تفسير رسالة كورنثوس الأولى ١ للقمص أنطونيوس فكري
شرح كورنثوس الأولى – الإصحاح الأول
الآيات 1 – 3
آية 1 :- بولس المدعو رسولا ليسوع المسيح بمشيئة الله وسوستانيس الأخ.
شكك الإخوة الكذبة (المتهودين) في صحة رسولية بولس الرسول حتى يثبتوا صدق تعاليمهم الغاشة والمخالفة لتعاليم بولس، وهنا يؤكد بولس صدق إرساليته، وطالما هو رسول لله فعليهم طاعة الأوامر والتعاليم التي سيقولها في هذه الرسالة والتي سبق وعلمها لهم. ولأنه يعالج مشكلة كبريائهم قال المدعو رسولاً = أي هو ليس له فضل في ذلك فينتفخ بل هي دعوة إلهية. وسوستانيس = ورد ذكره في (أع 18 : 17) كرئيس لمجمع اليهود وهو قد تعرض للضرب من ِقَبَل اليونانيين الذين يكرهون اليهود، وبعد أن كان يقف موقفاً معادياً للمسيحية صار مسيحياً، والرسول يذكره في مقدمة الرسالة لأنه كان معروفاً عند أهل كورنثوس، وذكِره فيه أهمية إظهار عمل الله الخلاصي، فهذا الذي كان مقاوماً للمسيحية صار كارزاً بها.
آية 2 :- إلى كنيسة الله التي في كورنثوس المقدسين في المسيح يسوع المدعوين قديسين مع جميع الذين يدعون باسم ربنا يسوع المسيح في كل مكان لهم ولنا.
إلى كنيسة الله = إذاً هي ليست كنيسة بولس ولا أبلوس ولا صفا، هنا نجد إحتجاج صامت على التحزبات. ولاحظ أن الكنائس كلها لله ونحن نطلق أسماء القديسين عليها إكراماً لهم. المقدسين = أي المفرزين أو المكرسين المخصصين للرب، وهذا التقديس يتم بواسطة الاتحاد مع المسيح يسوع بالإيمان به وبالمعمودية التي هي ميلاد ثانٍ من الماء والروح، لذلك أعطانا الله الروح القدس ليساعدنا أن نتقدس وهذا يتم بواسطة أسرار الكنيسة. فالخطية تفصل بيننا وبين الله ولكن الروح القدس الذي يبكت على الخطية (يو 16 : 8) ويعين ضعفاتنا (رو 8 : 26) ويعطينا الغفران في سر التوبة والاعتراف ويعطينا الثبات في جسد المسيح في سر الإفخارستيا يعيدنا للثبات والإتحاد مع المسيح يسوع. وبهذا تصبح الكنيسة كلها مشتركة مع المسيح في جسد واحد، ولكن علينا أن نسلك في قداسة يعيننا عليها الروح القدس ونسلك بجهاد ضد الخطية. المقدسين في المسيح = فمفتاح بركات العهد الجديد هو إتحادنا بشخص المسيح. المدعوين قديسين = أي لا فضل في ذلك لا لأنفسهم ولا لبولس، بل المسيح هو الذي دعاهم، فلماذا التحزب لشخص ما. جميع الذين يَدْعون = وترجمت يبتهلون ويصلون باسم ربنا يسوع. في كل مكان = إشارة لوحدة الكنيسة. لهم ولنا = قد تفهم بأنهم يبتهلون لهم ولنا. وقد تفهم أن المسيح رب لهم ولنا.
آية 3 :- نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب يسوع المسيح.
النعمة أولاً ثم السلام، فالنعمة هي التي تملأ القلب سلاماً. والرسول ينسبها لله الآب والإبن يسوع دليل وحدة الجوهر والتساوى بين يسوع والله. والنعمة هي كل هبات الله للإنسان (الفداء، الروح القدس الساكن فينا..) وتسمى خاريزما أي عطية مجانية ليست بسبب إستحقاق الإنسان.
الآيات 4 – 9
آية 4 :- اشكر الهي في كل حين من جهتكم على نعمة الله المعطاة لكم في يسوع المسيح.
أشكر ألهى على النعمة التي حصلتم عليها كثمر لاتحادكم بالمسيح = في المسيح
آية 5:- إنكم في كل شيء استغنيتم فيه في كل كلمة وكل علم.
نجد الرسول هنا يمدحهم قبل أن يلومهم. وهذا أسلوب السيد المسيح (رؤ 2: 2 – 4). استغنيتم فيه = كان غناهم في المواهب باتحادهم وشركتهم مع المسيح، فلا بركة خارجة عن المسيح. وإذا كان الله قد أغناهم بمواهب كثيرة فعليهم أن يستغلوها لمجد أسمه عوض التحزب والشقاق ولكن هناك مشكلة أن يشعر أحد بأن غناه في المواهب راجع لاستحقاقه ويشعر أنه ما عاد محتاجاً للمسيح (رؤ 3 : 17)، مثل الإنسان الفاتر نجد أن الله يقول عنه أنه مزمع أن يتقيأهُ. ولكن من يشعر أن الكل من الله وأنه عطشان، ويلجأ للمسيح ليحصل على المزيد، مثل هذا فطوباه (مت 5 : 6) ومثل هذا يمتلئ ويفيض (يو 7 : 37 – 39).
كل علم = معرفة حقائق الخلاص، هذه تشير للمعرفة والفهم.
كل كلمة = هؤلاء لهم موهبة الشرح والتفسير للكتب المقدسة. والرد على الهراطقة هؤلاء قادرين على التعبير عما يعرفون
آية 6 :- كما ثبتت فيكم شهادة المسيح.
أي أن شهادتنا للمسيح التي كرزنا بها في وسطكم قد ثبتت صحتها وتأكدت حقيقتها بهذه النعم والمواهب التي حصلتم عليها، والقوة التي غيرت حياتكم.
ثبتت فيكم = confirmed in you
آية 7 :- حتى أنكم لستم ناقصين في موهبة ما وانتم متوقعون استعلان ربنا يسوع المسيح.
إنكم هكذا قد استغنيتم حتى لم يعد ينقصكم شئ من مواهب الروح القدس وعطاياه. وأنتم تنتظرون بإيمان ورجاء يوم الدينونة الذي سيظهر فيه المسيح. وعلامة المسيحي الحقيقي هي اشتياقه لسرعة مجيء المسيح.
آية 8 :- الذي سيثبتكم أيضا إلى النهاية بلا لوم في يوم ربنا يسوع المسيح.
سيثبتكم = المسيح سوف يثبت أرواحكم ونفوسكم وأجسادكم حتى النهاية لكي تصيروا غير ملومين في شئ وغير ناقصين في حياة القداسة حتى يوم مجيء الرب، فالله لا يتركنا وحدنا في صراعنا مع العالم والخطية والشيطان.
بلا لوم = حياة عدم اللوم تساوى حياة القداسة.
آية 9 :- آمين هو الله الذي به دعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا.
آمين = الله يفي بكل ما وعد به، وهو أن نشترك في مجد إبنه، فهو إذ دعاهم = الذي به دعيتم = فهو من المؤكد أنه سيحقق لهم حياة الشركة في إبنه لينالوا كل النعم السابقة، والله سيعطيهم كل ما يلزم لخلاصهم ويقويهم للثبات في القداسة للنهاية. هذا طبعاً لمن يريد ولا يرفض عمل الله.
الآيات 10 – 13
آية 10 :- ولكنني اطلب إليكم أيها الاخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولا واحدا ولا يكون بينكم انشقا قات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد.
أطلب = في اليونانية أرجوكم وأتوسل إليكم. كاملين = في اليونانية تلاحموا معاً وارتبطوا معاً perfectly joined together فالكنيسة جسد واحد هو جسد المسيح، وهناك تكامل بين أعضاء الجسد الواحد. وإنه ليسهل على من تجددت أذهانهم في المسيح أن يكونوا لهم الفكر الواحد أي التوافق في الأفكار. فالتحزبات لا تخدم سوى عدو الخير. قارن مع (أف 4 : 1 – 7) ومع (يو 17 : 21 – 23). فالمطلوب إذاً أن تكونوا متكاملين. فالكل جسد واحد، وإذا كان هناك شقاق فكيف نكون متكاملين. عموماً لا يمكننا أن نكون رأى واحد وفكر واحد إلاّ إذا كان المسيح فينا والروح القدس يملأنا، وما عدنا نهتم بالذات، حين يتجدد ذهننا وهذا يكون بأن يعطينا الروح القدس أن يكون لنا اهتماما واحداً هو مجد المسيح. ولكن سبب الشقاقات دائماً هو الأنا أي كل واحد يبحث عن مجد نفسه. فإذا تنازلنا عن الأنا لما صار هناك شقاقات. بل أن الأنا حالت دون إيمان اليهود بالمسيح، إذ تعارض وجوده مع مصالحهم، فهم أسلموه حسداً (مر 15 : 10)، وثاروا عليه إذ رأوا الكل وراءه (يو 12 : 19 + يو 11 : 47 – 50)
آية 11 :- اني أخبرت عنكم يا اخوتي من أهل خلوي أن بينكم خصومات.
هو يطلب الوحدة لأنه سمع من عبيد السيدة التي تُدعى خلوى أن هناك خصومات بينهم.
آية 12 :- فأنا اعني هذا أن كل واحد منكم يقول أنا لبولس وأنا لا بلوس وأنا لصفا وأنا للمسيح.
صارت هناك أحزاب. فبولس تبعه من عرفوه أولاً ككارز لهم. وأبلوس تشيع له اليهود الذين أعجبهم معرفته بالكتاب المقدس، واليونانيين الذين أعجبتهم فصاحته. وربما تشيع لبطرس من عمَدّه بطرس في أورشليم أو من يدعو للتهود ولا تعجبه أراء بولس في التحرر من فرائض الناموس كالختان. وهناك من قال أنا أتبع المسيح حتى لا يلتزم بأي ترتيبات كنسية، مثل هذا لا يريد أن يخضع للكنيسة، وهذا سبب معظم الهرطقات والإنشقاقات عن الكنيسة. ولاحظ أن وراء كل هذا أيضاً الأنا. فمن يتبع بولس يظن أن بولس الأعظم وبهذا يصير هو الأعظم لأنه يتبع بولس الأعظم. ومن يقول أنا أتبع المسيح ليتحرر من سلطان الكنيسة فهو كأنه يقول أنا حر ولا أحد له سلطان عليَّ ولا حتى الكنيسة.
آية 13 :- هل انقسم المسيح العل بولس صلب لاجلكم أم باسم بولس اعتمدتم.
هل أنقسم المسيح = الكنيسة كلها جسد واحد هو جسد المسيح فالانقسامات تعنى تقسيم جسد المسيح الواحد الذي كل أعضاؤه مرتبطة بالمسيح الرأس.
أم باسم بولس اعتمدتم = المعمودية هي عمل الثالوث وبإسم الثالوث (مت 28 : 19 + 1كو 6 : 11). وقولـه بإسم أي بقدرة وقوة الثالوث الذي يعمل على تجديد المُعمّد المؤمن. وقطعاً هذا ليس عمل بولس أو أي إنسان. وقطعاً إذا كانت المعمودية بإسم الثالوث فهو الذي إمتلكنا وصرنا ملكاً لهُ، به وحده نتعلق.
الآيات 14 – 17
آية 14 :- اشكر الله اني لم اعمد أحدا منكم إلا كريسبس وغايس.
أشكر الله لأنكم لو كنتم إعتمدتم على يديَّ لأسأتم إستخدام إسمى أكثر وأكثر، أو لصار لكم سبباً في أن تتحزبوا لي.
آية 16و15 :- حتى لا يقول أحد اني عمدت باسمي. و عمدت ايضا بيت استفانوس عدا ذلك لست اعلم هل عمدت احدا اخر.
بولس يرفض تكوين حزب باسمه في الكنيسة.
آية 17 :- إن المسيح لم يرسلني لاعمد بل لابشر لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح.
لم يرسلني لأعمد = هذا من باب التخصيص في العمل، فالعماد يمكن أن يقوم به أي أحد غير بولس. بل لأبشر = فالبشارة والكرازة فيها مخاطر أكبر وتتطلب إمكانيات أكبر. لا بحكمة كلام = لم تكن كرازتى بفلسفة من عندي ولا بحلاوة لسان :- 1) فلو كانوا قد آمنوا بسبب فصاحته ربما كان لهم بعض الحق أن يتحزبوا لهُ. 2) من المؤكد أنه تكلم بحكمة إلهية وكلام ألهي، فلا يوجد كلام بشرى قادر أن يقنع أحد أن الله يتجسد ويُصلب ويموت، لو كانت الكرازة بحكمة بشرية فسوف يتعطل صليب المسيح = أي تفقد الكرازة قوتها التي تقنع الناس بإله مصلوب، مات وقام ليخلص. بل هل الحكمة البشرية كانت قادرة على تحويلهم لقديسين لهم مواهب. إذاً فليتحزبوا لله فقط.
الآيات 18 – 25
آية 18 :- فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة واما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله.
كلمة الصليب = الكرازة بالخلاص الذي تحقق بالصليب. عند الهالكين = لا يوجد من دُعِىَ للهلاك ولكن الهالكين هم من ازدروا بالصليب واعتبروه جهالة. فهي قوة الله = قوة الله العاملة فينا للخلاص بالصليب موضوع كرازتنا، فالكرازة كانت بقوة إلهية أقنعت الناس، بل وغيرت حياتهم بقوة من مسار الهلاك إلى مسار الخلاص. فالمسيحية تمتاز بما فيها من فاعلية وقوة وتأثير على حياة الذين يعتنقونها، فهي ليست إقناع فقط بل قوة تغيير من حياة الخطية إلى حياة مقدسة. ومن يعيش هذه الحياة المقدسة يخلص. لذلك فمن يرفض المسيحية يرفض قوة التغيير فيهلك. ولاحظ أن الرسول يضع في مقابل كلمة الجهالة ليس كلمة الحكمة بل كلمة القوة = قوة الله. فالمسيحية ليست حواراً عقلياً بل قوة إلهية للتغيير.
آية 19 :- انه مكتوب سأبيد حكمة الحكماء وارفض فهم الفهماء.
لأنه مكتوب = (أي 5 : 12، 13 + أر 8 : 9 + أش 29 : 14). سأبيد حكمة = الله ليس ضد الحكمة ليبيدها، بل هو الذي أعطى الحكمة للإنسان، ولأن الإنسان أساء إستخدام ماوهبه الله من حكمة وفهم فإنتفخ بحكمته أراد الله كعقاب للإنسان أن يزدرى بحكمة الإنسان. ويبيد هنا بمعنى أن الله أظهر عجزها عن أن تخلص، فهي قد فشلت في خلاص الإنسان، وخلص البشرية بجهالة الكرازة أي كرازة البسطاء والجهلاء وبمنطق ضد حكمة العالم الذي يعبد القوة والعظمة. فالله خلص العالم بالمسيح المصلوب في ضعف ولكنه قام بقوة. ولكن ما ظهر للناس هو ضعف المسيح المصلوب. والقوة، قوة القيامة ظهرت في حياة الذين آمنوا. الحكماء = حكماء هذا العالم الذين رفضوا الطاعة لكلمة الله (رو 1: 21، 22). وأرفض فهم الفهماء = أكثر الناس ذكاءاً لن يدرك سر الصليب بل يدركهُ المؤمن المتضع. نعم إن كلمة الصليب قد بدت للهالكين جهالة لأنهم لم يستطيعوا أن يدركوا قوة الكرازة ومع ذلك يَدَّعون أنهم حكماء، ومثل هذه الحكمة المزعومة التي لا تحمل أي نفع للبشرية والتي تعطل الإيمان قد سبق ووعد الله أنه سيبيدها. الله يرفض الحكمة البشرية التي تنفخ ويكون هو نفسه مصدراً للحكمة للمتضعين والبسطاء.
آية 20 :- أين الحكيم أين الكاتب أين مباحث هذا الدهر ألم يجهل الله حكمة هذا العالم.
هذا سؤال استنكاري أراد منه الرسول أن يعلن فشل كل عظماء اليهود والأمم في تخليص الإنسان من خطاياه وإصلاح أثار الخطية أي الألم الذي تعانى منه البشرية عموماً، هم فشلوا أيضاً في إصلاح فساد البشرية. أين الحكيم = الفيلسوف اليوناني. أين الكاتب = الكتبة هم دارسي الكتاب المقدس. أين مباحث هذا الدهر =المجادل والعالم في الطبيعيات فهي محل بحث دائم. ألم يجهل الله حكمة هذا العالم = حكمة الله التي أعلنت في الخلاص بالصليب كشفت جهل حكمة هذا العالم بالطريق الحقيقي للخلاص. الله كشف جهل كل حكمة بشرية وعجزها عن أن تخلص. كل كتب أفلاطون وغيرها هي لا شئ، فلم نعرف الله سوى بالمسيح. ولم تكن هناك قوة لتغيير طبيعة البشر سوى قوة الصليب. الأمم بفلسفاتهم واليهود بتمسكهم بطقوس ناموسهم وإنتفاخهم ببرهم الذاتي عجزوا عن أن يدركوا الحقائق المعلنة، وأن يصلحوا من حال البشرية وبؤسها. أما قوة المسيح فحولت الخطاة إلى قديسين (موسى الأسود).
آية 21 :- انه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة.
إذ كان العالم في حكمة الله = الله هو مصدر كل عطية صالحة (يع 1 : 17). إذاً الحكمة الموجودة في العالم مصدرها هو الله. والله أعطى للإنسان هذه الحكمة التي بها يدرك وجود الله فيعبده (رو 1 : 18 – 32). فالإنسان قادر أن يُدرك وجود الله من خلال خليقة الله. ولأن الإنسان أحب الخطية تشوهت حكمته فصارت حكمة نفسانية شيطانية (يع 3 : 15) وأصبح لا يُدرك الله. هذه الحكمة المشوهة التي لا تدرك الله من خلال أعماله هي التي يرفضها الله لذلك رأى الله أن يخلص العالم بالكرازة التي بدت لحكماء هذا العالم كما لو كانت جهالة = يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة.
آية 22 :- إن اليهود يسألون آية واليونانيين يطلبون حكمة.
آية = اليهود طلبوا معجزات خارقة للطبيعة لكي يؤمنوا (يو 6 : 30 + مت 12 : 38 + لو 11 : 29). يطلبون حكمة = هذه عن اليونانيين الذين يطلبون فلسفات جديدة وأراء جديدة للمناقشة (أع 17 : 20، 21). هؤلاء أرادوا إخضاع الإيمان لحكمتهم البشرية التي ظنوا فيها خلاصهم
آية 23 :- ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة.
نحن نكرز بالمسيح مصلوباً = (راجع المقدمة – بولس الرسول كخادم في رسالتي كورنثوس)
لليهود عثرة = ففي شريعة اليهود ” ملعون من علق على خشبة ” (تث 21 : 23) كما أن اليهود إنتظروا المسيا كملك أرضى يخلصهم من الرومان وليس من الخطية وهذا لا يتحقق في نظرهم سوى بالقوة. ولليونانيين جهالة = فالمسيح في نظرهم لم يهزم أعدائه ويتغلب عليهم في مناقشات فلسفية، ولم يكن له مظهر العظمة. بل أن صليب المسيح في نظهرهم خالٍ من أي عظمة وحكمة. أما قوة الصليب فقد ظهرت في خضوع العالم كله لهُ، وعلى يد صيادين بسطاء فقراء وبالصليب غلب العالم والخطية وإبليس والموت، وبه إحتمل الشهداء كل أنواع الآلام وما لا تحتمله الطبيعة البشرية. والرسل بشروا بمسيح مصلوب عمل نجاراً بسيطاً، وكان هذا ضد أفكار وحكمة العالم.
آية 24 :- واما للمدعوين يهودا ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله.
أما للمسيحيين سواء من كان منهم من اليهود أو اليونانيين فإن المسيح المكروز به هو قوة الله التي تخلقنا من جديد (2كو 5 : 17) وتقدسنا. وهو حكمة الله التي تنير ذهن المؤمن. وهذه الآية فيها إثبات للاهوت المسيح راجع المقدمة(لاهوت المسيح وأزليته). فهذه الآية تثبت أن المسيح هو غير مخلوق، فإذا كان هو قوة الله، فكيف خلق الله لنفسه قوة وهو بغير قوة، أي بأي قوة وبأي حكمة خلق الله لنفسه قوة وحكمة. لا يمكن إلاّ أن يكون المسيح أزلياً كائناً في الآب غير منفصل عنه.
آية 25 :- إن جهالة الله احكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس.
ما يبدو في نظر غير المؤمنين جهالة لهو في الواقع حكمة تفوق حكمة الناس. والصليب الذي يبدو في الظاهر ضعفاً لهو قوة تفوق كل قوة الناس.
الآيات 26 – 31
آية 26 :- فانظروا دعوتكم أيها الاخوة أن ليس كثيرون حكماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء.
الدليل على ما أقول تجدونه في أنفسكم، أنتم الذين دعاكم الله للخلاص فإن دعوتكم لم تكن مبنية على أساس ما لكم من حكمة بشرية أو مراكز سامية = ليس كثيرون شرفاء = فكثيرون من مؤمني كورنثوس كانوا من العبيد، فكلمة شرفاء تعنى السادة ذوى المراكز السامية في المجتمع. والله لا يدعونا لسابق مراكزنا العالمية ولا لشرف نسبتنا الأرضي، بل الله يعلم القلب الذي هو مستعد لقبول عمله. ومن يقبل دعوة الله يختبر قوة خلاصه. فأنظروا لأنفسكم يا أهل كورنثوس وأحكموا، لأنكم وحدكم الذين تعرفون ولقد اختبرتم قوة الخلاص عاملة فيكم، ماذا كنتم وكيف أصبحتم.
آية 27 :- بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء.
الله أظهر في حياة المؤمنين البسطاء فشل الذين اعتمدوا على حكمتهم في الحصول على الخلاص. الله أستخدم تلاميذ كانوا صيادين وخضع العالم لهم. وبعظة واحدة آمن 3000 على يد بطرس (مز 19 : 3، 4). الله إختار هؤلاء الذين يحتقرهم العالم وينظر لهم كجهلاء لكي يخزى الحكماء في نظر العالم، وذلك ليفهم العالم أن الحكمة ليست إنسانية بل عطية إلهية.
آية 28 :- و اختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود.
الله أختار من ينظر لهم العالم في ازدراء واحتقار كما لو كانوا غير موجودين، أي ليس لهم شأن يُذكر = غير الموجود. وكان اليهود يدعون الأمم ” غير الموجودين ” إشارة لمنتهى الاحتقار. وأنظر لنسب السيد المسيح (راحاب وراعوث وثامار)، ليوبخ هؤلاء الذين ينظر لهم العالم نظرة تقدير وتعظيم (هيرودس ونيرون وقيافا) = ليبطل الموجود فالخلاص ليس بقوة بشرية بل بقوة الله. فلو أختار الله العظماء والشرفاء لظنوا أن الله أختارهم لماهم فيه من علو الشأن، ويرجعوا القوة لأنفسهم، بل هم أصلاً في كبريائهم كانوا سيرفضوا دعوة الله. ولاحظ أن هذا الكلام درس في التواضع يلقنه الرسول لأهل كورنثوس المنتفخين بمواهبهم ويطالبوا بالمزيد (مثل الألسنة) لتعظيم أنفسهم.
آية 29 :- لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه.
لقد فعل الله هكذا حتى لا يكون هناك مبرر لأن يفتخر أحد أمامه بنسبه أو ماله أو فلسفته كما يفعل اليونانيين أو ببره وقداسته كما يفعل اليهود.
آية 30 :- ومنه انتم بالمسيح يسوع الذي صار لنا حكمة من الله وبرا وقداسة وفداء.
ومنه أنتم = عائدة على أختار الله في آيات 27، 28. بالمسيح يسوع = صرتم أبناء الله بالمسيح يسوع
صار لنا حكمة = (راجع المقدمة – كيف تكون لنا حكمة الله ؟). فالمسيح رأس الكنيسة حل فيه كل ملء اللاهوت جسدياً (كو 2 : 9) وبإتحادنا بالمسيح، صار لنا المسيح مصدراً لكل الخيرات، حياة وقداسة وحكمة وبر… هذا من بركات التجسد أن نتحد بالمسيح ونصير ثابتين فيه (هذا لمن يحيا في قداسة وطهارة) فيكون المسيح مصدراً لكل هذه البركات لهُ، فالمسيح مصدر لا نهائي للحياة والقداسة والحكمة بسبب حلول اللاهوت فيه، أي في جسده. ولذلك فنحن في المسيح نكون قادرين أن نقتنى الحكمة التي بها نعرف الآب وندرك الأمور الروحية العالية ونفهم وصاياه ونعمل بها.
براً = هو حمل خطايانا لنصير نحن بر الله فيه، وبطاعته أو في كل ما علينا من مطالب الشريعة، هو يكمل ضعفاتنا، نستتر فيه فنصير أبراراً أمام الآب.
قداسة = المسيح هو القدوس وأعطانا روحه القدوس ليقودنا للقداسة.
وفداء = المسيح هو الذي حمل عنا كل عقوبة الخطية، وحررنا من كل عبودية. وفى المجيء الثاني سيفتدى أجسادنا لنقوم معه في المجد بأجساد ممجدة.
آية 31 :- حتى كما هو مكتوب من افتخر فليفتخر بالرب
لأن كل ما فينا من صلاح هو هبة من الرب، فهو مصدر غنانا الروحي لذلك فلنفتخر به، دون تفكير في خصومات، ولا نفتخر فيما بعد ببولس أو أبلوس (أر 9 : 23، 24)
أقرأ أيضاً
تفسير كورنثوس – المقدمة | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير كورنثوس الأولى 2 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |