تفسير رسالة كورنثوس الأولى ١٤ للقس أنطونيوس فكري
شرح كورنثوس الأولى – الإصحاح الرابع عشر
مقدمة
في هذا الإصحاح يعالج بولس الرسول موضوع التكلم بألسنة ويعقد مقارنة بين موهبة الألسنة والتنبؤ وأيهما أكثر نفعا لبنيان المؤمنين. وموضوع الألسنة من أعقد أمور الكنيسة الأولى وأغمضها، فهذه الظاهرة انتهت بإنتهاء كنيسة الرسل. ظهرت يوم الخمسين ومع شعب أفسس ومع كرنيليوس وتكلم عنها بولس هنا فقط (أع 2 : 1 – 13 + 46:10 + 1:11 –18 +1:19 –6). أمّا يوم الخمسين فلقد تكلم الرسل بلغات متعددة كآية لجمهور المجتمعين وإعلاناً للرسل أن يذهبوا ويكرزوا للعالم كله فيفهمهم الشعوب أثناء كرازتهم، ولذلك نجدهم قد تفاهموا مع سامعيهم بلغاتهم الخاصة (أع 37:2) وفى حادثة كرنيليوس. كان هذا علامة على قبول الله للأمم وفتح باب الخلاص لهم، فلقد فهم بطرس من تَكَلُمْ كرنيليوس بألسنة أن ما حدث للرسل حدث للأمم. كلاهما أخذ نفس الموهبة. وفى يوم أفسس كانت الألسنة آية لمن نالوا الروح القدس، بعد أن قالوا ولا سمعنا أنه يوجد روح قدس وبهذا فهموا أن حلول الروح القدس قد أعطاهم مواهب. من كل هذا نفهم أن هذه الموهبة كان هدفها غير المؤمنين، لذلك قال بولس الرسول ” أنها آية لغير المؤمنين ” (1 كو 22:14) لذلك لم نسمع عن الألسنة بعد الكنيسة الأولى. ومن بعد دخول المسيحية إلى مصر حتى الآن لم نسمع عن موهبة ألسنة كانت لأحد من الأباء القديسين.
أما ما يصنعة الخمسينيون الآن فهو بلا أدني هدف أو حكمة إلهية ؛ ولا يعدو أن يكون حركات هستيرية مفتعلة :-
1) فلقد حققت موهبة الألسنة غايتها بقبول الأمم، فلا داع الآن لهذه الموهبة. لايوجد شعب بلا كارز بلغته، فلا إحتياج لآخر من الخارج يكلمهم بلسانهم. فالمسيحية انتشرت في كل العالم.
2) الانفعالات التي تصاحب الألسنة عندهم تتنافى مع الروح الوديع الهادي الذي للمسيح. والمسيحي مملوء سلام وهدوء.
3) بولس يدعو لتمييزالأرواح (1كو 10:12) وهذا يعنى تقييما لكلام الذين سمعه لنحكم على صحته. فكيف يتم هذا مع وجود ألسنة غيرمفهومة.
4) الكبرياء تنشئ بلبلة وألسنة غير مفهومة، كما حدث في بابل (تك 1:11 –9) أما المحبة فتعطى فهما لبعضنا البعض كما حدث يوم الخمسين.
5) كيف يرى الرسول هذه الموهبة من واقع هذا الإصحاح :-
أ) ” لا تكونوا أولاداً في أذهانكم آية 20 ” فمن يسعى وراء موهبة استعراضية مازال في مرحلة طفولة روحية. أمّا الناضج روحياً فيسعى وراء ما يبنى قابلاً الصليب.. فالمسيحي ليس طريقه الإبهار والبهرجة والمظهريات بل قبول الصليب.
ب) ” أفلا يقولون أنكم تهذون آية 23 ” من يراكم وأنتم في هذا الوضع تتكلمون بألسنة غير مفهومة سيقول أن هذا نوع من الجنون. فهل هذه طريقة للبنيان؟ المطلوب أن نبنى السامع آية 9+ آية 24 + آية 16
ج) ” الألسنة آية لغير المؤمنين آية 22 ” فما فائدتها أذن للمؤمنين.
6–ليسمعنىهذاأنالرسولينكرموهبة الألسنة، ولكن يفضل المواهب التي تبنى،وعلى أن تكون لهذه الموهبة استعمال الآن ولكن ما فائدة الألسنة الآن
7- إذا أعطى الله المؤمن موهبة ألسنة، وصلى بهذا اللسان، فمن المؤكد أنه سيفرح لأن أيعمل للروح في إنسان سيجعله يفرح… ولكن أيضاً أن صلى المؤمن بلسانه العادي سيفرح
8–الله يتدخل بطريقة معجزية ليعمل ما نعجز نحن عن عمله بالطريقة العادية فإذا كان يمكن للكارز أن يتعلم لغة الشعب الذي يكرز لهُ فلماذاالموهبة؟الله أعطى للتلاميذ هذه العطية فهم كانوا صيادين بسطاء وسيرسلهم الله لكل العالم، فكيف يكلمون العالم سوى بلسانه. أمّا في أيامنا فنجد أن واحداً مثل الأنبا انطونيوس مرقس أسقف أفريقيا قدعَلَّمَ نفسه اللغات الإفريقية وترجم لهم كتب الكنيسة.
9 – الكنيسة تحتاج لألسنة ولكن ليس كما يفهمها الخمسينيون، فالكنيسة تحتاج لمن يكلم المتألم بكلام تعزية، ويكلم المستهتر بلسان تبكيت ويكلم اليائس بكلام تشجيع هكذا كلم بولس أغريباس الملك بلسان غير فيلكس. فأغريباس الملك كان رجلاً عارفاً بالناموس، لذلك كلمهُ الرسول بولس من واقع الناموس، أمّا فيلكس الوالي الذي يحيا في الخطية، فكلمهُ بولس عن البر والتعفف والدينونة حتى أنه إرتعب (أع 1:26 –23 + أع 24:24 ؛ 25). وهذا ما كان يعنيه بولس الرسول بقوله ” صرت لليهود كيهودي …. صرت للكل كل شئ لأخلص على كل حال قوماً ” (ا كو 20:9 –22)
عموماً فالكنيسة لا تعترض على أن تكون هناك موهبة ألسنة، على أن يكون لها فائدة لبناء الكنيسة. وكانت موهبة الألسنة تنفيذاً لوعد السيد المسيح فى (مر 17:16)
الآيات 1 – 5
آية 1 : – اتبعوا المحبة و لكن جدوا للمواهب الروحية و بالاولى ان تتنباوا.
اتبعوا المحبة = إذا كانت المحبة أعظم الفضائل، وتملأ القلب سلام وفرح وهى عربون الحياة السماوية. فعليكم أن تطلبوا المحبة أولاً ولا تفضلوا عليها شيئا آخر. ولكن جدوا للمواهب الروحية = لا مانع أن تجتهدوا لتمتلكوا مواهب للخدمة وللبنيان، ولكن بدون محبة ستصبح الموهبة سبب كبرياء وغيرة وحسد. وأول وأهم موهبة هي التنبؤ فبها تعلمون الآخرين، وهذا أفضل من التكلم بلسان لا يفهمه أحد. والتنبؤ هو توصيل الحق الذي يريده الله، الذي أعلنه لمن يتنبأ للآخرين سواء بوعظ أو نبوة عن المستقبل فكلاهما يتكلم عن السماء وكيفية الوصول إليها. ولاحظ أنه عن المحبة يقول إتبعوا = أي كلكم. فالمحبة يجب أن تكون في الكل، فبدون محبة أنا لست مسيحياً. أما بالنسبة للمواهب فيقول جدوا = أي حاولوا. والله سيعطيني الموهبة التي أتمم بها العمل الذي يريده منى. علىَّ أن أطلب الموهبة لمجد الله وليس لمجدي الشخصي. لذلك علينا أن لا نطلب موهبة معينة، بل أن نمجد الله، لذلك هناك من يبحث عن الخدمات الخفية. وعموماً فالكل بمواهبه يتكامل في الكنيسة ليتمجد إسم المسيح.
آية 2 :- لان من يتكلم بلسان لا يكلم الناس بل الله لان ليس احد يسمع و لكنه بالروح يتكلم باسرار.
أن موهبة التنبؤ أفضل من موهبة التكلم بألسنة، هذه التي كانوا يشتهونها في كورنثوس. لأن من يتكلم بلسان لا يستفيد منه الناس شيئاً، فلا أحد يفهم ما يقوله = لا يكلم الناس بل الله = والله يمكن أن نكلمه بأي لغة حتى اللغة الأصلية لنا، وإذا كنت تكلم الله فلماذا تكلمه بصوت عالٍ، كلم الله في السر، لكن كلم الناس بما يفيدهم علناً. بدون ترجمة يكون اللسان أشبه بحديث خاص مع الله لا يستفيد منه أحد شيئاً ولن يفهمه أحد = ليس أحد يسمع. أذن فالأفضل أن يكلم الله في السر أو بنفس لغته الأصلية ولا داَعٍ للسان. أمّا لو وُجِدَ وسط شعب غريب مرسل لكرازتهم فليكلمهم بلغتهم وهذه فائدة موهبة الألسنة. أمّا لو وُجِدَ في وسط شعبه والله أعطاه هذه الموهبة ففائدتها أن الله يريد أن يرسله لشعب آخر للكرازة. لكن بينما هو ما يزال وسط شعبه، وعَمِل فيه الروح فيكون هذا ليعلن له أسرار وحقائق إلهية = ولكنه يتكلم بالروح وأسرار = أي أن الألسنة ليست للنشوة الروحية أو هي ليست مجرد أصوات غير ذات معنى. هنا الرسول لا يلغي الموهبة، لكنه يحدد طريقة التعامل معها
(1) أن كانت الكلمات هي صلوات فليكلم بها الله سرًا.
(2) لو كانت أسرار إلهية معلنة للناس فليترجم ليستفيد الناس ويسمعوا.
وهذا ما حدث يوم الخمسين إذ تكلم بطرس، وترجم الباقين لكل اللغات ففهم كل السامعين، كل واحد بلغته.
آية 3 :- واما من يتنبا فيكلم الناس ببنيان ووعظ وتسلية.
النبوة هنا هي تعليم الآخرين بكلام مفهوم للبنيان = أي ماذا يبنى علاقتهم بالله وينميها ويعمقها. وعظ =تخويفهم من نتائج الخطية وشرح الممارسة العملية للحياة الإيمانية. تسلية =COMFORTأيراحةوتعزية،ليشعرالمتألمبراحةوسطآلامهبتجاربهذهالحياة. وفتحأبوابالرجاءأمامه.
آية 4:- من يتكلم بلسان يبني نفسه واما من يتنبا فيبني الكنيسة.
يبنى نفسه = بكل تأكيد من يتكلم بلسان يشعر بعمل الروح القدس فيه وفاعليته التي تلهب نفسه الباطنة وبهذا يبنى نفسه، فأي موهبة تبنى صاحبها. ولكن حسب تعاليم السيد المسيح فمن أراد أن يصلى (سواء بلسان أو بلغته الأصلية) فليدخل إلى مخدعه ويصلى سراً (مت 5:6 –8) حتى لا تكون الصلاة مظهريات تدخل الكبرياء للقلب. وأمّا من يتنبأ فيبنى الكنيسة = لذلك إعتبر التكلم بألسنة هو أقل الدرجات في المواهب الروحية لأنها تستهدف الذات (طالما لم يذهب للشعوب) ولا يترتب عليها بنيان الكنيسة. (راجع أية 28) وفيها نرى صاحب اللسان إن لم يكن يترجم فليصمت في الكنيسة وليكلم نفسه والله
آية 5:- اني اريد ان جميعكم تتكلمون بالسنة ولكن بالاولى ان تتنباوا لان من يتنبا اعظم ممن يتكلم بالسنة الا اذا ترجم حتى تنال الكنيسة بنيانا.
الرسول يقيس أفضلية المواهب على قياس المحبة، لذلك يطلب لهم المواهب التي فيها نفع للآخرين مثل التنبؤ. والرسول لا يلغى الألسنة، لكنه يفضل أن يكون معها ترجمة ليستفيد الكل من إعلانات الله. هذا إذا كان الواعظ من بلد آخر ولا يعرف لساننا، ولكن ما معنى أن يتكلم واحد من كنيستي له نفس لساني بلسان آخر ثم يترجم له أحد. وقد يكون هذا في أيام الكنيسة الأولى حين كان الله يعد رسلاً وخداماً ليذهبوا إلى كنائس بعيدة.
الآيات 6 – 14
آية 6:- فالان ايها الاخوة ان جئت اليكم متكلما بالسنة فماذا انفعكم ان لم اكلمكم اما باعلان او بعلم او بنبوة او بتعليم.
هنا يطبق الرسول المبدأ على نفسه، فهو لن يكون نافعاً لهم إن لم يكلمهم بلسان مفهوم. بإعلان = كشف عن أسرار إلهية خفية فائقة المعرفة. علم = تعليم عقائد أو وعظ أو تفسير ما يبدو غامضاً. تعليم =تقديم مبادئ مسيحية واضحة.
آيات من 7-9 :- الاشياء العادمة النفوس التي تعطي صوتا مزمار او قيثارة مع ذلك ان لم تعط فرقا للنغمات فكيف يعرف ما زمر او ما عزف به. فانه ان اعطى البوق ايضا صوتا غير واضح فمن يتهيا للقتال. هكذا انتم ايضا ان لم تعطوا باللسان كلاما يفهم فكيف يعرف ما تكلم به فانكم تكونون تتكلمون في الهواء.
الرسول يستخدم أمثلة ليشرح لهم ما يريدهم أن يفهموه.
الأشياء العادمة النفوس = أي التي لا حياة فيها، أي الجماد، وهنا يقصد الآلات الموسيقية. ويقول الرسول حتى هذه لها لغة مفهومة، فهناك موسيقى هادئة تُهدئ النفس، وهناك موسيقى للحزن وموسيقى للفرح. والبوق أيضاً = له معاني لكل صوت، فهناك صوت حين يُسمع يتهيأ المحاربون للقتال، وهناك صوت للتجمع وصوت للاستيقاظ. أمّا لو أعطت هذه الآلات نغمة واحدة أو نغمات عشوائية فلن يفهمها أحد، بل ستثير السامعين (كأن أعطى بوق لطفل) فان كانت هناك لغة مفهومة تخرج من الآلات عادمة النفوس، فبالأولى على البشر ذوى النفوس الحية أن تكون لهم لغة مفهومة. العزف بلا معنى لا يُطرب أحد، كذلك اللسان إن لم يكن مفهوماً يصير مثل عدمه. تتكلمون في الهواء = أي بلا جدوى. إذاً إن لم تعطوا باللسان المعجزى الذى وهب لكم كلاماً يفهمه السامعون فكأنكم تتكلمون بلا جدوى. إن صدر من البوق صوت عشوائي فلن يفهم أحد ما الذي سيفعله، ومن يتكلم إذن بلسان غير مفهوم يكون كبوق عشوائي لا يؤدى المهمة المرجوة منه. فرقاً للنغمات = أي نغمات متمايزة يخرج منها قطعة موسيقية لها معنى.
آيات 10-12 :- ربما تكون انواع لغات هذا عددها في العالم وليس شيء منها بلا معنى. فان كنت لا اعرف قوة اللغة اكون عند المتكلم اعجميا و المتكلم اعجميا عندي. هكذا انتم ايضا اذ انكم غيورون للمواهب الروحية اطلبوا لاجل بنيان الكنيسة ان تزدادوا.
الأعجمي = هو من يتكلم لغة غير مفهومة أو الذى لا يفهم اللغة التي يسمعها. والمعنى أن هناك لغات كثيرة لها معنى عند من يتكلمها ولكنها بلا فائدة بالنسبة لي لأنني لا أعرف هذه اللغات وأفهم معناها = أعرف قوة اللغة. فهناك لغات قوية تجد فيها الكلمات متعددة لتعبر عن كل شئ بتدقيق، فمثلا كلمة حب بالعربية تقابلها 3 كلمات في اليونانية (راجع مقدمة الإصحاح السابق). ولو أمامي كتب علمية قيمة جداً لكنها بلغة لا أعرفها فستكون بلا فائدة بالنسبة لي، ولكن هذا لا يمنع أن بها معلومات ذات نفع لكن ليس لي. فأنت يامن تتكلم بلسان، ما الفائدة التي ستعود على من يسمعك وهو لا يفهم ما تقول. نصيحة الرسول لهم أن يطلبوا كغيورون أن يزدادوا في المواهب التي تبنى الكنيسة وليس المواهب التي تمجد الشخص، كالألسنة التي لا يفهمها أحد.
آية 13 :- لذلك من يتكلم بلسان فليصل لكي يترجم.
على من له موهبة اللسان ويتكلم بكلام غير مفهوم، فليصلي أن يعطيه الله أن يترجم ليفهمه الناس. وهذا وضع خاص بالكنيسة الأولى، إذ كان الله يعطى الألسنة للبعض حتى ينطلقوا لبلاد أخرى. وهذه الآية تشير لمن وجد في نفسه الموهبة، ووجد نفسه يتكلم بلسان وسط الناس، قبل أن يغادر الكنيسة إلى البلد الذى يريده الله أن يذهب إليه.
آية 14 :- لانه ان كنت اصلي بلسان فروحي تصلي واما ذهني فهو بلا ثمر.
الرسول هنا يرد على تصورات خاطئة لدى أهل كورنثوس، فهم يريدون هذه الموهبة، أن يصلوا بألسنة غير مفهومة ويشعروا بنشوة أو تفوق على مَنْ لا يصلي بلسان (والنشوة والتلذذ بالصلاة يحدثان أيضًا لو صليت بلسان مفهوم أي اللسان الذي وُلِدتْ فيه). بل ما يجب أن يعلمه من يصلي أن الروح القدس في أثناء الصلاة يضع أفكارا في عقل من يصلي، وكلمات على لسانه وهذا يعطيه فهما وحوارا مع الله. فما معنى أن يتكلم كلاما هو لا يفهمه، وهل يضع الروح القدس في عقله أو على لسانه أيضًا كلاما غير مفهوم. ربما تحدث التعزية من الصلاة بلسان ولكن العقل لم يستمع لصوت الروح.
إن كنت أصلي بلسان فَرُوحِي تُصَلِّي = هذا كلام أهل كورنثوس وليس رأي الرسول. بل الرسول يوضح لهم إن هذا لهو أسلوب خاطئ، فلا معنى أن أصلي بروحي دون أن أفهم ما أقول = ذِهْنِي فَهُوَ بِلاَ ثَمَرٍ فلا معنى أن أكون خاضعا تحت تأثير وفاعلية الروح، بينما العقل غير مدرك ما يُقَال، ويظل العقل بدون نفع أي بدون ثمر إذ لا يشترك مع النفس في الموهبة. وخطأ أن نتصور أن الله يعطي موهبة أن يتكلم إنسان بلسان لا يفهمه هو نفسه فحتى الوحي هو عبارة عن فكر إلهي مُعَبَّرًا عنه بلغة الإنسان، فالوحي لم يلغ عقل النبي أو الكاتب. لذلك فأسلوب إشعياء المثقف يختلف عن أسلوب عاموس الراعي. وأسلوب بولس يختلف عن أسلوب يعقوب الصياد. فالوحي لا يلغي المواهب الخاصة في الكتابة واللغة. فالفكر هو فكر الله والأسلوب والصياغة هما للكاتب ويستغل فيهما خبراته وثقافته. على أن الوحي أيضًا يعصم الكاتب من الخطأ. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ونحن نفرِّق بين الوحي والإملاء (2بط1: 20 ، 21) فإن كان الوحي المقدس الذي يقتضي التعبير الدقيق لم يلغ عقل الإنسان، فيستحيل أن تأتي هبة من الروح في آخر الأيام لتلغي عقل الإنسان وتجعله يقول ما لا يفهم متوهمًا أنه يصلي بالروح. ولا يصح أن يعطي الله الإنسان أن يصلي كلامًا لا يفهمه ولا يعيه هو نفسه، بل إن الشيطان سيستغل هذا الوضع، ويضع كلمات هرطقة مثل يسوع أناثيما (1كو3:12). المظهريات تقود للكبرياء. والكبرياء يقود الإنسان ليلعب به الشيطان ويجعله يخطئ في الله. أمّا من حل عليهم الروح القدس في الكتاب فكانوا يحدثون بعظائم الله (أع11:2+46:10) أو كانوا يتنبأون مثل أهل أفسس (أع 6:19). ولم نسمع في الكتاب المقدس عمن تكلم دون أن يعي ما يقول. فتعظيم الله يعني تسبيح على عظائم الله وتمجيده وشكره، فهل هذا يتم دون وعي. والتنبؤ يعني كلام مفهوم بوعظ أو نبوات.
الآيات 15 – 20
آية 15 :- فما هو اذا اصلي بالروح واصلي بالذهن ايضا ارتل بالروح وارتل بالذهن ايضا.
هذا هو الوضع السليم الذى يقبله الله أنه حينما أصلى بالروح يكون ذهني واعياً وفاهماً لما أقول، فالموضوع ليس غيبوبة روحية، بل أن أكون مفهوماً عند السامعين، وفى اتصال ذهني معهم، وتكون العبادة مفهومة للمشتركين فيها.
آية 16 :- و الا فان باركت بالروح فالذي يشغل مكان العامي كيف يقول امين عند شكرك لانه لا يعرف ماذا تقول.
باركت بالروح = باركت أي تسابيح شكر لله. وباركت بالروح أي بمفهومكم يا أهل كورنثوس، أنكم تسبحون الله بكلام غير مفهوم كموهبة من الروح القدس فان سمعك العامي = أي من ليس له مواهب روحية خاصة ومعرفته محدودة، مثل هذا حينما تشكر أو تسبح بلسان كيف يقول آمين = أي فليكن هذا، إن لم يفهم ما تقول. من هنا نفهم أن المهم في العبادة المشتركة أن يكون هناك شركة بين من يصلى أو يرتل أو يعظ وبين السامعين. يجب أن يكون المصلى مفهوماً لدى السامع لتحدث الشركة ويقول آمين = أي يسبح الله ويشكره معك
آية 17:- فانك انت تشكر حسنا ولكن الاخر لا يبنى.
لو كنت تشكر بلسان غير مفهوم، فأنت وحدك تصلى وتشكر حسنا =لكنبلابناءللسامعين.
آية 18:- اشكر الهي اني اتكلم بالسنة اكثر من جميعكم.
ربما كموهبة أو لثقافته العالية. وغالباً المعنى انه يتكلم بألسنة كدارس لأنه لم يفهم اللغة الليكأونية (أع 10:14- 14)
آية 19:- ولكن في كنيسة أريد أن اتكلم خمس كلمات بذهني لكي اعلم اخرين أيضًا أكثر من عشرة آلاف كلمة بلسان.
تفهم الآية هكذا … أنا أفضل أن أتكلم في كنيسة خمس كلمات مفهومة وأعلمها للآخرين، عن أن أكلمهم عشرة آلاف كلمة بلسان. فقوله أَتَكَلَّمَ خَمْسَ كَلِمَاتٍ بِذِهْنِي = أي أدركها بعقلي وأُعَلِّم الآخرين بما أدركته. أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ آلاَفِ كَلِمَةٍ بِلِسَانٍ = أكثر هنا معناها هذا أفضل من أن أتكلم 10000 كلمة بلسان، فهذا لن يبني السامعين. الرسول في الكنيسة يخرج من ذاته ويكون شغله الشاغل بنيان الناس إن في صلاة أو في وعظ.
آية 20 :- ايها الاخوة لا تكونوا اولادا في اذهانكم بل كونوا اولادا في الشر و اما في الاذهان فكونوا كاملين.
لا تكونوا أولاداً في أذهانكم = ما يطلبونه من مواهب ألسنة ما هو إلاّ أحلام طفولة، فالأطفال يفرحون بالشيء المزخرف في ظاهره حتى وإن كان بلا فائدة. ولاحظ أنه يصفهم بالإخوة قبل كلامه عنهم أنهم أولاداً في تصوراتهم حتى لا يغضبوا منه قبل أن يوجه لهم نصيحته. ومعنى كلامه أن التَعَلُقْ بالألسنة من صفات الأطفال لما يحيط به من مظاهر مبهرة. وإن أردتم أن تكونوا أولاداً فكونوا هكذا في الشر، وهذا ما قاله السيد المسيح (مت 3:18). أي تتصرفوا بالبراءة التي يتصف بها الأولاد وكذلك في إخلاصهم، وبلا مكر ولا خداع.أما في الأذهان فكونوا كاملين = فالطفل لا يكون بعد قادرًا على الفهم، أي أن الرسول يريد أن موهبة الألسنة تكون مرتبطة بالفهم والإدراك. فكاملي الذهن هم من يبحثوا عن كل ما يبني الآخرين ويبني حياتهم.
الآيات 21 – 25
آية 21 :- مكتوب في الناموس اني بذوي السنة اخرى وبشفاه اخرى ساكلم هذا الشعب ولا هكذا يسمعون لي يقول الرب.
مكتوب في الناموس = لفظ الناموس يشير لكل العهد القديم. أمّا النبوة التي يشير لها بولس الرسول فهي من (أش 11:28-12). ومعنى النبوة أن الله أرسل لهم أنبياء يكلمونهم بلسانهم فلم يسمعوا لهم، فهاهو سيرسل لهم أشور وهي أمة تذلهم لتؤدبهم وهم (أي أشور) يتكلمون بلسان غريب عنهم؛ أي لن يستجيبوا لتوسلاتهم إذا طلبوا الرحمة منهم لأنهم ببساطة لا يفهمون ما يُقال، وهذا ليؤدبهم الله. ومع هذا لن يسمعوا، والمقصود بكلام الرسول:-
1) بهذا تصبح الألسنة علامة للدينونة، فشعب إسرائيل سيعاقب بوجوده وسط شعب غريب اللسان لانهم رفضوا أن يسمعوا وصايا الله.
2) كأن الرسول يريد الربط بين معاناة إسرائيل من لغة الغزاة الغريبة و بين سلوك المؤمن البسيط إذا ما رأى الكاملين يتكلمون بلسان غريب لا يفهمه، فكلا الموقفين يحمل في طياته معاناة من اللسان الغريب لعدم القدرة على الاستيعاب والإحساس بالغربة والإنعزال.
3) أن الله سيكلم الشعب بلسان غريب وأن الشعب حتى بهذا لن يستمع فإذا كان الشعب لن يستمع للسان أرسله الله، فما فائدة الألسنة التي تتمسكون بها
آية 22: – اذا الالسنة اية لا للمؤمنين بل لغير المؤمنين اما النبوة فليست لغير المؤمنين بل للمؤمنين.
إِذًا = هي ليست عائدة على آية 21 بل على كل ما مضى. فإذا فهمتم أن الألسنة لا فائدة منها لكم كمؤمنين، لأن ما يفيدكم هو النبوة. لذلك عليكم أن تفهموا أن الله أعطى موهبة الألسنة لنكلم بها غير المؤمنين بلسانهم. ونلاحظ أن الثلاث مرات التي ظهرت موهبة الألسنة فيها كانت لغير المؤمنين، فالله أعطى الرسل ألسنة يوم الخمسين ليكرزوا لغير المؤمنين في كل العالم. وبالنسبة لكرنيليوس وأهل أفسس فكانت الألسنة علامة على قبولهم.
آيات 23، 24 :- فان اجتمعت الكنيسة كلها في مكان واحد وكان الجميع يتكلمون بالسنة فدخل عاميون او غير مؤمنين افلا يقولون أنكم تهذون. ولكن ان كان الجميع يتنباون فدخل احد غير مؤمن او عامي فانه يوبخ من الجميع يحكم عليه من الجميع.
لو كنتم تتكلمون بألسنة كلكم ودخل عاميون = لا يعرفون شيئًا عن المواهب، أفلا يتوهمون أنكم تهذون. العامي هنا هو من له درجة من الإيمان ولكن لم يصل بعد إلى حد التمتع بالمواهب. ومن هنا نلاحظ أن العامي لو دخل مكان فيه مؤمنون يتنبأون، فإن ما يسمعه سيبكته ويتعلم منه. أمّا لو دخل إلى مكان يتكلمون فيه بألسنة فسيتعثر فيهم.
آية 25:- و هكذا تصير خفايا قلبه ظاهرة وهكذا يخر على وجهه ويسجد لله مناديا ان الله بالحقيقة فيكم.
هذا يشبه من يسمع عظة ويأتي للواعظ ويقول لهُ “من قال لك ذلك عني” لأنه يتصور أن الواعظ يعرف عنه كل شيء، ولكن الواعظ قطعًا لا يعرف عنه شيئا، إنما هو عمل الروح القدس.
الآيات 26 – 33
آية 26 :- فما هو اذا ايها الاخوة متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور له تعليم له لسان له اعلان له ترجمة فليكن كل شيء للبنيان.
الرسول يريد أن كل المواهب تخدم من أجل البنيان.
مزمور = صلاة ملهمة بالروح القدس، ولقد تعودت الكنيسة على صلوات المزامير في اجتماعاتها، وربما يقصد الرسول الصلوات التي يهبها الروح للمؤمنين فالصلوات هي ضمن عطايا الروح القدس ليمجد الله بها ومن أمثلتها التسبحة والألحان والترانيم (كو 16:3) تعليم = شرح حقائق الإيمان بالهام خاص من الروح القدس لسان =موهبة الألسنة ولكن بطريقة بناءة. إعلان = ملهم بإعلان جديد أو نبوة أو كشف يخبر به السامعين.الترجمة =أيالقدرةعلىتفسيرالألسنة. إذاًليكنكلشيللبنيان.
آية 27 :- ان كان احد يتكلم بلسان فاثنين اثنين او على الاكثر ثلاثة ثلاثة وبترتيب وليترجم واحد.
فإثنين إثنين = حتى لا يحدث تشويش. ولكن نفهم أن المؤمن الذى له موهبة الألسنة له القدرة على التحكم فيها. أمّا الذين فيهم روح دنس فلا يمكنهم التحكم في أنفسهم. وبترتيب = أي يتكلم الواحد بعد الآخر وليس في وقت واحد فيحدث التشويش. وللبنيان فليترجم واحد.
آية 28:- و لكن ان لم يكن مترجم فليصمت في الكنيسة وليكلم نفسه والله.
حتى لا يكون الموضوع فيه ناحية استعراضية، فليكلم نفسه = إن كان في هذا تعزيته. ويكون الله سامعًا له. ولا يرفع صوته ليسمعه أحد، فلن يفهمه أحد.
آية 29 :- اما الانبياء فليتكلم اثنان او ثلاثة و ليحكم الاخرون.
فليتكلم الأنبياء ويعظوا ويستمع لهم الآخرين ويميزوا بما لهم من موهبة تمييز الأرواح، هل هذا الكلام من الله أم لا (ا يو 1:4-3).
آية30 :- و لكن ان اعلن لاخر جالس فليسكت الاول.
إن حدث أن أعطى لأحد من المؤمنين الآخرين إعلان أو كشف، أي إذا تحرك أحد المؤمنين بواسطة نعمة الروح القدس وكشف له الروح القدس شيئاً. فعلى المتكلم أن يسكت ليعطى فرصة للآخر أن يتكلم. وبترتيب وبلا تشويش
آية 31 :- لانكم تقدرون جميعكم ان تتنباوا واحدا واحدا ليتعلم الجميع ويتعزى الجميع.
يمكن للمؤمنين أن يتعبدوا ويعلموا ويتنبأوا ولكن بنظام. وكل واحد يكمل بتعليمه، تعليم الآخر، فالروح يعمل في الكل.
آيات 32، 33 :- و ارواح الانبياء خاضعة للانبياء. لان الله ليس اله تشويش بل اله سلام كما في جميع كنائس القديسين.
الرسول يؤكد بوضوح قدرة المؤمن أو النبي على أن يتحكم في موهبته، أي يستطيع الأنبياء أن يقفوا عن التنبؤ لأجل أن تعطي الفرصة للآخرين. أي في حالة إذا كانت النبوة من الله تكون أرواح الأنبياء خاضعة لهم، أي لا يغيب ذهنهم بل يكونون متحكمين في أنفسهم، أمّا من تحركهم الشياطين فلا يمكنهم التحكم في أنفسهم. فالله يعطي الموهبة ومعها الضابط حتى لا ينحرف بها الإنسان أو يجرفه الشيطان بعيدًا عن هدفها الأصيل. والله وضع أن تخضع موهبة التنبؤ للأنبياء. فالله الذي يهب هذه الموهبة هو ليس إله تشويش (أصل الكلمة يعني ضجيج) بل إله سلام. وعلى ذلك فيجب أن يسود النظام والسلام جميع الكنائس المسيحية في كل مكان.
الآيات 34 – 40
آيات 35:34 :- لتصمت نساؤكم في الكنائس لانه ليس ماذونا لهن ان يتكلمن بل يخضعن كما يقول الناموس ايضا. و لكن ان كن يردن ان يتعلمن شيئا فليسالن رجالهن في البيت لانه قبيح بالنساء ان تتكلم في كنيسة.
يبدو أن الوضع في كورنثوس كان فيه كثير من الجدل بخصوص وضع النساء. فيبدو أن النساء حاولن تقليد الرجال في كل شي وتغافلن عن وضعهن، ورفضن الخضوع لرجالهن، بل إتخذن موقف المعلم في الكنيسة بطريقة مظهرية وأحدثن ضجيجاً. والرسول رأى أن الوضع الإنجيلي السليم أن تصمت النساء في الكنائس، ويخضعن لرجالهن (لذلك ففي الكنيسة تقتصر الوظائف الكهنوتية على الرجال). والرسول لا يطلب أن تصمت النساء بصورة مطلقة فهو في (5:11) قال أن المرأة تصلى وتتنبأ، لكن الرسول طلب منع حب الظهور والتشويش وخضوع المرأة لرجلها فالرجل رأس المرأة.
آية 36 :- ام منكم خرجت كلمة الله ام اليكم وحدكم انتهت.
عبارة فيها توبيخ، إذ يبدو أنهم في كورنثوس خرجوا على الأسس التي تنظم العبادة الجماعية وكان هناك تشويش. وكأن الرسول يقول لهم هنا … من أنتم حتى لا تذعنوا للحق الذى أُعلم به … هل أنتم أصل الكرازة بالإنجيل = منكم خرجت كلمة الله. بل أنتم مجرد حقل واحد من حقول الكرازة. أم إليكم وحدكم انتهت = يرجع لكم الحق في ترتيب العبادة في الكنيسة. المعنى …. هل لا يوجد مؤمنون إلاّ بينكم ” ما فيش حد غيركم يعرف كلمة الله ” … هل لا يتم ترتيب أمور الكنيسة إلاّ بالاعتماد عليكم. انتهت = أي لم تصل إلاّ إليكم فيكون لكم الحق في ترتيب الأمور كلها كما يتراءى لكم.
آية 37:- ان كان احد يحسب نفسه نبيا او روحيا فليعلم ما اكتبه اليكم انه وصايا الرب.
من هو نبي حقيقي سيدرك أن ما أكتبه إليكم هو الحق وهو وصايا الرب.
آية 38 :- و لكن ان يجهل احد فليجهل.
أى كل واحد حر أن يطيع أو يظل في عدم طاعته جاهلاً بما هو حق، وليتحمل كل واحد مسئولية نفسه ومسئولية تجاهله لما أقوله.
آية 39 :- اذا ايها الاخوة جدوا للتنبوء و لا تمنعوا التكلم بالسنة.
هذا ملخص تعاليم الرسول، فهو لم يلغ الألسنة ولكنة يفضل التنبؤ.
آية 40 :- و ليكن كل شيء بلياقة و بحسب ترتيب
لياقة وترتيب = فلتمارس كل الأعمال في الكنيسة بجدية ووقار وترتيب حسن.
أقرأ أيضاً
تفسير كورنثوس الأولى 13 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير كورنثوس الأولى 15 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |