تفسير رسالة كورنثوس الثانية ٢ للقمص أنطونيوس فكري

شرح كورنثوس الثانية – الإصحاح الثاني

 

آية 1 :- ولكني جزمت بهذا في نفسي أن لا آتى إليكم أيضا في حزن.

هذه الآية تتمة (للآيات 15، 23) من الإصحاح الأول. فالرسول لا يريد أن يذهب لهم، وفى وسطهم خطية بشعة تحزنه (راجع تفسير إصحاح 1كو 5). والرسول أعطاهم فرصة ليصلحوا أحوالهم ويتوبوا فيفرحوا ويفرح بهم عند حضوره إليهم، ولا يحزنهم بنقده وحكمه عليهم وعقابه لهم بسبب هذا الزاني مع زوجة أبيه أو بسبب شقاقاتهم. والرسول إضطر لعقاب الزاني وتوبيخهم حتى لا تكون وسطهم خطية وعفونة تؤدى لهلاكهم.

 

آية 2 :- لانه إن كنت أحزنكم أنا فمن هو الذي يفرحني إلا الذي أحزنته.

هو يشتاق لفرحهم، ولكنه لأجل توبتهم أحزنهم إلى حين، فهو يفرح بالتائبين القديسين، ففرحه هو في فرحهم، فبولس لن يزول حزنه ويتعزى إلاّ إذا زال حزنهم أولاً. وبولس لن يفرح إلاّ بتوبة الزاني الذي سبب له بولس ألاماً أحزنته بأن أسلمه للشيطان (1كو 5 : 5). والخادم الحقيقي لا يعرف الفرح الحقيقي إلاّ في توبة أولاده وبحياتهم المقدسة.

 

آية 3 :- وكتبت لكم هذا عينه حتى إذا جئت لا يكون لي حزن من الذين كان يجب أن افرح بهم واثقا بجميعكم أن فرحي هو فرح جميعكم 

كتبت لكم = في (1كو 5) رسالة الرسول الأولى لهم كتب لهم ليصلحوا أحوالهم فيفرح بهم. فرحى هو فرح جميعكم = ما يفرحني هو توبة الجميع والمحبة التي تسود الجميع. وهذا سيسبب فرحكم جميعاً. وهو واثق أن لهم نفس مشاعره.

 

آية 4 :- لاني من حزن كثير وكابة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة لا لكي تحزنوا بل لكي تعرفوا المحبة التي عندي ولا سيما من نحوكم

الرسول هنا يظهر محبته ودموعه لأجلهم، فيبدو أن المقاومين صوروه لهم على أنه رجلٍ قاسٍ يسر بآلامهم. ومعنى كلام الرسول هنا أن المحبة الحقيقية ليست في موافقتكم على أخطائكم وبهذا تهلكون، بل هي في توبيخكم وإرشادكم للخطأ حتى تمتنعوا عنه، ولكنه كأب محب يئن مع أناتهم، يدعوهم للتوبة ويوبخ ويعاقب ولكن بدموع كثيرة. فالخادم الحقيقي يتكلم بالصدق حتى لو أحزن السامعين.

 

آية 5 :- ولكن إن كان أحد قد احزن فانه لم يحزني بل احزن جميعكم بعض الحزن لكي لا اثقل.

هنا يتكلم عن الزاني مع زوجة أبيه وأنه بتصرفاته هذه سبب حزناً للجميع (فإسرائيل كلها أصيبت بالفشل بسبب خطية عاخان). لكي لا أثقل = لن أطيل في الكلام عن هذه الخطية حتى لا أثقل عليكم وأسبب لكم ضيقاً.

 

آيات 6، 7 :- من الحزن المفرط مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الاكثرين. حتى تكونوا بالعكس تسامحونه بالحري وتعزونه لئلا يبتلع مثل هذا.

لقد عَلِمَ بولس أن الكنيسة = الأكثرين، أدبت المخطئ، والرسول وجد أن القصاص كافٍ وأن الخاطئ قدم توبة. وهذا القصاص يعكس تقصيرهم السابق. وهنا نجد الرسول يبث روح الرجاء في هذا الخاطئ حتى لا ييأس ويبتلعه الشيطان، وربما يترك الإيمان = يبتلع هذا من الحزن المفرط = فالرسول الذي عاقب من قبل، ها هو هنا يسامح ويطلب منهم أن يسامحوا هذا الشخص وينظروا إليه برحمة. هو خاف أن يقع في أسر إبليس من الحزن الزائد. وهنا نرى حكمة الخادم في معاملة الخطاة، متى يعنف ومتى يشجع، واللهلا يترك عصا الأشرار تستقر على نصيب الصديقين “. فلو طالت فترة العقوبة ربما ييأس الخاطئ ويزداد في خطيته. ولا بد أن تظهر الكنيسة محبتها مع عقوبتها. 

 

آية 8 :- لذلك اطلب أن تمكنوا له المحبة. 

لاحظ أن بولس حرم هذا الخاطئ من خلال عمل جماعي للكنيسة كلها (1كو 5 : 4) والآن يحله بعمل جماعي أيضاً.

 

 

 

آية 9 :- لاني لهذا كتبت لكي اعرف تزكيتكم هل انتم طائعون في كل شيء.

هنا يقدم الرسول شفاعة عن هذا الخاطئ فيقول لهم، كما أطعتموني في ما سبق وأدنتم وعاقبتم هذا الشخص، فأرجو أن تطيعوني الآن وتسامحونه. أنا الآن أختبركم هل تطيعون أم لا، فهم إذا لم يطيعوا وأصروا على عقاب وعزل وحرمان الخاطئ، فهذا يعبر عن روح حقد وليس عن محبة.

 

آية 10 :- والذي تسامحونه بشيء فانا أيضا لاني أنا ما سامحت به إن كنت قد سامحت بشيء فمن أجلكم بحضرة المسيح.

هو من أجلكم = ربما طلب منه بعض من أهل كورنثوس عن طريق تيطس أن يسامح الزاني، وهذا يعنى هنا أنه يجامل أهل كورنثوس ويسامح الزاني لأجلهم ولكن قوله بحضرة المسيح = أي تحت نظر المسيح فهو حاضر معنا دائماً، هذه الجملة تعطى معنى أعمق. فنحن كلنا في حضرة المسيح، وحتى نستمتع بمحبته وغفرانه علينا أن نغفر أي تكون لنا نفس سماته. فأنا أطلب منكم أن تسامحوه من أجلكم أي لتفرحوا في حضرة المسيح بغفرانه، إذا غفرتم.

 

آية 11 :- لئلا يطمع فينا الشيطان لأننا لا نجهل أفكاره.

الشيطان سيدفعه لأن يترك الإيمان كما دفعه للزنا من قبل، فهو سيقول له، إن الكنيسة تكرهك وتضطهدك فلماذا لا تذهب للوثنيين الذين يحبونك. فالرسول يفعل ما يفعله من عقاب ومن سماح لأجل النفع الروحي وهو يتصرف بحكمة إذ يعرف حيل وخداع إبليس ومكره.

 

آيات 12، 13 :- ولكن لما جئت إلى ترواس لاجل إنجيل المسيح وانفتح لي باب في الرب. لم تكن لي راحة في روحي لاني لم أجد تيطس أخي لكن ودعتهم فخرجت إلى مكدونية.

لم تكن لي راحة = مع أن الكرازة كانت ناجحة، إلا ّ أن الرسول كان في اضطراب، يريد أن يقابل تيطس ليعلم منه تأثير رسالته الأولى على أهل كورنثوس، وهل أتت بثمارها للتوبة، هؤلاء أولاده ويريد أن يطمئن عليهم وهذا القلق الشديد على المخدومين لا بد أن يكون في قلوب الخدام. ونجد أن الرسول خرج إلى مكدونية (في اليونان) بعد أن كان في ترواس (في تركيا) أي سافر بالبحر، ليبحث عن تيطس، ليسمع منه أخباراً تطمئنه عن أهل كورنثوس وهذا حدث فعلاً وأتى له تيطس بأخبار مفرحة (2كو 7 : 6، 7)

الآيات 14- 16 : – إستخدم الرسول هنا عادة رومانية معروفة. فكان القائد العسكري المنتصر العائد من المعركة، يعود إلي روما في موكب عظيم، وفيه يكلل القائد المنتصر وجنوده. وكان يدخل الموكب إلى المدينة ثم إلي الإستاد ووراء القائد جنوده المنتصرين ووراءهم طابور الأسري. وعند دخولهم للإستاد كانوا يحرقون البخور احتفالاً بالنصر، وهنا يكلل القائد وجنوده ويحتفلون بهم ويرمون الأسرى للوحوش الجائعة. وبهذا تصير رائحة البخور التي أطلقوها هي رائحة حياة ومجد للمنتصرين، ورائحة موت للمهزومين 

 

آية 14 :- ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان.

هنا يتصور بولس الرسول أن القائد المنتصر هو المسيح، وجنوده المنتصرين هم كل المؤمنين التائبين وهؤلاء لهم حياة، أمّا المهزومين فنصيبهم الموت. شكراً لله = فأنتم يا أهل كورنثوس يا من قدمتم توبة لقد انضممتم لموكب النصرة الذي يقوده المسيح. عجيب هو بولس الرسول، فبعد أن تكلم عن الخاطئ الزاني، وأنه سامحه، وتذكر توبة أهل كورنثوس، رأى أنه هو وكل من آمنوا وأهل كورنثوس والخطاة التائبين، الكل سائرين في موكب نصرة المسيح. وخلال رحلتنا في حياتنا نتعرض للانحراف أحياناً فإن قدمنا توبة ننضم لموكب النصرة، وإن رفضنا التوبة نهلك. يظهر بنا رائحة معرفته = خدام المسيح الأمناء كبولس هم رائحة المسيح الزكية بسبب المسيح الذي فيهم، وهذه الرائحة الخارجة منهم تجذب الآخرين = رائحة معرفته = فيعرف الناس المسيح ويؤمنون به. المسيح يقود خدامه للكرازة وبهم يُعرف أسم المسيح. والمسيح هو الذي يقود التائبين لموكب النصرة 

 

 

 

آية 15 :- لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون.

لأننا = الذين نكرز بالإنجيل. رائحة المسيح الزكية = بسبب المسيح الذي يحيا فيه (غل 2 : 20). المسيح نفسه غير منظور ولكن رائحته هي التي تظهر من بولس. والمعنى أن كلمة الله تقدم للبشر جميعاً وهناك من يقبل فيخلص، وهناك من يرفض فيهلك. قبول الكلمة يتوقف على الناس، فكلمة الله لا تلزم بل هي تحث وتدفع وتثير.

 

آية 16 :- لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة ومن هو كفوء لهذه الأمور.

 خدام المسيح كبولس هم رائحة المسيح الزكية يشتمها البعض فيتوب فتكون لهم رائحة حياة لحياة (واضح المقارنة مع العادة الرومانية، فحين يطلق البخور أمام القائد المنتصر تكون رائحة البخور هي رائحة حياة لحياة الجنود الذين انتصروا). ويشتمها البعض ويرفضها فتكون لهم رائحة موت لموت (مثل هؤلاء الأسرى حين يشتمون رائحة البخور يعرفون أنها ساعة موتهم إذ يلقونهم حالاً للوحوش). انتصار أهل كورنثوس رآه بولس انتصاراً للمسيحية كلها وموكب نصرة متصل، قائده المنتصر هو المسيح. نفس البخور يكون رائحة حياة للبعض ورائحة موت للبعض الآخر. فالشمس تعطى الصحة ولا تضر ذوى العيون الطبيعية لكنها تكون سبب ضرر لذوى العيون الضعيفة. الشمس تخرج بنورها نباتات لها رائحة جميلة وتخرج من كوم القاذورات رائحة كريهة وبولس هنا يشكر الله الذي جعله واسطة لنشر رائحة المسيح الزكية بكرازته. وهذا ما قيل عن المسيح نفسه أنه وضع لسقوط وقيام كثيرين (لو 2 : 34). بينما هو أتى لخلاص الناس جميعاً. هكذا كلمة الكرازة من يقبلها ويعمل بها يتحرر من الخطية بسلطانها فتكون له حياة، ومن لا يقبل كلمة الله ستكون كلمة الله دينونة له (يو 12 : 48) أي رائحة موت. ومن هو كفؤ لهذه الأمور = ولكن من الذي يستطيع أن يبلغنا هذه الأمور، ويحقق فينا رسالة الحياة. من الذي جعلنا رائحة زكية للمسيح فنكون رائحة حياة. لا تظنوا أنني أريد أن أتفاخر بنفسي وأقول أنني قد أعطيتكم حياة. أنا لست شيئاً، أنا لست كفؤاً لهذه الأمور لكن الله هو الذي عمل بي. لا أحد يعطى حياة سوى الله.

 

آية 17 :- لأننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من إخلاص بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح

فليفتخر البعض = كالكثيرين بأنهم قادرين وأكفاء، لكننا لسنا مثلهم. هم غاشين كلمة الله = هم يغشون ويضللون ويفتخرون أنهم كفؤ للخدمة، وأنا لا أفعل مثلهم، فهم لهم أغراض شخصية كزيادة أموالهم. أما أنا فلا أكرز إلاّ بدافع الإخلاص والغيرة. بل كما من الله = أي الله يحركني ويعطيني ما أقول. نتكلم أمام الله = أهداف كلمات بولس ليست أنانية وشخصية، بل هو في صدق يتكلم أمام الله. والله يراقب ما يقول. في المسيح = فالكلمات التي يقولها يعطيها المسيح الذي في بولس (غل 2 : 20). هو يتكلم متحداً وغير منفصل عن المسيح، بل المسيح يتكلم فيه. كما من إخلاص = لا يبحث إلاّ عن مجد الله وخلاص نفوسهم لا يريد أي شئ لنفسه.

فاصل

فاصل

تفسير 2 كورنثوس 1 تفسير رسالة كورنثوس الثانية تفسير العهد الجديد
تفسير 2 كورنثوس 3
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة كورنثوس الثانية تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى