تفسير انجيل لوقا أصحاح 1 للقديس كيرلس الكبير

عظة تمهيدية على بعض آيات الأصحاح الأول[1]

(لو 2:1) ” الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة “.

عندما سيقول البشير لوقا إن الرسل كانوا شهود عيان لذات الكلمة المحيي، فإنه بذلك يتفق مع البشير يوحنا، الذي يقول إن ” الكلمة صار جسدا، وحل فينا، ورأينا مجـده مجداً كما لوحيد من الآب” (يو14:1). فالكلمة أصبح من الممكن رؤيته بسبب الجـسـد الذي هو منظور وملموس وصلب، بينما الكلمة ذاته غير منظور. ويوحنا أيضا يقول في رسالته: ” الذي كان من البده، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة، فإن الحياة أظهرت ” (1يو1:1).

ألا تسمعونه يتحدث عن الحياة على أساس أنها يمكن أن تلمس؟ وهو يقـول هـذا لكي تفهموا أن الابن صار إنسانا وصار منظورا من جهة الجسد، ولكنه غير منظور من جهة لاهوته.

(لو 51:1) ” صنع قوة بذراعه. شتت المستكبرين بفكر قلوبهم “.

الذراع يشير رمزيا إلى الكلمة الذي ولد من العذراء، وتعني مريم بالمستكبرين: الشياطين الأردياء الذين سقطوا مع رئيسهم بواسطة الكبرياء. ويعني أيضا حكمـاء اليونانيين، الذين رفضوا أن يقبلوا كرازة الإنجيل التي عندهم جهالة، وأيضا اليهـود الذين لم يؤمنوا والذين تشتتوا بسبب تصوراتهم غير اللائقة عن كلمـة الله. وتقـصد “بالأعزاء” الكتبة والفريسيين الذين يسعون للكراسي الأولى. ومع ذلك فإنه أقرب إلى المعنى، أن يقصد “بالأعزاء” الشياطين الأردياء، فإن هؤلاء حينما ادعوا السيادة على العالم فإن الرب شتتهم بمجيئه إلينا، ونقل أولئك الذين كانوا أسرى لهم إلـى سـيادته وملكوته هو. فإن كل هذه الأشياء حدثت بحسب نبوءة العذراء بأنه:

(لو 1: 52) “أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين “.

فإن كبرياء هؤلاء الشياطين الذي شتتهم هو كبرياء فظيع وهكذا أيضا كبريـاء فلاسفة اليونانيين، وكذلك الفريسيين والكتبة كما ذكرت. ولكنه هو أنزلهم، ورفع أولئك الذين تواضعوا تحت يده القوية، وأعطـي هـؤلاء السلطان أن يدوسـوا الحيـات والعقارب، وعلى كل قوة العدو. وأبطل مؤامرات هذه الكائنات المستكبـرة ضـدنا. اليهود الذين كانوا يفتخرون سابقا بمملكتهم نزعت منهم بسبب عدم إيمانهم، بينمـا الوثنيين الذين لم يكونوا يعرفون الله رفعهم ومجدهم بسبب إيمانهم.

(لو 53:1) “أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين “.

وهي تعني “بالجياع” الجنس البشري. إذ أنه فيما عدا اليهود كان الجميـع مـجـروحين بالجوع، فاليهود كانوا أغنياء بإعطائهم الناموس وبتعليم الأنبياء القديسين. فقد كان لهم التبني والعبادة والاشتراع والمواعيد” (رو4:9) ولكنهم تلهوا بالطعام الكثير، انتفخوا بالمنزلة التـي أعطيت لهم ولأنهم رفضوا أن يقتربوا باتضاع من الكلمة المتجسد، فقد صرفوا فارغين، لا يحملون معهم شيئا لا الإيمان ولا المعرفة ولا الرجاء في البركات الآتية، فإنهم بالحقيقة صاروا منبوذين من أورشليم الأرضية وأيضا غرباء عن حياة المجد التي ستعلن فـي المستقبل، لأنهم لم يقبلوا رئيس الحياة، بل صلبوا رب المجد، وتركوا ينبوع الماء الحـي واعتبروا الخبز النازل من السماء أنه لا شيء، ولهذا السبب فقد أتى عليهم جوع أشد من أي جوع آخر، وعطش أكثر مرارة من كل عطش آخر. فإنه لم يكن جوع إلـى الخبـز المادي ولا عطش إلى الماء، ولكنه “جوع لاستماع كلمة الله” (انظر عا 8: 11).

ولكن الأمم الذين كانوا جياع وعطشى بنفوسهم الهزيلـة البائسة، فقـد امـتلاوا بالبركات الروحية، لأنهم قبلوا الرب. فإن كل امتيازات اليهود قد نقلت إليهم.

(لو 54:1) ” عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة “

عضد إسرائيل – ليس إسرائيل حسب الجسد الذي يفخر بمجرد الاسم، ولكن ذلك الذي هو بالروح وبحسب المعنى الحقيقي للاسم ـ ذلك الذي ينظر إلى الله، ويؤمن به، وينال تبني البنين بواسطة الابن بحسب الكلمة التي أعطيت، والوعـد المعطـى للأنبياء والبطاركة (رؤساء الآباء) القدماء. ولكن كلمة إسرائيل لها انطبـاق حقيقـي أيضا على إسرائيل الجسدي، فإن آلاف وربوات من بينهم قد آمنوا. ولكنه قـد ذكـر رحمته كما وعد إبراهيم. وقد تمم ما قاله له بأن ” في نسلك تتبـارك جميـع قبائـل الأرض” (تك 22: 18). فإن هذا الوعد كان في طريقه إلى التحقق بميلاد مخلصنا المسيح الذي كان على وشك الحدوث، الذي هو نسل إبراهيم الذي فيه تتبارك الأمـم، لأنـه أمسك بنسل إبراهيم كما تقول كلمات الرسول (انظر عب 2: 16). وهكذا تحقق الوعد الذي أعطى للآباء.

(لو 1: 69) ” وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه “.

إن كلمة ” قرن” تشير لا إلى القوة فقط بل إلى الملوكية. ولكن المسيح الذي هـو المخلص الذي جاء لنا من بيت وجنس داود هو القوة والملك معا، لأنـه هـو مـلـك الملوك وهو قوة الآب غير المغلوبة.

(لو 72:1) ” ليصنع رحمة مع آبائنا

المسيح هو رحمة وعدل ” بر” لأننا نلنا رحمة بواسطته، وتبررنا إذ قد غسلنا من أوساخ خطيتنا بالإيمان به. 

(لو 73:1) ” القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا”

لا ينبغي لأحد حينما يسمع أن الله أقسم لإبراهيم، لا ينبغي له أن يسمح لنفسه بأن يقسم، وكما أن الغضب حينما يقال على الله هو ليس غضبا ولا يعني الانفعال، ولكن يقصد به القوة التي تظهر في العقاب أو أي حركة مشابهة. هكذا أيضا فالقسم بالنسبة له ليس قسما. لأن الله لا يقسم بل يشير إلى يقينية الحدث ـ أي أن ما يقوله سيحدث بالضرورة، لأن قسم الله هو كلمته الخاصة التي تحث الذين يسمعونه حثـا كـاملاً، وتعطي كل واحد الاعتقاد بأن ما قد وعد به الله وقاله لابد أن يحدث بالتأكيد.

(لو 76:1) ” وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى، لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقة “.

أرجو أن تلاحظوا هذا أيضا، أن المسيح هو العلي الذي كان يوحنا سابقا له فـي ميلاده وكرازته لإعداد الطريق، فماذا يتبقى إذا، لكي يقول أولئك الذين يقللـون مـن لاهوته؟ ولماذا لا يفهمون أنه حينما قال زكريا ” وأنت نبي العلي تدعى”، إنما كـان يقصد بهذا الكلام أنه نبي ” الله” مثل أنبياء الله السابقين له.

(لو 79:1) “ليضيء على الجالسين في الظلمة “.

كان المعمدان بالنسبة لأولئك الذين تحت الناموس الساكنين في اليهوديـة، كأنـه سراج سابق للمسيح، وهكذا تكلم عنه الله سابقا ” هيات سراجا لمسيحي” (مز 17:131). والناموس يعطي إشارة عنه بالمنارة التي في المسكن الأول، التي أوصى بأن تكـون موقدة دائما. ولكن اليهود، بعد أن سروا به فترة قصيرة مندفعين أفواجـا إلـى معموديته، ومعجبين بطريقة حياته، فإنهم سريعا ما جعلوه يرقد رقاد الموت مجتهدين أن يطفئوا المصباح الدائم الاشتعال. لذلك تحدث عنه المخلص أيـضـا: “كـان هـو السراج الموقد المنير وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة” (يو 5: 35).

” لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام “.

لأن العالم في الواقع كان تائها في الضلال، يعبد المخلوق بدلاً من الخالق، وكـان الليل قد سقط على عقول الجميع فلا يدعهم يبصرون ذاك الذي هو بالطبيعة وبالحقيقة الله.

ولكن رب الكل جاء للإسرائيليين مثل نور ومثل شمس.

  1. تحوي هذه العظة التمهيدية ما وصلنا في مخطوطات تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس باللغة اليونانية على بعض آيـات الأصحاح الأول، أما المخطوطات السريانية لهذا التفسير فتبدأ كلها بالعظة رقم 1 على الأصحاح الثاني لإنجيل لوقا.

تفسير إنجيل لوقا – مقدمةإنجيل لوقا – 1تفسير إنجيل لوقاتفسير العهد الجديدتفسير إنجيل لوقا – 2
القديس كيرلس الكبير
تفاسير إنجيل لوقا – 1تفاسير إنجيل لوقاتفاسير العهد الجديد

 

زر الذهاب إلى الأعلى