تفسير رسالة غلاطية أصحاح ٤ للقمص أنطونيوس فكري
شرح غلاطية – الإصحاح الرابع
الآيات 1 – 11
غل1:4 ” وإنما أقول ما دام الوارث قاصرًا لا يفرق شيئًا عن العبد مع كونه صاحب الجميع” .
بولس يستخدم وسائل متعددة ليثبت لهم أن الناموس والختان كانا لمرحلة مؤقتة. وهنا يقول إن الطفل والعبد لا يستطيعان أن يتصرفا فى ثروة صاحب البيت وبهذا يقول لهم إن إرتدادهم للناموس شبيه بهذا الموقف، فإنسان الناموس وعدم نضجه الروحى يشبه بالطفل. وفى عدم تمتعه بالحرية يشبه بالعبد. أما المسيحى بنضجه الروحى وتمتعه بالحرية فهو يكون لائقًا بالميراث. فالناموس يمثل الوصى على الولد القاصر حتى لا يمد يده على الميراث قبل أن يصل إلى حالة الإدراك الكافى، والوصى يعتنى بالممتلكات ويحرسها، أما القاصر فلا حرية له فى التصرف فيها. وفى هذا تأنيب لهم أنهم بارتدادهم للناموس يصيروا كمن يعود لمرحلة الطفولة أو يصير عبدًا فاقدًا لحريته.
غل2:4: ” بل هو تحت أوصياء ووكلاء إلى الوقت المؤجل من أبيه”.
الوصى هو المتولى القانونى على الطفل القاصر ويكون مسئولاً أمام القانون عن الأموال الموروثة. والوكيل هو المُعيَن من البيت أو العائلة ليرى أمور حياته وصحته وتعليمه ويكون بمثابة أبيه. والناموس بأحكام وصاياه يمثل الوصى، وبتعاليمه [من ختان وغسلات وعدم لمس ميت لئلا يتنجس وعدم أكل أشياء معينة…] يمثل الوكيل، وعمله ذلك مؤقت إلى أن يأتى ناموس الحرية. ونفهم الآن فى ظل ناموس الحرية أن الختان رمز للمعمودية، والموت يساوى الخطية، فالتلامس مع ميت رمز لمن يذهب لكى يتذوق ويتلامس مع الخطية فيموت… وهكذا.
وفى مرحلة الطفولة (فى ظل الناموس) كان الإنسان لا يستطيع أن يفهم سوى الماديات، وميراث الأرض والعمر الطويل والصحة.. هكذا كانت وعود العهد القديم للأبرار. أما فى مرحلة النضج فصرنا نفهم الأمجاد السماوية ولا نهتم بالميراث الأرضى ولا الصحة (بولس كان عليل الصحة) ولا العمر الطويل (الشهيدين أبانوب وقرياقص). وصرنا نفهم أن التجارب هى طريق السماء، والإعداد للسماء.
الوقت المؤجل: أسماه بولس ملء الزمان آية 4. حين يأتى المسيح ليعطينا الحرية. هو الوقت الذى كان الله يعلم أن الإنسان سيكون ناضجًا ويستطيع فيه أن يترك مرحلة الطفولة، وبالتالى يمنحه الله هذه الحرية. ولاحظ تعليم بولس عن الحرية “كل الأشياء تحل لى. لكن ليس كل الأشياء توافق“وعلى أن يكون ما أختاره يبنى علاقتى بالله، وعلى أن لا يتسلط علىَ شئ (1كو12:6، 23:10)هذا تعليم يصلح للناضجين.
غل3:4: ” هكذا نحن أيضًا لما كنا قاصرين كنا مستعبدين تحت أركان العالم”.
قبل المسيح كان اليهود قاصرون تحت عبودية الناموس (غل10،9:4) وكان الأمم مستعبدينتحت أركان العالم (غل8:4). والمسيح حرر الجميع من عبوديتهم، هل بعد ما أصبحوا سادة للبيت يعودون ليصبحوا عبيدًا للناموس. وفى هذه الآية الشاملة (3:4) يشمل أركان العالم وأركان الناموس فى كلمة واحدة أسماها أركان العالم، ثم فصلها فى آيات 8، 9، 10.
أركان: كلمة باليونانية تعنى أشياء مرصوصة بجوار بعضها مثل الحروف الأبجدية (أ،ب،ت…) وأحسن مثال لهذه الكلمة المكعبات المرسوم عليها حروف اللغة الأبجدية ليكون منها الطفل كلمة مفهومة. والأبجدية هى أول ما يتعلم الطفل لذلك صارت كلمة أركان باليونانية تعبر عن الشئ البدائى أو البدائيات أو المبادئ الأولية (عب12:5). وننتهى بذلك أن أركان اليهود هى إشارة لمطاليب الناموس البدائية روحياً وأركان العالم الوثنى هى خرافات الوثنيين مثل التفاؤل والتشاؤم وإسترضاء الآلهة بالذبائح.
غل4:4: ” ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة مولودًا تحت الناموس”.
ملء الزمان: هو ما أسماه سابقًا الوقت المؤجل (آية 2) من أبى الولد الوريث لكى تفك وصايته ، هو الوقت الذى رآه الله مناسباً من كل الوجوه لكى يأتى المسيح. أرسل الله ابنه: عبارة يفهم منها بوضوح أن المسيح كان موجوداً قبل أن يولد من العذراء.
من امرأة: أى ليست ولادة طبيعية. فالمسيح ليس من نسل رجل بل من عذراء.
تحت الناموس: طالما وُلِدَ من امرأة يهودية فهو بالضرورة يكون خاضعًا للناموس. ولكن الناموس لم يحكم عليه ويسوده فهو بلا خطية فلم يُلعَن من الناموس. والمسيح التزم بكل طقوس الناموس كالتطهيرات والختان.
غل5:4: ” ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني”.
ليفتدى: يشترى لنفسه بثمن هو جسده ودمه، وبذلك دفع كل الديون التى علينا. وأنهى لعنة الناموس وأخرجنا من رباطات الخطية والموت وبهذا نلنا التبنى والحرية من الناموس. حالة التبنى ننالها كعطية بمقتضى الوعد القديم لأبينا إبراهيم. التبنى: فى المعمودية نموت مع المسيح فتغفر خطايانا. ونقوم متحدين مع المسيح الابن فنصير أبناء. وهذا يتم بناءاً على الفداء الذى فيه مات المسيح وقام.
تحت الناموس: المسيح إفتدى اليهود الذين هم تحت الناموس وإفتدى الأمم أيضًا الذين بلا ناموس وأحرار منه. ولكن بولس يقول هنا ذلك إشارة للغلاطيين الذين كانوا أمماً، وصاروا فى المسيحية أبناء مباشرةً، ويريدون الآن أن يعودوا للناموس. اليهود كانوا تحت لعنة الناموس إذ لم يستطيعوا الإلتزام به. والمسيح حررهم من لعنته. وأنتم أيها الغلاطيون كنتم أصلاً أحراراً من لعنة الناموس، إذ لم يكن الناموس لكم، فماذا تريدون، أتريدون الدخول إلى لعنة الناموس؟ !!
غل6:4: ” ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبا الآب”.
من آمن وقبل الفداء صار ابنًا وحرًا من الناموس والخطية. وحل عليه الروح القدس نتيجة إتحاده بالإبن. وصار الروح القدس الذى فى داخلنا يشهد بهذه البنوة، فصرنا نصلى للآب بقولنا يا أبا الآب كما كان المسيح يقولها تمامًا (مر36:14). فنحن صرنا أبناء للآب بالتبعية أى بإتحادنا بالمسيح الابن. واللفظ يا أبا هى صرخة الطفل لأباه ومازالت تنطق هكذا بالعربية. ولفظ يا أبا هو عبرانى أرامى ولفظ باتير (الأب) يونانى. والمعنى أن الله صار أبًا للجميع يهود وأمم.
صارخًا: الروح يصرخ ويقول لى أصرخ قائلاً أنت أبى. هو يعطينى شعور بالبنوة لله. ولنلاحظ أننا معرضين فى كل لحظة بحروب من إبليس ليوقع بيننا وبين الله، ويشككنا فى محبته وأبوته، مثل مرض أحد أحبائنا أو موته، أو فى تجربة تحدث لى أو مرض يصيبنى شخصيًا فيأتى الشيطان ويصور لى أن هذا ناتج عن عدم محبة الله لنا أو ناتج عن قسوته أو أن الله يكرهنا. وهنا يصرخ الروح القدس فى داخلنا قائلاً… أبداً لا تصدق. الله يحبك. أنت إبن محبوب لله. ثق أن هذة التجربة هى طريقك للسماء، لو لم تكن طريقك للسماء ما سمح بها الله. اثبت أنت ابن. هل يترك أب ابنه. أذكر قول المسيح “هل يطلب إبن من أبيه رغيف فيعطيه حجر، هل يطلب سمكة فيعطيه حية“. نسمع صوت إبليس يوقع بيننا وبين الله، إن هذه التجربة هى عقرب فيصرخ الروح القدس داخلنا، أنت ابن، هل يعطى أب لابنه عقرب أو حية. هذة سمكة. هذة التجربة طريقك للسماء. هى لصالحك. هذا هو صراخ المصالحة مع الله (2كو18:5، 19).
وإذا سلكت فى طريق الخطية يصرخ الروح القدس فى داخلى. أنت ابن لله. أنت تنتمى للسماء. هل يصح أن تفعل ما تفعله. هل تقبل أن تكون سبب فى التجديف على اسم أبيك السماوى وهذا ما يسمى تبكيت الروح القدس على خطية.
والروح القدس يصرخ فى قلب الخادم أن لا يتكاسل فهو إبن الله. وأن المخدومين إخوته وعليه أن يفتقدهم فهم جميعاً أبناء الآب السماوى. وهو يصرخ فينا ليدفعنا لنصلى ونسبح لنتذوق الأحضان الأبويه. وهذا يسمى تبكيت الروح القدس على بر.
ولو تكاسلت وإعتذرت بأن الشيطان أقوى منى وسبب هذه السقطات يصرخ فى داخلى بأن الشيطان قد دين، وأن المسيح صرخ للآب قائلاً أيها الآب إحفظهم فى اسمك (يو11:17) فهل يعود الآب ويترك إبنه لسلطان إبليس، خصوصاً أن إبليس مدان. وهذا ما يسمى تبكيت على دينونة(يو8:16).
والروح القدس يحكى لى عمن هو المسيح فأحبه. ويحكى لى عن المجد المعد فأشتهيه. فيقول لى كل هذا لك فأنت إبن. فأصرخ لى إشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا(يو14:16+ 1كو 9:2-12+ فى 23:1).
والروح القدس هو الذى يعطينى الشعور بالبنوة، وبدالة البنوه ويقول لى أطلب بثقة من الله. أنت ابن.
غل7:4: ” إذًا لست بعد عبدًا بل ابنًا وإن كنت ابنًا فوارث لله بالمسيح”.
(رو17:8) : “ فإن كنا أولاداً فإننا ورثة أيضاً ورثة الله ووارثون مع المسيح“
(عب2:1): ابنه الذى جعله وارثاً لكل شىء.
ما معنى أن المسيح يرث؟ هل كان المسيح ابن الله بلا مجد وصار له المجد؟
إذا تكلمنا عن لاهوت المسيح فهو لم يفقد مجده لحظة واحدة ولا طرفة عين. وإذا تكلمنا عن جسده، فهو وُلِدَ بجسد عادى كجسدنا تمامًا. هذا الجسد صار له كل المجد حينما جلس عن يمين الآب. وكان هذا لحسابنا فكل من اتحد به، واستمر ثابتًا فيه سيصير له المجد كميراث “ أنا قد أعطيتهم المجد الذى أعطيتنى” (يو22:17)+ من يغلب (أى يظل ثابتًا فى المسيح “ أعطيه أن يجلس معى فى عرشى” (رؤ21:3). لذلك يقول السيد المسيح اثبتوا فىّ وأنا فيكم (يو4:15). فمن يظل ثابتًا فى المسيح فما يحصل عليه المسيح سأحصل عليه أنا. الله الذى أعطى لإبراهيم الوعد ها هو ينفذ وعده ويعطى الميراث لأبناء إبراهيم بالإيمان.
غل8:4: ” لكن حينئذ إذ كنتم لا تعرفون الله استعبدتم للذين ليسوا بالطبيعة آلهة”.
هذا الكلام موجه للغلاطيين الذين عبدوا الأوثان قبل إيمانهم بالمسيح، ولم يعرفوا الله الحق. الله هو الحق، ومن لا يعرف الله لا يعرف الحق، وهكذا تتزيف له كل الحقائق، ومثل هذا الإنسان يصدق الشيطان الكذاب. ومن يعرف الحق يتحرر ومن يتبع الشيطان يستعبد. والله أرسل المسيح وهو الطريق والحق والحياة لنعرف الحق (يو32:8).
إذ كنتم لا تعرفون الله استعبدتم: ما الذى جعل إنسان مؤمن يذهب لأماكن خطية فيستعبد لها؟ إنه لم يعرف الله ولم يتذوق حلاوة عشرة الله. وما الذى يجعلنا نهرب من الصلاة والأصوام والقداسات؟ إننا لم نعرف الله أى لم نتذوق حلاوة عشرة الله. حقاً “ هلك شعبى من عدم المعرفة” (هو6:4).
غل9:4: ” وأما الآن إذ عرفتم الله بل بالحري عُرفتم من الله فكيف ترجعون أيضًا إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تستعبدوا لها من جديد”.
الله أعلن نفسه فى شخص المسيح، ومن آمن [المسيح وعرفه فقد عرف الآب أيضاً “ من رأنى فقد رأى الآب” (يو9:14+ يو18:1).
عرَفتم الله: “لا أحد يعرف الآب إلا الإبن ومن أراد الإبن أن يعلن له“ (مت 27:11). عُرِفتم من الله:وكأن الرسول بعد أن قال عرفتم الله تدارك فقال بل عرفتم من الله . فأنا لن أستطيع أن أعرف الله وأسرار الله من نفسى بل أن الله هو الذى يعرفنا نفسه (فأنا لن أستطيع إقتحام قصر الملك لأعرفه وأشاهد قصره، بل هو يدعونى إن أحبنى) إذاً المبادرة من الله . فنحن ليس لنا القدرة الذاتية على معرفة الله. ولكن قوله عُرِفتم تعنى أن الله يعرف من يستحق أن يكشف له نفسه ويكشف له أسراره. وكونه عرفنا نفسه أو كوننا عرفناه فهذا يعنى أنه حسبنا من أخصائه بل من أبنائه.
الأركان الضعيفة: الرسول يتعجب كيف بعد أن عرفوا الله فى شخص إبنه يعودون للختان وخلافه من ذبائح وتطهيرات، أو يعود الأممى لذبائح أوثانه. وهى ضعيفة إذ هى غير قادرة على تطهير الضمائر. وهى فقيرة إذ لا قوة فيها. وهذه الآية تنطبق علينا. إذ كيف بعد أن عرفنا الله وكشف الله لنا عن محبته وعن الأمجاد التى أعدها لنا، نرتد لشهواتنا السابقة التى ليس فيها شبع حقيقى ولا فرح حقيقى ولا تملأ القلب سلام. الشهوات الحسية هى أركان ضعيفة فقيرة فهى تعطى لذات حسية للحظات. أما الله فيعطى سلاماً يملأ القلب العمر كله، سلام يفوق كل عقل (فى7:4). هذا ما جعل الله يتساءل ويعاتب شعبه أنهم تركوه هو ينبوع الماء الحقيقى الحى وذهبوا ينقروا لأنفسهم آبار مشققة لا تضبط ماء (إر13:2).
غل10:4: ” أتحفظون أيامًا وشهورًا وأوقاتا وسنين”.
يتكلم هنا عن مواسم الفصح والأصوام اليهودية، والسنين كسنة اليوبيل.
غل11:4: ” أخاف عليكم أن أكون قد تعبت فيكم عبثًا”.
يخاف بولس أن تغويهم الحية بمكرها (أى إبليس) (2كو3:11). ويضيع تعبه فيهم. وكلمة أخاف تحمل معنى التشجيع والإهتمام والحب.
الآيات 12 – 20
غل12:4: ” أتضرع إليكم أيها الاخوة كونوا كما أنا لأني أنا أيضًا كما أنتم لم تظلموني شيئًا”.
