الموسوعة الكنسية لتفسير العهد الجديد
تفسير سفر الرؤيا اصحاح 20 – كنيسة مار مرقس بمصر الجديدة
الأصحاح العشرون
تقييد الشيطان وحلَّه وملك الألف سنة
مقدمة الأصحاح:
يعتبر هذا الأصحاح من الأجزاء الهامة جدًا في سفر الرؤيا، إذ يتناول موضوع “ملك المسيح لألف سنة” .. مما جعل البعض ينتظرون بالفعل مجيء المسيح الثاني ليملك على الأرض. وبالطبع الكنيسة ترفض هذا الإتجاه في التفسير؛ فالسفر في مجمله سفر روحي وكل دلالاته هي دلالات رمزية وكثير بل كل الأرقام والأعداد التي أتت فيه لا علاقة لها بالزمن الأرضى في أيامه وساعاته التي نعمل بها الآن.
(1) القبض على الشيطان وملك الألف سنة (ع1-6)
(2) حل الشيطان زمنًا قليلًا (ع 7-10)
(3) الدينونة العامة (ع 11-15)
(1) القبض على الشيطان وملك الألف سنة (ع1-6):
1 وَرَأَيْتُ مَلاَكًا نَازِلًا مِنَ السَّمَاءِ مَعَهُ مِفْتَاحُ الْهَاوِيَةِ، وَسِلْسِلَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى يَدِهِ. 2 فَقَبَضَ عَلَى التِّنِّينِ، الْحَيَّةِ الْقَدِيمَةِ، الَّذِي هُوَ إِبْلِيسُ وَالشَّيْطَانُ، وَقَيَّدَهُ أَلْفَ سَنَةٍ، 3 وَطَرَحَهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ، وَخَتَمَ عَلَيْهِ، لِكَيْ لاَ يُضِلَّ الأُمَمَ فِي مَا بَعْدُ، حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ. وَبَعْدَ ذَلِكَ، لاَ بُدَّ أَنْ يُحَلَّ زَمَانًا يَسِيرًا.
4 وَرَأَيْتُ عُرُوشًا، فَجَلَسُوا عَلَيْهَا، وَأُعْطُوا حُكْمًا. وَرَأَيْتُ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ شَهَادَةِ يَسُوعَ، وَمِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْجُدُوا لِلْوَحْشِ وَلاَ لِصُورَتِهِ، وَلَمْ يَقْبَلُوا السِّمَةَ عَلَى جِبَاهِهِمْ وَعَلَى أَيْدِيهِمْ، فَعَاشُوا وَمَلَكُوا مَعَ الْمَسِيحِ أَلْفَ سَنَةٍ. 5 وَأَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْوَاتِ، فَلَمْ تَعِشْ حَتَّى تَتِمَّ الأَلْفُ السَّنَةِ. هَذِهِ هِيَ الْقِيَامَةُ الأُولَى. 6 مُبَارَكٌ وَمُقَدَّسٌ مَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْقِيَامَةِ الأُولَى، هَؤُلاَءِ لَيْسَ لِلْمَوْتِ الثَّانِي سُلْطَانٌ عَلَيْهِمْ، بَلْ سَيَكُونُونَ كَهَنَةً لِلَّهِ وَالْمَسِيحِ، وَسَيَمْلِكُونَ مَعَهُ أَلْفَ سَنَةٍ.
ع1: منظر جديد شاهده القديس يوحنا وهو رؤيته لملاك جديد نازل من السماء، إعتقد الكثير من المفسرين أنه رمز للمسيح ذاته وذهب البعض الآخر لمجرد إنه ملاك مكلَّف من المسيح بإتمام مشيئته … والمنظر الذي ظهر به الملاك يدل على المهمة العظيمة المكلَّف بإتمامها.
مفتاح الهاوية: منظر يوحى لنا بأن الهاوية هي مكان له أبواب، ولكن المعنى الروحي المقصود هو أن الهاوية وإن كانت مكان الشيطان وأتباعه إلا أنها تحت سلطان الله المطلق الذي يملك مفتاحها.
سلسلة على يده: تستخدم السلسلة في تقييد المجرمين، والمشهد كله هو مدخل لما هو آتٍ.
ع2: استخدمت السلسلة في تقييد الشيطان، ولنلاحظ استخدام أربعة ألقاب لاسم الشيطان عند القبض عليه.
التنين: وهو لقب الشيطان في سفر الرؤيا ويعنى رئيس الشياطين وكان من أتباعه “الوحش والنبى الكذاب”.
الحية القديمة: أي الذي أغوى آدم وحواء في الفردوس قديمًا.
الشيطان: الاسم الأكثر شيوعًا ومعناه المشتكى والحاسد لأولاد الله.
إبليس: عدو كل بر وصلاح. راجع أيضًا المعاني في (رؤ 12: 9).
والمقصود بسرد كل هذه الأسماء هو التأكيد أن القبض على الشيطان قد تمَّ وليس مكان للشك، ولتقريب الصورة للأذهان … كأن تكتب الجرائد اليومية خبر القبض على مجرم، وتذكر اسمه الرباعى للتأكيد على هويته.
قيّده ألف سنة: أثارت هذه “الألف سنة” جدلًا في تحديد زمن بدايتها الأرضى وهل تم ذلك أم سوف يتم …؟! والمبدأ المعروف أن الكتاب المقدس يُفَسَّر في ضوء الكتاب المقدس؛ ولأن المسيح نفسه أشار إلى زمن تقييد الشيطان عندما قال:
“لا يستطيع أحد أن يدخل بيت القوى وينهب أمتعته إن لم يربط القوى أولًا”(مت12: 29).
“رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء” (لو10: 18)
“الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجًا” (يو12: 31)
لهذا تؤمن الكنيسة بأن هذا التقييد تزامن مع تجسد المسيح وتدبير عمله الخلاصي على خشبة الصليب، والشيطان الذي كان يربط الناس قديمًا (لو13: 16) صار مربوطًا بسلطان المسيح.
ع3: طرحه في الهاوية: أي صارت مملكته (الهاوية) هي مكان سجنه.
أغلق عليه: تأكيد لسلطان الله والمفتاح الذي كان مع الملاك.
ختم عليه: تعبير تصويرى يفيد عدم القدرة على الخروج وعدم السماح لأحد بالفتح له.
لكي لا يضل الأمم: أي الغرض من تقييد الشيطان هو إعطاء راحة نسبية للعالم بعد كثرة شروره.
حتى تتم الألف سنة: ترتبط نهاية الألف سنة ببداية علامات مجيء السيد المسيح الثاني وقد سبق الإشارة أن هذه الألف سنة ليست زمنًا أرضيًا.
والمعنى المراد من الآية كلها أن القبض على الشيطان قد تمَّ بتجسد وفداء المسيح للبشر وتم أيضًا تحديد إقامته في الهاوية ولم يعد للشيطان سلطان على الإنسان كما كان، ولكن وجوده الحالي في الهاوية لا يمنعه، حتى بعد تقييده، من استمراره في حروبه وبث أفكاره وتشويشه وإغوائه، فهو كمن ينبح خلف الأسوار ولكن لازال لنباحه تأثير على كثيرين، فيخيفهم ويزعجهم ويسقطهم في خطايا متنوعة ولكن لم يعد له سلطان أن يأخذ المؤمنين إلى الجحيم مكان مملكته، بل يدخلون إلى فردوس النعيم مكان انتظار الأبرار وأصبح من السهل التغلب على حروبه بقوة المسيح والصليب.
يحل زمانًا يسيرًا: أي قبل مجيء المسيح الأخير يُسمَح له أيضًا أن يقوم بحربه الأخيرة قبل دينونته النهائية.
ع4: رأيت عروشًا: أي كراسى عظيمة سمائية.
جلسوا عليها: وعد السيد المسيح الإثنى عشر بالجلوس على الكراسى حوله في ملكوته” (مت19: 28).
أعطوا حكمًا: مرتبطة بنفس الوعد السابق إذ أعطى السيد المسيح الآباء الرسل حق إصدار الأحكام ودينونة الأمم (مت19: 28، 29).
يروى القديس يوحنا لنا عن مشهدين في صورة واحدة، فالمشهد الأول هو جلوس الرسل والقديسين على عروش حول عرشه في مجلس حكمه، أما المشهد الثاني فهو خاص بجميع المؤمنين المتمتعين بالوجود مع المسيح ومصاحبته في مجده. وقد حدد لنا القديس يوحنا أن هؤلاء الناس هم من لم يسجدوا للوحش ولا صورته ولم يقبلوا سمته وقد سبق الكلام عن هذا كله وشرحه في (رؤ 13: 15-18)، والمعنى المراد أنه لن يملك مع المسيح إلاّ من قاوم الشيطان ورفض وانتصر عليه.
ع5: أما بقية الأموات: أي الناس الذين لن يشاركوا المسيح في ملكه ومجده لأنهم تبعوا الشيطان وسمة الوحش ولم يتوبوا، ولهذا وصفوا بالأموات أي أموات في نظر الله روحيًا وإن كانوا يحيون على الأرض بأجسادهم.
لم تعش حتى تتم الألف سنة: لم تتب ولم تتمتع بالحياة مع المسيح في كنيسته على الأرض خلال الزمن الأرضى، أي الألف سنة التي يملك فيها المسيح على قلوب أولاده في الكنيسة ومن انتقلوا منهم في فردوس النعيم. والمعنى أن هؤلاء الأشرار أي الأموات روحيًا ليس لهم مكان في الكنيسة ولا الفردوس ويظل هذا الأمر طوال الألف سنة أي الفترة التي نحياها الآن، والروح القدس يدعو الكل للقيامة من موتهم بالإيمان بالمسيح والإرتباط بالكنيسة.
هذه هي القيامة الأولى: ما معنى القيامة الأولى، وما هي إذًا القيامة الثانية وهل هناك قيامتان للأجساد أم ماذا؟!..
لأهمية هذا الموضوع ولتعلقه بإيمان الكنيسة نوضح الآتي:
- أنه لا توجد سوى قيامة واحدة للأجساد وذلك في مجيء المسيح الثاني ونهاية الحياة على الأرض وبدء الدينونة العامة (يو5: 28، 29، 2 تس1: 8-10، 2 بط3: 9).
- معنى القيامة الأولى هو القيامة الروحية التي هي القيامة بالتوبة والمعمودية من موت الخطية كما أكد على ذلك الكتاب المقدس نفسه.
“أنتم إذ كنتم أمواتًا بالذنوب والخطايا التي سلكتم فيها قبلًا … أقامنا معه في المسيح يسوع” (أف2: 1-6).
“مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضًا معه بإيمان عمل الله” (كو2: 12).
“كل من كان حيًا وآمن بي فلن يموت (قائم) إلى الأبد”. (يو11: 26).
“نحن نعلم أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة (القيامة)” (1 يو3: 14).
مما سبق يمكن التأكيد على معنى القيامة الأولى .. فهي الإيمان بالسيد المسيح ورفض الشيطان ومقاومته وقبول المعمودية من الكنيسة المقدسة والثبات والجهاد حتى النفس الأخير. أما القيامة الثانية كما ذكرنا فهي قيامة الأجساد في يوم الدينونة والدخول إلى الملكوت الأبدي.
ع6: لهذا استحق التطويب والمدح من كان له نصيب في القيامة الأولى “أي المؤمنين الحقيقيين الثابتين” الذين ماتوا عن شهوات العالم فقاموا وعاشوا في العالم بفكر القيامة والإنتصار.
الموت الثاني: يمكن فهم تعبير الموت الثاني بأكثر من طريقة.
الأولى: إذا أعتُبِرَ أن الموت الزمني للجسد هو الموت الأول بالتالي صار الموت الثاني تعبير يرمز لهلاك الإنسان الأبدي.
الثانية: إذا أعتُبِرَ أن الموت الأول هو حياة الخطية قبل التوبة، فيصير الموت الثاني هو موت الجسد الزمني.
والمعنى على أي الأحوال هو أن من كان له القيامة الأولى في المسيح بالإيمان والمعمودية والتوبة لن يؤذه في شيء موت جسده زمنيًا كما قال السيد المسيح “لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد” إذ ليس لهم سلطان على الروح. فالروح تنتقل إلى الفردوس وتتهلل هناك ولا تتأثر بموت الجسد على الأرض ثم تخلد بعد ذلك في الملكوت الأبدي بعد مجيء المسيح الثاني.
ليس للموت الثاني سلطان عليهم: جملة اعتراضية تؤكد أنهم سيقومون في اليوم الأخير ويملكون إلى الأبد مع المسيح. فهو يقصد أن المؤمنين الذين سيعيشون بالإيمان والتوبة على الأرض سيكونون كهنة لله على الأرض بذبيحة نفوسهم.
سيكونون كهنة لله والمسيح: سبب آخر لتطويبهم ومدحهم أنهم كانوا كهنة أثناء حياتهم على الأرض بتقديم ذواتهم وإرادتهم ذبيحة حية يومية أمام الله في عبادتهم وخدمتهم له، وسيملكون أيضًا بوداعتهم وسلوكهم المسيحي على قلوب من يحيوا معهم (مت5: 5) حتى مجيء المسيح الثاني، وكلمة ألف سنة هنا رمزية كما سبق وأوضحنا أنها تشمل الزمن من تجسد وفداء المسيح حتى قرب مجيئه الثاني.
† أيها الحبيب تشدد وتشجع واثبت في قيامتك الأولى وتذكر وعد السيد المسيح إن ثبت فلن يؤذيك الموت الثاني ولن تهلك نفسك، ولكن لكي تثبت في هذه القيامة عليك أن تتجنب كل أسباب الموت الروحي … فاهرب من مغريات العالم وشهواته وتمسك بتوبتك اليومية، فالتوبة هي قيامتك التي إن تركتها لن يتركك الموت الثاني.
مراجعة لعقيدتنا في الألف سنة وحكم المسيح الألفي:
بينما ذهب البعض (من الطوائف الأخرى) في تفسير أن الألف سنة هي ألف سنة زمنية وسيملك فيها المسيح على الأرض ويدير شئونه مع قديسيه من أورشليم؛ ترفض كنيستنا هذا التعليم بجملته لأكثر من سبب:
- إعلان المسيح ذاته أكثر من مرة أن مملكته ليست من هذا العالم.
- إعلان المسيح عن مجيئه مرة ثانية وأخيرة وهذه المرة تشهد انحلال الطبيعة وسقوط الكواكب ونهاية الحياة على الأرض (مت24).
- كل الأزمنة والأحداث في سفر الرؤية أحداث رمزية ذات مدلولات روحية.. فلماذا هذا الزمن بالذات نفهمه حرفيًّا؟!
(2) حل الشيطان زمنًا قليلًا (ع 7-10):
7 ثُمَّ مَتَى تَمَّتِ الأَلْفُ السَّنَةِ، يُحَلُّ الشَّيْطَانُ مِنْ سِجْنِهِ، 8 وَيَخْرُجُ لِيضِلَّ الأُمَمَ الَّذِينَ فِي أَرْبَعِ زَوَايَا الأَرْضِ: جُوجَ وَمَاجُوجَ، لِيجْمَعَهُمْ لِلْحَرْبِ، الَّذِينَ عَدَدُهُمْ مِثْلُ رَمْلِ الْبَحْرِ. 9 فَصَعِدُوا عَلَى عَرْضِ الأَرْضِ، وَأَحَاطُوا بِمُعَسْكَرِ الْقِدِّيسِينَ، وَبِالْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ، فَنَزَلَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مِنَ السَّمَاءِ وَأَكَلَتْهُمْ. 10 وَإِبْلِيسُ الَّذِي كَانَ يُضِلُّهُمْ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ وَالْكِبْرِيتِ، حَيْثُ الْوَحْشُ وَالنَّبِىُّ الْكَذَّابُ. وَسَيُعَذَّبُونَ نَهَارًا وَلَيْلًا إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.
ع7: متى تمت الألف سنة: أي قرب نهاية زمن الحياة الأرضى وقبل مجيء السيد المسيح الثاني بفترة وجيزة ولفترة قصيرة.
يحل من سجنه: أي يسمح الله له بفترة قصيرة أن يستخدم فيها كل قوته وعنفه، وستكون فترة صعبة يحاول أن يضلَ فيها المختارين ولكن قوة الله تسندهم فلا يعثرون.
ع8-9: هذان العددان يوضحان لنا المعركة الأخيرة، وقد ذكرت بلا إسهاب ولا تفصيل.. ويمكن وصفها في الآتي:
- خروج الشيطان ليجمع أنصاره للحرب من كل أركان العالم “أربع زوايا الأرض“.
- كان عددهم لا يحصى وأحاطوا بالكنيسة في حرب شرسة إذ أتوا من عرض الأرض بشرهم لإهلاك الكنيسة “معسكر القديسين والمدينة المحبوبة“.
- كانت النهاية سريعة ومروعة إذ أنزل الله نارًا إلهية من السماء(جام غضبه: ص16) فالتهمتهم جميعًا.
جوج وماجوج: كناية عن الشيطان وأعوانه، أما في الأصل فهما ملكان للممالك الشمالية التي حاربت وعادت إسرائيل قديما وتنبأ عنها حزقيال (حز38: 2) وعن خرابها الشديد (حز38: 7-13).
ع10: أما قائدهم الأعلى ومدبر مملكة الشر كلها الذي خدع وأضلَّ الكثيرين وراءه فكان مصيره الهلاك الأبدي في بحيرة النار والكبريت وصاحباه أيضًا أكبر أعوانه في مملكة الشر وهما الوحش والنبى الكذاب.
أما مصيرهم فهو العذاب النهائى والأبدي وبلا توقف أو رحمة “نهارًا وليلًا“. وهذا إعلان لنا جميعًا عن أن عدل الله ونقمته من الأشرار آتية .. آتية مهما أطال أناته عليهم. ويلاحظ أيها القارئ العزيز أنه بنهاية هذا المشهد لا يُذكَر الشيطان ولا أعوانه ثانيةً.
بحيرة النار والكبريت: هي المكان الأبدي المعد لعذاب الأشرار وهو ليس الجحيم وليس أيضًا الهاوية .. فلن يدخل هذا المكان أحد من الأشرار قبل مجيء المسيح ودينونته.
† إذا عارضك الكثيرون في سلوكك بالبر فلا تنزعج، وإن ضغطوا عليك سواء المقربين منك أو المسئولين عنك لتخطئ إلى الله فلا توافقهم بل لتطع وصايا الله قبل كل إنسان. ثابر في جهادك عالمًا أن كل الشر سيزول وسيكافئك الله في النهاية على أمانتك وأيضًا يسندك في مواجهتك للعالم حتى تكمل أيام غربتك بسلام فيه.
(3) الدينونة العامة (ع 11-15):
11 ثُمَّ رَأَيْتُ عَرْشًا عَظِيمًا أَبْيَضَ، وَالْجَالِسَ عَلَيْهِ الَّذِي مِنْ وَجْهِهِ هَرَبَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ، وَلَمْ يُوجَدْ لَهُمَا مَوْضِعٌ. 12 وَرَأَيْتُ الأَمْوَاتَ صِغَارًا وَكِبَارًا وَاقِفِينَ أَمَامَ اللهِ، وَانْفَتَحَتْ أَسْفَارٌ، وَانْفَتَحَ سِفْرٌ آخَرُ هُوَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَدِينَ الأَمْوَاتُ مِمَّا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَسْفَارِ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ. 13 وَسَلَّمَ الْبَحْرُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِ، وَسَلَّمَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ الأَمْوَاتَ الَّذِينَ فِيهِمَا. وَدِينُوا كُلُّ وَاحِدٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِ. 14 وَطُرِحَ الْمَوْتُ وَالْهَاوِيَةُ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ. هَذَا هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي. 15 وَكُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ، طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ.
ع11: ثم رأيت: ينقلنا القديس يوحنا بهذا التعبير إلى مشهد الدينونة العامة والأخيرة..
عرشًا عظيمًا أبيض: أي عرش المسيح ذاته وقال عنه عظيمًا ليميزه عن أي عرش آخر كعروش التلاميذ أو القديسين (ع4). والبياض يرمز للطهارة والنقاء المطلق الذي يتميز به الله وحده.
هربت الأرض والسماء: زالتا ولم يكن لهما موضع أو حياة، والسماء هنا مقصود بها سماء النجوم والكواكب.
المشهد هنا مخيف ومهيب إذ جلس المسيح نفسه على عرش دينونته النقى والطاهر والعادل بعد أن زالت كل علامات العالم المادي المعروف لدينا، وصرنا في زمن الأبدية اللانهائية.
ع12: ظهر أمام العرش كل الأموات قائمين بأجسادهم الجديدة من كبيرهم إلى صغيرهم فالقيامة للكل حتى للأطفال.
انفتحت الأسفار: أي فتحت الكتب التي احتوت ورصدت أعمال كل واحد منهم.
سفر الحياة: فتح كتاب آخر كتبت فيه أسماء وارثى الحياة الأبدية.
دين الأموات: تمت محاسبة كل واحد على كل الأعمال التي أتى بها في حياته والمكتوبة في الأسفار، إذ كان كل شيء مدونًا.
بحسب أعمالهم: أي ليس بحسب مراكزهم أو مهامهم العظيمة على الأرض بل بحسب أعمالهم الموافقة أو المنافية لوصايا المسيح.
يصف القديس يوحنا كيفية إتمام الدينونة، إذ واجه كل إنسان في يوم الدينونة كل أعماله التي عملها بإدراك ووعى سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، فكل ما لم يتب عنه الإنسان هو مسجل عليه ومحفوظ ولا يستطيع أن ينكره أو يبرره.
ع13: سلّم البحر الأموات: المعنى المباشر هو أن من كان ميتًا بالغرق في البحر وليس مدفونًا قام أيضًا.
الموت والهاوية: أي من كان ميتًا ومقبوضًا عليه في الجحيم قام أيضًا من الموت للدينونة.
المعنى العام لهذه الآية هو، حيث أن الله هو وحده صاحب السلطان على الخليقة كلها وأمر ببدء الدينونة، قامت الأجساد كلها بصرف النظر عن مكان وجودها أو دفنها واتحدت بالأرواح حتى تتم الدينونة بحسب قضاء الله العادل ويعطى كل واحد بحسب عمله. وجاءت هذه الآية تصوِّر البحر والهاوية كأشخاص الحراس الذين أؤتمنوا على الأرواح والأجساد وجاء الآن زمان تسليمهم للدينونة.
ع14: لأن الموت والهاوية إرتبطا بالخطية صارا عدوين لله، كقول القديس بولس “أن آخر عدو يبطل هو الموت” (1 كو15: 26) ولأنه بعد القيامة لن يكون هناك موت آخر ولا احتياج للهاوية (مكان انتظار الأشرار أو الشيطان)، فقد ألقى الله بهما إلى البحيرة أيضًا وهي بحيرة العذاب الأبدي التي ذكرت في (ع10).
هذا هو الموت الثاني: أي هذا هو الموت والهلاك الأبدي الذي ليس بعده حياة أو قيامة، وهو العذاب الدائم في بحيرة النار والكبريت وهو في غاية الشناعة.
ع15: أي من لم يكن له حياة صالحة أو توبة دائمة ورفض بأعماله الشريرة أن يكون اسمه مكتوب في سفر الميراث الأبدي (سفر الحياة) صار مرفوضًا، وتم طرحه في البحيرة مثلما طُرِحَ التنين والوحش والنبى الكذاب وكل أتباع الشر والموت والهاوية، فالمصير واحد لكل الأشرار.
† إلهي الحبيب إن مشهد الدينونة لمشهد مرعب جدًا، تهتز له النفس وتهابه، فاجعله ماثلًا أمامي دائمًا يا إلهي حتى لا أتهاون ولا أنصرف إلى حياة الشر واجعلنى أصلى دائمًا مع كنيستك في صلاة الستار (من الأجبية) قائلًا “إن دينونتك لمرهوبة، إذ تحشر الناس وتقف الملائكة. وتفتح الأسفار وتكشف الأعمال وتفحص الأفكار. أية إدانة تكون إدانتى أنا المضبوط بالخطايا، من يطفئ ظلمتى إن لم ترحمنى أنت يا رب ؟ لأنك متعطف على البشر.
تفسير رؤيا 19 | تفسير سفر الرؤيا | موسوعة تفسير العهد الجديد | تفسير رؤيا 21 |
كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة | |||
تفاسير سفر الرؤيا | تفاسير العهد الجديد |