تفسير سفر الرؤيا أصحاح 7 للقمص تادرس يعقوب

الأصحاح السابع
اهتمام الحمل بالكنيسة المتألمة

إذ تعلن الختوم الستة الأولى عن أتعاب الكنيسة وآلامها إلى يوم مجيء الرب للدينونة لهذا رأى الرب أن يشجعها بالكشف عن جانبين:

اهتمامه بالكنيسة في جهادها 1 – 8.

اهتمامه بالكنيسة في راحتها 9 – 17.

اهتمامه بالكنيسة في جهادها 1-8

في الجزء الأول من الأصحاح لا يتعرض لفترة زمنية معينة، بل يكشف عن حفظه لكنيسته واهتمامه بها ككنيسة أو كأعضاء فيها كل واحدٍ باسمه خلال جهادهم على الأرض. إنه لا يكف عن أن يحفظ مؤمنيه غير متزعزعين (عب 12: 27)، إذ هم “بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير” (1 بط 1: 5). ومن أجلهم طلب الابن قائلاً: “لست أسأل أن تأخذهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرير” (يو 17: 15).

هذه هي لغة سفر الرؤيا بل لهجة كلمة الله كلها “لأنك حفظت كلمة صبري أنا أيضًا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض” (رؤ 3: 10).

أما المنظر الذي رآه الرسول فهو:

“بعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع زوايا الأرض،

ممسكين أربع رياح الأرض،

لكي لا يهب ريح على الأرض

ولا على البحر ولا على شجرةٍ ما” [1].

رأى أربعة ملائكة يحفظون الأرض من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب، هكذا يهتم الله بالبشرية فيحفظهم من كل جانب حتى لا تهب رياح تطفئ سراجهم المنير. ولعل الله قد أرسل ملائكته لتهدئ الطبيعة الثائرة على الإنسان لأنه كما يقول ذهبي الفم أنه قد صار أكثر غباء من الحيوانات غير العاقلة (مز 49: 20)، وأقل تعقلاً من الطيور (إر 8: 7)، وأكثر جمودًا من الحجارة، متشبهًا بالأفاعي (مز 58: 5) حتى صار يدعى ابنًا لإبليس (يو 8: 44).

“ورأيت ملاكًا آخر طالعًا من مشرق الشمس،

معه ختم الله الحي،

فنادى بصوت عظيم إلى الملائكة الأربعة

الذين أُعطوا أن يضروا الأرض والبحر.

قائلاً: لا تضروا الأرض ولا البحر ولا الأشجار،

حتى نختم عبيد إلهنا على جباههم” [2-3].

في العهد القديم كان الله يهتم بأولاده ويرسل من يختمهم في لحظة التجربة لكي يبقوا محفوظين له (حز 9: 4). وفي كنيسة العهد الجديد يقدم لنا ختم روحي سماوي أبدي، إذ نُختم على جباهنا بسرّ الميرون، فيسكن روح الرب فينا، حافظًا ومقدسًا إيانا لنقول: “قد مسحنا هو الله الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح في قلوبنا” (2 كو 1: 21-22).

إن الملاك الذي طلع من مشرق الشمس هو السيد المسيح الذي أشرق علينا ويهبنا في سرّ الميرون هذه العلامة الفعّالة التي تحفظنا كوارثين للرب، لهذا يوصينا الرسول “لا تحزنوا روح الله القدوس الذي به ختمتم ليوم الفداء” (أف 4: 30).

وقد سبق لنا الحديث عن هذا الختم وأننا به صرنا في ملكية الروح القدس، أعداء إبليس.

يقول القديس أغسطينوس: [إن اسم المسيح من المسحة. فكل مسيحي يقبَل المسحة ليس فقط صار شريكًا في الملكوت بل ومحاربًا للشيطان أيضًا.]

ويقول القديس أمبروسيوس: [تذكروا أنكم قبلتم ختم الروح: “روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب” (إش 11: 2).]

الله الآب ختمكم. المسيح الرب قواكم، وأعطى عربون الروح في قلوبكم (2كو 5: 5) كما تلقنتم من تعليم الرسول.

هذا الختم ليس مجرد علامة للتمييز، لكنه يحمل فيه حبًا وتكريسًا، حتى نقول للرب: “اجعلني كخاتمٍ على قلبك، كخاتم على ساعدك (نش 8: 6).

وهو يحفظ الأرض والبحر والأشجار، أي لا يصيب أي ضرر الذين استقرت نفوسهم (الأرض) والذين لا زالوا مضطربين (البحر) والمثمرين (الأشجار).

أما عن المختومين فقال:

“وسمعت عدد المختومين مئة أربعة وأربعين ألفًا مختومين

من كل سبط من بنى إسرائيل.

من سبط يهوذا اثنا عشر ألف مختوم.

من سبط رأوبين الخ.” [4].

والأسئلة التي تدور في ذهن القارئ هي:

أولاً: ماذا يعنى بقوله “بنى إسرائيل”؟

نجيب بما أوضحه كل الآباء الأولين أن “إسرائيل الحقيقي” ليس هو الشعب اليهودي كما يدعون إلى يومنا هذا، إنما هي صفة تنسب للكنيسة وحدها. فيوم كان اليهود مؤمنين وعاملين في الكرم كان الرب يدعوهم “إسرائيل”. أمّا وقد نزعوا أنفسهم بأنفسهم عن الكرم قائلين: دمه علينا وعلى أولادنا، لهذا نقول إن اليهود بعدما ترك السيد بيتهم خرابًا وحملوا اللعنة ليس لهم أن يدعوا أنفسهم إسرائيل حتى وإن كانوا حسب الجسد أولادًا للشعب القديم، لأن كنيسة العهد الجديد هي امتداد كنيسة العهد القديم ولها كل المواعيد والبركات.

حقًا إن القديس إيريناؤس يرى في هذا إشارة إلى أن بعض اليهود في آخر الأيام سيقبلون الإيمان بالمسيح، ولكن كما أوضح قداسة البابا شنودة أن بقبولهم الإيمان يلزمهم عدم البقاء في تعصبهم وتكتلهم، وأن يتخلوا عن فكرهم القديم، ولا يتكتلوا معًا كشعبٍ مختارٍ متميز (كما يدعون اليوم)… وهنا لا يعود لهم كيان مستقل متمايز وتنتفي عصبيتهم المُرّة، ويزول الفكر الصهيوني المادي المملوء سمومًا القائم على الكبرياء، بل ينسحقوا باكين من أجل رفضهم الإيمان، دون أن يفكروا في أن تكون لهم دولة مستقلة بها أغراض دنيوية. بهذا يرفض الفكر المسيحي الروحي السليم فكرة وجود “إسرائيل” كدولة تدعى أنها شعب مختار.

نعود فنؤكد أن ما جاء في هذا الأصحاح تحت كلمة “إسرائيل” يشير لا إلى دولة إسرائيل بل إلى إسرائيل الروحي، أي إلى الكنيسة بغض النظر عن الجنسية أو اللغة. وهذا ما نادت به الكنائس الرسولية وغيرها أيضًا.

ثانيًا: وماذا يقصد بالأسباط؟

بلا شك أنه لا يقصد بالأسباط أسباط بنى إسرائيل فعلاً، بل يوجد مدلول روحي، خاصة ونحن نعلم أن الشعب اليهودي قد رُفض كشعب، وأنه حتى اليهود الذين يقبلون المسيحيّة بإيمان غالبًا ما يتزاوجون من أجناس أخرى، بل واليهود أنفسهم اختلطت بينهم وامتزجت الأنساب والأسباط ولم يعودوا بعد محافظين على ترابط كل سبط على حدة، بل كانوا هكذا قبلاً إلى أن جاء الرب يسوع متجسدًا من سبط يهوذا وتأكد بذلك أنه المسيا المنتظر، وعندئذ لم يعد لوجود الأسباط أي لزوم.

أما المدلول الروحي فهو:

  1. أن عدد المختومين 144 ألفًا، أي رجال العهد الجديد (12 تلميذًا) × رجال العهد القديم (12 سبطًا) مضروبًا في ألف أي صار الكل بالمسيح سماويًا، لأن رقم 1000 يشير إلى السماء.
  2. أن رقم 12000 رمزي يشير إلى أن أولاد الله محصيون ومعروفون بأسمائهم (يو 10)، خاصة وأن رقم 12 في الكتاب المقدس يشير إلى ملكية الله للشيء أو للشخص، لهذا اختار في القديم 12 سبطًا وفي العهد الجديد 12 تلميذًا.
  3. بدأ بسبط يهوذا مع أنه ليس أكبرهم، لكن لأنه خرج منه ربنا يسوع، هكذا يتقدم في الملكوت من ارتبط بشخص الرب والتصق به.
  4. لم يذكر سبط دان، لأنه باع نفسه لعبادة الأوثان (قض 18: 1-31) وقد حذر الرب أي إنسان أو عشيرة أو سبط من عبادتها وإلا يمحو الرب اسمه من تحت السماء (تث 29: 18-25). هكذا يُحرم من سفر الحياة المقيمون في قلوبهم تماثيل بأي صنف يتعبدون لها.
  5. ذُكر سبط يوسف عوض أفرايم، لأن سبط أفرايم كان مشهورًا بمقاومته ليهوذا الأمين (مز 80: 2، إش 7: 17، إر 7: 15)، وكان في مقدمة عابدي الأوثان (1 مل 12: 25-30).
  6. جاءت الأسباط بترتيب خاص، ليس حسب أعمارهم ولا حسب ما ورد في نبوات حزقيال (48: 1-27، 31-34) لكن جاءت تحمل مدلول روحي تكشف عن السمات التي يلزم أن يختم بها المتسمون بالروح القدس.

أ. يهوذا أي الاعتراف، فلا نفع من الحياة بغير الإيمان والاعتراف بالرب.

ب. رأوبين أي ابن الرؤيا، ويلزم أن يُرى إيمانه واعترافه بالعمل والجهاد.

ج. جاد أي متشدد، ومن يعمل يلزمه أن يتشدد مثابرًا حتى النهاية.

د. أشير أي سعيد، وفي مثابرتنا لا نيأس بل نفرح متهللين بالرب.

ه. نفتالي أي متسع، والقلب الفرح السعيد يتسع ليحب بلا حدود.

و. منسي أي ينسى، ومن يحب ينسى ذاته وكل ما هو زمني.

ز. شمعون أي مستمع، ومن ينسى ذاته يسمع ويفهم الصوت السماوي.

ح. لاوي أي مستعار، ومن يسمع للسماء يدرك أنه مُستعار هنا أي غريب.

ط. يساكر أي الجزاء، والغريب لا يطلب جزاء أرضيًا بل سماويًا.

ى. زبولون أي مسكن، ومن يطلب السماويات يسكن فيها متحررًا قلبه من كل شئ.

ك. يوسف أي يزيد، ومن يتحرر قلبه ساكنًا في السماويات ينمو في كل عمل صالح.

ل. بنيامين أي ابن اليمين، ومن ينمو يبلغ نصيبه عن يمين الله.

  1. اهتمامه بالكنيسة في راحتها

هذا عن حفظه للكنيسة في الأرض، أما في السماء فماذا يفعل الله بعروسه؟ ستجتمع حوله كنيسة الآباء من آدم إلى آخر الدهور. يجتمع الكل فوق كل حدود الزمن وكل حدود الجنسية. سيكون الكل واحدًا في الرب.

إنهم نفس الـ 144 ألفًا السابق ذكرهم في منظر سماوي مجيد، لكنهم هنا غير محصيّين. لأنه على الأرض يلزم أن نطمئن أن الله يهتم بكل فردٍ، أما المنظر السماوي هذا فكما يقول القديس أغسطينوس لم يذكر عدده لتمتلئ النفوس رجاء أن السماء ستكون عامرة فلا نرتجف ولا نيأس من كثرة الأشرار على الأرض.

“بعد هذا نظرت

وإذا جمع كثير لم يستطع أحد أن يعده

من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة،

واقفون أمام العرش وأمام الخروف،

متسربلين بثياب بيض وفي أيديهم سعف النخل.

وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين:

الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف” [9-10].

والثياب البيض هي ثوب القداسة الذي يناله رجال العهد القديم بسبب رجائهم في دم حمل الله الذي يطهر من كل خطية (1 يو 1: 7). أما بالنسبة للعهد الجديد فيقول الأسقف فيكتورينوسإنهم: [تطهروا بالمعمودية في دم الحمل، فصارت ثيابهم بيضاء، حافظين النعمة التي تقبلوها.]

وبياضها هو انعكاس إشراقات المجد الإلهي عليها، إذ في تجليه “صارت ثيابه بيضاء كالنور” (مت 17: 2)، فنكون كالملائكة السمائيين، إذ رأت مريم “ملاكين بثياب بيض جالسين” (يو 20: 12).

وهذا اللون كما يقول القديس إكليمنضس السكندري هو لون الحق الطبيعي، [فإن كان يلزم أن يطلبوا لونًا آخر فإن اللون الطبيعي للحق يكفيهم] إذ يلبسون الحق ويكون مجدهم!

وتحمل الثياب البيض علامة الطهارة والنقاوة كما تحمل سمة الغلبة (رؤ 3: 5). لهذا تزين الكنيسة أولادها بالثياب البيض بعد عمادهم مباشرةً.

أمّا سعف النخل فيحمل علامة الغلبة والنصرة، إذ لا يدخل السماء غير المنتصرين، ولا يقدر أن يجد المتراخون لهم فيها موضعًا. كما يشير إلى حياة الابتهاج، إذ كانوا يحملونه في عيد المظال الذي كانوا يحفظونه تذكارًا للدخول إلى الأرض المقدسة. كما استخدم سعف النخل عندما اهتزت قلوب الشعب بالفرحة عند دخول الرب أورشليم.

وتظهر فرحتهم من التسبيح المستمر قائلين بصوت عظيم، أي في غيرة مقدسة متقدة: “الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف”.

إن الخلاص الذي لنا هو لإلهنا، لأن لا فضل لنا فيه بل يرجع الفضل لمحبة الآب ونعمة الابن وشركة الروح القدس.

ولا يقف الملائكة جامدي العواطف تجاه خلاصنا بل يشاركوننا بهجتنا إذ يقول:

“وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش

والقسوس والمخلوقات الحية الأربعة،

وخروا أمام العرش على وجوههم وسجدوا لله.

قائلين أمين.

البركة والمجد والحكمة والشكر

والكرامة والقدرة والقوة لإلهنا إلى أبد الآبدين. آمين” [11-12].

في وسط هذا الحب السماوي يختلط علينا الأمر، هل يشاركنا السمائيون سرورنا بالخلاص فيترنمون معنا بهذه التسبحة، مقدمين معنا ذبيحة الشكر، أم نحن الذين نشاركهم عملهم، فنشترك معهم في تسابيحهم السماوية؟ على أي حال فالكل في شركة حب وشركة عمل واحد هو “التسبيح لله”.

إن الوجود مع الله يحرر اللسان لكي ينطلق بالتسبيح، ويفتح القلب لتخرج التشكرات، ويحول كل مخلوق إلى قيثارة تتغنى وتترنم بتسابيحٍ وحمدٍ وشكرٍ لا نهائي.

يقول القديس أغسطينوس: [كما أن عظمته غير متناهية هكذا تسبحته غير متناهية. فإن شئت تسبيح الله دائمًا فَغِر من سيرة الملائكة وتسبيحهم.]

وإننا نجسر فنقول إن كل عبادة مهما كبرت أو صغرت إن خلت من عنصر التسبيح تفقد حياتها وكيانها ووجودها، وما عمل الكنيسة إلا التسبيح الدائم.

ففي كنيسة العهد القديم يقول المرتل “سبع مرات في النهار سبحتك” (مز 119: 164). وكان دانيال يجثو ثلاث مرات في النهار مصليًا وحامدًا الله (دا 6: 10).

وفي كنيسة العهد الجديد لم نرَ شيئًا سوى تسابيح يومية في كل صنوف العبادة وفي كل المناسبات، وذلك لإيمانها أن الإنجيل هو “بشارة مفرحة”، وأن عملها هو عمل ملائكي سماوي، لهذا تدرب أولادها على التسبيح.

فكما يقول القديس باسيليوس: [إن التسبيح لله هو عمل خاص بالملائكة.] ولهذا يرى غريغوريوس النيسي أننا بالتسابيح نصير متساوين مع الملائكة من جهة الكرامة. ويقول البابا أثناسيوس الرسولي: [الروح المستقرة تنسى آلامها، وبترتيل الكلمات المقدسة تتطلّع بفرح إلى المسيح وحده.]

نعود مرة أخرى إلى ما رآه الرسول وسمعه:

“فأجاب واحد من القسوس قائلاً لي:

هؤلاء المتسربلون بالثياب البيض من هم؟

ومن أين أتوا؟

فقلت له: يا سيد أنت تعلم” [13].

هذا السؤال الذي أثاره أحد القسوس لا بقصد طلب إجابة، وإنما لإثارة البحث والسؤال عنهم وتفهم أحوالهم.

وإذ يعلم الرسول يوحنا مكانة هؤلاء الكهنة غير المتجسدين أجابه “يا سيد” طالبًا منه أن يخبره عنهم بطريقة مملوءة لطفًا “يا سيد أنت تعلم!”

“فقال لي:

هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة،

وقد غسلوا ثيابهم وبيضوا ثيابهم في دم الخروف.

من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهارًا وليلاً في هيكله،

والجالس على العرش يحل فوقهم.

لن يجوعوا بعد،

ولن يعطشوا بعد،

ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ.

لأن الخروف الذي في وسطهم يرعاهم،

ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية،

ويمسح الله كل دمعة من عيونهم” [14-17].

إنهم أتوا من الضيقة العظيمة واغتسلوا بدم المسيح. إنهم الكنيسة المنتصرة، الذين صبروا للنهاية فخلصوا (مت 10: 22). وسبب قبولهم كقول ابن العسال هو هرق دم الحمل عنهم وعن غيرهم. بهذا صار لهم شرف عظيم، وصاروا كذبائح زكية طاهرة مقبولة لدى الآب، إذ ابيضت ثيابهم، وتلألأت بدم الحمل. فقد قيل عن كل واحد منهم وهم الذين ارتبطوا بالأسد الخارج من سبط يهوذا: “غسل بالخمر لباسه، وبدم العنب ثوبه” (تك 49: 11).

هذا ما يناله المجاهدون، يكفيهم أنهم يصيروا أمام العرش الإلهي يخدمونه ليلاً ونهارًا في هيكله. وما هيكل الله إلاّ الله نفسه، إذ يقول الرسول عن السماوات: “لم أر فيها هيكلاً، لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها” (رؤ 21: 22).

وما هي خدمتهم وعملهم إلاّ التسبيح الدائم، قائلين مع المرتل: “أمام الملائكة أرتل لك” (مز 138).

يا للمجد! يحل الجالس على العرش فوقهم، أو كما جاء في اليونانيّة “يظللهم”. إنه يسترهم ويحفظهم ويخفيهم فيه!

وإذ هم فيه “لا يجوعون، ولا يعطشون، ولا يضربهم حر، ولا شمس، لأن الذي يرحمهم يهديهم وإلى ينابيع مياه يوردهم” (إش 49: 10).

يرون “الخروف الذي في وسط العرش“، فلا يحتاجون إلى شيء بعد، إذ هو العريس المبهج المفرح، يقدم ذاته خبزًا وشرابًا وراحة وسلامًا. فنقول بحق: الرب راعى فلا يعوزني شيء، في مراعٍ خضرٍ يربضني، وعلى مياه الراحة يوردني” (مز 23: 1).

عجيب هو الحمل الوديع الذي قام برعايتنا منذ خلقنا وقبل الناموس، وامتدت رعايته خلال الناموس وفي عهد النعمة، ويبقى راعيًا يدللنا في الفردوس وفي الأبدية أيضًا. يا لها من قوة حب وروعة في الرعاية واهتمام يفوق كل زمان ليبقى أبديًا!

 تفسير رؤيا 6 تفسير سفر الرؤيا تفسير العهد الجديد
 تفسير رؤيا 8
 القمص تادرس يعقوب ملطي
تفاسير سفر الرؤيا تفاسير العهد الجديد

 

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى