحكم، مسرورًا بما حدث. ولكن لوقا يربط بين شاول وإسطفانوس فلقد صار شاول له نفس فكر إسطفانوس في تحرير المسيحية من اليهودية ومن الهيكل والناموس تمامًا. لقد ساق الله شاول (بولس) ليستمع إلى إسطفانوس ويتعرف على يديه على المسيحية. ولكن البداية كانت حقدًا من شاول ضد إسطفانوس الذي حاور وأفحم اليهود وعَمَّدَ الكثيرين.
  2. يسطو =الكلمة الاصلية تعني وصفًا للوحوش التي تسطو على جسم الإنسان لتمزقه (غل13:1+أع 1:9+9:26-11+4:22-5) ولقد كان رؤساء الكهنة يعطون شاول تصريحًا بذلك. راجع (عب 32:10-34+1 تى 13:1) لقد صار شاول عبئًا لا يُطاق على الكنيسة.

الكنيسة.. البيوت = يسطو على الكنيسة هي نفسها= يدخل البيوت. فالكنيسة كانت هي البيوت


 

الإصحاح التاسع

آيات (1، 2):-

أما شاول فكان لم يزل ينفث تهددا وقتلا على تلاميذ الرب فتقدم إلى رئيس الكهنة. وطلب منه رسائل إلى دمشق إلى الجماعات حتى إذا وجد أناسا من الطريق رجالا أو نساء يسوقهم موثقين إلى أورشليم.

لم يزل = على الرغم من مضى فترة على استشهاد إسطفانوس، مازال شاول مستمرًا في حملته الهائجة على الكنيسة. فكان يطرد المسيحيين إلى خارج أورشليم، أو بالأصح كانوا هم يهربون من شدة الاضطهاد (أع11:26). ثم بدأ يوسع نشاطه في اضطهاد المسيحيين الذين هم من خارج، أي الذين هربوا من أورشليم وأقاموا خارجها (أع 4:22، 5 + أع 9:26-11). واضح أن شاول وبعد ذلك بولس كان إذا آمن بمبدأ يعمل المستحيل للدفاع عنه حتى الموت.

الجماعات = أي المجامع. فكان شاول يأخذ خطابات من رئيس الكهنة في أورشليم ويذهب للمجامع اليهودية خارجًا ليساعدوا شاول في إلقاء القبض على المسيحيين الهاربين فيعود بهم شاول إلى أورشليم للمحاكمة هناك. ومن هنا يظهر سلطة رئيس الكهنة حتى على اليهود الذين خارج اليهودية. وشاول كان يفعل هذا إذ يظن أن فيه مجد الله.

من الطريق = وصف للمسيحيين وتعنى أن المسيحية فرع من اليهودية، وسميت أيضًا شيعة (أع 5:24).

آيات (3-5):-

وفي ذهابه حدث أنه اقترب إلى دمشق فبغتة ابرق حوله نور من السماء. فسقط على الأرض وسمع صوتا قائلًا له شاول شاول لماذا تضطهدني. فقال من أنت يا سيد فقال الرب أنا يسوع الذي أنت تضطهده صعب عليك أن ترفس مناخس.

لماذا تضطهدني = فالكنيسة هي جسد المسيح.

صعبّ عليك أن ترفس مناخس = غالبًا هو مثل شائع معناه أن الحيوان يوضع له مناخس ليسير في الخط المرسوم له وإذا حاول الحيوان أن يرفس ليهرب من هذه المناخس يكون هذا لزيادة آلامه. والحل أن يسير في الطريق المرسوم لهُ فيجد سلامًا. والله حدّد لشاول الطرسوسي خطًا ككارز باسمه، وإن حاول الرفض فسيكون هذا لزيادة ألمه. وما هي هذه المناخس التي استخدمها الله مع شاول؟ من المؤكد أن وجه إسطفانوس الملائكي ظل يعذب ضميره، بل وكل الشهداء المسيحيين الذين عذبهم وهم فرحون كانت هذه الصور تعذبه، وكان يحاول أن يُسَكِّن ضميره بأنما هو يدافع عن مجد الله =(يرفس المناخس) وكذلك كان يزداد ألمًا ولا يجد هدوءًا. ولكن يتضح أنه كان له ضمير حي لذلك كان يتألم، وهذا الألم وضعه الله فيه ليفكر فيندم، وبعد هذه الرؤيا يؤمن. المناخس= جزء حديدي يوضع في نهاية العصا لنخس الحيوان. شاول شاول = هذه هي طريقة الله إن أراد أن ينبه إنسانًا أويستعلن له شيئًا. كما قال سابقًا إبراهيم إبراهيم / موسى موسى/ مرثا مرثا/ سمعان سمعان. وتكرار الاسم فيه تحذير مع تشجيع. في هذه الرؤيا ظهر له المسيح يسوع القائم من الأموات (1 كو 8:15) ويقول له أنا يسوع الذي أنت تضطهده فتنقشع كل الشكوك حول شخص يسوع الذي مات لأجله. كانت محاولات بولس لتسكين ضميره إزاء الوجوه التي إرتسم عليها وجه يسوع والتي كانت تعذب ضميره بعمل الروح القدس فيه، هي كرفس المناخس مماّ كان يزيد ألمه ويمزقه. حتى رأى أخيرًا وجه يسوع نفسه في السماء فكف عن محاولات رفس المناخس.

آية (6):-

فقال وهو مرتعد ومتحير يا رب ماذا تريد أن افعل فقال له الرب قم وادخل المدينة فيقال لك ماذا ينبغي أن تفعل.

عجيب هو الله، الذي يدخل في حوار مع من يضطهده ليجذبه إليه لكنه يحوله للكنيسة ليظهر أهمية الكنيسة في التعليم. بولس هنا رأى الرب يسوع فاختفى من داخله الشك أنه مات وانتهى أمره كما أشاع اليهود

 

آيات (9:7):-

وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا. فنهض شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح العينين لا يبصر أحدا فاقتادوه بيده وادخلوه إلى دمشق. وكان ثلاثة أيام لا يبصر فلم يأكل ولم يشرب.

كانت هذه الرؤيا هي التي حولت مضطهد الكنيسة إلى أعظم كارز لذلك رواها لوقا الرسول 3 مرات، مرة هنا على لسان لوقا نفسه، ومرتين على لسان بولس الرسول (ص 22، 26).

وعند بداية ظهور النور سقط شاول وجميع من معه على الأرض، والباقين وقفوا بعد زوال الصدمة. هم سمعوا صوت ربما صوت بولس وهو يتكلم، وربما صوت رعد ولكنهم لم يتبينوا صوت المسيح ولا سمعوه (وهذا له مثيل في يو 28:12، 29). وهم رأوا ضوء شديد ولكنهم لم يروا وجه يسوع (قارن مع أع 9:22 + 8:15 + 1كو 1:9). كان ظهور المسيح هو استعلان لشاول وحده الإناء المختار، وبهذا صار بولس شاهدًا على قيامة المسيح.

 

 لماذا فقد شاول نظره:

1- إعلانًا لأن ماضيه ما كان سوى حالة عمى، إذ لم يستطع أن يؤمن بالمسيح بالرغم من كل النبوات التي تشهد له والتي يحفظها شاول. وهذا حال اليهود الذين لهم عيون لكنهم لا يبصرون.

2- هي فرصة هدوء للتأمل الباطني في شخص يسوع، وحتى لا تلهيه مناظر العالم عن التأمل. فيتأمل في ماضيه ومعارفه القديمة ويقارن مع ما رآه. ليعيد حساباته على ضوء ما رآه. ويفزع من أن الذي صلبوه إنما هو يهوه نفسه، ويتساءل هل يقبلني الله بعد كل ما فعلت ضده وضد كنيسته؟!

