تفسير رسالة كورنثوس الاولى أصحاح ٤ للقديس يوحنا ذهبي الفم
تفسير كورنثوس الأولى – الأصحاح الرابع
“هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله” (ع۱).
قال بولس الرسول ” كخدام المسيح” لکی يهدئ کبریائهم.
وقال أيضاً “ووكلاء سرائر الله” لأنه لا يجب أن تُعطى الأسرار للجميع ، بل اللذين تليق بهم والذين هم أهل لتدبيرها.
“ثم يُسأل في الوكلاء لكي يوجد الإنسان أميناً” (ع۲).
أي لكي لا يختلس الوكيل أشياء سيده ولكي لا يتصرف بها لنفسه كالسيد بل يدبرها کوکيل، والوكيل عليه أن يدبر ما تسلمه حسناً ولا يقول عن أمور سیده إنها له بل بالعكس أي أنه هو وأموره كلاهما للسيد.
“وأما أنا فأقل شيء عندي أن يُحكم فيَّ منكم أو من يوم بشر بل لست أحكم في نفسي أيضاً. فإني لست أشعر بشيء في ذاتی. لكنني لست بذلك مبرراً و لكن الذي يحكم فيَّ هو الرب ، (ع3، 4).
معنی قول بولس الرسول “فأقل شيء عندي أن يحكم فيّ منكم أو من يوم بشر بل لست أحكم في نفسي أيضاً”، أي أنه يحتسب ذاته غیر مستحق أن يحاكم منهم فحسب بل ومن أي إنسان آخر ولا أن يحاكم ذاته ، لأنه غير قادر على مثل هذا الفحص
“إذاً لا تحكموا فی شیء قبل الوقت حتى يأتي الرب الذي سينير خفايا الظلام و يظهر آراء القلوب وحينئذ يكون المدح لكل واحد من الله ، (ع5).
أي لا يحق لأحد أن يحكم على سيرة آخرين ويأتي بخفاياهم أمام الناس ويجهرها قبل أن يأتي الرب الذي ينير خفايا الظلام ويظهر آراء القلوب.
“فهذا أيها الإخوة حولته تشبيهاً الي نفسي وإلى أبلوس من أجلكم لکی تتعلموا فينا أن لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب کي لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر” (ع6).
معنی قول بولس الرسول “لا تفتكروا فوق ما هو مكتوب” أي أن ما كُتب هو “ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها” (مت3:7) وكُتب أيضاً من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن فيكم خادماً( مت 20 :26) كما كتب “ولا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم” (لو6: 37) وكذلك كتب “لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع” ( لو 14 :11) وهذا ما كُتب.
أما معنی “لا ينتفخ” أي أن لا يترفع أحد على غيره ، وحسنا سماه انتفاخاً، لأنه لا يكبر عضو عن عضو إلا أن ينتفخ ويتورم.
“لأنه من يميزك وأي شيء لك لم تأخذه وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ” (ع۷).
أي أن كل ما تمتلكه من أشياء إنما هو بفعل نعمة الله، ولكونك أخذت لهذا يجعلك تترفع ، ولذلك يجب عليك أن تحتشم ، لأن الذي أُعطيته ليس هو لك وإنما هو لمعطيه لأنك وإن كنت أخذت فمن الله أخذت وإن كنت أخذت منه ما ليس لك فلماذا إذا تتعالی؟!
إذاً إن كنت قد أخذت الأشياء كلها فلا تفتخر لأنه ليس شيء منك.
“إنكم قد شبعتم قد استغنيتم ملكتم بدوننا وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضاً معكم” (ع۸).
قول بولس الرسول هذا لا يخلو من التوبيخ أى أنهم لا يحتاجون شيئاً فيما بعد وصاروا كاملين ، لأن الكمال يبقى في الدهر العتيد ، أما الذي يشبع من الشيء القليل فيكون ضعیف النفس والذي يظن أنه استغنى بالقليل فتكون نفسه سقيمة ، لأن العبادة لا يُشبع منها ، ومن الشيء الصبياني أن يظن أحد إنه في بداية الشيء يترفع كأنه أدرك غايته.
“فإني أرى أن الله أبرزنا نحن الرسل آخرين كأننا محكوم علينا بالموت لأننا صرنا منظراً للعالم للملائكة و الناس » (ع۹).
لم يقل بولس الرسول نحن أخيرون ، وإنما قال : “إن الله أبرزنا نحن الرسل آخرین” ويقول أيضاً “كأننا محكوم علينا بالموت” وذلك عن المجرمين المستحقين الميتات الكثيرة.
ومعنى قوله “صرنا منظراً للعالم” لأننا ما أصابنا هذا في زاوية ولا في موضع صغير من العالم بل في كل مكان وعند الكل.
أما المقصود من قوله “للملائكة” أي أن مصارعتنا ليست هي مع البشر فقط بل ومع القوات الغير متجسدة.
“نحن جهال من أجل المسيح وأما أنتم فحكماء في المسيح نحن ضعفاء وأما أنتم فأقوياء أنتم مكرمون وأما نحن فبلا كرامة » (ع۱۰).
قول بولس الرسول هذا فيه شيء من تخجیل سامعيه موضحاً أمراً غير ممكن أن يحدث ولا أن تجتمع هذه الأضداد بهذا المقدار ، إذ كيف يكون بولس الرسول من الجهال في الأمور المختصة بالسيد المسيح وهم حكماء.
ومعنى : “نحن ضعفاء وأما أنتم فأقوياء” أي نحن نُطرد مُهانين أما أنتم فتتمتعون بالسيادة والخدم والهناء ، إلا أن طبيعة الكرازة لا تقبل مثل هذه الأمور.
“إلى هذه الساعة نجوع و نعطش و نعرى ونُلكم و ليس لنا إقامة . و نتعب عاملين بأيدينا نشتم فنبارك نضطهد فنحتمل » ( ع ۱۱ ،۱۲).
أي ما نعمله نحن في كل مكان هو ضروری ، لأن ما نفعله لا ينظره الملائكة فحسب بل والمجاهد يرى ذلك أيضاً، فمع الشدائد التي من خارج نجهد ذواتنا في العمل الدائم كما أننا لا نقاوم معاندينا فحسب بل ونتهلل أيضاً.
“يُفترى علينا فنعظ صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء إلى الآن” (ع۱۳).
لم يقل بولس الرسول صرنا كأقذار مدينتكم بل قال “صرنا كأقذار العالم” مظهراً مقدار ما تحمله من الحقارة.
“وليس لكي أخجلكم أكتب بهذا بل كأولادى الأحباء أنذركم” ( ع 14).
لم يقل بولس کرسول أو كمعلم الأمر الذي كان يخص الرتبة وإنما قال “كأولادى الأحباء أنذركم” وليس “كأولادي” فحسب بل « الأحباء ».
ولم يقل أنتهركم إنما قال أنذركم ، مما يلائم الأب الموجوع مشيراً بالنصائح الموافقة لأولاده.
“لأنه وإن كان لكم ربوات من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” (ع15).
لم يقل بولس الرسول لكن ليس لكم أباء كثيرون ، بل قال « ليس آباء كثيرون » ولم يقل أنا أخبرتكم بالقول ، بل قال أنا ولدتكم ، مستعملاً أسماء الطبيعة ، لأنه اجتهد أن يوضح المحبة التي كان يحبهم بها.
“فاطلب إليكم أن تكونوا متمثلين بي” (ع16) .
نعم كم هي عظيمة دالة المعلم ، كيف تكون الصورة محقة إذ تضرع أن يكون أولاده فيما هو عليه.
وعندما كتب بولس الرسول إلى أهل أفسس لم يضع ذاته وسيطاً، لكنه اقتادهم للحال هناك فقال “فكونوا متمثلين بالله” ( أف1:5) ، أما هنا فإذ كان كلامه نحو أناس ضعفاء وضع ذاته وعلى وجه آخر أنه يمكن لإنسان أن يتمثل بالمسيح على هذا الوجه ، حيث إن بولس يماثل المسيح ، فمن يماثل بولس فقد يماثل المسيح بالضرورة.
“لذلك أرسلت إليكم تيموثاوس الذي هو ابني الحبيب والأمين في الرب الذي يذكركم بطرقي في المسيح كما أعلم في كل مكان في كل كنيسة ” (ع۱۷)
أرسل بولس الرسول إليهم تلميذه تيموثاوس لكونه يعتني بهم كأولاده ، والرسالة مع الشخص الذي هو ابنه الحبيب.
ومعنى قول بولس الرسول “تيموثاوس الذي هو ابني الحبيب والأمين في الرب” مظهراً محبته واستعداد أولئك أن يقبلوه بوقار وليس أميناً فحسب بل “في الرب” أي في الأمور المختصة بالرب.
فإن كان تيموثاوس ابنه الحبيب ، تفطن في كم هي محبة بولس الرسول لأنه اختار أن يفارقه لأجل أهل كورنثوس، وإذ هو أمين سيخدم الأمور بلا عيب.
ولم يقل بولس الرسول عن تيموثاوس إنه يعظكم بل قال إنه يذكركم ، لئلا يفهموا كأنهم منه يتعلمون.
والمقصود من قول بولس الرسول عن تيموثاوس « الذي يذكركم بطرقی ، ليزيل حسدهم لأن تيموثاوس كان حدثاً.
“فانتفخ قوم کانی لست آتيا إليكم” (ع۱۸).
أثبت بولس الرسول أن التشامخ عمل صبیانی ، لأن الصبيان يكونون متكاسلين عن المعلم ، كما أن حضور بولس الرسول يكفي للتقويم وإصلاح الأمور، فكما أن الأسد يجعل الحيوانات كلها تتوارى وتختبئ ، هكذا وحضور بولس الرسول فعل مثل هذا الأمر في الذين قسموا الكنيسة.
“لكني سآتي إليكم سريعاً إن شاء الرب فسأعرف ليس كلام الذين انتفخوا بل قوتهم”(ع۱۹)
لم يقل بولس الرسول “سآتی” على الإطلاق بل قال : “إن شاء الرب” ثم قال “سريعاً” لكي لا يجعلهم يسترخون متوانین.
“لأن ملكوت الله ليس بكلام بل بقوة” (ع۲۰)
أي أن بولس الرسول يقول بالآيات ملكنا واستولينا وليس عن طريق اللسان والإثبات العظيم ، فإن تعليمنا هو إلهى وقيامنا بالآيات والمعجزات التي نفعلها إنما هي بقوة الروح.
ويود بولس الرسول أن يقول إن كان المنتفخون يؤثرون أن يكونوا عظماء الآن فعند حضوری فلیوضحوا إن كان لهم قوة مثل قوتنا ، ولا يقدموا إلى النهى بالأقوال لأن هذه الصناعة لا تحسب عندنا شيئا.
« ماذا تريدون أبعصا آتي إليكم أم بالمحبة و روح الوداعة » (ع۲۱).
المقصود بعبارة “أبعصا آتي إليكم” أي أنه قد ارتقى إلى كرسى التعليم ، وإذ خاطبهم من هناك أخذ السلطان کله ومعنى قول بولس الرسول « أبعصا » تعني بالتأديب بالقصاص أي أنه يقتل كما فعل بطرس الرسول مع حنانيا وامرأته سفيرة ( أع 5: 1 – 11).
أقرأ أيضاً
تفسير 2 كورنثوس 3 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير 2 كورنثوس 5 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |