تفسير رسالة كورنثوس الأولى أصحاح ٧ للقديس يوحنا ذهبي الفم
تفسير كورنثوس الأولى – الأصحاح السابع
«وأما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها فحسن للرجل أن لا يمس امرأة . ولكن لسبب الزنی لیکن لكل واحد امرأته و ليكن لكل واحدة رجلها.» (ع2،1)
معنی قول بولس الرسول «وأما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها» لأنهم سبق وكتبوا له سائلين : إن كان الابتعاد عن المرأة حسن أم لا، فرد الجواب عن ذلك بقوله إن ابتغيت الجيد والصواب، فحسن ألا تمس امرأة بالكلية ، أما إن أردت الوقاية وما يساعد ضعفك فاتبع الزواج.
هذا وقد قال قوم : إن قول بولس الرسول هذا إنما قيل للكهنة ، وأما أنا إذ أمعنت النظر متأملاً أقوال بولس الرسول لم أر القول يحمل هذا المعنى هكذا لأنه لو كان كما قال هؤلاء القوم ما كان بولس الرسول وضع النصيحة بصفة عامة، ولأنه لو كتب هذه الأقوال إلى الكهنة فقط لكان يقول جيد للمعلم ألا يمس امرأة ، وأما الآن فإذ وضع القول عامة فقال « فحسن للرجل أن لا يمس امرأة » وليس للكاهن فقط.
«ليوف الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك المرأة أيضا الرجل » (ع3).
إن الإكرام الواجب على المرأة هو ألا يكون لها سلطان على جسدها ، لكنها عبدة الرجل وسيدته ، فإن ابتعدت المرأة عن العبودية الواجبة فقد قاومت الله ، وإن أرادت الابتعاد فلا يحق لها، حيث إنه ولا واحد منهما سید ذاته ، بل الواحد عبد الآخر.
« وليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل و كذلك الرجل أيضاً ليس له تسلط على جسده بل للمرأة » (ع4).
إذا رأيت الزانية مقتربة منك قل : إن جسدى ليس لي بل للمرأة ، وهذه الأقوال عينها فلتقلها المرأة نحو الذين يرومون إفساد عفتها، أي أن جسدها ليس لها بل للرجل.
فإن كان الرجل والمرأة لا سلطان لهما على جسديهما ، فبالحرى كثيراً يكون هذا في الأموال.
اسمعن أيتها المتزوجات ، وكل الذين لهم نساء من الرجال ، إن كان لا يجب أن يكون لأى منكما الجسد خاصاً به فأحرى كثيراً يكون هذا في الأموال وفي أمور أخرى .
فالرجل لا سلطان له على جسده ولا المرأة لها سلطان على جسدها فالسلطان هنا فيه مساواة.
«لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم و الصلاة ثم تجتمعوا أيضاً معاً لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم » ( ع5).
المقصود من عبارة « لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة» أي لا تمتنع المرأة عن الرجل بمعنى الإمساك قهراً عنه ، ولا الرجل يمتنع عن المرأة بدون من هذا الإمساك تتولد شرور كثيرة، ولأن من هذا أيضا يصدر الفسق والزنا وخراب المنازل ، لأنه إن كان الذين لهم نساء يزنون فكم يكون بالحرى أكثر الذي مُنعت عنه زوجته.
وحسنا قال بولس الرسول «لا يسلب أحدكم الآخر» أي يمنع عنه حقه ، لأنه إذا امتنع أحدهما عن الآخر قهراً فبذلك يكون سلباً وخيانة ، وأما إذا كان باختياره فلا يكون حينئذ خيانة، لأنك إذا أرضيتنى وأخذت شيئاً من متاعى لا أقول إنك سلبتنی ، أما الذي يأخذ الشيء قهراً واغتصاباً فهو الذي يسلب.
وإذا فرضنا أن امرأة استعملت الورع والإمساك بغير إرادة رجلها ، فماذا يكون إذا زنى ، وإذا لم يزن يتألم ويضطرب ويتحرق ويعادی امرأته ويفعل بها أموراً كثيرة ، فما هي الفائدة الناتجة من الصوم والإمساك؟ لا تكون قط فائدة ولا ربح .
«ولكن أقول هذا على سبيل الإذن لا على سبيل الأمر. لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله الواحد هكذا والآخر هكذا» ( ع 6 ،7).
المقصود من قول بولس الرسول هنا «أريد أن يكون جميع الناس كما أنا » أي أن يكون الناس مثله في البتولية وهذا الأمر يفعله في مواضع كثيرة ، فإذا ما قدم النصيحة في معنى من الأمور الصعبة يورد ذاته مثالاً.
«ولكن أقول لغير المتزوجين و للأرامل إنه حسن لهم إذا لبثوا كما انا . ولكن إن لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا لأن التزوج أصلح من التحرق» ( ع 9،8).
أثبت بولس الرسول أن الاغتصاب من الشهوة ، فأوضح إن كان الإنسان يقاسی اضطراراً وتحرقاً فعليه أن يعتق ذاته من الكد والتعب وليتزوج.
«وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها» ( ع 10) .
إذ كان بولس الرسول عتيداً أن يقرأ ناموساً وضعه السيد المسيح فقال ألا يترك الرجل امرأته إلا لعلة الزنى ، لذلك قال « لا أنا بل الرب» حتى لا يُظن أنها أقواله ولكي لا نتوهم بأقواله إنها بشرية.
«وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها ولا يترك الرجل امرأته » (ع11)
من الأفضل للمرأة ألا تكون الرجل آخر ولتثبت مع رجلها ، حتى وإن لم يعاشرها.
«وأما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب إن كان أخ له امرأة غير مؤمنة و هي ترتضى أن تسكن معه فلا يتركها . والمرأة التي لها رجل غير مؤمن و هو يرتضی أن يسكن معها فلا تتركه» ( ع 12 ،13).
أي إذا كانت امرأة لها رجل غير مؤمن لا تتركه ، وإذا كان رجل له امرأة غير مؤمنة لا يتركها.
ويلاحظ هنا إن كانت المرأة غير مؤمنة فلتبق مع رجلها، أما إذا كانت زانية فلا تبق معه.
ولم يقل بولس الرسول من أراد أن يتزوج غير مؤمنة ، وإنما قال “والمرأة التي لها رجل غير مؤمن وهو يرتضي أن يسكن معها فلا تتركه” فبولس الرسول هنا لم يوجه كلامه إلى الذين لم يرتبطوا بعد ، بل وجه كلامه إلى الذين كانوا متزوجين من قبل .
“لأن الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة و المرأة غير المؤمنة مقدسة في الرجل وإلا فأولادكم نجسون وأما الآن فهم مقدسون ” ( ع 14 ) .
من يلاصق الزانية يكون معها جسداً واحداً ، كما أن التي تلاصق عابد الأصنام تصير معه جسداً واحداً ، إلا أنها لا تصير معه نجساً ، بل إن طهارة المرأة المؤمنة تغلب نجاسة الرجل غير المؤمن ، كما أن طهارة الرجل المؤمن تغلب نجاسة المرأة غير المؤمنة والمرأة التي تزني لا يلام الرجل إذا أخرجها عنه ، أما هنا وفي هذه الحالة أي استمرار الارتباط بين الزوج ( أو الزوجة ) المؤمن مع الزوجة ( أو الزوج ) غير المؤمنة ، فالسبب في ذلك هو ترجی خلاص الشخص غير المؤمن عن طريق استمرار الزواج ، أما في حالة الزنى ينحل الزواج .
ويلاحظ أن من يلاصق الزانية يكون معها جسداً واحدا ويصير هو نجساً بجماعها ، فلذلك تذهب الطهارة كلها ، أما في حالة استمرار الزواج بين الرجل المؤمن والمرأة غير المؤمنة ، فليس الأمر كذلك لأن الزواج هو جماع الأجساد.
هذا ولم يقل بولس الرسول إن الرجل غير المؤمن مقدس على الإطلاق بل قال و الرجل غير المؤمن مقدس في المرأة المؤمنة ، فقول بولس الرسول هنا لا ليثبت أن الرجل غير المؤمن قديس بل ليزيل خوف المرأة ، لأن النجاسة ليست نجاسة الأجساد التي تشترك بل نجاسة السريرة والأفكار .
“ولكن إن فارق غير المؤمن فليفارق ليس الأخ أو الأخت مستعبداً في مثل هذه الأحوال و لكن الله قد دعانا في السلام” ( ع 15) .
المقصود من قول بولس الرسول “إن فارق غير المؤمن فليفارق” أي إن أمرك غير المؤمن بمشاركته في عبادة الأصنام لأجل الزواج أو أن يفارقك فالأفضل لك أن تقلع عن هذا الزواج لا أن تتخلى عن إيمانك وعبادتك.
والمقصود من عبارة “ولكن الله قد دعانا في السلام ” أي إن كان غير المؤمن كل يوم يصارع ويحارب حروباً لكي تشاركه في عبادة الأصنام فيكون الانعتاق منه أفضل لأن الله دعانا أن نعيش في سلام .
“لأنه كيف تعلمين أيتها المرأة هل تخلصين الرجل أو كيف تعلم أيها الرجل هل تخلص المرأة ” ( ع 16 ) .
يشير بولس الرسول على المرأة المؤمنة إن كان زوجها غير المؤمن لم يفارقها ، فعلى المرأة هنا أن تبقى معه لأن في هذا ربح عظيم إذ تنصحه وتقنعه ، لأن لا يوجد معلم يقدر على ذلك هكذا مثل المرأة.
“غير أنه كما قسم الله لكل واحد كما دعا الرب كل واحد هكذا ليسلك و هكذا أنا آمر في جميع الكنائس . دُعى أحد و هو مختون فلا يصر أغلف دعی أحد في الغرلة فلا يختتن. ليس الختان شيئاً و ليست الغرلة شيئا بل حفظ وصايا الله . الدعوة التي دعي فيها كل واحد فليلبث فيها . دعيت وأنت عبد فلا يهمك بل وإن استطعت أن تصير حراً فاستعملها بالحرى » ( ع ۱۷ – ۲۱ ) .
أي فليلبث كل واحد في الدعوة التي دُعى فيها .
فإذا دعيت ولك امرأة غير مؤمنة فلا تطردها ، دعيت وأنت عبد فلا يهمك ذلك البث خادماً ، دعيت وأنت أغلف دم أغلف ، آمنت وأنت مختون دم مختوناً كما قسم الله لكل واحد لأن هذه الأمور لا تعيقه عن حسن العبادة.
دعيت وأنت عبد ، وآخر دعى وله امرأة غير مؤمنة ، و وآخر دعی مختوناً .
وكما أن الختانة لا تنفع شيئا ولا الغرلة تضر بشیء هكذا العبودية لا تضر والحرية لا تنفع.
ومعنى قول بولس الرسول ” بل وإن استطعت أن تصير حراً فاستعملها بالحرى” أي أولی بك أن تخدم لأن العبودية لا تضر شيئا.
وما هو قصد بولس الرسول إذ يأمر من يمكنه أن يصير حراً بالبقاء في العبودية ؟ ! أن العبودية لا تضر بل تنفع .
ولكن هناك قوماً يقولون إن قصد بولس الرسول هنا هو إن أمكنك الحرية صر حراً، ولكن هذا القول يخالف قصد بولس الرسول كثيراً ، إذ يود بولس أن يقول وإن كنت ولي أمرك في أن تصير حراً ، دم بالحرى خادماً.
“لأن من دعي في الرب وهو عبد فهو عتيق الرب كذلك أيضا الحر المدعو هو عبد للمسيح ( ع ۲۲ ) .
كيف يكون العبد معتوقاً ؟ لأن السيد المسيح لم يعتقك من الخطية فقط بل ومن العبودية التي من خارج وأنت باق عبداً.
ولكن كيف يكون العبد حراً وهو باق عبداً ؟ عندما يتألم وهو سالم من أمراض النفس ، عندما يزدرى الأموال والغضب وباقي الأمور الأخرى.
” قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيداً للناس . ما دُعى كل واحد فيه أيها الإخوة فليلبث في ذلك مع الله” ( ع 23، 24) .
قد يوجد من يكون ليس بعبد وهو عبد ، ومن يكون عبداً وهو حر ، ولكن كيف يكون العبد ليس عبداً؟! أن يكون كل ما يفعله إنما يفعله لأجل الله عندما يكون غير مراء ويخدم الناس بحرية.
وكيف يكون إنسان عبداً وهو حر؟! عندما يخدم الناس خدمة سيئة أو يكون شرة البطن أو محباً للمال أو مغتصباً، لأن مثل هذا يكون أشد عبودية من الجميع ولو كان حراً.
وإمعن بنظرك في الحالتين التاليتين :
الحالة الأولى : يوسف الذي كان عبداً، لكنه لم يكن للناس عبداً ، ولذلك كان في حالة العبودية حراً أكثر من الأحرار جميعهم ، فلم يتقدم نحو المرأة المالكة إياه حيث لم يتقدم فيما طلبته منه.
الحالة الثانية : امرأة فوطيفار كانت حرة ، ولكنها كانت أشد عبودية من الكل، إذ كانت تتملق العبد وتتضرع إليه ومع ذلك لم تستمل الحر.
فليسمع العبيد والأحرار ، من كان : العبد المتوسل إليه أم المتوسلة المتضرعة المحتقرة.
لقد وضع الله حدوداً للعبيد وإلى أين يجب أن يحفظوها وهذا ما يجب ان يتعداه أحد لأنه يجب عليه أن يخضع طائعاً عندما يأمره سيده بشیء ما مما لا يريده الله وليس أكثر ، لأن على هذا الوجه يكون العبد حراً أما إن تقدمت إلى ما هو أبعد فسوف تصير عبداً ولو كنت حراً.
فإن كان الضرب والقيود ولا الموت لا يضرنا فبالحرى كثيرة لا تضرنا العبودية.
أما المقصود من قول بولس الرسول “فلا تصيروا عبيدا للناس” أي لا تخضعوا للناس الذين يأمرون بالردئ بل ولا لأنفسكم.
“وأما العذارى فليس عندي امر من الرب فيهن و لكني أعطي رأيا كمن رحمه الرب أن يكون أميناً. فأظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا. أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال . أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة” ( ع 25- 27).
هذه الأقوال ليست مناقضة للأقوال السابقة بل مطابقة لها جداً، لأن بولس الرسول قال من قبل “لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين” (1 کو 7: 5 ) أما هنا فقال ” أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال” وهذا ليس فيه تضاد ، لأن الذي بغير رضا قد يحل الزواج ، أما إذا أمسكا نفسيهما باتفاق فلا يعتبر ذلك حلاً.
“و لكنك وإن تزوجت لم تخطئ وإن تزوجت العذراء لم تخطئ و لكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد وأما أنا فإني أشفق عليكم . فأقول هذا أيها الإخوة الوقت منذ الآن مقصر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم . والذين يبكون كأنهم لا يبكون والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون والذين يشترون كأنهم لا يملكون . والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة هذا العالم تزول . فأريد أن تكونوا بلا هم غير المتزوج يهتم في ما للرب كيف يرضى الرب . وأما المتزوج فيهتم في ما للعالم كيف يرضي امرأته . إن بين الزوجة و العذراء فرقاً غير المتزوجة تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسداً و روحاً وأما المتزوجة فتهتم في ما للعالم كيف ترضي رجلها » ( ع 28-34)
فإذا كانت الأرامل قد اختارت الترمل واعتقدت أن مخالطة الزيجة الثانية خطية ، فكم بالحرى كثيراً العذراری .
“هذا اقوله لخيركم ليس لكي ألقي عليكم وهقا بل لأجل اللياقة والمثابرة للرب من دون ارتباك. ولكن إن كان أحد يظن أنه يعمل بدون لياقة نحو عذرائة إذا تجاوزت الوقت و هكذا لزم أن يصير فليفعل ما يريد أنه لايخطئ فليتزوجا. وأما من أقام راسخاً في قلبه و ليس له اضطرار بل له سلطان على إرادته و قد عزم على هذا في قلبه أن يحفظ عذراءه فحسناً يفعل . إذا من زوج فحسناً يفعل و من لا يزوج يفعل أحسن » ( ع 35- 38)
ذلك لأن الجماع ليس شيئا رديئة ، بل الامتناع عنه إنما هو للفضيلة.
“المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حياً ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط . ولكنها أكثر غبطة ان لبثت هكذا بحسب رأيي واظن اني أنا أيضاً عندی روح الله” ( ع 39-40)
المقصود بقول بولس الرسول ” بمن تريد في الرب فقط” أي بالعفة بالترتيب الحسن ، لأنه بخلاف ذلك لا يعاين أحد الرب.
أقرأ أيضاً
تفسير 2 كورنثوس 6 | تفسير رسالة كورنثوس الأولى | تفسير العهد الجديد |
تفسير 2 كورنثوس 8 |
القديس يوحنا ذهبي الفم | |||
تفاسير رسالة كورنثوس الأولى | تفاسير العهد الجديد |