3- ربما كان هذا طبيعيًا لشدة الضوء الذي رآه، ولكن الله سمح له بحالة العمى ليعلن له مشكلته وهي العين المغلقة التي لم تفهم النبوات. كما سمح لزكريا الكاهن أن يصمت ليعلن له أنه لم يقم بدوره في التسبيح والشكر إذ أعلمه الملاك بقرب مجيء المسيا المخلص، بل ظل محصورا في مشكلته أنه ليس له ولد، فلم يدرى وهو الكاهن المعلم أن الملاك كان كمن يقرأ له نبوة ملاخي النبي.

وكان الله يُعد لشاول حنانيا ليعلن له، ليس فقط أنه غفر له، بل سيحوله إلى كارز بإسمه وكانت هذه الحادثة سنة 37.

ولنا أن نتساءل لماذا ظهر الله لشاول ولم يظهر في أورشليم للفريسيين والكهنة؟

والإجابة أن شاول كان يحب الله ويبحث عن مجد الله ولكن بحسب مفهومه، ولم يكن له غرض سوى مجد الله بحسب ما يفهم.  أماّ الكتبة والفريسيين والكهنة فكان هدفهم هو مجدهم الشخصي، وازدياد أموالهم، وهم أسلموا المسيح حسدًا كما فهم بيلاطس، إذ التف الشعب حوله فكانت مواردهم المالية في خطر.

 

آيات (10-16):-

وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا فقال له الرب في رؤيا يا حنانيا فقال هانذا يا. فقال له الرب قم واذهب إلى الزقاق الذي يقال له المستقيم واطلب في بيت يهوذا رجلا طرسوسيا اسمه شاول لأنه هوذا يصلي. وقد رأي في رؤيا رجلا اسمه حنانيا داخلا وواضعا يده عليه لكي يبصر. فأجاب حنانيا يا رب قد سمعت من كثيرين عن هذا الرجل كم من الشرور فعل بقديسيك في أورشليم. وههنا له سلطان من قبل رؤساء الكهنة أن يوثق جميع الذين يدعون باسمك. فقال له الرب اذهب لأن هذا لي إناء مختار ليحمل اسمي أمام أمم وملوك وبني إسرائيل. لأني سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي.

لاحظ أن الله يعطى عنوان شاول لحنانيا ليذهب له. ولاحظ محبة الله وبساطته إذ يقبل حوار حنانيا معه. ولاحظ أن الله لا يفاجئ شاول بشخص لا يعرفه فيتشكك بل يعطيه رؤيا خاصة بحنانيا ليقبل كلماته. ويعمل نفس الشيء مع حنانيا ويخبره عن شاول. وكانت هذه دروس لشاول ليعرف أنه خرج من نطاق الناموس لنطاق عمل الروح.

 

لماذا الشفاء على يد حنانيا:

1- الله اختار شاول، بل وأفرزه من البطن (غل 15:1). ولكن الخلاص من داخل الكنيسة. فشاول لا بُد أن يعتمد ويحل عليه الروح القدس ويتناول من جسد الرب ودمه، وكل هذا لا وجود له خارج الكنيسة. بل حينما اختاره الله ودعاه ليصير رسولًا، كان هذا بوضع يد الكنيسة عليه (أع 3:13).

2- حنانيا له دور ثانٍ، إذ سيُعَرِّفْ الكنيسة بشاول فيثقوا به ولا يرفضوه.

هذا لي إناء مختار = هذا ما قاله بولس نفسه فيما بعد (غل 15:1).

كم ينبغي أن يتألم = (راجع 2كو 11). وبولس نفسه قال “لأنه قد وُهِبَ لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضًا أن تتألموا لأجله (في 29:1) ولقد افتخر بولس بآلامه هذه (كو 24:1) إذ فهم أن هذه الآلام عملت في بناء ونمو الكنيسة، وصارت هذه الآلام سبب تعزيات له، بل هي علامة رضى الله على خدامه. ليحل إسمى أمام أمم وملوك وبني إسرائيل = وهذا ما حدث فعلًا إذ كرز بولس للأمم في كل أوروبا وشهد للمسيح أمام أغريباس الملك وفيلكس وفستوس الولاة، بل وعمَّدَ زوجة نيرون. وشهد أمام بني إسرائيل في كل مكان.

تأمل:-

ما أروع أن أفهم أن الله يهتم بي ويعرف اسمي وعنواني، فها هو يعرف ويشير لحنانيا بالاسم ويشير باسم يهوذا وعنوانه. ويهتم بشاول الطرسوسي لأنه يصلى ويطلبه فيرسل له حنانيا.

 

آية (17):-

فمضى حنانيا ودخل البيت ووضع عليه يديه وقال أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس.

هنا نرى أن إرسال حنانيا كان ليعطى الروح القدس لشاول، وإعطاء الروح القدس نراه ملازمًا لانفتاح أعين شاول. وأن كل هذا بأمر من الله.

الرب يسوع = جاءت باليونانية الرب الذي هو يسوع تأكيدًا لما رآه في الطريق والمعنى أن الرب الذي نعبده ظهر وإتضح أنه هو يسوع.

 

آيات (18-20):-

فللوقت وقع من عينيه شيء كأنه قشور فابصر في الحال وقام واعتمد. وتناول طعاما فتقوى وكان شاول مع التلاميذ الذين في دمشق أياما. وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أن هذا هو ابن الله.

قشور = هذه القشور هي تعبير عن حالة شاول في معارفه القديمة من حرفية الناموس والتعصب، التي كانت حاجزة بينه وبين الإيمان بالمسيح. ونلاحظ أنه بوضع اليد حلَّ الروح القدس على شاول فسقطت قشور الظلمة فأبصر نور العهد الجديد، وصار الذئب حملًا وديعًا، بل كارزًا للمسيح في المجامع أن المسيح هو ابن الله.. ألم تنفتح عينيه. هذا ما حدث مع المولود أعمى إذ انفتحت عينيه وعرف أن المسيح هو ابن الله. لقد شفى بولس من عمى العينين وعمى القلب. لقد صنع المسيح هذه المعجزة مع بولس لأن ما أعمى عينيه كانت قشور حرفية الناموس، والناموس من الله، لذلك تدخل الله ليزيل هذه القشور. أمّا اليهود والكهنة ورؤسائهم كانت القشور التي تعمى عيونهم هي محبة المال والحسد وخوفهم على مراكزهم وسلطانهم، لذلك لم يستحقوا رؤيا مثل هذه، هم لم يحبوا الحق بل أحبوا العالم، ولكن شاول الطرسوسي أحب الحق الذي في الناموس فأعلن له الله الحق الأعلى الذي في العهد الجديد. ونلاحظ إخلاص قلب بولس في محبته لله إذ تحول سريعًا إلى كارز بعد أن اقتنع وآمن.

 

آية (21):-

فبهت جميع الذين كانوا يسمعون وقالوا أليس هذا هو الذي اهلك في أورشليم الذين يدعون بهذا الاسم وقد جاء إلى هنا لهذا ليسوقهم موثقين إلى رؤساء الكهنة.

بُهِتَ = من كان منتظرًا منه اضطهاد المسيحيين بقرار السنهدريم، صار هو المبشر بالمسيح ابن الله. لقد كانت معجزة تغيير شاول أكبر من معجزات شفاء الأمراض. إن شهادة بولس للمسيح أقوى من شهادة بطرس، فبولس كان عدوًا تحول لكارز أما بطرس فكان صديقًا للمسيح. وشهادة العدو أقوى.

 

آية (22):-

وأما شاول فكان يزداد قوة ويحير اليهود الساكنين في دمشق محققا أن هذا هو المسيح.

يزداد قوة = قارن مع (أع 16:26) نفهم أن المسيح كان يظهر له كثيرًا ليعلن له ما يقويه. ومعرفة المسيح تزداد دائمًا عند الذين يطلبون.

محققًا أن هذا هو المسيحاستخدم النبوات لإظهار هذا، كما فعل المسيح مع تلميذيّ عمواس.

 

آيات (23-25):-

ولما تمت أيام كثيرة تشاور اليهود ليقتلوه. فعلم شاول بمكيدتهم وكانوا يراقبون الأبواب أيضًا نهارا وليلا ليقتلوه. فأخذه التلاميذ ليلا وأنزلوه من السور مدلين إياه في سل.

قارن مع (2كو 32:11، 33). ويبدو أن دمشق كانت قد سقطت في يد النبطيين وهي مملكة عربية وعاصمتها البتراء، وهذه كانت قد انتعشت في القرنين الأول والثاني قبل الميلاد. وكانت مملكة النبطيين تقع فيما يحيط بسوريا وفلسطين. وكان ملك النبطيين يسمى الحارث (أريتاس). وهو عَيَّنَ واليًا من قبله على دمشق. وكان الحارث متضايقًا من كرازة بولس في العربية فتضامن اليهود مع والى الحارث، فأمر الوالي بحراسة الأبواب حتى لا يهرب بولس من دمشق ولما تمت أيامًا كثيرة = يدخل في هذه الأيام حوالي ثلاث سنين قضاها بولس في العربية غل (1: 18).

 

آيات (26-30):-

ولما جاء شاول إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ وكان الجميع يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ. فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل وحدثهم كيف ابصر الرب في الطريق وأنه كلمه وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع. فكان معهم يدخل ويخرج في أورشليم ويجاهر باسم الرب يسوع. وكان يخاطب ويباحث اليونانيين فحاولوا أن يقتلوه. علم الإخوة احدروه إلى قيصرية وأرسلوه إلى طرسوس.

قارن مع (غل 17:1، 18) نجد أن بولس قضى 3 سنوات في العربية قبل أن يصعد إلى أورشليم. والعربية هي صحراء مملكة النبطيين. وربما قضى بولس السنوات الثلاث قبل أن يذهب لأورشليم بعد أن هرب من على السور أو هو بعد عماده ذهب للعربية ثلاث سنوات بعدها ذهب لدمشق إلى أن هرب من السور. ولما وصل إلى أورشليم خاف منه المسيحيون ولم يقبلوه وسطهم ولم يصدقوا أنه تحول إلى المسيحية بل تصوروا أنه يتجسس عليهم لينكل بهم أكثر. وفي أورشليم تعرف على بطرس ويعقوب (غل 1: 18-24). وقام برنابا بمهمة تعريفه على المسيحيين ليثقوا به. برنابا = وله اسم آخر هو يوسف، وهو لاوي قبرصى الجنس، وكان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل (أع 4: 36، 37). وصار شخصية مرموقة في الكنيسة وكمسئول. وأرسله الرسل إلى إنطاكية (أع 11: 22-24) لكي يرى الكنيسة. وكان معروفًا لدى كنيسة غلاطية (غل 2: 1،13) وكذلك عند كنيسة كورنثوس (1كو 9: 6) وكذلك في كولوسي (كو 4: 10) وهو مؤسس كنيسة قبرص ويحسب من السبعين رسولًا، ويقال أنه أسس كنيسة ميلان في إيطاليا وكان أول أسقف عليها واستشهد في سلاميس سنة 61م. ويظن البعض أن صداقته مع شاول الطرسوسي ترجع لتلمذة كليهما لغمالائيل.

يخاطب ويباحث اليونانيين = أي اليهود اليونانيين (يهود الشتات) الذين كان إسطفانوس واحدًا منهم وكان شاول بحكم أنه طرسوسي يُحسب منهم، ولكنه نُسِبَ للعبرانيين لأنه يتكلم العبرانية. أمّا اليهود اليونانيين فكانوا لا يتكلمون سوى اليونانية. وإذ هاجم بولس الناموس دون أن يستطيعوا الرد عليه حاولوا قتله فهربوه إلى قيصرية. وكان هذا الهروب بناء على أمر من الرب يسوع (أع 22: 17-21) [ومعنى ما قاله بولس هنا في (أع 17:22-21) لماذا يا رب أترك أورشليم وأنا شاهد منهم لك (يهودي متعصب مثلهم)، فهم يعرفون أنني طالما اضطهدتك والآن صرت أبشر باسمك فشهادتى مهمة] ولكن كان الرب يسوع يريد إرساله للأمم. وهنا نرى شاول وقد وصل لطرسوس.

 

آية (31):-

وأما الكنائس في جميع اليهودية والجليل والسامرة فكان لها سلام وكانت تبنى وتسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس كانت تتكاثر.

نرى الله يسمح بفترة سلام لبناء الكنيسة في اليهودية والجليل والسامرة وهذا لسببين:-

1-    أن شاول الطرسوسي أعظم مضطهد للكنيسة كف عن اضطهاده.

2-    أراد الإمبراطور كاليجولا أن يقيم تمثالًا لنفسه في الهيكل فانشغل اليهود بذلك عن المسيحيين، إذ ذهبوا باكين للوالي الروماني ألا يفعل ذلك.


 

الإصحاح الحادي عشر

آيات (22-30):-

فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى إنطاكية. لما أتى ورأى نعمة الله فرح ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب. لأنه كان رجلا صالحا وممتلئا من الروح القدس والإيمان فانضم إلى الرب جمع غفير. ثم خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول ولما وجده جاء به إلى إنطاكية. فحدث انهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلما جمعا غفيرا ودعي التلاميذ مسيحيين في إنطاكية أولًا. وفي تلك الأيام انحدر أنبياء من أورشليم إلى إنطاكية. وقام واحد منهم اسمه اغابوس وأشار بالروح أن جوعا عظيما كان عتيدا أن يصير على جميع المسكونة الذي صار أيضًا في أيام كلوديوس قيصر. فحتم التلاميذ حسبما تيسر لكل منهم أن يرسل كل واحد شيئًا خدمة إلى الإخوة الساكنين في اليهودية. ففعلوا ذلك مرسلين إلى المشايخ بيد برنابا وشاول.

تعتبر إنطاكية ثالث أكبر مدن العالم في ذلك الوقت بعد روما والإسكندرية وكما رأينا في (11: 21) أنه قد بدأت تنشأ فيها كنيسة كبيرة. فأرسلت كنيسة أورشليم الكنيسة الأم برنابا لإنطاكية ليفتقدها. وفرح برنابا بكنيسة إنطاكية ووعظ بها. وعظ = معنى اسم برنابا ابن الوعظ ويبدو أنه أعِطىَ هذا الاسم لحبه وشغفه بالوعظ أينما وُجِدَ. وإذ وجد برنابا أن العمل كبير وهو يحتاج لمساعدة ذهب إلى طرسوس ليبحث عن شاول ليأتي به ليساعده. وعَلَّما في الكنيسة سنة كاملة. وخلال السنة زار بطرس الرسول كنيسة إنطاكية وأخطأ في عدم أكله مع الأمم وواجهه بولس بشدة بسبب موقفه هذا (غل2). بل أن برنابا انقاد إلى بطرس في هذا السلوك المرائي.

ونلاحظ حكمة الكنيسة الأم في إرسال برنابا لإنطاكية، فهو من اليونانيين غير المتعصبين وكنيسة إنطاكية مملوءة من الأمم واليونانيين. وبرنابا أخذ معه بولس من طرسوس لأنه يعلم موقفه المنفتح للأمم. نلاحظ هنا وحدة الكنيسة، فكنيسة أورشليم الأم تهتم روحيًا بكنيسة إنطاكية وترسل لها من يعلمها (برنابا ثم بطرس بعد ذلك) ونرى اهتمام كنيسة إنطاكية المادي بكنيسة أورشليم إذ علموا أنهم في مجاعة، وحمل برنابا وشاول عطايا كنيسة إنطاكية وذهبوا بها لأورشليم.

دُعِىَ التلاميذ مسيحيين في إنطاكية أولًا = كانوا قبل ذلك يسمون ناصريين أو جليليين وسماهم اليهود الطريق أو الشيعة. ولقد تكونت مجموعة كبيرة من المسيحيين الأمم في إنطاكية أحبوا المسيح وانتسبوا لهُ ورفضوا الالتزام بشريعة موسى والدخول فيها أولًا بحسب فكر المسيحيين من أصل يهودي. وبولس شجعهم على هذا الفكر. وربما يكون اسم مسيحيين قد أطلقه الإنطاكيين الذين آمنوا على أنفسهم لمحبتهم في المسيح أو يكون الوثنيين أو اليهود قد أطلقوه عليهم كما سموا أتباع هيرودس بالهيرودسيين فمثلًا، وربما أطلق الوثنيون هذا الاسم كنوع من الاستخفاف.

انحدر أنبياء من أورشليم إلى إنطاكية = هنا نرى ظهور أنبياء في العهد الجديد (راجع أع 1:13+32:15+10:21) والنبوة هنا هي موهبة من مواهب الروح القدس مثل التكلم بألسنة 1كو 28:12+29:14+ أف 11:4 وهي تعنى:-

1-التنبؤ بالمستقبل كما فعل أغابوس النبي هنا.

2-الوعظ وهذا هو المعنى الأشمل لموهبة النبوة (1كو 14).

والأنبياء كان لهم عملهم حتى رسمت الكنيسة أساقفة كخلفاء للرسل. وهؤلاء يختارهم الشعب ويعينهم الروح القدس، حتى لا تفقد الكنيسة شيئًا من قوة نظامها الإلهي بانتهاء عصر الرسل والأنبياء. فالله هو العامل في الأساقفة. وأغابوس النبي تنبأ بمجاعة ستحدث. ويوسيفوس يخبرنا بأنه قد حدثت مجاعة فعلًا في أورشليم بين سنة 44،  سنة 48. وكثيرون من المؤرخين أرخوا بوجود مجاعات في هذه الفترة نفسها في روما وفي اليونان. وكانت فائدة النبوة أن الكنيسة تدبر أمورها قبل أن تأتى المجاعة (مثل أيام يوسف) وحمل برنابا وشاول عطايا كنيسة إنطاكية لكنيسة أورشليم.


 

الإصحاح الثاني عشر

آية (25):-

ورجع برنابا وشاول من أورشليم بعدما كملا الخدمة وأخذا معهما يوحنا الملقب مرقس.

هنا نرى عودة برنابا وشاول من أورشليم إلى إنطاكية، بعد أن أكملوا خدمة فقراء أورشليم. وجاء معهم مرقس (مار مرقس كاروز ديارنا المصرية) وكان هذا إيذانًا بانطلاق الكرازة للعالم كله. ومرقس هو ابن أخت برنابا (كو 10:4). فمريم أم مرقس هي أخت برنابا وهي صاحبة العُليِة. وكون بولس وبرنابا يأخذان معهما مرقس فهذا غالبًا كان لإقامة برنابا وبولس في علية مار مرقس مركز الكنيسة في أورشليم حيث كان يجتمع الرب مع تلاميذه.

وكانت عودة بولس وبرنابا ومرقس لإنطاكية سنة 46 م. بعد موت هيرودس أغريباس بسنتيين وهذا مات سنة 44 م.

وكانت هناك زيارة أخرى لبولس الرسول لكنيسة أورشليم ليعرض الإنجيل الذي يبشر به على التلاميذ (غل 1:2-10) وبهذا تنطلق الكنيسة إلى الأمم بإنجيل بولس مصدقًا عليه من التلاميذ.

من هذه الآية انطلق بولس وبرنابا ومرقس ليكرزوا للعالم كله وكان معهم لوقا ويقال أن لوقا من إنطاكية. ولوقا هو كاتب سفر الأعمال وإنجيل لوقا.

فاصل

سفر أعمال الرسل : 123456789101112131415161718192021222324  – 25262728

تفسير سفر أعمال الرسل : مقدمة1 23456789101112131415161718192021222324 25262728

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى