تفسير رسالة رومية اصحاح 7 د/ موريس تاوضروس
الاصحاح السابع
الناموس والحياة الروحية (رو7: 1-25)
التحرر من الناموس
“1ام تجهلون أيها الأخوة لأني أكلم العارفين بالناموس. ان الناموس يسود علي الإنسان مادام حـيا 2فإن المرأة التي تحت الرجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل 3 فإذا مادام الرجل حيا تدعي زانية إن صارت لرجل آخر، ولكن إن مات الرجل فهي حرة من الناموس حتي انها ليست زانية إن صارت لرجل آخر 4 إذن يا أخوتي أنتم أيضاً قـد متم للناموس بجسـد المسيح لكي تصيروا لأخـر للذي قد أقيم من الأموات لنثمر لله • لأنه لما كنا في الـجـسـد كانت أهـواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا لكي نثمر للموت 6 وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا ممسكين فيه حتي نعبده بجدة الروح لا بعتق الحرف” (رو7: 1- 6)
«أم تجهلون أيها الأخوة لأني أكلم العارفين بالناموس، أن الناموس يسـود علي الإنسان مادام حيا”.
في هذا الاصحاح يواصل الرسول بولس حديثه عن الحرية التي يتمتع بها أبناء الله في عهد النعمة، الاصحاح السابق تحدث عن التحرر من سلطان الخطيئة، وفي هذا الإصحاح يتحدث عن التحرر من سلطان آخر أو من نفـوذ سيد أخـر هـو الناموس. الخطيئة والناموس هما إذن السيدان اللذان خضعت لهما البشرية في عهد سقطتها، وفي المسيح «اعـتـقـنـا من الخطيئة» (رو6: 22) و «تحررنا من الناموس» (رو7: 6). والرسـول يستنكر هنا علي اليهود العارفين بـالـنـامـوس، أن يـجـهـلـوا هذا الأمر، فلقـد أراد اليهود أن يبـقـوا علي سلطان الـنـامـوس ويحتفظوا له بالسيادة، ولذلك فقد عالج الرسول في هذا الاصحاح مشكلة «سيادة الناموس».
«فإن المرأة الـتـي تحـت الرجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي . ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجـل. فإذا مـادام الرجـل حـيا تدعي زانية إن صارت لرجـل آخر . إذن يا أخوتي أنـتـم أيضا قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي قد أقيم من الأموات لنثمر لله».
هل لازال الناموس الموسوي يحتفظ بما كان له من سيادة ؟ لقد أوضح الرسول بولس ان سيادة الناموس على المؤمنين لم تعد قائمة، وضرب لذلك مثلا بالتزام المرأة بالناموس الذي يربطها بالرجل طالما أن رجلها حي، وليس من حق المرأة أن تخالف الناموس الذي ينظم علاقتها الزوجية مع رجلها طالما أنه حي وليس من حقها أن ترتبط برجل آخر، وإلا فإنها تدعي زانية، أما إذا مات زوجها فقد تحررت من الناموس الذي يربطها بهذا الزوج ويصبح من حقها أن ترتبط في رباط جديد مع رجل آخر، وأن تتحرز من الرباط القديم. ومعني كل ذلك أن الناموس يحتفظ بسيادته طالما أن الرجل حي ويفـقـد هذه السيادة إذا مات الرجل. علي هذا النحو تحدد علاقتنا بالناموس، فقد كان للناموس سلطان علينا يوم كانت طبيعتنا الساقطة حية، فكان الناموس ينظم علاقتنا ، هذه الطبيعة الساقطة على نحو ماينظم علاقة المرأة بزوجها الحي، ولم يكن من حق شعب الله في القديم أن يتـجـرد مـن مـسـئولية الإلتزام بالنـامـوس الذي كان ينظم علاقتهم في ضوء طبيعتهم الساقطة المائتة. غير أن الوضع الآن قد اختلف فلم نعد نرتبط بالطبيعة الساقطة المائتة بالخطيئة ،ولم نعد نلتزم بالناموس الذي ينظم علاقتنا بها، ولكننا نرتبط الآن ونتحد بـجـسـد المسيح الممات علي الصليب. وعلي ذلك فنحن ندخل الآن في علاقات جديدة وفي ارتباطات جديدة لأننا قد متنا للناموس وصرنا للمسيح المقام من الأموات، فنحن الآن إذن قد صرنا لآخر أي للمسيح، وعلاقتنا بالمسيح كالعلاقة القائمة في الحياة الزوجية بين الزوجين، ترتبط الزوجة برجلها ولا يجوز لها أن تصبر لآخر طالما أن زوجها حي، فإن الأمر علي هذا النحو في هذا الإتحاد الروحي الذي صار بيننا وبين المسيح، ولم يصبح من حقنا أن نترك شريعة المسيح وتعاليمه وشخصه ونربط أنفسنا بغيره أو كما يقول الرسول اكي يعيش الأحياء فيما بعد . للذي مات لأجلهم وقام، (2کو5: 15). وارتباطنا بالمسيح ارتباط أبدى لأن المسيح حي إلي الأبد.
“لأنه لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا ، لكي نثمر للموت، وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مـات الذي كنا ممسكين فيه حتي نعبده بجدة الروح لابعتق الحرف”.
لقد أكد الرسول أن عهد النعمة حمل لنا معه خاصية التحرر من الناموس ومن الالتزامات القديمة، ومن ناحية أخري فقد أكد الرسول أن هذا الاتحاد الروحي الجديد الذي يربطنا بالمسيح هو وحده الكفيل بأن يوفر لنا الحياة الروحية الفاضلة المثمرة ، ذلك لأنه عندما كنا نحيا حياة جسدية كانت منازع وأهـواء الخطيئة تعمل في أعضاء جسدنا، وكانت تتخذ دافـعا لـهـا ما يحرم الناموس فعله وكان ثمـرهـا الموت. أمـا الآن فـقـد تحررنا بصـورة تامة من الـنـامـوس الذي كنا خـاضـعين ومأسورين له، وقد دخلنا في هذه العلاقة الجديدة وارتبطنا بالمسيح واتحدنا بجسده المقام من الأموات فلم نعد بعد نستعبد للحالة القديمة التي كان يسود فيها الناموس بحرفيته والتي أثمرت لنا الموت الروحي موت الخطيئة، بل إنتقلنا إلي مجال النعمة وحصلنا في هذا المجال علي مالم نكن نستطيع أن نحصل عليه في مجال الناموس، ذلك لأن الناموس كانت تنقصه القوة التي يحتاجها الإنسان في جهاده الروحي لكي يتشدد ويـتـحـصـن ويقدر علي المحافظة علي الوصايا وتنفيذها ، أي ان النامـوس لـم يهب مع وصـايـاه تلك الـقـوة الـروحـيـة الـتي يـحـتـاج إليها الإنسان في تنفيذه هذه الرسـايا، أمـا فـي عـهـد الـنـعمـة فـإن روح الله القدوس يعمل في الإنسان لكي يحرره من الإنسان العتيق ويهبه حياة جديدة وروحا جديداً.
الناموس والإنسان الساقط ( رو7: 7-25)
الناموس والخطيئة
”7 فسانا نقول، هـل الناموس خطية، حاشا، بل لم أعرف الغطية إلا بالناموس، هإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لاتشته 8 ولكنه الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية لنشأت في كل شهرة، لأن بدون الناموس الخطية ميتة 9 أما أنا فكنت بدون الناسوس عائشا قبلا، ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية قمت أنا 10فوجدت الوصية التي للحياة هي . نفسها للموت 11 لان الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني 12إذن الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة 13 فهل صار لي الصالح موتا، حاشا، بل الخطية لكي تظهر خطية منشئة لي بالصالح مونا لكي تصير الخطية خاطئة جدا بالوصية» (رو7: 7-13).
“فماذا نقول، هل الناموس خطية، حاشا، بل لم أعرف الخطية إلا بالناموس فأنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لاتشته”.
لقد وضح مما سبق أن التحرر من الناموس ارتبط بالتحرر من الخطية، ومن أجل ذلك كان لابد أن يتساءل الرسول : هل الناموس خطية ؟ وبمعني آخـر : هل النامـوس شـريعة للشـر ؟. والرسول بلا شك يستنكر هذا الاستنتاج لأن الناموس أعطي من قبل الله الخير بطبيعته. فما هي إذن طبيعة الصلة أو العلاقة بين الناموس والخطيئة ؟ إن الناموس فـيـمـا يشير الرسول ليس هو مصدر الخطيئة ولكنه مصـدر مـعرفتنا بالخطيئة. ومعني ذلك ان الناموس قـام هنا دور المعلم والمبـصـر بـالـحـق لـيـمـيـز بين الخير والشر وبين المقدس والنجس وبين المحلل والمحرم وبين المباح والممنوع وبين مايجب فعله وما يلزم تجنبه، فمعرفة الخطيئة لم تتوفر لي إلا بواسطة الناموس ذلك لأن الشهوة الرديئة لم أكن أعرف أنها رديئة لو لم يكن الناموس قد حذرني منها (أنظر ،خر ۲۰ : ۱۷) فالناموس إذن لم يعطني إرادة فعل الخطيئة بل أعطاني فقط معرفة الخطيئة. يقول الرسول في موضع آخر من رسالته إلي رومية الأن بالناموس معرفة الخطيئة، (رو3: 20).
“ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة”.
الناموس لـيـس هـو إذن علة الخطيئة وليس هو مصدرها، الخطيئة لاتنبع من الناموس ولكنها تتخذ دافعا لها، محرمات الناموس ، أو كما يقول الرسول تتخذ «فرصـة بالوصية». إن الناموس يكشف عن روح المخالفة والعصيان في الإنسان، وبمعني آخر أن الإنسان العاصي المتمرد تظهر روح عصيانه وشرده في مخالفته لما يأمر به الناموس، الخطيئة إذن تجد في الناموس فرصة لمزاولة نشاطها لأنه حيث لايوجد ناموس يحرم أو يمنع من ارتكاب عمل ما، فإن الخطيئة تكون في حالة موت لو رقاد، فعبارة «بدون الناموس الخطيئة ميتة، لايعني بها الرسول أن الخطيئة لم يكن لها وجود بدون الناموس بل يعني ان عملها ونشاطها كان أشبه بمالة الموت، وذلك في حالة عدم وجود ناموس يلتزم به الإنسان. إن في وصايا الناموس، وجدت الخطيئة ، بما فيها من روح العصيان والتمرد، وجدت فرصة لكي تظهر وتعمل وتخلق مختلف انواع الشهوات والأنشأت في كل شهوة . الخطيئة إذن يجب أن لاترد إلى الناموس اولكن كل واحـد مـجـرب إذا إنجنب وانخدع من شهواته، (یع1: 4).
“وأما لنا فكنت بدون الناموس عائشـا قـبـلا ولكن لما جـاعت الوصية عاشت الخطيئة فمت أن”.
علي ان الخطيئة تجد في الناموس فرصة للعمل والنشـاط .ويشير الرسول إلى أنه كان عائشا بدون الناموس رلكن لما جاء الناموس عاشت الخطيئة ومات هو، ومعني ذلك أن الرسول كان في يوم من الأيام أو في فترة من فترات حياته، كان يعتقد أنه يمارس حياة روحية فاضلة لأنه لم يكن يشعر بقـوة الخطيئة ولأنه لم يكن يعرف الناموس ولكن عندما جاء الوقت الذي عرف فيه رصايا الناموس عرف الخطيئة التي كانت في داخله والتي كان يجهل وجودها أولا. وتشبه هذه المرحلة مرحلة الطفولة من حياة الناس جميعا، ففي هذه المرحلة يجهل الإنسان معرفـة الخيـر والشر، فهو يفعل ضمن ما يفعل، الأعمال الشريرة، ومع ذلك لايشعر بأنه يفعل الشر لأنه يفعله عن جهل، أما عندما يكبر وينضج ويعـرف مـاهـر الخيـر ومـاهـو الـشـر فإنه يدرك حالة الشـر التي يعيش فيها، ويتبع فعله للخطيئة شعوره بالتأنيب واللوم. بدون الناموس لايشعر الإنسان بموته الروحي ولذلك فهو لايحس بالخطيئة أو تكون الخطيئة بالنسبة له كانها ميتة. أما بالنـامـوس فيكتشف الإنسان حالة الخطيئة التي يعيش فيها والموت الروحي الذي يعانيه، وهذا مايعنيه الرسول بعبارة الما جاءت الوصية عاشت الخطيئة فمت أنا” .
“فوجدت الوصية التي للحياة هي نفسها للموت” .
في الناموس إذن يكشف الإنسان مـوته الروحي بسبب عـصـيـانه ومخالفته ومعني ذلك أن الوصية التي أعطيت للإنسان لكي تقوده وترشده إلى الحياة، قد انت علي العكس بنتيجة مخالفة إذ قادته للـمـوت ، علي أنه يجب أن ننبه هنا إلى أن النامـوس ليس هو علة هـذا الموت الروحي لأن الناموس أعطي لكي يهب الحياة، ولكنه هو علة معرفة هذا الموت الروحي أو هـو مـصـدر مـعـرفـتنا بحالة الخطيئة التي نكون عليها.
“لأن الخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني”.
يكرر الرسـول ماسبق وذكره من أن الخطيئة تـتـخـذ افـرصـة بالـوصـيـة، أو بالناموس الناموس هو مجرد فرصة لإظهار رداءة الخطيئة، فالخطيئة وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني – بها – كما يقول الرسول – وقتلتني. أي أن الخطية التي كانت مختبئة في قد اتخذت من الوصية فرصة لخداعي، فليست الوصية هي علة الخداع بل هـي . علة ظهور خـداع الخطيئة – وليست الـوصـيـة هي علة الموت بل هي . علـة ظهـور الموت المترتب علي فعل الخطيئة ولذلك فقد تحدث الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين عن اغرور الخطيئة) ، وقال محذرا لنا من خداع الخطيئة، ولكنني أشاف أنه كما خدعت الحيـة حـواء بمكرها هكذا تفـسـد اذهانكم عن البساطية التي في المسيح، (2کو11: 3).
“إذن الناموس مقدس والوصية مقدسة وعادلة وصالحة”.
إذا كان الرسول قد تحدث عن الإرتباط بين الناموس والخطيئة، فإنه حرص علي ان يبعد عن أذهاننا الإعـتـقاد الخاطيء بأن الناموس هو علة الخطيئة وأكد هذا بكل وضوح عندما وصف الناموس بأنه مقدس ووصف الوصية بأنها مقدسة وعادلة وصالحة، فالناموس إذن مقدس وكل وصية من وصاياه مقدسة وعادلة وصالحة. الناموس إذن قد أعطي من أجل صلاح الإنسانية ومن أجل إقرار قواعد العدالة وحفظ النظام والسلام في العالم أي أن أهـدافـه كانت أهدافا صالحة. يقول الرسول في رسالته الأولي إلي تيموثيؤس “ولكننا نعلم أن الناموس صالح ان كان أحد يستعمله ناموسيا” (1تي1: 8).
فهل صار لي الصالح موتا، حاشا، بل الخطية لكي تظهر خطية،
ولكن إذا كان النامـوس قـد أرتبط بالخطيئة فهل صـار الصـالـح مـوتا – أي هل صـار هـذا الناموس المقدس والصالح علة للموت ؟ بالطبع يجب أن لا يعتقد المرء أن الناموس قد صار لموتنا الروحي، لكن الموت قد حملته الـخـطـيـئـة الـي البـشـرية حتي تظهر إلي أي حد هي د رديئة، ورداءة الخطيئة تظهر في أنها قد حملت إلينا عن طريق الناموس الذي هو صالح ومقدس، قد حملت إلينا الموت .
علاقة الخطيئة بالناموس رو7: 14-25
“ 14 فاننا نعلم أن الـنـامـوس روحي وأمـا أنـا فجـسـدي مـبـيع تحت الخطيئة منشئة بالصالح موتا لكي تصيرالخطية خاطئة جدا بالوصية.
15 لاني لست أعـرف مـا أنـا أفعله اذ لست أفـعـل مـا أريده بل ماأبغضـة فـاياه أفعل 16 فـان كنت أفعـل مـا لست أريده فـانـي أصـادق الناموس أنه حـسـن 17فالآن لست بعـد أفعل ذلك أنا بل الخطيئة الساكنة في 18فاني أعلم أنه ليس سـاكن في أي في جسدي شئ صالح ، لان الارادة حاضرة عندي ،وأما أن أفعل الحسني فلست أجد 19لأني لست أفـعـل الصالح الذي أريدة بل الشر الذي لست أريده فإياه افعل 20فإن كنت مـا لست أريده اياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة في 21أذن أجـد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الـحـسـني أن الشر حاضـرعندي 22فاني أسر بناموس الـله بحسب الانسان الباطن 23 ولكني أري ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلي نامـوس الخطية الكائن في أعضائي 24وبحبي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسـد هذا الموت ٢٥ أشكر الله يسوع المسيح ربنا اذ أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطية (رو7: 14-25) .
فاننا نعلم ان الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطيئة.
يؤكد الرسـول ما سبق وأكـده مـن قـدسـية الناموس وصـلاحـه فـيـقـول عن الناموس انه روحي ، فالناموس وهو عطية روح الله القدوس ، بهدف الي أن يجعل الانسان يسلك حياة روحية فاضلة ، فاذا تعرض الانسان للموت الروحي ، فذلك لايرد الي الناموس بل الي الانسان نفسه الذي استعبدته شـهـواته الجسدية وصار مبيعا ، كعبدا للخطية . فالخطية تمتلك الانسان كما يمتلك السيد العبد وتحمل له الموت و الهلاك.
لاني لست أعرف ما أنا أفعله اذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضـة فاياه أفعل
وفي عبارات أخاذة يـصـور الرسول حالة الصراع النفسي الداخلي الذي يتعرض له الانسان في جهاده ضد الخطيئة. فالرسول يبين أن هذا الذي يفعله، يفعله بعماء وهو سكر بأهـواء الخطية دون أن يعرف ماذا يفعل لانه لايفعل هذا الذي يريده من أعماق قلبه بل يفعل هذا الذي يبغضة لانه واقع تحت ظلام الخطية وسلطانها، فالخطية عندما تمتلك الانسان تسلبه ارادته وتعمى بصيرته وتصبح هي مـصـدرافكاره وأفـعـاله وتصرفاته ، وتحـدث انقسـامـا داخليا في الانسان ولا يعبر الانسان في مسلكه عن ذاته الاصلية بل عن الذات الاخري التي خلفتها الخطية في داخله فيفعل الانسـان مـا لايريد فعله ومـا لايرغب فيه، ذلك لان الانسان لا يفعل بارادته مـا يفعله بل بارداة الخطية الساكنة فيه .
فان كنت أفعل ما لست أريده فاني أصادق الناموس انه حسن.
يستنتج الرسـول من الصراع الداخلي الذي يعانيه الانسان ، مـا يثبت صلاح الناموس وقدسيته، فاذا كنت أفعل ما لست أريده – فيما يقول الرسول – فانه يصادق الناموس انه حسن اي اذا كنت أشـعـر بعدم الرضي وعدم الارتياح لما أفعله من الاثم ولما اقترفة من الخطايا ، فان معني ذلك أنني أتفق مع وصايا الناموس وأصادق علي حسنها وان كنت أعجر عن تنفيذها .
فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطيئة الساكنة في.
يواصل الـرسـول تصـويـره لـحـالـه الصـراع الداخلي فـيـبين أنه لم يعد يفعل هو بارادته ما يصدر عنه بل الخطية الساكنة فيه ، أي أنه الآن وهو في حالة أسـر وعـبـودية للخطية لم يعد هو الفاعل بل الخطية التي تسكن فيه وتستبد بكل قواه وملكاته، ومعني ذلك أن الخطيئة تكون ذاتا اخري في داخله وتلزمه علي فعل مالايريده وتسلب منه كل قوة علي تنفيذ رغباته الأصلية.
” فـاني أعلم أنه ليس في أي فـي جـسـدي شئ صالح ، لأن الارداة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسني فلست أجد”
اي أني أعلم فيما يقول الرسول انه لايوجد في ذاتي، بعـدان صرت تحت سيطرة وسلطان جسدي الذي ينجذب بسهولة الي الخطية، لا يوجد شئ صالح ، اما من ناحية ارداتي للخير ولعمل الفضيلة فان هذه الارداة تحت سلطاني وفي مقدوري ، إلا أن فعل الصـلاح وفعل الخير وإتيان الفضيلة ، أمر في غير متناولي .
وثمة ملاحظات نود ان نشير اليها :
فنحن نلاحظ ان الرسول بولس لم يوحـد بين الجسـد وبين الخطيئة ،فلم يقل أن جسده هو الخطيئة ، علي نـحـو مـا نجد ذلك في عقائد بعض الفلاسفة وبعض الأديان فلو كـان الجسد في ذاته خطيئة لكان معني ذلك أن آدم خلق خاطئا لأنه خلق بجسـد ولكننا نعلم أن آدم لم يخلق خاطئا ولكنه ارتكب الخطأ فيما بعد بارادته . فمن الخطأ اذن ان ننظر الي أنفسنا كما لو كنا نتكون من عنصـرين متنافرين أحـدهـمـا الـروح وهـو عنصر البـر فـيـنا والآخر الجسد وهـو عنصـر الشـر. أن البر والشر أمر أن لا يرتبطان بالجسـد او الروح من حيث هما أو من حيث طبيعتهما وخصائصهما ولكنهما يرتبطان بالارادة .
فالارادة يمكن ان تعمل الخـيـر ويمكن أن تصنع الشـر . والانسان بـجـسـده يمكن أن يكون فاضلاً أو شريرا. علي أنه من ناحية اخري يلاحظ أن الجسد من الممكن بل من السهل أن ينخدع وينجذب نحـو الخطية اي من الممكن للخطية ان تدخل الينا بسهولة عن طريق حواسنا واجسادنا، وربما لاجل هذ ارتبطت بالجسـد لا من حيث إن الجسـد هـو في ذاته عنصرخطيئة مبل من حيث ان الجسد يمكن أن يخضع وينجذب نحو الخطية، ومن ناحية اخري فان اجـسـادنا يمكن أيضا أن تسمو لتسبح في مرتبة هيكل الله أي مسكنا لروح الله القدوس، فـالـجـسـد الذي يمكن ان يكون مسكنا للخطية يمكن أن يكون مسكنا لله والذي يحدد هذا الامر هـوارداتنا. فبارادتنا نستطيع ان نجعل من جسدنا مسكنا للشر أو مسكنا للروح القدس.
ويلاحظ أيضا أن الرسول يفرق بين الارادة والفعل ، فهو يقول ان أرداة الخيرحاضرة عنده ولكن فعل الخير هـو الذي يعجز عنه. فالارداة في هذا المعني تقابل الرغبة والاختيار. فنحن قد نرغب في عمل الفضيلة ولكن قد نعجز عن تحقيق رغبتنا ومن عمل المسيحية الرئيسي أنها قوت ارداتنا .
“لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فان كنت ما لست اريده اياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة في”
أي انني – فيما يقول الرسول بولس – لا أفعل الصالح الذي أرغب فيه وأريده بل أعجز عن تنفيذ رغبتي وتحقيق ارادتي. بل اكثر من هذا فـانه بسبب الخطيئة الساكنة في فان الشر الذي لست أرغب فيه ولااشتهيه أجد نفسي مدفوعا الى عمله مقهوراً بسلطانه. فاذا كنت أنا أفعل الشر الذي لا أريده فمعني ذلك اني لم اعد سيدا لنفسي ثم اني لست انا الذي افعل الشر بل الخطيئة التي تسكن في والتي تأسرني وتصيرني عبدا لها.
“اذن أجد الناموس حينما أريد أن أفعل الحسني أن الشر حاضرعندي”
أي أن نفسي علي الرغم من أنها ترغب في فعل الخيرالا ان ناموسها الذي اصـبـحت ترتبط به بسبب الخطيئة يجعل الشر أقرب اليها من الخير .
“فاني اسر بناموس الله بحسب الانسان الباطن”.
علي أن نامـوس الـخـطـيـئـة لـم يمح : نأمـوس الله ، الذي أسـر بـالـسـيـر بمـوجـبـه بحسب الانسان الباطن، . اي علي الرغم من سلطان الشر فان عقلي وقلبي اللذين يمثلان الانسان الباطنيشعران بسرور بما يوصي به ناموس الله.
لاحظ أن عبارة « الانسان الباطن ، تشيرالي قوي الانسان وامكاناته التي لاتقع تحت الحس مثل عقله ونفسـه وقلبه ، ويـجـب أن لاتخلط بين مـفـهـوم « الباطن ، وبين مـفـهـوم و الجديد ؟ . فالجـديد أوالحياة الجديدة أوالانسان الجديد في مقابل الانسان العتيق ،هو من فعل الروح القدس في الانسان أما « الباطن، فهو مايشيراليه في نفس الاصحاح ، في العددين 23، 25 أي الذهن فالانسان الباطن يشير هنا الي الملكة التي زودت بها النفس البشرية لكي تميز بين مـا هـو حق وصالح وبين ما هو باطل وشر . وهذا « الانسان الباطن» يحس بالسرور والبهجة من جهة ناموس الله ويرغب في السير بموجب هذا الناموس علي الرغم من مقاومة الخطيئة التي أضحت تسكن الانسان وتسيطر عليه وتهيمن علي وجوده .
“ولكني أري نامـوسا آخر في اعـضائي يـحـارب ناموس ذهني ويسبيني الي ناموس الخطيئة الكائن في أعضائي”.
يتحدث الرسـول هنا عن نامـوسين – ناموس الخطية ، وا ناموس الله ،، يعـمـل نـامـوس الخطيئة على محاربة ومقاومة ناموس الذهن ، علي أن « ناموس الله ، هوالذي يحظي باقتناع عقل الرسول وقلبه وضميره ،ولذلك يسميه في موضع آخر : ناموس ذهني » (رو7: 24) .
“ويحي أنا الانسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت”.
هــذا الصراع المرير الذي يعانيه الانسان بسبب الخطيئـة جـعـل الـرسـول بولس يصـرخ مستغيثا برحمة الله قائلا ..من ينقذني من جسد هذا الموت ، وتعني عبارة – جسد الموت ، الجسد للأسـور الخاضع لسطان الخطيئة والذي أصبح بسبب خضوعه للخطيئة علة ووسيلة ينفذ منها الموت الي الانسان
أشكر الله بيسوع المسيح ربنا اذ أنا نفسي بذهني أخدم ناموس الله ولكن بالجسد ناموس الخطيئة ،
يقـدم الـرسـول بولس الشكر لله لأن هذا الصراع المرير كـان لابد أن ينتهي بـعـون الرب يسوع المسيح الذي دبرالخلاص للبشرية.
وفي هذا العدد، يذكر الرسول بولس خلاصة موجزة لكل ماسبق وذكره عن هذا الصراع المريرفنحن كـبـشـر وبدون مساعدة الله وعونه ، بالجسـد نـخـدم ؛ نامـوس الخطيئة ، بينما بناموس الذهن ، (أي العقل والضمير وغيرها من ملكات الانسان الباطن) )نخدم « ناموس الله .علي أن هذا الانقسام في الشخصية الانسانية والذي تسبب عن الخطيئة يقف وينتهي في عهد النعمة. فنحن الآن بفضل عمل المسيح الفـدائي قادرون علي أن نكرس كل قـوانا الـجـسـدية والنفسية لخدمة ناموس الله .
تفسير رومية 6 | تفسير رسالة رومية | تفسير العهد الجديد | تفسير رومية 8 |
د/ موريس تاوضروس |
|||
تفاسير رسالة رومية | تفاسير العهد الجديد |