تفسير رسالة غلاطية أصحاح ٢ للقمص أنطونيوس فكري
شرح غلاطية – الإصحاح الثانى
الآيات 1 – 10
غل1:2: ”ثم بعد أربع عشرة سنة صعدت أيضا إلى أورشليم مع برنابا آخذًا معي تيطس أيضًا”.
ثم بعد أربع عشرة سنة: غالبًا من تاريخ رؤياه وإيمانه بالمسيحية.
صعدت أيضاً إلى أورشليم: هذه الزيارة تقابل ما ورد فى أع 15 (مجمع أورشليم).
مجمع أورشليم:
كان بسبب الشرط الذى وضعه المتهودون بضرورة الالتزام بالناموس بالنسبة للأمم الداخلة للمسيحية كشرط للخلاص. ولقد صعد بولس وبرنابا لمشاورة الرسل فى الأمر وليكن هناك رأى واحد لكل الكنيسة. ونسمع قول بطرس فى المجمع عن الأمم “ وطهر بالإيمان قلوبهم“ (أع9:15).وبهذا نفهم أن الإيمان صار شرط الخلاص دون أعمال الناموس. والخلاص هو أن نصير خليقة جديدة (غل15:6) على شكل المسيح (غل19:4). والروح القدس هو الذى يعطى هذا التغيير فنصير خليقة جديدة. وهنا نقول:
1ـ قالت بعض الطوائف إن الله فى محبته سيخلص الجميع دون شرط الإيمان وهذا إلغاء لعمل المسيح، فلن نتطهر ونصبح خليقة جديدة دون إيمان. ويكفى أن نقول إن هناك عشرات الآيات التى تثبت أنه لا خلاص إلا بالإيمان ونذكر فقط آخر آية فى هذا الإصحاح “ لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب“ (غل21:2). وأهمية الإيمان هى أن الخلاص سيكون بأن يكون لى طبيعة جديدة، تموت فىَّ الطبيعة العتيقة وتقوم طبيعة جديدة، على شكل المسيح. فكيف يعمل فىَالروح القدس كل هذا دون أن أصدق وأؤمن بعمل المسيح الفدائى، ودون أن أريد هذا، أن أموت مع المسيح وأقوم.
إن لم أؤمن بموت المسيح عنى فكيف أشتاق أن أموت معه، وإن لم أؤمن بقيامته فكيف أقوم معه. وإن لم أموت معه وأقوم معه فكيف تأتى لى الطبيعة الجديدة وإن لم تكن لى طبيعة جديدة فلا خلاص.
2ـ وهناك طوائف أخرى تركز على أن الخلاص هو الغفران بالدم. وكأن الخلاص اختُصر أمره على غفران الخطية بالدم. هذا خطأ، فالخلاص هو بأن المسيح يحيا فىَّ (غل20:2) وهذا لن يأتى إلا بأن أصلب نفسى، شهواتى وأهوائى (غل24:5) فحتى أقول إن المسيح يحيا فىَّ يجب أن أقول أيضًا “ مع المسيح صلبت” وهذا هو الجهاد. فلا خلاص بدون جهاد.
الطبيعة الجديدة إذًا تأتى بعمل الروح القدس فىَ الذى سيظل يعمل فىَ العمر كله حتى تموت الطبيعة القديمة وتقوم الجديدة، على أن أجاهد أنا بأن أقف أمام الخطية كميت (كو5:3)والروح القدس يعين (رو13:8).
برنابا: هو زميل بولس فى كل زياراته لأورشليم. نال هو وبولس يمين الشركة لخدمة الأمم (أع2:13). وبرنابا كان من مواطنى قبرص (أع36:4) وكان زميلاً للرسل فى الأيام الأولى للكنيسة. وهو خال مرقس الرسول، أى أخو مريم صاحبة العلّية التى ظل الرسل يجتمعون فيها،وفيها صنع الرب العشاء الأخير. وبرنابا هذا صار أسقفًا لقبرص.
تيطس: يونانى أممى (غل3:2)، صار أسقفًا على كريت، وكتب له بولس رسالة. وكون تيطس غير المختون مع بولس فى مجمع أورشليم، وقبول التلاميذ له، فذلك علامة على قبول التلاميذ للأمم دونختان. هنا الكنيسة جمعت بين برنابا اليهودى وتيطس الأممى، وجمعهم الروح القدس الذى طهر بالإيمان قلوبهم.
غل2:2: ” وإنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم ولكن بالانفراد على المعتبرين لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلاُ”.
إعلان: هى دعوة إلهية خاصة لبولس أن يصعد إلى أورشليم، إلى الرسل الاثنى عشر عارضًا عليهم تعاليمه بعدم أهمية الختان والعوائد اليهودية وبولس يركز أنه صعد بإعلان وليس من تلقاء نفسه، فلو كان قد صعد من تلقاء نفسه لكان هذا يعنى أنه فى شك مما يعلم به طوال 14 سنة. ولكن أعلن له الروح أن يصعد حتى يتضح أمام الجميع أن بولس مع الاثنى عشر لهم روح واحدة وتعليم واحد وفكر واحد، بل أن صعود بولس للاثنى عشر شجع أهل غلاطية على أن يتخلوا عن العوائد اليهودية، خصوصًا حينما سمعوا عن نجاح مهمة بولس فى مجمع أورشليم. فأهل غلاطية حينما سمعوا أن هناك اتفاقًا بين بولس والاثنى عشر زال عنهم كل شك.
باطلاً: بولس واثق مما يبشر به. ولكن فى محبة هو يهتم بوحدة الرأى مع باقى الرسل حتى لا يعتبروه قد سعى باطلاً، أو يترك أهل غلاطية الإيمان إذ تشككوا فى صحة تعاليم بولس، فيكون سعى بولس باطلاً، إذا ترك تلاميذه الإيمان. فلقد انتشرت الإشاعة أن بولس ليس رسولاً قانونياً مثل الاثنى عشر. لكن بسبب المجمع ظهرت وحدانية الرأى، ولم يضع تلاميذ بولس. المعتبرين:وليس لبقية المؤمنين، لأن بقية المؤمنين هم متعصبين للتهود. ومازال إيمان هؤلاء من مسيحيى الختان ضعيفًا. ولذلك تشاور بولس مع المعتبرين فى السر.
غل3:2: ” لكن لم يضطر ولا تيطس الذي كان معي و هو يوناني أن يختتن”.
إذا كان مجمع أورشليم قد قبل أمميًا ولم يختنوه، فإن هذا أعظم تأييد لبولس. وهنا يظهر ثبات مبدأ بولس الرسول على عدم أهمية الختان للخلاص. ويبدو أن هناك تعارضًا بين موقف بولس الرسول هنا وموقفه من تيموثاوس الذى ختنه (أع1:16ـ3). ولكن هناك فروق فى الموقفين:
1ـ تيموثاوس أباه يونانى لكن أمه يهودية (2تى5:1). واليهود يعتبرون أن من أمه يهودية هو يهودى. وهذا أثار مسيحيى الختان أن أباه اليونانى رفض أن يتبع ناموس أمه اليهودية ويختن الصبى فى صغره.
2ـ تيموثاوس سيخدم وسط هؤلاء اليهود ويبشرهم، فلكى لا يعثر بولس الرسول الإخوة الضعفاء ختنه ليصير لليهود كيهودى، وهو ختنه ليرضيهم ويجتذبهم لكن لم يُعَلِم أن الختان ضرورة للخلاص.
3ـ تيطس يونانى أبًا وأمًا ومجال خدمته وسط الأمم فلماذا الختان، هنا لو قبل بولس أن يختنه لكان بذلك يرضى الإخوة الكذبة الذين يقولون إن الختان شرط للخلاص .
غل4:2: ” ولكن بسبب الاخوة الكذبة المدخلين خفية الذين دخلوا اختلاسًا ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا”.
أى أن بولس صعد للتلاميذ الاثنى عشر بسبب الإخوة الكذبة الذين قالوا باختلاف تعاليم بولس عن تعاليم الاثنى عشر. فحين يظهر اتفاق بولس مع الأعمدة يخزى الإخوة الكذبة. وهذا ما حدث إذ أعطوه يمين الشركة (غل9:2+ أع 5:15، 7، 10). ولقد سمح التلاميذ الاثنى عشر بالختان. ولكن الإخوة الكذبة قالوا إن التلاميذ أوصوا بالختان كشرط للخلاص وهذا كذب. والرسل سمحوا بهذا وسط العالم اليهودى حيث كان الناموس متغلغلاً. ولكن الإخوة الكذبة أرادوا نشر هذا وسط العالم الأممى ولقد تأثر الغلاطيون فعلاً بتعاليمهم. وهناك فارق بين أن أوصى بشئ وأن أسمح به أو أقبل بشئ أو أغض الطرف عنه بسبب الضعف.
مدخلين خفية: أدخلهم اليهود أو المتهودين سراً دون دعوة ودون علانية.
ليتجسسوا: يتجسسوا تعاليم بولس التى ألغى فيها الختان، ثم يثيروا الدنيا ضده كهادم للناموس ومخالف لشريعة موسى.
كى يستعبدونا: أى لنعود إلى العوائد اليهودية وهذا فيه استعباد وطاعة للإخوة الكذبة عوضاً عن طاعة الإنجيل. حريتنا = هى حرية من عوائد الناموس كالختان والتطهيرات. وفى إصحاح (5) خاف الرسول أن يفهموا الحرية أنها تحرر من الأخلاقيات ووصايا الناموس الأخلاقية فنبه لهذا.
غل5:2: ” الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة ليبقى عندكم حق الانجيل”.
بالخضوع: إذًا هم لا يسعون للحوار بل لإخضاع بولس الرسول لأرائهم.
حق الإنجيل: الإيمان الصحيح المسلم مرة للقديسين (يه3) وهنا يقصد به بولس الرسول، أن الخلاص هو بفداء المسيح دون أعمال الناموس، وذلك للجميع، لكل من يؤمن، اليهود أو اليونانيين.
غل6:2: ” وأما المعتبرون أنهم شيء مهما كانوا لا فرق عندي. الله لا يأخذ بوجه إنسان فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا علي بشيء”.
هذا ليس كبرياء من بولس بل تأكيد على أن دعوته إلهية وتأكيد على رسوليته وأنه لا يشك فيما يعلِّم به، وأن الرسل لم يزيدوا على ما يؤمن به وما يكرز به شيئًا، بالإضافة إلى أن بولس مهتم بأن يظهر أنه لا يقل عن باقى الرسل (فالمسيح أرسله شخصيًا) وذلك ليرد على الإخوة الكذبة.
مهما كانوا: مهما كان عظم شأن التلاميذ لم يكونوا ليغيّروا شيئًا من عقيدتى. لأننى تسلمت عقيدتى هذه من المسيح. حقًا هم أعمدة ولهم علاقة خاصة بالمسيح، لكن إن علّموا بضرورة الختان للخلاص فسيعطون حسابًا أمام المسيح عن هذا الخطأ: فالله لا يأخذ بوجه إنسان: أى بمركزه.
غل7:2: ” بل بالعكس إذ رأوا إني اؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان”.
بل بالعكس: تشير للإيجابية المطلقة فى قبول التلاميذ لبولس.
اؤتمنت على إنجيل الغرلة: إنجيل الغرلة يعنى أن الخلاص لكل من يؤمن من الأمم حتى وهم فى غرلتهم أى بلا ختان.
انجيل الختان: هو البشارة بالخلاص لليهود الذين اختتنوا وهم صغار. والآية تشير لان الله هو الذى استأمن بولس على البشارة للأمم.
غل8:2: ” فإن الذي عمل في بطرس لرسالة الختان عمل فيَّ أيضا للأمم”.
الله هو الذى يعمل فى كل خدامه ليدعو الكل للخلاص فهذه هى إرادته، أن الجميع يخلصون (1تى4:2)، فالمسيح أتى ليخلص الجميع يهودًا وأممًا.
غل9:2: ” إذ عَلِمَ بالنعمة المعطاة لي يعقوب وصفا ويوحنا المعتبرون أنهم أعمدة أعطوني وبرنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم وأما هم فللختان”.
يتضح هنا التوافق الصريح بينهم، وأنهم قسموا العمل فيما بينهم. ووضع اسم يعقوب أولاًفلأنه أخو الرب.
غل10:2: ” غير أن نذكر الفقراء. و هذا عينه كنت اعتنيت أن أفعله”.
حتى فى موضوع الجمع للفقراء، كان بولس قد بدأه حتى بدون أن يشير بهذا الاثنى عشر،أى أن توجيه الله له هو نفسه ما وجه به الله الاثنى عشر. ونلاحظ أنهم قسموا الكرازة فيما بينهم، ولكن المحبة والتعاون لا ينقسم، فعلى الأمم أن يساعدوا الختان والعكس صحيح. وهذهالآية تشير لوحدة الكنيسة. ولقد حدثت مجاعة من قبل فى أورشليم وجمع بولس الرسول تبرعات كنائس الأمم وأعطاها لفقراء أورشليم، وهذا قد فتح قلب مسيحيى الختان على الأمم.
الآيات 11 – 21
غل11:2: ” ولكن لما أتى بطرس إلى إنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملومًا”.
ربما كان ذهاب بطرس الرسول إلى إنطاكية بعد أن أخرجه الملاك من السجن، إذ يقول الكتاب “ وذهب إلى موضع آخر“ (أع17:12)، وهناك رأى آخر هو مصر ثم عاد منها إلى إنطاكية.
غل12:2: ” لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم ولكن لما أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه خائفًا من الذين هم من الختان”.
وقد يقصد بالأكل، التناول من جسد الرب ودمه أو الطعام العادى. وكان بطرس لما ذهب الى إنطاكية قد عمّد الأمم وتناول معهم (سواء من سر الإفخارستيا أو الطعام العادى). وسمع بهذا مسيحيى الختان فذهبوا ليعقوب مستائين، لأن اليهود كانوا لا يأكلون مع الأمم لأنهم يعتبرون هذا نجاسة، ويعقوب أرسل بعثة لتحرى الأمر إرضاءً لهولاء. وأمام هؤلاء من أفراد بعثة يعقوب افرز بطرس نفسه وأكل مع الختان فقط. ربما لأجل خوفه منهم أو لئلا يتعثروا وتتعطل الكرازة. ويقول فم الذهب إنه فعل هذا عامدًا ليعطى بولس فرصة أن يعلن رأيه بوضوح ويكون هذا درسا للجميع، وكأنه يأخذ الدرس معهم. وحين يُلام بطرس أمام الجميع يسكت الجميع، ولا يحدث شر فى الكنيسة إذ يشعر الأمم باحتقار الختان لهم فها هو بولس الذى من الختان ينتصرلهم ويدافع عنهم. وكان هذا بحكمة من بطرس حتى لا يتعثر الختان حين يرون بطرس يترك الناموس فجأة. وراجع صفحة 5 فى المقدمة عن الخلاف بين بطرس وبولس.
غل13:2: ” وراءى معه باقي اليهود أيضًا حتى أن برنابا أيضًا انقاد إلى ريائهم”.
راءى: سلك سلوكًا يرضى به الآخرين عن غير إقتناع منه. وبولس حزن بسبب هذا التصرف لأنه سيعثر الأمم وبالذات الذين آمنوا على يدى برنابا، وقوله راءى فهذا لأن برنابا مقتنع بقبول الأمم وهو الذى بشرهم.
غل14:2: ” لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل قلت لبطرس قدام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميًا لا يهوديًا فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا”.
حق الانجيل: المقصود به التعليم الصحيح والإيمان الصحيح الذى تسلمته الكنيسة من المسيح ورسله. وهنا هو خلاص الأمم بالإيمان دون أعمال الناموس. ولنعلم أن من يحيد عن إيمان الكنيسة وعقيدتها فهو يحيد عن الحق.
قدام الجميع: لأن خطأ بطرس وبرنابا كان سبب عثرة للأمم وسيضر الكنيسة كلها.
وأنت يهودى تعيش أمميًا: كان بطرس بعد رؤياه بخصوص كرنيليوس، قد قبل الأمم فى الإيمان، وأهمل الفروض الناموسية كالختان وخلافه (فصار كالأمم فى تركه الناموس) وهذا بالرغم من أنهوُلد يهوديًا وعاش فترة طويلة تحت الناموس (أع15:10، 28).
فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا: الأمم بطبيعتهم أحرار من الناموس (ناموس موسى) فلماذا العودة للوراء وإٍلزامهم أن يتهودوا أولاً ويُلزموا بالناموس. فبطرس بهذا يناقض الصوت الذى سمعهبخصوص قبول الأمم.
غل15:2: ” نحن بالطبيعة يهود ولسنا من الأمم خطاة”.
كان اليهود يحتقرون الأمم لوثنيتهم وأخلاقياتهم المتدنية ولذلك أسموهم كلاب، فالكلب نجس عند اليهودى. أما بولس اليهودى فكان يرى نفسه أنه بار وبلا لوم بحسب الناموس (فى3:3ـ6) إذ أنه كان يلتزم بالناموس خارجيًا، أى يلتزم بقوانينه لكن الضمير كان ملوثاً.
غل16:2: ” إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضًا بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما”.
لقد اختبر بولس أن أعمال الناموس لم تبرره، أى تنقيه داخليًا أو تمنع وحشيته ضد الكنيسة. ولكنه تبرر حين آمن بالمسيح. لقد شعر بولس بعد أن اختبر بر المسيح، أنه كان يعيش فى الخطية، بينما كان يظن أنه بار بحسب الناموس، فالبر المسيحى رفعه لمستوى القداسة ونقاوة الضمير (عب14:9) التى لا يمكن الوصول إليها سوى بالنعمة. وإٍذا كان هذا حال اليهودى، فكم بالأولى الأمم الذين هم خطاة (الكل محتاج للتبرير بالمسيح رو22:3ـ25).
بولس فى الآيتين 15، 16 يقول لبطرس: ماذا اٍنتفعت بيهوديتك وكنت تعتبر نفسك بارًا اٍذ كنت ملتزمًا خارجيًا بكل وصايا الناموس (سواء أنت أو أنا) لقد اختبرنا فشلنا فى أن نتبرر حقًا بالناموس. لقد كنت أنت يا بطرس وأنا بولس أبرارًا بحسب الناموس، ولكن كل منا كان أدرى بالفساد الذى فى داخله. أما فى ظل النعمة، فلقد اختبرنا التبرير الحقيقى بالمسيح. فلماذا يا بطرس تريد أن تلزم الأمم بأن يسلكوا فى طريق اختبرنا فشله. ولقد إقتبس بولس فكرة عدم تبرير إنسان أمام الله حتى بالناموس من (مز2:143). ونحن الآن كمسيحيين علينا أن نستفيد من هذا الكلام ونفهم أن ممارسة الطقوس دون أن تكون لنا حياة عميقة مع الله، فهذا لن يفيد.
غل17:2: ” فإن كنا ونحن طالبون أن نتبرر في المسيح نوجد نحن أنفسنا أيضًا خطاة أفالمسيح خادم للخطية حاشا”.
اليهودى أو الأممى الذى اعترف بخطيته برره المسيح، فمن يعود بعد ذلك إلى أعمال الناموس بعد قبوله الإيمان بالمسيح يعنى أنه وجد أن الإيمان بالمسيح لم يكفيه لأن يتبرر أو أن الإيمان بالمسيح عاجز عن تبريره: نوجد أنفسنا خطاة: خطاة لأن المسيح وحده لم يستطع أن يطهرنا وإننا فى احتياج لناموس موسى لنتطهر من خطايانا.
أفالمسيح خادم للخطية:
1ـ تعنى أن الإيمان بالمسيح لم يستطع سوى أن يظهر له أنه خاطئ ومحتاج للناموس وتبرير الناموس.
2ـ إذا كان نسياننا للناموس لأجل المسيح لا يبررنا بل يديننا، إذًا فإيماننا بالمسيح سيكون سبباً لدينونتنا ويكون المسيح هو السبب فى خطيتنا ودينونتنا.…..لماذا؟
3ـ المسيح هو الذى ألغى أحكام الناموس إذ قال “ من آمن واعتمد خلص“ (مر16:16)، وقال أيضًا “ الذى يؤمن به لا يدان” (يو18:3)، وقال “ من آمن بى ولو مات فسيحيا“ (يو25:11). وفى كل هذا لا إشارة للناموس، فهل قادنا المسيح لأن نخطئ ونؤمن به تاركين الناموس، وهل أخطأ المسيح إذ لم يشر للناموس كطريق للخلاص، إنما تكلم فقط عن الإيمان به.
ويقول بولس إن من يفعل هذا لن ينفعه المسيح شيئًا (غل4:5) وأنه قد سقط من النعمة. فمن لا يثق فى المسيح كمخلص وحيد فهو لا يؤمن به. ومن لا يؤمن به لن يرضيه (عب6:11). ومن لا يرضيه لن يحصل على نعمته.
غل18:2: ” فاني إن كنت أبني أيضًا هذا الذي قد هدمته فإني أظهر نفسي متعديًا”.
حين آمنوا بالمسيح وتبرروا بالإيمان، هم هدموا العوائد الناموسية وبعودتهم الآن لها يحسبون أنهم بهدمهم للعوائد الناموسية قد أخطأوا إذ تعدوا على الناموس سابقاً. ويُفهم من هذه الآية أيضًا أن المسيحى الذى يفعل هذا ويرتد للناموس يكون قد جحد الإيمان المسيحى الذى أبطل فرائض الناموس.
غل19:2: ” إني مت بالناموس للناموس لأحيا لله”.
لأنى مت بالناموس: لقد حكم اليهود على المسيح بالصلب بحسب الناموس، إذ حسبوه ضالاً ومضل (مت63:27)، وأنه قد جدف ومستوجب الموت (مت65:26، 66). ونحن حسب الناموس خطاة مستوجبين الموت. لكن المسيح وضع لنا سر المعمودية لنموت معه. فنحن نموت مع المسيح فى المعمودية لنكمل قوانين الناموس.
فنحن نموت بالناموس أى بحسب حكم الناموس الذى حُكِمَ به على المسيح.
للناموس: الناموس يستطيع أن يحكم بالموت على الأحياء، لكنه بلا سلطان على الأموات. فإذا كنا قد متنا مع المسيح فالناموس لا سلطان له علينا. نحن فى المعمودية متنا وقمنا مع المسيح. نحيا بالمسيح. الناموس بلا قوة ضدنا. فمن يرجع للناموس الآن ماذا يريد؟ هل يريد أن يحكم الناموس عليه بالموت ثانية. ولنلاحظ أن الناموس يقف عاجزاً عن الحكم على الأموات، وحقًا نحن متنا فى المعمودية، ولكننا نظل أموات والناموس عاجز عن الحكم علينا إذا جاهدنا أن نظل أموات عن الخطية (رو11:6 + كو5:3) لذلك نجد بولس الرسول هنا يقول “ مع المسيح صلبت..“ (آية20) فهو يقدم جسده ذبيحة حية (رو1:12)، ويصلب أهواءه وشهواته (غل24:5) حتى يحيا المسيح فيه، ويظل الناموس عاجزًا عن الحكم عليه بالموت ثانية. لأحيا لله: ولكن أى نوع من الحياة. هذا يشرحه فى (آية20). ونفهم منها أن الحياة هى حياة المسيح فيه. وقارن مع (فى21:1). ويحيا المسيح فيه ويصير هو نبع حياته وأفكاره وأقواله وأعماله. بل تصير أعضاؤه هى أعضاء للمسيح الذى يحيا فيه (1كو15:6).
غل20:2: ” مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلي”.
مع المسيح صلبت: المسيح صُلب لأجلى وأنا صُلبت معه. من يقول هذا هو من صلب الأهواء مع الشهوات (24:5) وصُلب للعالم والعالم له (14:6) أى يقف كميت مصلوب أمام الأهواء والشهوات. وكلمة صُلبت فى هذه الآية جاءت فى اليونانية فى صورة فعل استمرار، فحياتنا المصلوبة عن العالم حياة مستمرة . ومن يحيا هكذا يكون المسيح حياته: فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَ: فأنا أصلب نفسى (أهوائى وشهواتى) لا لكى أموت بل لأقوم مع المسيح. فالمسيح قام ليعطينى حياته لأحيا بها إلى الأبد مهتمًا بالسماويات لا الأرضيات، فحياتى الجديدة هى حياة المسيح السماوى. وهذا تم بالمعمودية ولكنه يتجدد ويستمر فىَّ بإيمانى وجهادى أن أقف أمام الخطية كميت. والروح القدس يسكن فىَّ لأن المسيح ثابت فىَّ (هذا ما حدث فى المعمودية رو5:6) والمسيح يثبت فىَّويحيا فىَّ بالروح القدس المحيى (2كو21:1). هناك من يدخل فى الرهبنة ليصلب نفسه عن العالم. وهناك من يعيش فى العالم حارمًا نفسه من ملذاته ليصلب نفسه عن العالم. ومن لا يفعل هذا ولا ذاك يساعده المسيح بصليب من عنده (تجربة) ليحيا فيه لذلك علينا أن نفرح فى التجارب (يع2:1)، فهى طريق لحياة المسيح فينا.
فما أحياه الآن فى الجسد: أى لا داعى للموت حقيقة ولا داعى للانسحاب من هذا العالم، إنما بالإيمان نشترك مع المسيح فى صلبه وقيامته، فنموت عن الإنسان العتيق ونحيا لله فى المسيح، ونحن ما زلنا فى الجسد.
أحياه فى الإيمان: المسيح يحل بالإيمان فى قلوبنا (أف17:3) فنحن لا نرى بعيوننا الجسدية هذا الحلول، ولا حياة المسيح فينا، وسنستمر فى شكلنا الحالى. ولكن بالإيمان يحيا المسيح فىَّويستعمل أعضائى كأعضاء له، كآلات بر تعمل لمجد اسمه.
الذى أحبنى وأسلم نفسه لأجلى: هنا نرى العلاقة الشخصية التى تربط بولس بالمسيح. هذه مثل “ أنا لحبيبى وحبيبى لى“ (نش3:6). وهذه العلاقة الخاصة هى التى يطلبها السيد المسيح حين يطلب أن من يريد أن يصلى عليه أن يدخل إلى مخدعه ليصلى، فهى علاقة خاصة.
غل21:2: ” لست أبطل نعمة الله لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذًا مات بلا سبب”.
لست أبطل نعمة الله: يريد أن يقول الرسول أنا لن أعمل مثلكم يا أهل غلاطية، ولن أوافقكم على ما تقولونه إن الختان أو أعمال الناموس شرط للخلاص. هل أعود للناموس الذى يحكم علىَّ بالموت وأترك النعمة التى أماتت فىَّ الإنسان العتيق (أى قتلت الخطية وأبطلتها) وأعطتنى بالحب حياة المسيح. فمن يعود ويقول إن أعماله أو أعمال الناموس تخلصه فهو يبطل عمل النعمة. وإن كانت أعمال الناموس كافية للخلاص فلماذا مات المسيح إذًا: إن كان بالناموس بر فالمسيح إذاً مات بلا سبب: هذه الآية الأخيرة رد على من يقول إنه لا داعى للإيمان حتى يخلص الإنسان. فإذا كان الخلاص لكل إنسان حتى بدون إيمان فالمسيح مات بلا سبب.
تفسير غلاطية 1 | تفسير رسالة غلاطية | تفسير العهد الجديد |
تفسير غلاطية 3 |
القمص أنطونيوس فكري | |||
تفاسير رسالة غلاطية | تفاسير العهد الجديد |