تفسير أنجيل مرقس 13 للقس أنطونيوس فكري

 

 1وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ مِنَ الْهَيْكَلِ، قَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ: «يَأمُعَلِّمُ، انْظُرْ! مَا هذِهِ الْحِجَارَةُ! وَهذِهِ الأَبْنِيَةُ!» 2فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«أَتَنْظُرُ هذِهِ الأَبْنِيَةَ الْعَظِيمَةَ؟ لاَ يُتْرَكُ حَجَرٌ عَلَى حَجَرٍ لاَ يُنْقَضُ». 3وَفِيمَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، تُجَاهَ الْهَيْكَلِ، سَأَلَهُ بُطْرُسُ وَيَعْقُوبُ وَيُوحَنَّا وَأَنْدَرَاوُسُ عَلَى انْفِرَادٍ: 4«قُلْ لَنَا مَتَى يَكُونُ هذَا؟ وَمَا هِيَ الْعَلاَمَةُ عِنْدَمَا يَتِمُّ جَمِيعُ هذَا؟» 5فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ وَابْتَدَأَ يَقُولُ:«انْظُرُوا! لاَ يُضِلُّكُمْ أَحَدٌ. 6فَإِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ بِاسْمِي قَائِلِينَ: إِنِّي أَنَا هُوَ! وَيُضِلُّونَ كَثِيرِينَ. 7فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِحُرُوبٍ وَبِأَخْبَارِ حُرُوبٍ فَلاَ تَرْتَاعُوا، لأَنَّهَا لاَبُدَّ أَنْ تَكُونَ، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. 8لأَنَّهُ تَقُومُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ زَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَاضْطِرَابَاتٌ. هذِهِ مُبْتَدَأُ الأَوْجَاعِ. 9فَانْظُرُوا إِلَى نُفُوسِكُمْ. لأَنَّهُمْ سَيُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَتُجْلَدُونَ فِي مَجَأمِعَ، وَتُوقَفُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ، مِنْ أَجْلِي، شَهَادَةً لَهُمْ. 10وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَزَ أَوَّلاً بِالإِنْجِيلِ فِي جَمِيعِ الأُمَمِ. 11فَمَتَى سَاقُوكُمْ لِيُسَلِّمُوكُمْ، فَلاَ تَعْتَنُوا مِنْ قَبْلُ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ وَلاَ تَهْتَمُّوا، بَلْ مَهْمَا أُعْطِيتُمْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَبِذلِكَ تَكَلَّمُوا. لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلِ الرُّوحُ الْقُدُسُ. 12وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ. 13وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنَ الْجَمِيعِ مِنْ أَجْلِ اسْمِي. وَلكِنَّ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ. 14فَمَتَى نَظَرْتُمْ «رِجْسَةَ الْخَرَابِ» الَّتِي قَالَ عَنْهَا دَانِيآلُ النَّبِيُّ، قَائِمَةً حَيْثُ لاَ يَنْبَغِي. ­ لِيَفْهَمِ الْقَارِئُ ­ فَحِينَئِذٍ لِيَهْرُبِ الَّذِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجِبَالِ، 15وَالَّذِي عَلَى السَّطْحِ فَلاَ يَنْزِلْ إِلَى الْبَيْتِ وَلاَ يَدْخُلْ لِيَأْخُذَ مِنْ بَيْتِهِ شَيْئًا، 16وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ فَلاَ يَرْجِعْ إِلَى الْوَرَاءِ لِيَأْخُذَ ثَوْبَهُ. 17وَوَيْلٌ لِلْحَبَالَى وَالْمُرْضِعَاتِ فِي تِلْكَ الأَيَّأمِ! 18وَصَلُّوا لِكَيْ لاَ يَكُونَ هَرَبُكُمْ فِي شِتَاءٍ. 19لأَنَّهُ يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّأمِ ضِيقٌ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مُنْذُ ابْتِدَاءِ الْخَلِيقَةِ الَّتِي خَلَقَهَا اللهُ إِلَى الآنَ، وَلَنْ يَكُونَ. 20وَلَوْ لَمْ يُقَصِّرِ الرَّبُّ تِلْكَ الأَيَّأمَ، لَمْ يَخْلُصْ جَسَدٌ. وَلكِنْ لأَجْلِ الْمُخْتَارِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ، قَصَّرَ الأَيَّأمَ. 21حِينَئِذٍ إِنْ قَالَ لَكُمْ أَحَدٌ: هُوَذَا الْمَسِيحُ هُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! فَلاَ تُصَدِّقُوا. 22لأَنَّهُ سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. 24«وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّأمِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، 25وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ، وَالْقُوَّاتُ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. 26وَحِينَئِذٍ يُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ آتِيًا فِي سَحَابٍ بِقُوَّةٍ كَثِيرَةٍ وَمَجْدٍ، 27فَيُرْسِلُ حِينَئِذٍ مَلاَئِكَتَهُ وَيَجْمَعُ مُخْتَارِيهِ مِنَ الأَرْبَعِ الرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاءِ السَّمَاءِ. 28فَمِنْ شَجَرَةِ التِّينِ تَعَلَّمُوا الْمَثَلَ: مَتَى صَارَ غُصْنُهَا رَخْصًا وَأَخْرَجَتْ أَوْرَاقًا، تَعْلَمُونَ أَنَّ الصَّيْفَ قَرِيبٌ. 29هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى رَأَيْتُمْ هذِهِ الأَشْيَاءَ صَائِرَةً، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَرِيبٌ عَلَى الأَبْوَابِ. 30اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ. 31اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ. 32«وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ الْمَلاَئِكَةُ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ، وَلاَ الابْنُ، إِلاَّ الآبُ. 33اُنْظُرُوا! اِسْهَرُوا وَصَلُّوا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَكُونُ الْوَقْتُ. 34كَأَنَّمَا إِنْسَانٌ مُسَافِرٌ تَرَكَ بَيْتَهُ، وَأَعْطَى عَبِيدَهُ السُّلْطَانَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ عَمَلَهُ، وَأَوْصَى الْبَوَّابَ أَنْ يَسْهَرَ. 35اِسْهَرُوا إِذًا، لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ مَتَى يَأْتِي رَبُّ الْبَيْتِ، أَمَسَاءً، أَمْ نِصْفَ اللَّيْلِ، أَمْ صِيَاحَ الدِّيكِ، أَمْ صَبَاحًا. 36لِئَلاَّ يَأْتِيَ بَغْتَةً فَيَجِدَكُمْ نِيَأمًا! 37وَمَا أَقُولُهُ لَكُمْ أَقُولُهُ لِلْجَمِيعِ: اسْهَرُوا». “

 

آية (3): “وفيما هو جالس على جبل الزيتون تجاه الهيكل سأله بطرس ويعقوب ويوحنا وإندراوس على انفراد.”

على إنفراد= العلامات والأسرار لا تكشف للجميع بل لخاصته الأحباء على إنفراد. وهو يريد أن يطمئن تلاميذه، أنها أيام صعبة لكنهم في يده محفوظين، يكشف لهم أنه عالم بكل شيء، وهذا يعطينا اطمئنان فلا شيء خارج عن معرفته ولا عن سلطانه، وهو وحده القادر أن يحفظنا فنحن في يده يحملنا خلال هذه الآلام. وبالنسبة لموضوع الهيكل فهو كان كل شيء في قلوب اليهود وأي مساس به يعتبرونه علامة غضب الله عليهم، لذلك حينما طلب منهم تيطس أن يسلموا المدينة ظنوا أن الله يخلصهم كما كان يفعل في القديم، فرفضوا تسليمه لتيطس إلى أن سقطت المدينة وكان تيطس يقدر الجمال وأراد الاحتفاظ بالهيكل كقطعة فنية ولكن جنوده الذين أرهقهم الحصار أشعلوا فيه النار انتقامًا من اليهود ولكن كان هذا تنفيذًا لنبوة السيد المسيح مخالفين أوامر تيطس. وهذا الهيكل ليس هو هيكل سليمان، فهيكل سليمان حطمه نبوخذ نصًّر سنة 586ق.م. وأعاد بناءه زربابل ويشوع بعد العودة من السبي سنة 536ق.م. وكان أضخم من هيكل سليمان ولكن هيكل سليمان كان أفخم. وقد بدأ هيرودس ترميم الهيكل سنة 20ق.م. واستمر هذا الترميم 46سنة (يو20:2) بل يقول التاريخ أن أعمال الترميم استمرت حتى سنة63م. وموقع الهيكل الآن الحرم الشريف أو قبة الصخرة في القدس الشرقية كما يقول اليهود.

