تفسير رسالة غلاطية أصحاح ٣ للقمص أنطونيوس فكري
شرح غلاطية – الإصحاح الثالث
الآيات 1 – 5
غل1:3 ” أيها الغلاطيون الأغبياء من رقاكم حتى لا تذعنوا للحق أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسِمَ يسوع المسيح بينكم مصلوبًا”.
أيها الغلاطيون الأغبياء= (راجع تفسير الأغبياء فى الصفحة الأولى من المقدمة)، والسيد المسيح حين قال: “ من قال لأخيه يا أحمق…“ كان هذا بعد قوله: “ من يغضب على أخيه باطلاً..“،وباطلاً تعنى أن تهين شخصًا لأسباب دنيوية كأن يهينك مثلاً. وبولس لم يغضب عليهم ويصفهم بالأغبياء باطلاً أى لأسباب شخصية، بل كان له سبب وجيه، هو خوفه على خلاص نفوسهم.حزن بولس وغضبه يرجعان لسرعة اٍرتداد الغلاطيون للعبودية بعد أن تعب معهم وأراهم طريق النعمة وطريق الحرية وطريق الإيمان، بسبب الاخوة الكذبة. رقاكم: الرقية هنا هى السحر، أى من كتب لكم تعويذة أو سحرًا، فارتدادهم كان سريعًا بدرجة عجيبة كأن عقلهم فى غيبوبة لذلك أسماهم بالأغبياء. فهم قد عميت عيونهم كأنها بسحر شيطانى، فلم يعودوا يميزون الحق من الباطل. وذهبى الفم يقول إن الرُقية هنا ناتجة ليس عن سحر حقيقى، بل هى ناتجة عن حسد الاخوة الكذبة بمفهوم العين الشريرة الحاسدة، وهم حسدوهم على الحرية التى هم فيها، فأرادوا أن يزعزعوهم عنالحق الذى هم فيه. الشيطان أغواهم لكى لا يطيعوا الحق.
قد رُسِم: فيها تصوير لقدرة بولس الرسول على شرح عمل المسيح كأنه قدم لهم لوحة مرسومة، فهو أوضح لهم كل صفات المسيح، قوته ومحبته وتواضعه… وأوضح صفة تميز شخص المسيح وتبرزالصفات السابقة كلها هى صليبه (1كو23:1، 2:2) وهذه الصفة هى التى أثرت فى الغلاطيين وألهبت قلوبهم بحب المسيح. ونلاحظ أنه ليس من المهم أن نعرف شكل المسيح جسديًا، فعين الإيمان ترى بوضوح أكثر من عين الجسد. فبعين الاٍيمان نرى المسيح مصلوبًا بحب وبذل عجيب عنا وهذا لا تراه عين الجسد. فاليهود رأوه بعيونهم الجسدية مصلوباًً ولم يروا حبه، رأوه بالجسد وصلبوه.. رأوه ولم يؤمنوا به ولم يحبوه. وحتى تكون لنا العيون الداخلية التى نرى بها الله والأذانالتى تميز صوته، وحتى نتذوق حلاوة عشرته، هذا يستلزم نقاوة القلب ويستلزم القداسة (مت8:5+عب14:12) .
غل2:3: ” أريد أن أتعلم منكم هذا فقط أباعمال الناموس أخذتم الروح أم بخبر الإيمان”.
هذه سخرية من بولس الرسول عليهم. هذه مثل مدرس أجابهُ تلميذ بإجابة خاطئة جدًا فسخر منه قائلاً: ” علمنى من أين أتيت بهذه المعلومات الخطيرة “. فهم آمنوا وحل عليهم الروح القدس وابتدأ يعمل فيهم بقوته أعمال إعجازية عجيبة وأعطاهم مواهب ألسنة وشفاء. وهم قد اختبروا كل هذا، فكيف بعد ذلك يصدقون الاخوة الكذبة أن أعمال الناموس لازمة للخلاص.
غل3:3 : ” أهكذا أنتم أغبياء أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد”.
عمل الروح القدس فينا هو أنه يهدم الإنسان العتيق الذى فينا ويبنى الإنسان الجديد الذى هو على صورة المسيح. وهذا قطعًا لمن آمن واعتمد وحل عليه الروح القدس وكانت له إرادة التغيير التى تظهر فى جهاده “ كم مرة أردت.. ولم تريدوا” (مت37:23) وكلما مات فينا الإنسان العتيق وقام الانسان الجديد نَكمُل. وهذا معنى نَكمُل بالروح.
ومن يعمل ما عمله الغلاطيون يكون بلا حكمة : أغبياء: فهم بعدما حصلوا على الروح القدس باعتباره القوة التى تغير طبيعتنا لنصير خليقة جديدة وجدهم الرسول عادوا لأعمال الجسد منختان وتطهيرات ناموس ليكملوا. ويسميها الرسول هنا ممارسات جسد لأن فرائض الناموس تعتمد على ممارسات ظاهرية وخارجية، ولا تمس أعماق الحياة الباطنية، ولذلك قال عنها أنها لا تستطيع إلا أن تطهر الجسد عب 13:9. هنا الرسول يتعجب منهم كيف يعودون لأعمال الجسد بعد أن إختبروا عمل الروح فيهم. ولاحظ أنه يستعمل كلمة الجسد، فالجسد ضعيف وله شهواته الخاطئة إشارة لضعف الطرق التى إرتدوا إليها.
غل4:3: ” أهذا المقدار احتملتم عبثًا إن كان عبثًا”.
هم حين آمنوا تحملوا اضطهادات وأتعاب حتى بلغوا الإيمان الصحيح. وذلك من الوثنيين واليهود والإخوة الكذبة الذين يزعجونهم، فهل ما تحملوه كان عبثاً أى بلا سبب. إن كان عبثًا: أى هو ليس عبثاً قطعاً. أى لماذا احتملتم ما احتملتوه من آلام، هل أخطأتم حين آمنتم، بل أنتم تخطئون الآن بارتدادكم.
الآيات 6 – 10
غل5:3: ” فالذي يمنحكم الروح و يعمل قوات فيكم أباعمال الناموس أم بخبر الإيمان”.
فالذى يمنحكم الروح: الله هو الذى يمنح الروح : ويعمل قوات فيهم. وهو يعمل هذا، أى أن الله منحهم الروح وبدأ الروح يعمل قوات فيهم بعد إيمانهم، فلم يسمع أن يهودى فى ظل الناموس كان يعمل قوات، وهم كأمم لم يعرفوا القوات (المعجزات والمواهب الروحية ) قبل إيمانهم. فبولس هنا يلجأ للمنطق. وكأنه يقول… قارنوا بين حالكم الآن وحالكم قبل الإيمان. الآن لكم مواهب وتعملون معجزات، وهذا بالإيمان بدون ناموس، واليهود أمامكم لم يكن لديهم القدرة على عمل قوات فى ظلناموسهم، فلماذا تعودون للناموس، فبماذا سيفيدكم الناموس. وفى هذه الآية نراهم يعملون معجزات وفى الآية السابقة نراهم يحتملون الآلام لأجل المسيح، وهذه درجة أعلى روحياً.
غل6:3: ” كما آمن إبراهيم بالله فحسب له برًا”
بعد أن قدم الرسول أدلة من اختبارهم الشخصى ها هو يقدم أدلة من الكتاب، وهو هنا يقدم شخصية من الكتاب يمجدها الجميع وهو إبراهيم الذى قيل عنه آمن بالله فحسب له براً تك 6:15 (ترجمة سبعينية). وهذا التبرير حصل عليه إبراهيم قبل أن يختتن بحوالى 15 سنة. فالأمر فى الختان كان فى تك14:17 بل أن إبراهيم قيل عنه أنه تبرر قبل ناموس موسى بحوالى 400 سنة. إذًا إبراهيم قد تبرر دون ناموس ودون ختان.
غل7:3: ” اعلموا إًذًا أن الذين هم من الإيمان أولئك هم بنو إبراهيم”.
كيف يصير الغلاطيون أبناءً لإبراهيم وهم لم يعرفوه؟ البنوة التى يتكلم عنها الرسول هنا ليست البنوة الجسدية، بل بنوة فيها يتشابه الابن بأبيه ليس تشابه جسدى ولكن فى الصفات. فهم بإيمانهم شابهوا إبراهيم فى إيمانه، فليس من المهم أن يجرى فى عروقهم دماء إبراهيم، بل أن يجرى فى قلوبهم إيمان إبراهيم. وهكذا كل مؤمن هو ابن لإبراهيم.
غل8:3: ” والكتاب إذ سبق فرأى أن الله بالإيمان يبرر الأمم سبق فبشر إبراهيم أن فيك تتبارك جميع الأمم”.
فيك تتبارك جميع الأمم: قيل فى تك3:12 تتبارك فيك جميع قبائل الأرض. وقيل فى تك18:18 “ ويتبارك به جميع أمم الأرض“. لقد عاش الأمم فى ظلام دامس ولم تنقذهم فلسفاتهم من الخطايا ومن ألامهم. والناموس كشف لليهود عن خطاياهم ولكنه لم يخلصهم منها. لذلك صار الكل أممًا ويهودًا فى احتياج إلى مخلص الذى هو المسيح. ولو كان بالناموس خلاص لبشر الله إبراهيم بالناموس. ولكن الله بشر إبراهيم أنه سيأتى من نسله من سيكون سبب بركة لكل العالم “ ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض” (تك18:22).
بشر: كلمة يبشر تشير لخبر مفرح. وقوله “لجميع الأمم“ يشير إلى علم الله السابق أن الأمم سيدخلون فى الإيمان، فهو هنا قال جميع قبائل الأرض وجميع الأمم، فهو بهذا أدخل الوثنيون مع اليهود فى البركة وفى الموعد، وأنهم بإيمانهم سيصيروا أبناء لإبراهيم. ونلاحظ كون أن إبراهيم يتبرر بالإيمان وأن فى نسله تتبارك الأمم، بهذا يكون الناموس مجرد مرحلة مؤقتة.
آغل9:3، 10: ” إذًا الذين هم من الإيمان يتباركون مع إبراهيم المؤمن. لأن جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة لأنه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به”.
هنا نجد الرسول يرسم لهم طريق للبركة وطريق للعنة. فطريق البركة هو الطريق الذى سلكه إبراهيم فتبرر وباركه الله. وكان كل هذا لأنه آمن، أما طريق الناموس فهو يقود للعنة إذ يقول الناموس إن كل من لا يلتزم بالناموس هو ملعون (تث26:27). وهنا سؤال لكل واحد فيهم… هل فيكم من استطاع أن يلتزم بكل بنود ووصايا الناموس، لذلك من يرجع للناموس يجد أن الناموس يحكم عليه باللعنة. وهل كان لإبراهيم خطايا؟ قطعًا كان له خطايا. ولكن نوعية إيمان إبراهيم جعلت الله يبرره بالرغم من خطاياه. والسؤال هنا لأهل غلاطية أى طريق تختارون البركة أو اللعنة..الإيمان أم الناموس؟!.
وإيمان إبراهيم كان يتلخص فى أن الله قادر أن يخرج حياة من الموت، فالله قادر أن يعطيه نسل من مستودع ميت، والله قادر أن يقيم له إسحق بعد أن يقدمه ذبيحة. لذلك كانت العلامة التى أعطاها الله لإبراهيم فيصبح بها فى عهد مع الله ولا يُقطع من شعب الله، أى تكون له حياة، هى علامة الختان. ولماذا الختان بالذات؟ لأن الختان فيه إشارة لنوعية إيمان إبراهيم. فالختان هو قطعجزء من الجسم وتركه ليموت، وبهذا يحيا الإنسان، فهو حياة بعد موت وهذا هو إيمان إبراهيم. ولذلك قال عنه بولس إنه ختم لبر الإيمان (رو11:4 وراجع تك9:17ـ14 وقارن تك4:17 مع رو17:4)، وهل إيماننا بالمسيح فقط يبررنا؟ راجع المقدمة لترى أن الإيمان هو المدخل لطريق التبرير. ولكن علينا أن نجاهد ونحيا حياة التوبة وبهذا نثبت فى المسيح، ومن هو ثابت فى المسيح يحسب كاملاً، فالمسيح جاء ليكمل الناموس عنى، يكمل الناموس الذى لم يستطيع أحد أن يكمله. وحياة التوبة هى أن نجاهد لنحيا كأموات أمام الخطية (رو11:6+ كو5:3) ومن يخطئ عن ضعف يسرع بالتوبة والاعتراف (1يو8:1، 9) وبهذا نظل ثابتين فى المسيح. ختامًا نقول إن الختان كان إظهارًا لنوعية إيمان إبراهيم ولكنه ليس شرطًا للخلاص بدليل أن إبراهيم نفسه تبرر قبل أن يختن. وإيمان إبراهيم كان فى أن الله قادر أن يخرج حياة من الموت. ومن يؤمن بالمسيح القادر أن يعطيه حياة إن مات عن الخطية يتبرر (ليس المقصود أن يحيا الإنسان بلا خطية تمامًا بل أن يجاهد وإنسقط عن ضعف يتوب).
الآيات 11 – 14
غل11:3: ” ولكن أن ليس أحد يتبرر بالناموس عند الله فظاهر لأن البار بالإيمان يحيا”.
نجد الرسول هنا يلتقط آية من سفر حبقوق هى أن “ البار بالإيمان يحيا“ ويستشهد بها بأن الإيمان هو طريق الحياة. وهذه الآية من (حب4:2)، وقالها حبقوق بقصد أن المؤمن بالله سينجو من الهلاك الآتى بيد بابل. قطعًا لو استطاع إنسان أن يلتزم بالناموس بالكامل سيحيا ولن يهلك ولأنه لا يوجد هذا الإنسان، دبر الله أن يكون الإيمان بالمسيح هو طريق التبرير وطريق الحياة.
غل12:3: ” ولكن الناموس ليس من الإيمان بل الإنسان الذي يفعلها سيحيا بها”.
قيل عن الناموس إن الإنسان الذى يفعلها يحيا بها (لا5:18). لكن الناموس هذا يشمل وصاياأخلاقية كما يشمل أعمال تطهير وخلافه كالختان… إذًا نقطة البدء فى الناموس هى الأعمال.
الناموس ليس من الإيمان: فى المسيحية نقطة البدء هى الإيمان، ومن يؤمن بالمسيح، فالمسيحيعينه فى كل شئ، بل بدونه لا نقدر على شئ (يو5:15 + فى13:4). لذلك الناموس ليس من الإيمان، هو مختلف عنه تماماً. لأن الناموس **يركز على أن أعمل أنا الأعمال**. أما الإيمان بالمسيح فيعطينى أن المسيح يحيا فىّ فتكون لى أعمال بر أعملها بالمسيح الذى فىَّ، هى أعمال نابعة عن النعمة والتى تأتى كثمرة للإيمان، ودليل على وجوده وفاعليته. ولكن وضع الله الناموس ليعلم الإنسان الطاعة والخضوع لله وكره الخطية والنجاسة، وكل الطقوس والممارسات الشكلية فى الناموس كانت رمزًا للمسيح لذلك نسمع فى آية 24 أن الناموس مؤدبنا إلى المسيح. ولم يستطيع أحد أن يلتزم بالناموس، لكن بالمسيح استطعنا ذلك (رو 3:8، 4).
غل13:3: ” المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة”.
فى (غل10:3 + تث26:27) نرى أن من لا يلتزم بكل الناموس يكون تحت اللعنة. وفى (غل12:3+لا5:18) من يفعلها يحيا بها. وهذا ثبت استحالته. لذا صار الكل تحت اللعنة. وهذا ما اعترف به الرسل فى أع 10:15. والمسيح افتدانا من هذه اللعنة لما حمل خطايانا فى جسده ومات تحت اللعنة على الخشبة (تث22:21و23) وبنفس المفهوم قيل إنه صار خطية لأجلنا (2كو21:5). فالكهنة اليهود حكموا على المسيح بأنه مخالف للناموس أى خاطئ وأوقعوا عليه لعنة الناموس وحكموا بموته معلقًا على خشبة رمزًا للعنة والعار. والمسيح رضى بالحكم ولم يعترض فهو الحكمالصادر على البشرية التى يحملها فى جسده معتبرًا جسده ذبيحة خطية. واللعنة هى لعنة الله نفسه التى تأكل بنار متقدة المضادين ولقد قبلها المسيح فى نفسه إذ صار هو لعنة وقبل أن تشتعل فيه نار الغيرة الإلهية لتحمل لعنتنا.
ويقول البابا أثناسيوس الرسولى إن القول بأن المسيح صار لعنة وصار خطية يشير إلى أنه قَبِلَ اللعنة والخطية (صار المنظر على الصليب، والمسيح خاطئ مدان فهو حمل لعنتنا وحمل خطيتنا ليميتها بموته) وذلك كقولنا صار جسدًا (يو14:1) فهذا لا يشير لتحوله إلى جسد بل أنه لبس جسدًا (اتخذ له جسدًا) مع احتفاظه بلاهوته بلا تحول ولا تغيير. وهكذا هو صار له منظر الخطية واللعنة مع احتفاظه ببره وقداسته. وهو حمل خطيتنا لنأخذ نحن بره .
وقوله صار خطية يوسع دائرة تحمل المسيح لخطايا البشرية لتتعدى الزمان والمكان بمعنى أنه صار كفارة أبدية. وهو لحمله خطايا كل البشر صار لعنة بحسب الناموس وصار خطية (1بط24:2) وبموته قتل الخطية لينقذنا منها.
فدانا: قارن مع (1بط18:1ـ20) فهى فدية على مستوى الذبيحة للكفارة + أع28:20 + إش1:43، 3، 4، 14، 25 +6:44، 22ـ24، فالرب اشترانا لنفسه لمحبته. ويمكن أن نقول عن إنه صار خطية وصار لعنة أن المسيح ظهر فى شكل جسد الخطية ومات بجسده ميتة ملعونة ناموسيًا أى الصلب.
غل14:3: ” لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح”.
وكأن لعنة الناموس ظلت حاجزة بين بركة إبراهيم والنسل الموعود له بالبركة (أى الأمم كلها). وكان لا يمكن للبركة أن تصل لنا إلا بعد أن حمل المسيح اللعنة . وبعد أن حملها حلت على المؤمنين (أولاد إبراهيم بالإيمان) أعظم بركة أى الروح القدس الذى نناله بالإيمان. لقد صار موعد الروحبالإيمان لمن يؤمن بالمسيح عوضًا عن موعد سيناء بالناموس. ولقد صار الإيمان بالمسيح سببًا فى رفع اللعنة عنا. فالصليب أزال اللعنة والإيمان أعطانا التبرير وكلما نجاهد لنسلك فى البر تغمرنا نعمة الروح. لقد كان الناموس هو الخطوة الأولى للتعرف على الله. ثم صار الإيمان هو واسطة نوال موعد الروح.
الآيات 15 – 18
غل15:3: ” أيها الاخوة بحسب الإنسان أقول ليس أحد يبطل عهدًا قد تمكن ولو من إنسان أو يزيد عليه”.
أيها الإخوة: سبق وقال لهم يا أغبياء للتوبيخ وهنا يشجعهم بقوله لهم إخوة. فمن الحكمة أنيقسوا مرة عليهم، ومرة أخرى يعاملهم برفق ليجتذبهم. وهنا يلجأ بولس الرسول لمنطق واضح جدًا. أنه إذا وعد إنسان إنسان آخر بشئ لا أجرؤ أنا أو غيرى أن نغير وعد هذا الرجل ونضيف شروطًا أخرى عليه. فما بالك بوعد الله لإبراهيم، فالله تعهد لإبراهيم فكيف يجرؤ الإخوة الكذبة على نقض عهد الله بالزيادة أو بالنقصان، فهم يريدوا أن يضيفوا ناموس موسى لوعد الله لإبراهيم؟
1 ـ إبراهيم يتبرر بالإيمان… راجع آية6… تك6:15
2 ـ فيك تتبارك كل الأمم…راجع آية 8 … تك3:12
وكانت هذه الوعود لمجرد إيمان إبراهيم فمن من حقه أن يضيف شيئًا آخر كالختان أو الناموس الذين أتوا بعد وعد الله بسنوات طويلة. بولس يريد أن يقول لأهل غلاطية، إن الله وضع شرط الخلاص والتبرير بالإيمان. إذًا عليهم أن لا يضيفوا شيئًا آخر على ما قاله الله لإبراهيم. ونلاحظ أن الناموس أتى بعد الوعد بحوالى430 سنة ولم يذكر فى الوعد شئ عن حفظ أعمال الناموس، بل ذكر فيه الإيمان، فإذا ما أضيف شئ أى حفظ الناموس لوعد الله يُساء إلى العهد الإلهى. فهليغيّر الناموس الذى أتى بعد الوعد بـ430 سنة وعد الله لإبراهيم؟ قطعًا لا. ووعد الله لإبراهيم بأن يبارك الأمم فيه (تك3:12) شرطه أن يشبهوا أباهم إبراهيم ويؤمنوا مثله فيكونوا أولاده فى الإيمان (غل7:3 ،8). فمن يؤمن مثله يتبارك مثله.
بحسب الإنسان: أى سأستعمل تشبيهات بشرية.
غل16:3: ” وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول: وفي الأنسال، كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح”.
الكتاب تكلم عن البركة التى ستكون لأولاد إبراهيم الذين يشبهونه فى إيمانه. فما هى هذه البركة؟ هنا نسمع أنها نسل إبراهيم أى المسيح. ولاحظ بولس الرسول أن الكتاب قال “ ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض” (تك18:22) ولاحظ أن نسلك جاءت بالمفرد. وهنا يقول أن الكتاب لم يَقُل “ وفى الأنسال“ حتى لا يقول اليهود إنهم هم الذين سيباركون العالم كأنسال إبراهيم بالجسد. وعود الله لإبراهيم بدأت فى تك3:12 ثم18:18 ثم18:22 وقارن مع رو13:4. وإبراهيم نال هذه البركة، أنه سيتبارك العالم كله فى واحد من نسله أى من أحفاده. والناموس لا يستطيع أن يلغى هذا الوعد الذى أخذه إبراهيم خصوصًا أنه جاء بعد 430 سنة من الوعد الذى كان فى حاران.
غل17:3: ” وإنما أقول هذا أن الناموس الذي صار بعد أربع مئة وثلاثين سنة لا ينسخ عهدًا قد سبق فتمكن من الله نحو المسيح حتى يبطل الموعد”.
430 سنة: هى مدة تاريخ الوعد الأول (تك2:12و3) حتى ناموس موسى .
من هذه الآية نفهم أن المدة التى قضاها بنى إسرائيل فى مصر لا تتعدى 215 سنة. فالوعد لإبراهيم كان وعمره 75 سنة. وإبراهيم ولد إسحق وعمره 100 سنة. إذًا المدة من الوعد حتى ولادة إسحق = 25 سنة. وإسحق ولد يعقوب وعمره 60 سنة. ويعقوب نزل مصر وعمره 130 سنه. فتكون المدة من الوعد حتى النزول لمصر هى =25+60+130=215 سنة. وبالتالى تكون مدة بقاء بنى إسرائيل فى مصر= 430-215=215 سنة. أما لماذا قال الله إن نسل إبراهيم سيتغرب 400 سنة تك 13:15 فذلك لأن مدة الـ400 سنة تشمل مدة بقاء إبراهيم وإسحق ويعقوب فى أرض فلسطين كغرباء دون أن يمتلكوها. ولاحظ أنه حين يقول 400 سنة فهو يبدأ فى حساب المدة من يوم أهان إسماعيل أخوه إسحق تك9:21 فكلمة يمزح تعنى فى اللغة الأصلية يسخر منه.هذا بالإضافة لأن إبراهيم وإسحق ويعقوب عاشوا فى الأرض التى وعدهم الله بها كغرباء فى خيام( إبراهيم إشتهر بأنه كان له خيمة ومذبح )ولم يمتلك فى أرض الميعاد سوى مقبرة مغارة المكفيلة إشارة لطبيعة حياتنا كغرباء فى هذا العالم
(عب 10،9:11) ولكن نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب هم الذين إمتلكوا الأرض بعد ذلك.
ووعود الله ثابتة للأبد، ووعد الله يتركز فى الإيمان بنسل إبراهيم الواحد والذى فيه تتبارك كل الأمم. وغلطة المتهودين أنهم حسبوا أن الناموس التأديبى قادر أن ينسخ: أى يلغى العهد المجانى لإبراهيم. هؤلاء تمسكوا بناموس يؤدب بالموت واللعنة كل من يتعدى عليه، ويبطلوا عهد الإيمانالمجانى بالبركة. هؤلاء لم يفهموا أن الناموس (أى قانون) دائمًا للعقاب أما وعد الله لإبراهيم فيتضمن الميراث المجانى لمن يؤمن (رو17:8).
غل18:3: ” لإنه إن كانت الوراثة من الناموس، فلم تكن أيضًا من موعد. ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد”.
هذه الآية تعنى ببساطة أن هناك طريقين للوراثة:
1 ـ إما بأعمال الناموس. 2 ـ بوعد من الله.
والآن لنرَ ماذا سنرث؟
مجد أبدى وفرح أبدى، ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن وما لم يخطر على بال إنسان. وأجسادنا يصير لها نفس مجد جسد المسيح فنصير مثله (1 كو9:2 + فى 21:3 +1 يو2:3). فإن فهمنا أن الميراث سيكون فى نظير أعمال، فما هو العمل الذى يوازى ما سيحصل عليه فى السماء.
الناموس يلزم الخاطئ بتقديم شاة أو غسل يديه، فهل هذه الأمجاد السمائية تناظر شاة. لقد تساءل هذا السؤال ميخا النبى فقال: “ بم أتقدم إلى الرب… هل يسر الرب بألوف الكباش. بربوات أنهار زيت” (مى6:6، 7)، ويجيب ميخا عن ما الذى يفرح الرب: أن نصنع الحق ونحب الرحمة ونسلك بتواضع مع الله (مى8:6). إن الله لا يُسرّ بألوف الكباش لأنه قدم ابنه محرقة، ولن أقدم أنا زيتًا لله، فالله هو الذى سكب الروح القدس على الكنيسة وملأنا نعمة لتغير طبيعتنا، وبالطبيعة الجديدة نخلص. أعمالنا لن تخلصنا وإلا ما كان المسيح قد تجسد وصلب. ولكن حتى نمتلئ من النعمة علينا أن نجاهد وهذا ما قاله ميخا: “ أن نصنع الحق ونحب الرحمة…“.
إن من يتصور أنه يرث البركة بسبب الناموس فهو يلغى الوعد بالبركة الذى أعطاه الله لإبراهيم بالإيمان. وبنفس المنطق لا يصح أن أقف أمام الله وأقول: أنا صليت لك وصمت لك وخدمتك…فلماذا تسمح لى بكذا وكذا من التجارب. لا يصح أن نتفاخر بأعمالنا أمام الله فهذا هو البر الذاتى الذى تكلم عنه المسيح: “ لا تعلم شمالك ما تفعله يمينك“.
الآيات 19 – 25
غل19:3: ” فلماذا الناموس قد زيد بسبب التعديات إلى أن يأتي النسل الذي قد وعد له مرتبًا بملائكة في يد وسيط”.
هنا يبدأ الرسول فى بحث جديد وهو إذا كان الوعد بالبركة مجانيًا بالإيمان فلماذا الناموس؟ ونفس السؤال أجاب عنه فى رسالة رومية (راجع المقدمة تحت عنوان عمل الروح القدس فى تجديد طبيعة الإنسان )
قد زيد: أى أضيف على الوعد بالإيمان. بسبب التعديات: بعد سقوط آدم تحجر قلب البشر وصاروا ينحدرون من مستوى إلى مستوى أحط وزادت التعديات. وبعد خروج بنى إسرائيل من مصر، خطط الله ليجعلهم شعبًا مقدسًا فكان أن أعطاهم الناموس عونًا ليسيطر على أخلاقهم الشرسة ويهذبهم. كان الناموس كلجام لهم ليضبطهم حتى لا ينفلتوا فى الشر بسبب عقوبات الناموس وتأديبه. والناموس عَرَفَ الخطية وأدخل الخاطئ تحت عقوبة الموت. وبولس هنا يشرح أن عمل الناموس كان إلى أن يأتى النسل الموعود به الذى ستكون به البركة لكل من يؤمن به. فالفداء وإرسال الروح القدس سيغير طبيعتنا كطريق للخلاص
مرتباً بملائكة فى يد وسيط: بولس يشرح هنا التقليد اليهودى أن الله أعطى الناموس لموسىكوسيط بينه وبين الشعب. وعين الله ملائكة خاصة ليسلموا موسى الناموس ويشرحوه له (أع 53:7 + عب 3،2:2). وربما هذا ما عناه موسى فى تث2:33. وهكذا كان ملاك مرافق ليوحنا فى رؤياه ليشرح له. وهذا الناموس تم تسليمه بيد ملائكة ولم يسلم لإسرائيل رأساً شأن وعد الله لإبراهيم، الذى إستلمه إبراهيم مباشرةً من الله. وكان موس وسيط بين الله والناس ليُذَكِر بالمسيح الوسيط بين الله والإنسان، المسيح الذى سيأتى فى ملء الزمان.
غل20:3: ” وأما الوسيط فلا يكون لواحد ولكن الله واحد”.
أما الوسيط فلا يكون لواحد: فى العهد القديم. الأمر إستلزم أن يكون هناك وسيط بين الله والناس وهو موسى. فالله يعطى الناموس للملائكة والملائكة تعطيه لموسى وموسى يعطيه للشعب. وقوله الوسيط لا يكون لواحد تعنى أنه طالما هناك وسيط، فهذا الوسيط يكون بين طرفين والطرفين هنا هما الله والشعب. ولكن الله واحد: أما فى العهد الجديد فلم يكن هناك وسيط بين طرفين، بل أن الله تجسد وإتحد بالطبيعة البشرية.
الرسول يريد أن يقول هل تريدون أن ترتدوا من هذا الوضع الذى صرتم فيه واحد مع المسيح، إتحدتم به. والمسيح هو الله، لتعودوا للناموس ويكون هناك وسيط بينكم وبين الله. ونلاحظ قول بولس الرسول “ لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس الإنسان يسوع المسيح” (1تى5:2).استشعر الإنسان فى العهد القديم غضب الله، فطلب أيوب وسيطًا بينه وبين الله فقال “ ليس بيننا مصالح يضع يديه على كلينا، ليرفع عنى عصاه ولا يبغتنى رعبه، إذاً أتكلم ولا أخافه” (أى33:9 ـ35). فهو اشتهى وجود مصالح بين الله وبينه ليرفع الله غضبه عنه. وكمرحلة أولى نجد الله يرسل موسى كوسيط بينه وبين البشر، وناموس موسى كان معاهدة بين الله والشعب اليهودى. ويظل الاتفاق سارى المفعول طالما ينفذ كلا الطرفين بنوده بكل دقائقه وحذا فيره. ولكن الشعب اليهودى لم يلتزم ولذلك ثبت بطلان وعدم نفع الناموس الذى كان وسيطه موسى.وفى العهد الجديد كان الوسيط بين الله والإنسان هو الله يسوع المسيح. إذاً لا وسيط آخر بل الله الواحد لذلك ارتفع مستوى العهد الجديد عن العهد القديم الذى استلزم وسيطاً من البشر ومن الملائكة، وفى العهد الجديد لا يوجد طرفى تعاهد، بل يوجد واحد هو الله معطى الوعد، والله الذى اتحد بالطبيعة البشرية، فالله المعطى هو كل شئ وهو الوسيط. والإنسان قابل العطية هو لا شئ. لم يعد هناك طرفان بينهما وسيط، فالله المسيح أخذ جسداً وتأنس واتحد بالبشرية. الله صار هو كل شئ، لم يعد يظهر فى الصورةسوى الله، فالإنسان مهما كان هو لا شئ أمام الله. وهذا هو ما سنصل إليه فى اليوم الأخير حين يكون الله الكل فى الكل (1كو28:15). والكل سيكون خاضع لله. وبهذا المفهوم أيضًا يكون وعد الله لإبراهيم أعلى درجة من وعد الله للشعب بالناموس، إذ لم يكن وسيط بين الله وإبراهيم.
ولأن الله الذى اتحد بالبشر واحد، فهو سيجمع اليهود والأمم لأنه إله الجميع يهود وأمم.
غل21:3: ” فهل الناموس ضد مواعيد الله حاشا لأنه لو أعطي ناموس قادر أن يحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس”.
فهل الناموس ضد مواعيد الله… هذا سؤال يسأله بولس. لأنه لو أعطى ناموس قادر أن يحيى لكان البر بالناموس… هذا شرح للسؤال وإجابة هذا السؤال نجدها فى آية 22.
والجزء الثانى من الآية هو نفسه تكرار للآية 21:2 “ لأنه إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذاً مات بلا سبب“. هنا بولس يتساءل. إذا كان وعد الله له كل هذه البركات، والناموس صار سبب لعنة لمن يخالف وصاياه، ولم يوجد من استطاع الالتزام بكل الناموس. فهل الناموس ضد مواعيد الله. ويسترسل بولس ليقول، إننى أسأل هذا السؤال لأنه لو وُجِدَ ناموس يقدر أن يعطى حياة وبر ـ والله يريد أن يعطينا حياة وأن يبررنا ـ لكان الله أعطانا هذا الناموس. فى نظر الرسول أن الناموس مقدس والوصية مقدسة (رو12:7). ولكنه لم يستطع أن يكمل وعد الله لإبراهيم. فالناموس حكم بالموت واللعنة بينما وعد الله بركة وحياة. ولو كان هناك ناموس يعطى حياة لوفر الله على نفسه مشقة الصليب. الناموس لا يقاوم مواعيد الله فكلاهما مصدرهما الله ولكن هذا كنور الشمس (الوعد) وذاك كنور شمعة (الناموس) ومع هذا أفرز الناموس قديسين وأنبياء أطهار، وكان الشعب اليهودى أفضل بمراحل ممن حوله، وهذا دليل على نجاح الناموس. ولكن من استفاد من الناموس هو من لم يبحث عن بره الذاتى وانتفخ. أما فى العهد الجديد فأنا أستطيع تنفيذ الوصايا بالمسيح الذى فىَ. فهل أنتفخ وأتفاخر بنجاح مصدره المسيح الذى فىَ. المسيحى الحقيقى يزداد تواضعاً كلما ازداد بره. فبر المسيحى راجع لأن المسيح يحيا فيه. والمسيح الذى يحيا فى المسيحى هو مسيح متواضع .
غل22:3: ” لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون”.
الكتاب: الأنبياء وبقية الكتاب المقدس (العهد القديم)
أغلق: أقنع. إذًا الكتاب المقدس بنبواته ووصاياه أقنع الكل أمم ويهود. إن الكل زاغ وفسد ويحتاج لمخلص من السماء هو المسيح.
ونسمع فى (رو9:3ـ18) أوصاف فظيعة عن البشر كما يصفهم الناموس، فهذه الأوصاف كلها مأخوذة من الكتاب المقدس. وملخص نبوات الأنبياء أن البشر فى حالة خطية فظيعة، لكن يشير الأنبياء كلهم أن هناك مخلص سوف يأتى لينقذ البشرية. وبهذا فالكتاب أقنع البشر بفسادهم وجعلهم فى وضع انتظار للمخلص الآتى. هذا بالإضافة لأن الناموس بتأديباته وعقوباته كان كمؤدب للشعب اليهودى. وبهذه الآية يجيب الرسول على سؤاله فى آية 21 أن الناموس كان:
1) مؤدب 2) ليعطى البشر أن يكونوا فى حالة انتظار وترقب لمجئ المخلص. ولكن لا يوجد ناموس يعطى حياة. وحتى الآن فإن النعمة لا تعمل فى إنسان ما لم يدرك أنه خاطئ وفى حاجة للمسيح ليبرره، أما من يشعر أنه غير محتاج للمسيح يتقيأه المسيح (رؤ16:3و17). إذًا الناموس ليس ضدًا للإيمان بل هو يقود إليه. إذًا كل خاطئ الآن ليس ثابتًا فى المسيح والمسيح لا يحيا فيه، هو خاضع للناموس وعليه لعنة الناموس. وحينما يدرك بالناموس خطيته يبحث عن المسيح.
إيمان يسوع المسيح: تصديق يسوع المسيح أنه ابن الله وعمله للخلاص. وهذا عين ما عمله إبراهيم حين آمن بالله أى صدَّق الله فتثبتت له المواعيد. وهكذا بالإيمان نال جميع الأمم فى المسيح يسوع موعد الله لإبراهيم فتباركت فيه كل أمم الأرض حسب وعد الله : للذين يؤمنون
غل23:3: ” ولكن قبلما جاء الإيمان كنا محروسين تحت الناموس مغلقًا علينا إلى الإيمان العتيد أن يعلن” .
محروسين: تعنى محبوسين كمن فى سجن بأوامره ونواهيه. مغلقًا علينا: فى الحبس. فى الآية السابقة سمعنا أنه قد أغلق علينا تحت الخطية أى صار الكل مقتنعًا بأنه خاطئ نجس يستحق الموت، والكل فى انتظار الموت. وهنا نجد الكل مغلق عليه بأوامر ونواهى الناموس، بأن هذا حلال وهذا حرام، كنا كمن فى سجن الناموس. والناموس أيضًا يحكم بالموت على من يخالف وصاياه وأوامره وطقوسه أما الوضع فى المسيحية أننا قد تحررنا من أعمال الناموس وصرنا نطيع وصايا الكتاب بحرية وبدون خوف أو كبت، وذلك بسبب حياة المسيح فينا. فالمسيح حررنى من طقوس الناموس وأعطانى أن أسلك بحسب وصاياه بقوة يعطيها هو لى. أما فى ظل الناموس، كانت طبيعتى هى الطبيعة القديمة المتمردة، وهذه احتاجت لمروض أو مؤدب يقول لها هذا حرام وهذا حلال، ويخيفها بعقوباته. مثال: من ثمار الروح القدس المحبة (غل22:5). فمن هو مملوء بالمحبة لن يحتاج لوصية “لا تقتل“. ومن ثمار الروح التعفف، ومن له هذه لن يشتهى شهوة خاطئة ولن يحتاج لوصية “لا تزن“.
غل24:3: ” إذًا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان”.
مؤدبنا: الكلمة المستخدمة هنا تعنى العبد المكلف بتربية طفل ابن البيت أى الذى يرافق الابن الحر أينما صار ليعلمه كيف يتحرك ويتصرف وكيف يسلك حسنًا، وله أن يستخدم العصا فى التهذيب كوصية أبيه حتى لا يستخدم الابن حريته فى الباطل. وهذا الوضع يستمر حتى ينضج الابن.
لكى نتبرر بالإيمان: بالإيمان بالمسيح نتبرر بالإيمان، أى تتغير طبيعتنا فنستطيع أن نسلك فى البر ونعمل أعمال بر بحريتنا. والفرق بين الناموس والإيمان بالمسيح، هو أن الناموس هو مثل القانون الجنائى لا يستطيع سوى أن يحاكم القاتل، لكنه لا يستطيع أن يصل لضميره الداخلى ليمنعه أن يشتهى موت عدوه. ولن يستطيع الوصول لداخل القلب والفكر إلا الروح القدس. ووصيةمثل لا تشتهى لا يمكن تنفيذها إلا بالروح القدس.
غل25:3: ” ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب”.
هنا يؤكد إستحالة الجمع بين العبودية وحرية البنين التى حصلوا عليها بالإيمان. من يرجع للناموس إذًا يكون مثل الرجل الناضج الذى يحن لضرب العصا الذى ذاقه فى الطفولة، ولكن لنلاحظ أن الناموس ليس متعارضًا مع النعمة بل هو كان ممهدًا لها، ويقود لها وهو عاملاً معها. ولكن عليه أن لا يشدنا للوراء فنكون كمن إرتد من نور الشمس لنور الشمعة.
الآيات 26 – 29
غل26:3: ” إنكم جميعًا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع”.
الأصل اليونانى لأنكم جميعاً أبناء الله فى المسيح يسوع: وفى تعنى أننا صرنا أبناء بالإتحاد بالمسيح، وهذا يتم بالمعمودية (رو5:6). ونستمر بهذا الإتحاد فى حياة التوبة والجهاد. جميعًا:يهود وأمم فالمسيح فدى الكل ولاحظ أنه فى الآيات السابقة كان يقول ” كنا، مؤدبنا..” فالناموس كان لليهود وهو منهم. وهو فى هذه الآية يقول ” لأنكم “.. يقصد أيها الأمم، أنتم لم يكن لكم ناموس موسى فيما مضى، هو كان لنا نحن اليهود، فمالكم وماله.
غل27:3: ” لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح”.
إعتمدتم بالمسيح: = صحتها اعتمدتم فى المسيح. فنحن متنا مع المسيح وقمنا معه كخليقة جديدة قد تبررت وتقدست (رو 1:6-11 +2 كو17:5 +1 كو11:6).
لبستم المسيح: صار المسيح يحيا فينا وتكون أعضائنا أعضاء له يستخدمها كآلات بر. يعطينا بره ويستر عيوبنا وتكون لنا فضائله. المُعمَّد فى المسيح مات عن إنسانه العتيق ولبس إنسانًا جديدًا شكل المسيح، لذلك نكون صورة المسيح.
خلع الإنسان العتيق: موت مع المسيح فى المعمودية ولبس المسيح تعبير عن القيامة بجسد مبرر يسلك ببر المسيح لذلك يلبس المُعمّد ثوبًا أبيض. ولكن ليحيا المسيح فىّ، علىّ أن أقبل الصليب (غل20:2). والمعمودية هى سر لأن الروح القدس يُجرى فينا موتًا حقيقيًا وقيامة حقيقية.
غل28:3: ” ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعًا واحد في المسيح يسوع”.
كما رأينا فى الآية السابقة، ففى المعمودية نموت مع المسيح ونقوم معه لابسين صورته، ولذلك فكل من دخل المعمودية يهودى أو يونانى. عبد أو حر. رجل أم أنثى، الكل مات، والكل قام بشكل المسيح. وإذا كنا كلنا شكل المسيح فلا فرق بين واحد وآخر (غل19:4). وبولس هنا يركز على أقوال اليهود ويقتبس من كتاب الصلوات الصباحية لهم حين يصلون شاكرين الله أنه لم يخلقهم أمميين ولا عبيد ولا نساء، فهذه تحسب أصل النجاسة. ونلاحظ أن فى الكنيسة لا فرق بين سيد وعبد، فمثلاً فليمون السيد وأنسيمس عبده كلاهما صارا أساقفة. ويكفى المرأة كرامة أن العذراء كانت امرأة.
غل29:3: ” فإن كنتم للمسيح فأنتم إذًا نسل إبراهيم وحسب الموعد ورثة”.
الوعد لإبراهيم أن تتبارك فى نسله (المسيح)، كل الأمم (نحن) صار لنا بالإيمان، فإبراهيم حصل على الوعد بالإيمان، ونحن نحصل عليه بالإيمان. والميراث السماوى صار لنا لا بالختان بل بالثبات فى المسيح بالإيمان والمعمودية.
تفسير غلاطية 2 | تفسير رسالة غلاطية | تفسير العهد الجديد |
تفسير غلاطية 4 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة غلاطية | تفاسير العهد الجديد |