فى الآيات 12ـ20 يلجأ الرسول لوسيلة جديدة عاطفية ليثنيهم عن نيتهم فى إتباع الختان، فهو يذكرهم بالمحبة التى كانت له عندهم. ومن هذه الآيات يمكننا أن نعرف الشوكة التى كانت فى جسده. الرسول لم يقصد أن يتكلم عن نفسه ولكنه يريد أن يقول لهم “لقد بشرتكم وأنا فى منتهى الألم والضعف، ولقد أحببتمونى. فلماذا تشكوا فىَ وفى تعاليمى الآن.
أيها الإخوة: يكرر الرسول كلمة الإخوة هنا ليتودد لهم. وهو يتودد لهم بمشاعر أبوية بعد أن إستخدم الشدة معهم. يقول لهم أنا أحبكم فيا ليتكم تحبوننى كما أحببتكم ولا تصدقوا الإشاعات المغرضة عنى. أو يا ليتكم تحبوننى كما أحببتمونى من قبل. كونوا كما أنا: أنا كنت يهودياً وبعد أن عرفت المسيح تركت عوائد الناموس فكونوا مثلى فى هذا. لأننى أنا أيضاً كما أنتم: فهو أصلاً بلا ناموس، وفى هذا صار بولس مثلهم تاركاً للناموس.
لم تظلمونى شيئًا: أى ليس هناك مشاكل شخصية بيننا.
غل13:4: ” ولكنكم تعلمون إني بضعف الجسد بشرتكم في الأول”.
كان بولس حاملاً فى جسده تجربة مرة إعتبرها ضربة من الشيطان ولكن قطعًا بسماح من الله، ولكن بالرغم من ضعفه كان الله عاملاً فيه بروحه بقوة (زك6:4). وقالوا عن مرضه آلام فى العين وقالوا إنه ملاريا. وقالوا صديد فى جسمه. ولاحظ أن بولس لم يستطيع شفاء نفسه بالرغم أنه كان يشفى الآخرين.
غل14:4: ” وتجربتي التي في جسدي لم تزدروا بها ولا كرهتموها بل كملاك من الله قبلتموني كالمسيح يسوع” .
كان لبولس مرض له رائحة كريهة لكنهم لم يزدروا بها (أع12:19). هنا نراهم يأخذون خرق من على جسد بولس. فقيل كان فى جسده قروح.
غل15:4: ” فماذا كان إذًا تطويبكم لأني أشهد لكم أنه لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتموني”.
فهم بعض المفسرين أن بولس كانت عينيه مريضة لقوله هنا: لو أمكن لقلعتم عيونكم وأعطيتمونى: وما يؤيد هذا أنه كان يكتب بحروف كبيرة (إذ أنه غير قادر على الكتابة بوضوح) (غل11:6).
تطويبكم: لقد فرحوا بمجئ بولس لهم وأحبوه وطوبوا أنفسهم على ذلك أى حسبوا أنفسهم سعداء إذ تعرفوا على بولس وآمنوا بما أتى به إليهم. وفى هذا عتاب لهم إذ هم نسوا محبتهم لبولس وسعادتهم السابقة لهم بل تركوا تعاليمه مصدقين تعاليم الاخوة الكذبة.
غل16:4: ” أفقد صرت إذًا عدوًا لكم لأني أصدق لكم”.
الاخوة الكذبة أزعجوا الغلاطيون بتعاليمهم. وبولس يقول أنه هو الأصدق
عدوًا: قطعًا من يكذب فهو عدو وليس صديق.
غل17:4: ” يغارون لكم ليس حسنًا بل يريدون أن يصدوكم لكي تغاروا لهم”.
هنا بولس يكشف مكر وخداع الإخوة الكذبة فهم فى غش يدعون الأمانة. وهو هنا يقول إنهم يدعون الغيرة والإهتمام بالغلاطيين.
ليس حسناً: أى ليس بنية صادقة. يصدوكم: يبعدونكم عن الإيمان الصحيح.
لكى تغاروا لهم: أى تنحازوا لهم. فليس مهمًا فى نظر الاخوة الكذبة أن يغير الغلاطيون لله بل أن يستحوذوا هم على غيرتهم تعمل لحسابهم وأهدافهم. وأن تكون الغيرة لله فهذا شئ حسن أما الغيرة للأشخاص فليست حسنة، خصوصًا إذا كانت عن خداع. هؤلاء الإخوة الكذبة أرادوا أن يحولوا الغلاطيين لمجرد تابعين لهم.
غل18:4: ” حسنة هي الغيرة في الحسنى كل حين وليس حين حضوري عندكم فقط”.
هنا ينبه بولس الغلاطيين إنهم كانوا يغيرون للمسيح حين كان بولس الرسول موجودًا بينهم، وبولس رأى أن هذا خطر لأن هذا يعتبر تعلق بشخص بولس وليس بالمسيح. وبولس كان حريصًا على الغيرة لله فقط.
غل19:4: ” يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم”.
أتمخض: يشبه بولس آلامه التى عانى منها فى كرازته لأهل غلاطية بألم الولادة للأم، وذلك حتى يلد أولادًا لهم صورة المسيح. وبولس الرسول هنا يقول أنا كنت لكم كأم ولدتكم بآلام شديدة. ولنرى صورة لآلام بولس فى كرازته (راجع 2كو 11). وبالذات فبولس واجه آلامًا شديدة فى غلاطية، فهم رجموه فى لسترة (ولسترة فى إقليم غلاطية) وجروه خارج المدينة ظانين أنه مات، ولكنه عوفى بل عاد ودخل المدينة ثانية أع 19:14ـ21. ونحن نحصل على صورة المسيح فينا أولاً بالإيمان ثم بالمعمودية ثم بأن نحيا كأموات عن الخطية، بل كمصلوبين أمام العالم، فيحيا المسيح فينا (غل20:2). وعلينا أن نتغذى على كلمة الإنجيل لتنموا بداخلنا البذرة التى حصلنا عليها بالمعمودية (1بط23:1) وهذا لا يتم فى لحظة بل طوال حياتنا (2كو16:4+ كو10:3).
غل20:4: ” ولكني كنت أريد أن أكون حاضرًا عندكم الآن وأغيّر صوتي لأني متحير فيكم”.
هنا يعلن الرسول ضيقه من سلوك شعب غلاطية. أغيّر صوتى: قد تعنى أبكى لأستعطفكم. وقد تعنى أصرخ وأهدد وأتوعد كأب يربى أولاده. وغالبًا فهى تعنى الاثنين، مرة يستعطف، ومرة يهدد.
الآيات 21-31:
هنا يلجأ الرسول لتشبيه جديد. ويستخدم صورة زوجتى إبراهيم سارة الحرة وهاجر العبدة. سارة الحرة تنجب ابنًا بحسب وعد الله، ابنًا يعطيه الله حياة من موت. وهاجر الجارية تنجب ابنًا بطريقة طبيعية مثل كل الناس. والرسول يقارن بين عهد النعمة والحرية بيسوع المسيح وبين عهد الناموس الذى أخذوه فى سيناء. وشبه بولس عهد سيناء بهاجرعبدة سارة التى ولدت إسماعيل. وهذا العهد هو عهد العبودية. ويقارن مع إسحق إبن الموعد الذى هو ليس إبناً بحسب الطبيعة. وكان فى حياة إبراهيم عهدان، عهد الختان الذى أخذه فى حياة إسماعيل وبوجود هاجر العبدة. وعهد الموعد الذى سيقيمه الله فى نسله. وكما عبر إبراهيم على عهد الختان رمز العبودية بسبب إسماعيل وهاجر إل عهد الموعد رمز الحرية بسبب إسحق وسارة. هكذا عبر شعب الله من عهد العبودية فى سيناء وهو عهد الختانة والناموس إلى عهد الحرية بالمسيح النسل الموعود.
✥ فسيناء المصرية وهاجر المصرية (ومصر تذكرهم بالعبودية) وإسماعيل رموز لعهد الناموس (والناموس أخذوه فى سيناء المصرية). كل هذا إشارة للعبودية والختان.
✥ إسحق ابن الوعد، ولد فى أرض الموعد، أرض الحرية وهو ابن سارة الحرة ، هو رمز للمسيح الموعود به، وإسحق أيضًا يرمز لعهد النعمة .
✥ أورشليم ترمز لأورشليم السماوية وللكنيسة الآن.
✥ سارة الحرة ترمز للعهد الجديد وللكنيسة التى حررها المسيح .
✥ هاجر العبدة تشير لأورشليم الحاضرة أيام بولس الرسول، والمستعبدة للناموس وللرومان (وهذا ما يريد الإخوة الكذبة ردهم إليهم).
غل21:4: ” قولوا لي أنتم الذين تريدون أن تكونوا تحت الناموس ألستم تسمعون الناموس”.
بولس هنا يؤنب الغلاطيون، إذاً إنهم حين قرأوا الناموس وقفوا عند حدود الفروض الناموسية، ولم يدركوا أن الناموس يتكلم عن المسيح. فكانوا مثل تلميذى عمواس محتاجين لمن يشرح لهم عن المسيح.
ألستم تسمعون الناموس: هذه مثل تضلون إذ لا تعرفون الكتب (مت42:21 + مت29:22 + لو26:24، 27). الرسول يريد أن يقول للغلاطيين “هل تفهمون ما تقرأونه فى الناموس“.
غل22:4، 23: ” فإنه مكتوب إنه كان لإبراهيم ابنان واحد من الجارية والآخر من الحرة. لكن الذي من الجارية وُلِدَ حسب الجسد وأما الذي من الحرة فبالموعد”.
لقد كان اليهود يفتخرون بأنهم أولاد إبراهيم بحسب الجسد. وهنا بولس يظهر لهم أن إسماعيل أيضًا ابن الجارية هو ابنًا لإبراهيم حسب الجسد. أما إسحق فله ميزة أنه ليس حسب الجسد بل حسب الوعد، لذلك ليس غريبًا أن ندعى أولاد إبراهيم رغمًا عن عدم التصاقنا به جسديًا. وكما تأخرت سارة فى الولادة تأخر الأمم فى الإيمان، وتأخرت الكنيسة فى الولادة عن بداية الشعب اليهودى. وهذا هو الوعد أنه كما خرج إسحق من مستودع سارة الميت هكذا خرج الأمم المؤمنين الذين صاروا أحياءً بإيمانهم من مستودع الأمم الوثنى الميت. وهنا سؤال للمتهودين أو اليهود.. من يفتخر بأنه ابن لإبراهيم بالجسد فهو نظير إسماعيل. وأما نحن المسيحيين نفتخر بأننا أولاد لإبراهيم بالإيمان. نحن صرنا أبناء بحسب الموعد نظير إسحق.
غل24:4: ” وكل ذلك رمز لأن هاتين هما العهدان أحدهما من جبل سيناء الوالد للعبودية الذي هو هاجر”.
هاجر جارية وعبدة تشير لعبودية مَنْ فى العهد القديم. وكان من نسل إبراهيم العبيد الذين أتوا من جارية. وذلك رمز لأن كل نسل إبراهيم بالجسد هم عبيد تحت الناموس، فأولاد إبراهيم ليس كلهم متساوون فى المقام. وهاجر العبدة المصرية صارت رمز للناموس الذى كان فى سيناء والذى ولد أولادًا يعيشون فى عبودية : الوالد للعبودية
غل25:4: ” إن هاجر جبل سيناء في العربية ولكنه يقابل أورشليم الحاضرة فإنها مستعبدة مع بنيها”.
أطلق بولس على عبودية شعب إسرائيل فى سيناء للناموس إصطلاح هاجر. وهذا ينطبق على اليهود والمتهودين وأورشليم اليهودية أيام بولس.
غل26:4: ” وأما أورشليم العليا التي هي أمنا جميعا فهي حرة”.
أورشليم العليا: هى الكنيسة الآن، أولاد المعمودية وامتدادها بعد ذلك فى السماء. وهى عليا فى مقابل أورشليم الحالية المستعبدة. وهى عليا لأن المسيح قال ينبغى أن تولدوا من فوق (يو7:3)،وهى عليا لأننا نحيا فى السماويات (أف6:2) وسيرتنا هى فى السماوات (فى20:3). ولذلك يسأل الكاهن فى القداس أين هى عقولكم ونرد هى عند الرب. وأورشليم العليا سننطلق إليها فى النهاية (يو2:14 و3). هى مدينة السلام، مركز العلى، وطننا السماوى (رؤ2:21، 3، 9-27،11). وكلمة أورشليم حرفياً تعنى رؤية السلام. ففى مقابل هاجر سيناء التى ولدت عبيدًا، نجد أورشليم العليا التى نُولد منها جميعًا يهودًا وأممًا كأبناء أحرار.
غل27:4: ” إنه مكتوب افرحي أيتها العاقر التي لم تلد اهتفي واصرخي أيتها التي لم تتمخض فإن أولاد الموحشة أكثر من التي لها زوج”.
يستعير بولس الرسول هنا من (إش1:54) حيث يخاطب أورشليم فى حالتها الأولى قبل السبى وكأنها أم مخصبة لها بعل، أما حالتها أثناء السبى فهى كأم مهجورة بلا زوج ولا بنين فأولادها ذهبوا إلى السبى. ثم يخاطبها بعد عودتها من السبى وهى مسرورة بعودة بنيها. ولكن الآية تشير حقيقةً إلى كنيسة الأمم التى كانت بلا عريس ولا أبناء لله ثم صارت عروسة له وأم ولودة تلد أولادًا لله، أولادها من اليهود والأمم المؤمنين فى كل العالم. فالآية نسبيًا على أورشليم، لأن أورشليم قبل السبى كانت تلد ولم تكن عاقرة. ولكن الآية تشير كليًا إلى الكنيسة. وقارن مع (إش 1:60ـ5، 10ـ13). ثم يصور صورة كنيسة المسيح آخر الأيام (إش18:60ـ 20). التى لها زوج: يقصد كنيسة اليهود وزوجها كان الناموس.
غل28:4: وأما نحن أيها الاخوة فنظير اسحق أولاد الموعد”.
إسحق يشير لأولاد الموعد أى كنيسة المسيح، المواطنون السمائيون شركاء الميراث. ونحن نحصل على البنوية لله بحسب وعد الله الذى نسمعه من فم الكاهن فى العماد.
غل29:4: ” ولكن كما كان حينئذ الذي وُلِدَ حسب الجسد يضطهد الذي حسب الروح هكذا الآنأيضًا”.
قيل فى سفر التكوين إن إسماعيل كان يمزح مع إسحق ولكنه لم يكن مزاح برئ. فكلمة يمزح المستخدمة فى الكتاب تشير للإستهزاء والسخرية. ونلاحظ أن أولاد الله غرباء فى الأرض مضطهدين فيها. وكل غريب يكون مكروه كمتطفل. ولكن من يرفض الآلام على الأرض فهو يرفض نصيبه السمائى. وبولس يقول هكذا الآن أيضاً: فاليهود الذين ما زالوا فى عبودية الناموس (نظير إسماعيل المولود من عبدة) مازالوا يضطهدون المسيحيين الذين هم نظير إسحق الحر ابن الوعد. وكم عانى بولس الرسول فى كل مكان من إضطهاد اليهود له.
غل30:4: ” لكن ماذا يقول الكتاب أطرد الجارية وابنها لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة”.
سارة قالت “ هذا لا يرث مع ابنى” وكأن الله يُؤَمن على كلام سارة والرسول يلتقط هذا ويقول إن ابن ناموس العبودية أى اليهود أو المتهودين لن يرثوا مع الأحرار أى الكنيسة فابن الجارية لا يرث مع ابن الحرة وابن ناموس العبودية لا يرث فى بركات المسيح وميراثه السماوى. وهذه نهاية المضطهدين الذين عاشوا لا يهتمون سوى بميراث الأرض ويضطهدوا أولاد الله، فلا ميراث سماوى لهم. أما من تألم مع المسيح على الأرض فنصيبه فى السماء. هنا بولس يحذرهم أن يكون نصيبهم الطرد كهاجر وإسماعيل بسبب استمرارهم فى التمسك والإلتزام بالناموس كعبيد فهم طالما يريدون أن يعيشوا كعبيد فلا ميراث سماوى لهم.
غل31:4: ” إذًا أيها الاخوة لسنا أولاد جارية بل أولاد الحرة”.
يريد الرسول أن يقول فلنكن أولاد المسيح وليس أولاد الناموس لنرث الله مع المسيح. وإسحق رمز للحرية لذلك علق بولس فى الآية التالية (1:5) على الحرية الحقيقة . فالآية (1:5) هى الخاتمة المنطقية للأصحاح الرابع.
تفسير غلاطية 3 | تفسير رسالة غلاطية | تفسير العهد الجديد |
تفسير غلاطية 5 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة غلاطية | تفاسير العهد الجديد |