وكان سؤال التلاميذ أو لفت نظر السيد للهيكل وعظمته، هي محاولة منهم لكي يتأكدوا أن السيد حين طهَّر الهيكل كان قصده أن يكون مركز ملكه الأرضي من خلاله يملك على كل العالم، ولكن إجابة المسيح جاءت لتخيب أمالهم الأرضية ولكي تفتح أمام أذهانهم أن الهيكل الأرضي لا بُد أن يخرب حتى يقوم الهيكل السمائي. بل أن العالم كله سينتهي ليبدأ الإنسان يحيا الحياة الأبدية. كان هدف المسيح رفع أنظارهم من النظرة المادية للأفكار الروحية وأننا غرباء على هذه الأرض. المسيح أراد أن يسحب قلوبهم للهيكل السماوي [1] المسيح يؤسس هيكله الآن الذي هو الكنيسة [2] كل منا هو هيكل للروح القدس ونحن حجارة حيَّة في هذا الهيكل (1كو16:3 + 1بط5:2) [3] ما نحصل عليه هنا هو عربون حياتنا السماوية في الأبدية. [4] حتى يقيم المسيح فينا هيكله السماوي ينبغي أن يهدم هيكل جسدنا العتيق. [5] حتى تقوم الكنيسة كان ينبغي أن ينتهي دور العبادة اليهودية بهدم هيكلها فطالما أتى المرموز إليه بطل الرمز. [6] هذا ما يحدث في المعمودية حيث يحطم الروح القدس إنساننا القديم لكي لا يكون له أثر في حياتنا، فإن سلكنا بروح الله يقوم في داخلنا إنسان جديد روحي على شكل جسد المسيح، وإن عادت قلوبنا تطلب الشر الذي في العالم نكون كامرأة لوط ونفقد بهاء ملكوت الرب فينا. لذلك علينا أن نحيا كأموات أمام الخطية (رو11:6+ كو5:3).

وفيما هو جالس على جبل الزيتون= الزيتون يشير للزيت وهذا يشير للروح القدس الذي سيؤسس الهيكل الجديد الذي هو الكنيسة جسد المسيح.

 

آية (6): “فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين أني أنا هو ويضلون كثيرين.”

قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن مزورين كثيرين وسحرة جذبوا إليهم كثيرين إلى البرية يخدعونهم، فمنهم من جُنَّ ومنهم من عاقبه فيلكس الوالي. من بينهم ذلك المصري الذي ذكره الأمير (أع38:21). هذا المصري وعد الآلاف أنه يهدم أسوار أورشليم بكلمة، وهذا ما يحدث الآن ونحن نقترب من المجيء الثاني.

 

الآيات (7-8): “فإذا سمعتم بحروب وبأخبار حروب فلا ترتاعوا لأنها لا بُد أن تكون ولكن ليس المنتهى بعد. لأنه تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة وتكون زلازل في أماكن وتكون مجاعات واضطرابات هذه مبتدأ الأوجاع.”

حدث هذا فعلًا قبل خراب أورشليم سنة 70 م. فقد إلتهبت المملكة الرومانية بنار الحروب في الفترة ما بين صعود المسيح وخراب الهيكل. منها الحرب التي إشتعلت في الإسكندرية سنة 38 م. بين المصريين واليهود المقيمين فيها، والحرب التي نشبت في سلوكية ومات فيها 50.000 يهودي، كما حدث هياج شديد بين اليهود وبين السامريين. وحدثت مجاعات كالتي تنبأ عنها أغابوس (أع28:11) وحدثت سنة 49 م. وتفشى وباء في روما مات بسببه 30.000 سنة 65 م. وحدثت زلازل في كريت سنة 46 م. وفي روما سنة 51 م. وفي أورشليم سنة 67 م. وهكذا فكثير من هذه الأحداث ستتكرر قبل مجيء المسيح الثاني وبصورة أصعب، حتى يلهي الشيطان أولاد الله عن حياتهم الداخلية باهتماماتهم الزمنية، إمّا باللهو أو بالخوف والقلق. بل أن كل من يحاول أن يقترب من الله يلهيه إبليس إمّا بلذات العالم أو بالمشاكل فيضطرب. والسيد يطالبنا بالصبر “الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص” (آية 13) ويطالبنا بأن لا نهتم ولا نخاف (لو9:21) فهو سيعطينا ما نحتاجه (آية 11) ويطالبنا بأن نسهر (آية 35) وقوله يصبر إلى المنتهى، أي لأقصى حد أي احتمال كامل. عمومًا الله يسمح بالآلام لعلها تخيف الناس فيتوبوا عن شرورهم.

 

آية (9): “فانظروا إلى نفوسكم لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس وتجلدون في مجامع وتوقفون أمام ولاة وملوك من اجلي شهادة لهم.”

فانظروا إلى نفوسكم= أي مهما اشتدت الضيقة، وحتى لو كان مصدرها الملوك والولاة، أو من المقربين منّا كالأولاد والآباء، أو من الحروب والزلازل والمجاعات أو الاضطهاد.. فإن سر القوة أو الضعف يتوقف على أعماق النفس الداخلية. فعلينا أن نعلم أن السلام الداخلي لا يتوقف على الظروف الخارجية، بل هو عطية إلهية تملأ القلب (مز1:27-3). فإذا حدث ورأينا في داخل نفوسنا أي اضطراب فالسبب ليس الظروف الخارجية، بل أن الله لا يملك على القلب، فلو كان لنا بصيرة داخلية لرأينا أن عين الرب علينا يحيطنا برعايته وعنايته ومحبته فكيف نضطرب، أمّا لو إنغلقت البصيرة الداخلية لن نرى سوى الضيقات الروحية فنرتعب (راجع موضوع إليشع وجحزي 2مل16:6-17). والبصيرة الروحية تنفتح إذا امتلأ الإنسان من الروح القدس الذي يدرب الحواس (عب14:5) والروح القدس أيضًا هو الذي يعطينا ما نتكلم به.

 

آية (14): “فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي ليفهم القارئ فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال.”

ليفهم القارئ= هي عبارة قصيرة من كاتب الإنجيل لتكون علامة للهروب.

 

آية (22): “لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات وعجائب لكي يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا.”

لو أمكن المختارين أيضًا= قوله لو أمكن معناه أن عدو الخير سيحاول مع القديسين ويحاول خداعهم، وربما يشكوا ولكن إلى حين، فالله لن يترك مختاريه ومعنى لو أمكن أن عدو الخير لن يمكنه أن يخدعهم.

 

آية (32): “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلاّ الآب.”

ولا الابن= هذه كمن يسأل أب اعتراف عن خطايا إنسان فسيقول لا أعرف. أو حين تسأل مدرس عن إمتحان وضعه. إذاً هو لا يعرفه معرفة من يبيح بالأمر. وقطعاً هو يعرف فكل ما للآب هو للإبن (يو10:17) والابن هو حكمة الآب (1كو24:1) والآب رأى أنه ليس في صالحنا أن يخبرنا بهذا الميعاد فمن يعرف سوف يحيا حياة الاستهتار وينسى حياة السهر والجهاد. والقديس يوحنا ذهبي الفم يفسرها بأن المسيح يمنعهم من سؤاله هذا السؤال [هذه مثل قول الرب ما أعرفكن (مت25: 12) فهو يعرفهم قطعاً ولكن عدم المعرفة تشير لعدم الثبات في المسيح، وبالتالي تعني لن تدخلوا معي..] وذلك أيضًا كما قيل في المزمور الأول عن الأبرار “لأن الرب يعرف طريق الأبرار أما طريق الأشرار فتهلك” (مز1 : 6) ، والمعنى في هذه الآية أنه يفرح بطريق الأبرار ويبارك لهم طريقهم. ولكن نفهم القول أيضاً على أن الآب يريد. وما يريده الآب ينفذه الابن والروح القدس. فالآب مثلاً يريد أن الجميع يخلصون. فالإبن نفذ الفداء، والروح القدس يقود الكنيسة ويقود كل نفس للخلاص. هذا إتفاق داخل المشورة الثالوثية. ومعنى أن الآب يعرف والابن لا يعرف. أن الآب لا يريد الإعلان، فالإبن ينفذ ما يريده الآب ولن يعلن. وهذا قاله المسيح بطريقة أخرى. أن ما يسمعه عند الآب يقوله (يو26:8). وبنفس المفهوم يقال هذا عن الروح القدس (يو13:16).

 

وبتفصيل أكثر:

“وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب” (مر13 : 32). “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السماوات إلا أبي وحده” (مت24 : 36).

فهل حقًا لا يعرف المسيح ابن الله اليوم والساعة؟!

لإجابة هذا السؤال يجب أن نفهم الآتي.

 

1) كلمة يعرف لها عدة معانٍ في الكتاب المقدس :-

 

  • “لم أعرفكم قط”  (مت7 : 23) مع أنه يعرف أنهم أشرار.  إذاً لا يعرف هنا تعنى عدم موافقته ورضاه عن طريقهم وأفعالهم.
  • “لأن الرب يعلم (يعرف – سبعينية) طريق الأبرار، أما طريق الأشرار فتهلك” (مز1 : 6). وقوله هنا يعلم أو يعرف تعنى موافقته ورضاه عنهم.
  • وأيضا كلمة المعرفة تشير للإتحاد. فكلمة يعرف تعنى في لغة الكتاب المقدس “الوحدة أو الإتحاد” الذي ينتج عنه فعل أو حياة. وهناك 3 مستويات لهذه المعرفة :-

1) على مستوى جسدي :- آدم يعرف حواء    … فتلد قايين. فحين يقول “عرف آدم حواء إمرأته” (تك 1:4) فهذا يعنى أنهما صارا جسداً واحداً، أي اتحد بها جسدياً. وهذه المعرفة أو هذا الإتحاد يكون له ثمر. فلقد أنجبت قايين، لذلك يقول “وعرف آدم حواء امرأته فحبلت وولدت قايين”.

2) على مستوى لاهوتى :- الآب يعرف الابن أي هما واحد. وحين يريد الآب أن يعمل إنسان حي (تك1 : 26) يخلقه الابن (تك2 : 7). وهكذا قيل “ليس أحد يعرف الابن إلا الآب ولا أحد يعرف الآب إلا الابن” (مت11 : 27) لأنهما في وحدة = لاهوت واحد. وهذه تساوى تمامًاً “أنا في الآب والآب في” (يو 10:14). وتساوى “أنا والآب واحد” (يو 30:10) . وهي وحدة بين الآب والابن ينتج عنها خلقة أحياء. الآب يريد، والابن قوة الله وحكمته (1كو1 : 24) ينفذ إرادة الآب فيخلق الإنسان.

3) علاقة الإتحاد بين المسيح وكنيسته :- الابن يعرف الإنسان أي يتحد به، فيحيا الإنسان أبديا. ويقول السيد المسيح في صلاته الشفاعية “وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته” (يو 3:17)، فهذا يعنى أن المسيح يعطينا أن نتحد به. فالمعرفة تعنى إتحاد ينتج عنه حياة، فالمسيح يوحدنا فيه لنكون أحياء فهو الحياة الأبدية. والإتحاد به أشار إليه المسيح في صلاته الشفاعية (يو 21:17-26). ونفهم هذا من قول بولس الرسول “وأوجد فيه… لأعرفه….” (في 8:3-10) فالثبات فيه والإتحاد به يعنى معرفته. وصرنا نعرف الآب من خلال إتحادنا بالمسيح.

* “أمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ” (يو10 : 14 ، 15). وهنا نرى وحدة لاهوتية بين الآب والابن “الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ”. ووحدة بين الابن وبيننا بالجسد “وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي”.

* وإذا فهمنا أن المعرفة تعنى الوحدة، إذاً حين يقول المسيح للأشرار في اليوم الأخير لا أعرفكم يكون المقصود أنهم في حياتهم على الأرض لم يكونوا في وحدة مع المسيح، بل كانوا يعملون لحساب أنفسهم. والآن هو لا يريد أن يتحد بهم. وهذا معناه الموت الأبدي فالمسيح هو الحياة الأبدية.

نفهم إذاً أن كلمة يعرف تعنى وحدة ينتج عنها فعل

والعكس فكلمة لا يعرف ينتج عنها لا فعل

فإن قيل آدم لم يعرف حواء فلن يكون هناك قايين

 

2) الآب والابن في وحدة

تم التعبير عن هذه الوحدة بين الآب والابن بعدة طرق في الكتاب المقدس. رأينا أن الوحدة تم التعبير عنها بكلمة المعرفة، ويتم التعبير عنها أيضًا بكلمة الحب. إذاً المحبة والمعرفة كلاهما تعبير عن الوحدة.

لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ (يو5 : 20) + لكن ليفهم العالم أنى أحب الآب وكما أوصانى الآب هكذا أفعل (يو14 : 31).

الله محبة والوحدة بين الآب والابن تم التعبير عنها بأن الآب يحب الابن، والابن يحب الآب. هذا التعبير ناشئ من طبيعة الله، فالله محبة. الآب ينبع محبة تنسكب في الابن، والابن ينبع محبة تنسكب في الآب. وهذا يعنى أن الآب في الابن والابن في الآب. والآيات التالية تشير لهذه الوحدة بين الآب والابن :-

  1. “الآب يحب الابن” (يو5: 20). و”الابن يحب الآب” (يو14 : 31) . هنا تعبير عن الوحدة بين الآب والابن بلغة المحبة التي هي طبيعة الله. فالآب في الابن والابن في الآب بالمحبة.
  2. “لا أحد يعرف الآب الا الابن ولا أحد يعرف الابن الا الآب” (مت 11: 27).
  3. “أنا في الآب والآب في” (يو14: 10). “من رآني فقد رأى الآب” (يو14: 9).
  4. “أنا والآب واحد” (يو10: 30). “كل ما للآب هو لي” (يو16 : 15).
  5. “وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ” (يو17 : 10).
  6. “والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله” (يو1 : 1).
  7. “الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر (يو1 : 18).
  8. “لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب” (يو5 : 23).

واضح مما سبق المساواة الكاملة بين الآب والابن وأنهما واحد. وقد فهم اليهود الذين يسمعون كلمات الرب يسوع أنه يعادل نفسه بالله فأرادوا أن يرجموه (يو5 : 18 + 10 : 31). وكون أن كل ما للآب هو للإبن فهذا يعنى أن معرفة الآب هي نفسها معرفة الابن. والرب يسوع أعطانا علامات اليوم والساعة (مت24). فهل من يعرف العلامات لا يعرف اليوم والساعة.

إذاً الآب والابن هما واحد وكل ما للآب هو للإبن

إذاً هو يعلم اليوم والساعة قطعا.

 

3) كيف شرح السيد المسيح فكرة التطابق في الفكر والمعرفة بين الأقانيم الثلاثة

هذا ما نراه واضحا في الآيات التالية

فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الابْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهذَا يَعْمَلُهُ الابْنُ كَذلِكَ” (يو5 : 19).

لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الابْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ” (يو5 : 20).

لكن ليفهم العالم أنى أحب الآب وكما أوصانى الآب هكذا أفعل (يو14 : 31).

“واما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بامور اتية” (يو16 : 13).

* رأينا في النقطة السابقة أن الآب والابن في وحدة. وأن كل ما للآب هو للإبن. أما التطابق في الفكر فقد شرحه الرب يسوع بأن الابن يرى عمل الآب ويسمع الآب. فالآب والابن واحد وكل ما يعمل الآب يراه الابن وحده أي يعرفه معرفة التطابق. والابن يرى تمامًا فكر الآب ويعرف ما يريده الآب تمامًا. وهل هناك من يرى إرادة الآب إلا ابنه الوحيد “الذي هو قوة الله وحكمة الله” (1كو1 : 24) وأنه الله المتجسد، وهو ينفذ إرادة الآب ويستعلنها فهو قوة الآب الذي ينفذ إرادته والتي هي نفسها إرادة الابن إذ هما واحد. الابن يحول الإرادة إلى فعل.

* وعموما فحين يتكلم المسيح عن أعمال يقول ما أراه، وحين يتكلم عن أقوال يقول ما أسمع أو ما يسمعه الروح القدس. والفعلان يحب ويريه جاءا بصيغة الحاضر المستمر فهما عملان مستمران لا ينقطعان.

والروح القدس أيضًا يسمع الآب وما يريده الآب أن يصل لنا، يقوم الروح القدس بتوصيله لنا. وأيضا عن الروح القدس قال الرب يسوع أن الروح يسمع. وهل من يعرف فكر الآب إلا روح الآب أي الروح القدس “لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله. لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الانسان الذي فيه. هكذا ايضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله (1كو2 : 10 ، 11).

إذاً الآب والابن والروح القدس غير منفصلين: فالإبن ينظر كل ما للآب ويسمع كل ما عند الآب، وهكذا الروح القدس. إذاً الآب والابن والروح القدس لهم فكر واحد وإرادة واحدة ومشيئة واحدة: ونفهم أن قول الرب يسوع أنه لا يقدر (يو5 : 19) لا تشير للعجز بل لأن المشيئة واحدة والإرادة واحدة، فالإبن يقدر أن يفعل كل شيء، إلا أن تكون له إرادة منفصلة في العمل عن إرادة أبيه فهما واحد وإرادتهما واحدة. بل هو يترجم ما يراه أي يعرفه معرفة التطابق في الإرادة، إلى فعل وعمل.

ولكن يجب أن نفهم أن هناك تمايز بين الأقانيم الثلاثة. أي أن هناك عمل أو وظيفة لكل أقنوم. ويمكن أن نقول أن أقنوم الإرادة هو أقنوم الآب أما أقنومى التنفيذ فهما أقنومى الابن والروح القدس. وهذا نراه في الإنسان .. وكتشبيه بسيط لتقريب الصورة نراه في الإنسان، فما يريده العقل تقوم اليدان بتنفيذه. أو أن ما يدور في العقل يعبر عنه اللسان. ونسمع في سفر إشعياء هذا النص عن المشورة الثالوثية “الآن السيد الرب أرسلني وروحه” (إش48 : 16). فالآب يريد. والابن ينفذ. فالآب يريد أن الجميع يخلصون، والابن يقدم الفداء. والروح القدس يجدد الخليقة. فهناك إتفاق في الرأى ولكن لكل أقنوم عمله.

أمثلة على ذلك :-

  1. الله قرر أن يخلق الإنسان “قال الله نعمل الإنسان على صورتنا” (تك1 : 26). “وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض – (الرب الإله هو يهوه ابن الله الذي به كان كل شيء) – ونفخ في أنفه نسمة حياة (نرى هنا الروح القدس يعطى حياة للجسد الذي جبله الابن) (تك2 : 7).
  2. الله يقرر خلاص الإنسان فهو “يريد أن جميع الناس يخلصون” (1تى2 : 4). فيتجسد الابن ليفدى الإنسان، ويحل الروح القدس على جسد المسيح يوم المعمودية ليحيى كل من يعتمد.
  3. نرى تطبيق واضح لهذا في (سفر حزقيال37).
  4. “أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئًا. كَمَا أَسْمَعُ أَدِينُ، وَدَيْنُونَتِي عَادِلَةٌ، لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي” (يو5 : 30). قوله كما أسمع أدين= تعنى إستحالة الانفصال بين الأقنومين في الرأي أو العمل وتشير للإتفاق التام. هي إشارة لمعرفة تامة لفكر الآب لذلك يقول دينونتي عادلة= فهو لا يطلب شيئاً لنفسه. ما دام هناك تساوي مطلق فهذه تشير أن لهما إرادة واحدة، ولكن الآب يريد والابن ينفذ ويعلن لنا أي يستعلن إرادة الآب، فهو وحدهُ الذي يعرف مشيئة الآب “الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر” (يو1 : 18).

فالآب هو الله غير المنظور وأعماله هي إرادة غير منظورة، والابن هو الله المنظور، ويعمل الأعمال المنظورة. والابن لا يعمل شيئاً ما لم يكن الآب يريده فإرادتهما واحدة. كما يكون في قلبي مشاعر تترجمها يدي إلى خطاب مكتوب. فالقلب والعقل واليد يعملون معاً. الابن لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئاً إلاّ ما ينظر الآب يعمل= أي أعمال الابن غير منفصلة عن أعمال الآب. هذا القول لا يلغى سلطان الابن بل يعلن وحدة الإرادة التي لا تنفصم. ينظر= يرى فكر الآب فهو فكره وعقله، فهو يرى – أي يعرف ما يريده الآب فيعمله. تعني المعرفة المستمرة والرؤية الواضحة للآب فهما واحد. وجاءت في المضارع. أمّا حينما يقول وأنا ما سمعته منه (38:8) أو أتكلم بما رأيت (26:8) فهذه تشير لان ما يعمله المسيح هو قرار وتخطيط أزلى. وحينما يقول وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ فهو يشير لأعمال سيعملها في المستقبل.

وبنفس الأسلوب فلكي يقول السيد المسيح لليهود أنهم في توافق مع فكر الشيطان ويعملون ما يريده الشيطان قال لهم “أنتم تعملون ما رأيتم عند أبيكم” (يو38:8). وكان المسيح يقصد أن أبيهم هو إبليس القتال (يو44:8) لأنهم يريدون أن يقتلوا المسيح (يو40:8) إذاً عبارة “تعملون ما رأيتم” أو “أعمل ما رأيت” تشير للتطابق التام في الفكر والعمل.

من كل ما سبق نفهم أن الآب والابن واحد، وهناك تطابق في الفكر والمعرفة. وتم التعبير عن هذا التطابق بقول الرب يسوع “ما أراه عند الآب” ولكن الآب هو أقنوم الإرادة والابن هو أقنوم التنفيذ. فما يراه الابن عند الآب يفعله أو يعلنه. والتطابق في الفكر موصوف أيضا بكلمة أعرف التي تعنى الوحدة كما رأينا التي ينتج عنها تنفيذ. الآب والابن لهما نفس الفكر ويعملون نفس الأعمال ولكن أعمال وأقوال الآب غير منظورة وأقوال وأعمال الابن هي منظورة. الآب هو أقنوم الإرادة والابن هو أقنوم التنفيذ والفعل، لذلك قامت إحدى الترجمات الفرنسية بترجمة الآية “في البدء كان الكلمة” هكذا “في البدء كان الفعل verb”. وأرى أنها ترجمة صحيحة، فالإبن هو الخالق، ولذلك جاءت الآية التالية “به كان كل شيء”. فإرادة الآب يترجمها الابن إلى فعل.

إذاً القول الابن يعرف يعنى وحدة الفكر والإرادة. الآب يريد والابن يستعلن إرادة الآب

والقول لا يعرف يعنى الآب لا يريد، والابن يترجم لا إرادة الآب إلى لا إعلان

 

ويصبح قول الرب يسوع  فلا يعلم بهما أحد …. ولا الابن إلا الآب (مر13 : 32).

أنه حينما يقول الابن أنه لا يعرف، فهذا لا يفهم منه جهل المسيح باليوم، بل المعنى أنه كأن الابن لم يرى الميعاد في فكر الآب أو كأنه لم يسمع الميعاد. ومرة أخرى فكلمتى يرى ويسمع يعنيان التطابق في الفكر. لكن لأن الآب لا يريد الإعلان، فإن الابن أقنوم التنفيذ لن يعلن. ولاحظ أيضًا أن الابن لا يريد الإعلان. أما قول الرب يسوع ولا ملائكة السموات فيعنى حقيقة أن الملائكة يجهلون اليوم والساعة. فهناك فرق بين الابن الوحيد الجنس، الواحد مع أبيه وبين الملائكة المخلوقين.

وتكون كلمة يعرف تعنى التطابق والوحدة المعرفية ولكن للآب هي الإرادة وللإبن هي الإعلان. وكلمة لا أعرف هي أن الآب لايريد وللإبن هي لا يعلن، لا أعرف هي أيضًا تطابق ولكن بالنسبة للآب هي اللا إرادة وللإبن هي اللا إعلان. ببساطة حينما يريد عقل الإنسان إخفاء أمر ما –  فاللسان لن ينطق به.

وأما حين يريد الآب أن يعلن عن شيء يعطى للإبن أن يعلن كما جاء في (رؤ1 : 1) “إعلان يسوع المسيح، الذي أعطاه إياه الله، ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب، وبينه مرسلا بيد ملاكه لعبده يوحنا”.

لماذا لا يريد الله إعلان اليوم والساعة؟

  1. حتى لا نعتمد على أننا نعرف أن الميعاد ما زال بعيدا ونؤجل التوبة.
  2. إنتقال كل شخص من هذه الحياة قد يأتي في أي لحظة، فمن يؤجل التوبة سيهلك.
  3. هذا اليوم يأتي كلص أي فجأة، إذاً علينا أن نكون مستعدين “لانكم أنتم تعلمون بالتحقيق أن يوم الرب كلص في الليل هكذا يجيء” (1تس5 : 2). أما المستعد فهو في نور ولا يخاف “وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة حتى يدرككم ذلك اليوم كلص” (1تس5 : 4).
  4. لكن الله أعطانا علامات واضحة على إقتراب الأيام الأخيرة، حتى نثق حينما تحدث أن من يعرف ما سيحدث قبل ألاف السنين، يعرف كيف يحمى أولاده خلال هذه الأحداث. فنؤمن ونطمئن. وهذا ما قاله الرب يسوع “وقلت لكم الآن قبل أن يكون، حتى متى كان تؤمنون” (يو15 : 29).

واضح أن الابن لا ينطبق عليه هذا الكلام فلماذا يخفى الآب الميعاد عنه؟ 

وإذا كان الله يكشف لإبراهيم عن أسراره

“هل أخفى عن إبراهيم ما أنا فاعله” (تك18 : 17)

فهل يخفى شيء عن ابنه الذي هو عقله وحكمته ومتحد معه؟!

 

آية (34-35): “كأنما إنسان مسافر ترك بيته وأعطى عبيده السلطان ولكل واحد عمله وأوصى البواب  أن يسهر. اسهروا إذًا لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحًا”

سافر= صعد إلى السماء بعد أن أتم الفداء. ترك بيته= كنيسته. أوصى البواب= الإنجيلى متى أسماه العبد الأمين الحكيم، فهو يكلم اليهود ويرسم لهم الصورة التي ينبغي أن يكون عليها رؤساء الكهنة والكهنة واللاويين الذين ائتمنهم الله على تعليم الشعب. ومرقس يكلم الرومان فيرسم لهم صورة البواب الذي يحرس منزل أحد النبلاء الرومان، وكل من التشبيهين يكمل الآخر، فالوكيل الأمين يشير لعمل الخدام في إشباع الناس بأمانة، وسهر الحراس والبوابين يشير لليقظة الأمينة. أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحاً= هذا هو التقسيم الروماني لليل.

فاصل

إنجيل معلمنا مرقس: 12345678910111213141516

تفسير إنجيل معلمنا مرقس: 12345678910111213141516

 

زر الذهاب إلى الأعلى