تفسير رسالة كولوسي – المقدمة للقمص أنطونيوس فكري

المقدمة

كولوسى مدينة صغيرة فى مقاطعة فريجية بآسيا الصغرى (تركيا)، على نهر ليكوس، وعلى بعد 12 ميلاً من لاودكية (وادى ليكوس يضم كولوسى وأفسس وهيرابوليس ولاودكية). وكانت كولوسى على الطريق التجارى الممتد من الشرق (وادى الفرات) إلى الغرب (أفسس) وكولوسى تقع على بعد 160كم شرق أفسس، وعلى بعد نحو24 كم جنوب شرق لاودكية.

 

نشأت الكنيسة هناك غالباً على يدى أبفراس تلميذ بولس الرسول (كو1 : 8،7) وأبفراس آمن غالباً على يدى بولس الرسول (أع 19 : 10). ولقد بشر بولس فى أفسس، وبالطبع عرف المسيح على يدى بولس بعض سكان كولوسى القريبة من أفسس، ورأوا معجزاته  (أع 19: 10، 11، 26). كما خدم بكولوسى كثير من أصدقاء الرسول وأولاده الروحيين الذين آمنوا بواسطته مثل أرخبس. وربما زار بولس كولوسى فى أثناء رحلته التبشيرية الثالثة (أع18: 23 + كو4:1 + كو1:2).

 

أبفراس : هو أختصار إسم أبفرودتس. وهو الذى بشر فى كولوسى ولاودكية وهيرابوليس، وأُسرَ بعد ذلك مع بولس (فل23).

 

تاريخ كتابتها : كتبها بولس الرسول أثناء سجنه الأول فى روما (كو3:4، 10، 18) وكتب معها فى نفس الفترة رسائل أفسس وفيلبى وفليمون. ومدة الأسر الأول فى روما كانت من سنة 62م إلى سنة 63م.

 

غاية الكتابة : جاء أبفراس لبولس يستشيره فى أمور إيمانية، فلقد ظهر بعض المبتدعين من:

 1) المتهودين                                          2) الغنوسيون

فالمتهودون دعوا المؤمنين للعودة إلى التهود ولأعمال الختان وحفظ يوم السبت وأعمال الناموس والإمتناع عن بعض الأطعمة. هؤلاء أرادوا أن تكون المسيحية طائفة من طوائف اليهودية. وهؤلاء كان رد الرسول عليهم بأن الخلاص لا يتم سوى بدم المسيح، وأن المسيح هو واهب كل شىء لكنيسته، وهو مصدر الكمال، إذاً إدعى المتهودون أن الناموس شرط للخلاص.

الغنوسية : هى فلسفة عقلية أنتشرت فى القرن الأول ولكنها أخذت إسمها (غنوسية) فى القرن الثانى، وكلمة غنوسية مشتقة من كلمة يونانية هى نوسيس، ومنها KNOWالإنجليزية ومعناها علم أو معرفة. وهى تعتمد على أفكار الإتكال على الفكر البشرى دون الإيمان، وتطلب عبادة الملائكة. لذا جاء الحديث عن المسيح كرأس الكنيسة وواهب كل شىء لكنيسته وهو مصدر كمال الكنيسة 

 

والغنوسية هى خليط من الفلسفة اليونانية والتصوف الشرقى (وهذا إبتدعته جماعة يهودية إسمها الأسينية، فهم دعوا للتقشف والزهد وعدم الزواج وإحتقار المال، وهؤلاء شككوا فى القيامة).

والغنوسيون قالوا إن المادة شر والروح  خير، لذلك أثاروا سؤالاً.. كيف يخلق الله الكامل، الشر.. ؟ أو كيف يتصل بالمادة والشر الموجود فى العالم ؟ وإذا لم يكن الله هوالخالق للشر، فهناك إله للخير وإله للشر. ولكن طالما أن هناك إلهاً واحداً، فلقد إبتدع الغنوسيون فكرة عجيبة هى أن الله يُظِهر نفسه بأن ينبثق منه نبته إلهية أسموهاأيون“. وهذه النبتة الإلهية تنشىء نبته أخرى من ذاتهاأى أيون أخرولكن فى درجة أقل وهكذا كلما إبتعدت الأيونات عن الله يضعف الجوهر الإلهى فيها وينحطون فى المرتبة بالتدريج، حتى تمكن الملاصقة أخيراً مع المادة وتتولد الخليقة. لذلك هم يقولون أن هناك أنساباً، عبارة عن سلم يبدأ بالكائن الأعظم وينزل خلال وسائط كثيرة (أى الأيونات) وهذه تنتهى بالسيد المسيح. وكأن المسيح هو الوسيط الأول للإنسان، وبهذا فهم ينكرون ألوهية السيد المسيح.

والغنوسيون يعتبرون أنه بالمعرفة العقلية، أى بالإعتماد على العقل البشرى فقط يستطيع الإنسان أن يتعرف على الله خلال تفكيره العقلانى المجرد. وبمعنى آخر يتجاهلون أو يقللون من شأن الإعلان الإلهى خلال كلمة الله ونعمة الله. والمسيح كوسيط أول للإنسان يدخل به خلال المعرفة إلى الأيون الأعظم من المسيح، وهذا الأيون الثانى يقدم له معرفة جديدة ليدخل به إلى من هو أعظم، وهكذا حتى نصل للكائن الأعظم (الله). ففى نظرهم أن الإنسان يصل إلى الله عن طريق العقل والمعرفة وليس عن طريق السيد المسيح، وبهذا فإن الخلاص يكون بالمعرفة وليس بالمسيح. فرد عليهم الرسول بأن الخلاص يكون بدم المسيح (كو1 :20،14) وأظهر فى (كو9:2) أن المسيح هو الله نفسه، إذ قالإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً“. ونتيجة تجسد المسيح إذ أخذ جسداً بشرياً صرنامملوؤون فيه” (كو10:2). وإذا كنا نحن مملوءين فيه صار المسيح لنا مصدر كل معرفة، لذلك فالرسول يطلب لهم إزديادهم فى المعرفة عن طريق المسيح رأس الكنيسة (كو9:1) ويضيف الرسول أن هناك وسيطاً واحداً هو المسيح بين الله والناس (1تى5:2). وفى إشارة لأن المعرفة والفهم مصدرهما الروح القدس يقول فى (كو9:1) “أن تمتلئوا من معرفة مشيئته فى كل حكمة وفهم روحى” (أى أن الروح القدس هو مصدر هذه الحكمة والفهم الروحى). ومن (9:1 + 9:2،10) نفهم أن الروح القدس يملأنا من الحكمة والفهم الروحى نتيجة أننا متحدون بالمسيح، فالروح ينسكب أصلاً على المسيح، وبالتالى على من يتحد بالمسيح.

ولأنهم يعتقدون أن المسيح هو وسيط بين وسطاء كثيرين بين الله والناس دعوا إلى عبادة الملائكة كوسطاء ومُخلَّصين، وقالوا أنه من الإتضاع أن لا نعبد الله مباشرة، بل نعبد الملائكة (18:2). والرسول يرد فى هذه الآية (18:2) ويقول فى (كو10:1) أن المسيح هو رأس كل رياسة وسلطان. أما الملائكة الساقطون فهؤلاء هم الرؤساء والسلاطين الذين جردَّهم المسيح من قوتهم بصليبه (15:2).

وإعتقد الغنوسيون فى علم التنجيم وأن الكواكب تسيطر على مصير البشر المحتوم، فهاجم هذا الفكر وأسماه أركان العالم (8:2).

عموماً فالرسول ينبه أهل كولوسى لأن ما سمعوه من أبفراس هو كلمة حق الإنجيل 5:1 وأن كل ما يسمعوه من المتهودين أو الغنوسيين ليس بحق (4:2).

ولأن المعرفة فى نظر الغنوسيين هى الوسيلة الوحيدة للتعرف على الله، فلقد وضعوا نظريات حتى تزداد المعرفة، وهذه النظريات تتلخص فى التحرر من المادة بكونها شراً، وذلك بالممارسات النسكية. وإعتبار بعض الأطعمة نجاسة، بل إعتبار العلاقات الزوجية نجاسة. والعجيب أنهم بينما منعوا الزواج، أباحوا الخلاعة الجسدية (الزنا) لأن الجسد فى نظرهم شر، فالخلاعة الجسدية لن تؤثر على الإنسان فهى تحصيل حاصل لهذا الجسد الشرير. أى أن الزنا لن يزيده شراً على ما هو عليه من شر أصلاً! فسلك بعضهم فى الدنس والنجاسة بغير ضابط، ورد الرسول بأنه يجب خلع الإنسان العتيق (9:3) والموت عن الشهوات (5:3) ولبس الإنسان الجديد (10:3). وأضاف بولس الرسول فى (عب 4:13) “ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد والمضجع غير نجس. وأما العاهرون والزناة فسيدينهم الله“. ولاحظ إلى ماذا قادهم عقلهم وغرورهم وكبريائهم ومعرفتهم، إذهم إنفصلوا عن المسيح المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم (3:2).

ولأنهم اعتبروا أن الجسد نجاسة قالوا إن جسد المسيح خيالى، وأنه عندما كان يمشى على الأرض كان لا يترك أثراً لقدميه، وأنه قام بالروح وليس بالجسد، فلا يقوم فى الملكوت عنصر ظلمة وأنه عبر فى بطن العذراء كما فى قناة ولم يأخذ منها شيئاً. وبنفس المنطق يقولون أن من يبلغ الكمال هو من يعادى الجسد. لذلك يركز بولس الرسول على ان المسيح كان إنساناً، ويؤكد حقيقة ناسوته فى (كو 22،20:1) “دم صليبه،جسم بشريته،بالموت“. فإن كان جسده مجرد خيال فكيف يموت ويسفك دمه.

وهم أنكروا أن المسيح هو الله والمخلص، لذلك يؤكد الرسول على ألوهية المسيح وموته الكفارى على الصليب من أجل خطايانا. فالمسيح هو الله المتجسد، وهو الطريق الوحيد للغفران والسلام مع الله، فهو كل شىء لنا، وهو كل ما نحن فى حاجة إليه. لذلك يلزمنا أن نوثق صلتنا بالمسيح ونُتوَّجه رباً على حياتنا. وهو ليس مجرد وسيط بين وسطاء كثيرين (أيونات وملائكة) بل هو كل شىء:-

المسيح عمله كامل وخلاصه كامل فهو صورة الآب غير المنظور (15:1). وبه وله تحققت الخلقة (16:1). وخلاصه كامل (28:1). وهو كل شىء لنا (10:2). وهو حياتنا نموت معهُ (20:2) ونقوم معهُ (1:3). وهو كنز الحكمة والعلم (3:2).

ينقلنا من سلطان الظلمة للنور (13:1). وهو إبن محبة الآب (13:1). إذاً بإتحادنا به ننعم بالتبنى ونحسب محبوبين. ولاحظ أن ملكوت الإبن هو النور.

هو الفادى (14:1). القادر وحده على غفران الخطايا.

هو الخالق وهو غاية الخليقة وحافظ الخليقة (1: 16، 17).

حيث أنه صورة الآب غير المنظور، فهو يخبرنا عن الآب فنعرف الآب. “من رآنى فقد رأى الآب” (يو 9:14) وهو يرد لنا الصورة التى أفسدها آدم الأول.

فيه يحل كل ملء اللاهوت (19:1 + 9:2) ويهبنا حياة الملء (10:2).

هو المُصالح، صالحنا مع الآب بدم صليبه ووحَّد السماء مع الأرض (20:1).

غالب إبليس وكل قواته بالصليب (2: 15،14) فيهبنا روح الغلبة.

هو جالس عن يمين الله فسيرفعنا إلى سمواته (1:3)، فحيث يكون هو نكون نحن أيضاً (يو 3:14) وهو الممجَّد (4:3) فسنظهر معه فى المجد.

 

أراد الرسول بهذا أن يُظهر أن المسيح هو رأس الكنيسة وشفيعها الوحيد الكفارى، وأن أى تعليم ينقص من شفاعة المسيح الكفارية، وكونه رب الخليقة ورأس الكنيسة يعتبر ضد الإيمان ومحاولة لفصل الجسد عن رأسه الذى فى السماء ومصدر كل بركاته. وأراد الرسول أن يظهر أن الغنوسية والتهود هما مبادىء فاسدة تفصل بين المسيح وكنيسته. فبالمسيح نصل لله دون أيونات أو أى خليقة أخرى أو ممارسات ناموسية أو غنوسية أو تواضع أو عبادة ملائكة.

وهم قالوا أن إله العهد القديم إله قاسٍ فأرسل الله إله العهد الجديد يسوع المسيح ليخلص العالم من هذا الإله فدخلوا فى ثنائيه بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد. وهذا مادفع بولس لتأكيد وحدة العمل بين الآب والإبن (12:2) + (1:3) + (3:3) + (1:1) + (1: 2، 13، 15). وفى (كو 3:1) نرى محبة الآب للإبن.

والغنوسيون قسموا المؤمنين إلى طبقات :-

جماعة العارفين أو الكاملين  GNOSTICS وهم أصحاب الحكمة والمعرفة وقالوا أن هؤلاء لهم الخلاص.

البسطاء وهؤلاء يكتفون بالتسليم الأعمى.

لذلك يكرر الرسول كلمةكل أو جميعليعلن أن الخلاص للجميع، لكل من يؤمن بالمسيح وليس بالمعرفة، أو ليس للكاملين فقط كما يقول الغنوسيون ولا لليهود فقط كما يقول اليهود، فالمسيح مخلص الجميع (كو 28:1).

ونلاحظ أن الرسول لم يرفض المعرفة بل أوضح أنها هبة إلهية (1 : 6، 9، 26، 27) + (2:2). ولاحظ أنه فى (كو6:1) الإنجيل هو لكل العالم.

 

بين رسالتى أفسس وكولوسى:-

هنا فى رسالة كولوسى يكشف عن أن المسيح هو واهب كل شىء لكنيسته، وهو مصدر الكمال، وأن المسيح كرأس للكنيسة هو مصدر كل إحتياجاتها من معرفة وخلاص، بل كل شىء، فلا داعى للإتكال على المعرفة والفكر البشرى، إنما من يؤمن بالمسيح، يعطيه المسيح كل بركة هو فى إحتياج إليها. ففى هذه الرسالة يتكلم عن مكانة المسيح وأمجاد المسيح الرأس للكنيسة. وفى رسالة أفسس يتكلم عن إمتيازات الكنيسة كجسد للمسيح. فى رسالة أفسس يظهر المسيح رأس الجسد فيكلمنا عن الكنيسة جسد المسيح. وفى كولوسى يظهر المسيح رأس كل شىء. لذلك نفهم أن الرسالتين متكاملتان، ولذلك طلب الرسول أن يتبادل شعبا كولوسى وأفسس قراءة الرسالتين.

ورسالتا أفسس وكولوسى متشابهتان، لكتابتهما فى وقت واحد وحوالى نصف أفكار رسالة أفسس تضمنتها رسالة كولوسى. فرسالة أفسس بها 155 آية منها حوالى 78 آية وردت بالمعنى فى كولوسى. وقد حمل تيخيكس كلتا الرسالتين إلى البلدين أف 21:6 + كو7:4. وكلا الرسالتين تحدثتا عن لاهوت المسيح وأمجاده وتكررت فيهما إصطلاحات مثل الملء والسر والرأس والجسد.

أمثلة على الآيات المتاشبهة:-

الذى فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا.            (أف7:1)، (كو14:1).

المسيح يخضع له الرياسات والسلاطين.            (أف 21:1)، (كو16:1 + 10:2،15).

الكنيسة جسد المسيح وهو رأس الكنيسة.            (أف 22:1، 23)، (كو18:1، 24).

الإنسان العتيق والإنسان الجديد.           (أف 22:4، 24)، (كو9:3،10).

الأمم بدون المسيح أجنبيون.                         (أف 12:2)، (كو 21:1).

بولس موثق وأسير لأجلهم.                          (أف 1:3)، (كو 1: 24 + 3:4).

ضرورة الإمتناع عن الكذب.                        (أف 25:4)، (كو 9:3).

فاصل

رسالة كولوسي : 1234

تفسير رسالة كولوسي : مقدمة1234

فاصل

فهرس تفسير رسالة كولوسي تفسير العهد الجديد
تفسير كولوسي 1
 القمص أنطونيوس فكري
تفاسير رسالة كولوسي تفاسير العهد الجديد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى