تفسير إنجيل القديس يوحنا 18 للقمص أنطونيوس فكري
تفسير يوحنا – الأصحاح الثامن عشر
يوحنا 18: 1-12
آية (1): “قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه.”
خرج= هذه لا تفيد العلية، فالسيد وتلاميذه سبق وتركوا العلية التي كانوا مجتمعين فيها (راجع يو31:14) “قوموا ننطلق من ههنا” كإفادة للخروج من العلية. وغالبًا ذهبوا للهيكل. أمّا قول الكتاب هنا خرج فهي تفيد خروجهم من الهيكل إلى عبر وادي قدرون إلى جبل الزيتون. خصوصًا إن وادي قدرون يفصل الهيكل عن جبل الزيتون المليء بأشجار الزيتون. وبذلك تكون صلاة المسيح الشفاعية الختامية قد حدثت في الهيكل.
قدرون= هو نهير يجف صيفًا فيترك قاعه جافًا كالوادي ليَمُرْ المارة فوقه، وفي الشتاء يمتلئ من المطر. وهذا المشهد الحزين لخروج المسيح إلى جبل الزيتون هو مشهد مكرر لخروج الملك داود حزينًا هاربًا من ابنه إبشالوم بمشورة أخيتوفل. وإسرائيل هي ابن الله البكر وأخيتوفل رمز ليهوذا وكلاهما انتحر (2صم23:15، 30).
آية (2): “وكان يهوذا مسلمه يعرف الموضع لأن يسوع اجتمع هناك كثيرًا مع تلاميذه.”
هذه تؤكد أن المسيح لم يخرج إلى بستان جثسيماني هربًا، فيهوذا طالما إجتمع معهُ هناك، بل هو ذهب لجثسيماني ليسهل للخائن مهمته، فهو بهذا قد إبتعد عن الجماهير وعن أصدقائه الذين قد يتدخلوا لحمايته فتحدث معركة. بل هو قال ليهوذا “ما أنت تعمله فإعمله بأكثر سرعة”. لقد سقط آدم الأول في بستان وانتصر آدم الآخير بطاعته في بستان، في صلاته وتسليمه، بل هو دُفِنَ في بستان وقام منتصرًا على الموت في بستان.
آية (3): “فاخذ يهوذا الجند وخدامًا من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح.”
الشيطان هنا يقود مجموعة من كل قوات الظلمة، التلميذ الخائن ورؤساء الكهنة وخدامهم= الخدام والفريسيين وجنود الرومان (يو44:8). وسيظل هذا هو الوضع في الكنيسة لآخر الأيام، صراع بين قوات الظلمة وشعب الله حتى يأتي الرب في مجده لينهي سلطان إبليس. ونلاحظ أن الكلمة المستخدمة في اليونانية للجند هي الأورطة وتعدادها حوالي 200جندي وهي الفرقة المخصصة لحراسة الهيكل وكان الوالي يرسل مجموعة من الجند ليكونوا تحت أمر رئيس الكهنة في الأعياد لحفظ النظام. وفي آية (12) ذُكِرَ القائد والكلمة المستخدمة تشير لأنه قائد ألف وهي رتبة كبيرة. وهذا يدل على رعبهم من شخص المسيح. وهذا العدد من الجند والقائد الروماني الكبير يدل على اتفاق مسبق بين رؤساء الكهنة وبيلاطس، فهم بعد المحاكمة رحلوه إلى دار الولاية أي مقر الحكومة الرومانية. ولذلك خرج لهم بيلاطس مبكرأً (آية28) وكان صبح وترجمتها مبكرًا جدًا. وكان ذلك نتيجة لضغط رؤساء الكهنة عليه (مت20:27) ورؤساء الكهنة كانوا في عجلة من أمرهم، أن يَصْدُرْ الحكم مبكرًا قبل أن يستيقظ الشعب ويدافعون عن المسيح. ولاحظ أن الجند يمثلون الأمم والخدام يمثلون اليهود. وأن يوحنا يميز بين رؤساء الكهنة والفريسيين فرؤساء الكهنة من الصدوقيين.
آية (4): “فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم من تطلبون.”
المسيح هو الذي خرج ليلاقيهم، وهم يعلم بالآلام التي ستأتي عليه. وسؤال المسيح لهم من تطلبون=لأنه كان ناويًا ليس أن يعلن اسمه فقط بل شخصه ويظهر سلطان لاهوته فيفهموا أنه سلم نفسه بإرادته، ويعطي فرصة لتلاميذه ليهربوا. لذلك خرج بثبات ولم ينتظر وصول الجند.
آية (5): “أجابوه يسوع الناصري قال لهم يسوع أنا هو وكان يهوذا مسلمه أيضًا واقفًا معهم.”
يسوع الناصري= فيها صيغة استهزاء. كان اليهود يحتقرون الناصريين “أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح” (يو46:1). أنا هو= حملت كلمة أنا هو= أنا الله= أنا الكائن= مجد وكرامة وسلطان وبهاء اسم يهوه العظيم. لذلك سقط الجنود، هي فيها إعلان لاهوته. لقد سبق السيد واستخدم هذا اللفظ “أنا هو” ليعلن محبته للعالم “أنا هو الراعي.. أنا هو النور.. إلخ” ليعزي شعبه. ولكنه في هذه المرة ليظهر قوة سلطان لاهوته، وأنه يسلم نفسه بإرادته. وإذا كان المسيح له هذا المجد وهو يساق للصليب فكم بالحري سيكون مجده حينما يأتي في مجد أبيه. هو كان في موقف أقوى من الجند. فهو الذي أسلم ذاته.
آية (6): “فلما قال لهم أني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض.”
لو أراد الهرب لهرب الآن وهم ساقطون، ولكنه لهذا أتى.. للصليب. هذه الهيبة التي ارعبتهم هي نفسها التي ظهرت عندما دخل الهيكل ليطهره، فلم يقدر أحد أن يؤذيه.
آية (7): “فسألهم أيضًا من تطلبون فقالوا يسوع الناصري.”
كأن المسيح يذكرهم بهدف مجيئهم والواجب الذي أتوا لأجله. فهم في رعبهم بعد سقوطهم ارتبكوا لا يدرون ماذا يفعلون. هو هنا يأمرهم أن يقبضوا عليه والقوى يملي شروطه.
آية (8): “أجاب يسوع قد قلت لكم أني أنا هو فان كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون.”
المسيح هنا يُمْلي شروطه، بعد أن شعروا بالهيبة نحوه، هنا كان يأمر بسلطان وليس بضعف ليحمي تلاميذه، فهو أتى لهذا ليسلم نفسه وليخلص تلاميذه والمؤمنين به “الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد” (يو12:17). وشروط السيد= دعوا هؤلاء يذهبون فما كانوا يستطيعون تحمل الآلام بعد.
آية (9): “ليتم القول الذي قاله أن الذين أعطيتني لم اهلك منهم أحدًا.”
لو كان أحد منهم قد مات قبل قيامة المسيح لكان موته يعتبر هلاكاً. فبعد أن حلَّ عليهم الروح القدس تغيروا لأشخاص آخرين. ولنقارن بين بطرس الذي أنكر المسيح ولعن، وبطرس الذي يؤمن بعظته 3000شخص وأخيراً يموت عن المسيح. وهو أيضًا حفظ نفوسهم حتى لا يقتلوهم، وبالتالي يتمم تلاميذه كرازتهم. فالله لا يسمح بموت أحد إلا بعد أن يتمم العمل الذي خلقه من أجل أن يتممه (أف2: 10).
آية (10): “ثم أن سمعان بطرس كان معه سيف فأستله وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى وكان اسم العبد ملخس.”
كان الاعتداء على جندي من جنود رئيس الكهنة عقوبته الإعدام،لذلك كان الوحيد الذي ذكر اسم بطرس هو يوحنا.فقد كتب بشارته بعد استشهاد بطرس. وغالبًا كان عبيد رئيس الكهنة في المقدمة ولم يرى الجند الرومان ما فعله بطرس. ولكن المسيح أنقذ الموقف بشفائه لأذن العبد. ولنعلم أن العواطف البشرية والعوامل الجسدية التي تحرك الاندفاعات تؤدي للإنكار والجبن. أمّا المسيح فكان مملوءًا محبة محتملة صابرة، احتملت خيانة يهوذا وظلم الجند ومؤامرات رؤساء الكهنة وجبن بطرس ولازالت تحتملنا في خياناتنا وضعفاتنا. ولاحظ أن ما فعله بطرس كان يمكن أن يحاكم المسيح بسببه أنه السبب فيما حدث.
آية (11): “فقال يسوع لبطرس اجعل سيفك في الغمد الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها.”
المسيحي لا يمد يده للسيف، بل يتقبل كأس الموت طواعية. المسيحي لا يحمل سيفًا بل صليبًا. ولماذا السيف والموت ربح (في21:1). الكأس التي أعطاني الآب= نحن نقبل كل ألم وصليب بهذا المفهوم أنها من يد الآب. هنا المسيح لم يرى جنود أتوا للقبض عليه ولا مؤامرات ضده، بل هي كأس يشربها من يد الآب (11:19).
آية (12): “ثم أن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه.”
وأوثقوه= كما أوثق إبراهيم إسحق (تك9:22). وفي الحالتين لم يقاوم أحد، لا المسيح قاوم الجند ولا إسحق قاوم أبيه. فإسحق كان يشعر أنه بين يدي أبيه الذي يحبه. والمسيح لم يرى أنه بين يدي اليهود والرومان بل بين يدي إرادة الآب. ولم يكن هناك داعٍ أن يوثقوه وهو مستسلم. ولكن ليتم المكتوب أوثقوا الذبيحة (مز27:118). وكان اليهود يوثقون المجرم من خلف بحبل يربطونه أيضاً في رقبته وهكذا صنعوا مع المسيح بمنتهى العنف.
(يو13:18-27):-
“ 12ثُمَّ إِنَّ الْجُنْدَ وَالْقَائِدَ وَخُدَّامَ الْيَهُودِ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ وَأَوْثَقُوهُ، 13وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً، لأَنَّهُ كَانَ حَمَا قَيَافَا الَّذِي كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ. 14وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ. 15وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ، وَكَانَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 16وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا. فَخَرَجَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَكَلَّمَ الْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ. 17فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ:«أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟» قَالَ ذَاكَ:«لَسْتُ أَنَا!». 18وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْرًا لأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفًا مَعَهُمْ يَصْطَلِي. 19فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ. 20أَجَابَهُ يَسُوعُ:«أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ. 21لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا». 22وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفًا، قَائِلاً: «أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟» 23أَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟» 24وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقًا إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ. 25وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفًا يَصْطَلِي. فَقَالُوا لَهُ:«أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِهِ؟» فَأَنْكَرَ ذَاكَ وَقَالَ:«لَسْتُ أَنَا!». 26قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ:«أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟» 27فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ. “
تمت المحاكمة الدينية، أي محاكمة المسيح أمام رؤساء الكهنة، في أثناء الليل، فأبناء الظلمة لا يعملون إلاّ في الظلمة. بل هم تجاوزوا قوانينهم ليحكموا بالإدانة على المسيح على وجه السرعة. بل أن قيافا قد أصدر الحكم عليه بالموت قبل المحاكمة (يو14:18). ولنلاحظ أنه بحسب التقليد اليهودي تعتبر أحكام الليل لاغية. لذلك إجتمعوا صباحًا (شكليًا) للتصديق على الحكم. ومن مهازل هذه المحاكمة فبحسب القوانين يمنع تنفيذ الحكم في نفس اليوم لكنهم نفذوه في المسيح.
آية (13): “ومضوا به إلى حنان أولًا لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة.”
يقول القديس يوحنا في سخرية أنهم ذهبوا به إلى حنان ليحاكمه. فبأي صفة يحاكمه حنان.. لأنه كان حما قيافا= هذا هو التبرير الوحيد الذي قدَّمه يوحنا، فكأن قيافا يرد الجميل لحنان أنه جعله رئيس الكهنة. ونلاحظ أن القديس يوحنا لم يورد أي إتهام للمسيح مماّ قالوه فهم لم يستقروا على تهمة واحدة ضده. ونلاحظ أن دار حنان وقيافا هي دار واحدة وبها قاعة للمحكمة. وكان حنان رئيساً سابقاً للكهنة. ومجمع السنهدريم كان يجتمع في هذه القاعة (مر53:14). وخرج المسيح من دار رئيس الكهنة إلى دار الولاية. ويوحنا لم يذكر اجتماع المجمع ولا المحاكمة أمامه لأنه رأي أن الحكم كله في يد قيافا.
حنان وقيافا: كان حنان رئيسًا للكهنة من سنة 7م – 14-15م حينما أسقطه الوالي السابق لبيلاطس وكان اسمه فاليريوس جراتوس. وتوّلي بعد حنان ابنه اليعازار لمدة سنة واحدة سنة16-17م. ومن بعده جاء قيافا زوج ابنته وبقى في الرئاسة حتى سنة 35-36 حيث أسقطه الوالي الذي أتى بعد بيلاطس. ومن بعد قيافا تولى الرئاسة ابن آخر لحنان هو يوناثان سنة 36-37م ومن بعده تولى الرئاسة ثلاثة من أولاد حنان وهم ثاوفيلس سنة37-41م ثم متياس سنة41-44م ثم حنان الصغير حتى سنة62م وهو الذي مدّ يده وقتل يعقوب أخو الرب (هذا غير يعقوب أخو يوحنا الذي قتله هيرودس) (أع1:12، 2). وكانت هذه العائلة مشهورة بالرشوة والدسائس الدينية وواضح أن حنان الكبير كان متسلطًا على قيافا وغيره وهذا ما نلاحظه في (لو2:3) فهو يقول رئيس الكهنة حنان وقيافا. فقال رئيس الكهنة بالمفرد. فكان حنان يمارس وظيفة رئيس الكهنة من خلف قيافا.
وكانت هذه العائلة كعصابة تستخدم الهيكل في التجارة لذلك قال المسيح عن الهيكل “حولتموه إلى مغارة لصوص”. ولذلك كانت حادثة تطهير الهيكل سبب حقد حنان وقيافا، فهي أوقفت نهر المال الذي يتدفق عليهما من تجارة الهيكل. ونلاحظ من (يو45:7-49) أن المؤامرات وإرسال الخدام، خدام الهيكل الذين هم ضباط على مستوى عالٍ من المعرفة، كانت مستمرة منذ زمن ولكن حينما ذهب هؤلاء الخدام للمسيح أعجبوا به.
الذي كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة= كان رئيس الكهنة يستمر في وظيفته حتى يموت. ولكن قصد يوحنا بهذا أن قيافا كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة التي كانت السنة المقبولة للمؤمنين وسنة خيبة اليهود وخسارتهم لكل شيء. وتعني أيضًا كثرة تغيير رؤساء الكهنة بواسطة الحكام الرومان.
وَمَضَوْا بِهِ إِلَى حَنَّانَ أَوَّلاً = إقتاد الجند الرومان وخدام الهيكل الرب يسوع مقيدًا إلى قصر حنان حما قيافا رئيس الكهنة الرسمى. وفي تلك الساعة المتأخرة من الليل كانت الشوارع خالية. فمشهد الجنود بمشاعلهم لم يلفت نظر أحد. وهم ذهبوا إلى حنان فهم يعلموا أنه الرجل القوى على الرغم من وجود قيافا في المركز الرسمى. وكان غنيا جدًا هو وأولاده وإستخدم نقوده في عمل علاقات قوية مع السلطات الرومانية. وكان صدوقيا متساهلا بلا تزمت كالفريسيين، قادر على إرضاء السلطات الرومانية. ولم يسجل التاريخ اليهودي رجلا في قوة وغنى ونفوذ حنان. وعمل ثروته مستغلا الهيكل. وكان في مكانه أفضل من رئاسة الكهنوت الرسمية، فهو يدبر ويخطط بلا مسئوليات ولا قيود رسمية. وطبعا كان إلتفاف الشعب حول المسيح سوف يسبب خسائر جسيمة مادية لكل هؤلاء الرؤساء. وطبعا كان حنان من ضمن الذين قرروا موت يسوع. ولكن المذكور في الكتاب أن قيافا هو الذي أشار بذلك. وذهب الجند الرومان بالرب يسوع إلى حنان مباشرة كاختيار واقعى عملي فهو صاحب القرار عمليا وهم يعرفون هذا. ولكننا لا نعلم شيئا عما دار بين الرب وبين حنان. وأرسله حنان إلى قيافا وهناك كان إنكار بطرس للمسيح.
آية (14): “وكان قيافا هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب.”
الإشارة هنا إلى (يو49:11، 50). وتعني أن القرار قد إتخذوه قبل المحاكمة.
آية (15): “وكان سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع وكان ذلك التلميذ معروفًا عند رئيس الكهنة فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة.”
من هنا نرى أن يوحنا كان شاهد عيان فهو وبطرس فقط تبعا المسيح وهرب الباقون. ولكن بطرس احتجز عند الباب، إذ لم يكن معروفًا لخدام قيافا. ولكن يوحنا كان معروفًا فهو غالبًا كان وأخيه يعقوب أقارب لرئيس الكهنة. وهذه المعرفة هي التي أهلت يوحنا ليعرف اسم عبد رئيس الكهنة ملخس، بل تعرف على نسيب ملخس بين الخدام، وأهلته لدخول بيت قيافا دون حرج في هذا الموقف الخطير. وهو أيضًا عَرِف أن الجارية التي أنكر بطرس المسيح أمامها أنها هي البوابة، بل هو توسط لبطرس لكي يدخل (آية16). وهذه القرابة هي التفسير أنهم لم يعترضوا على دخوله.
ومعروف في التاريخ اليهودي أن السنهدريم وهو الجهة القضائية العليا المنوط بها الفحص والحكم في القضايا الكبرى التي تخص اليهود، قد توقف عن العمل 40 سنة قبل خراب أورشليم، أي كان متوقفاً عن العمل أيام المسيح، وهم قد منعوا بحسب هذا القانون من عقد محاكمات تكون نتيجتها الحكم بالإعدام. وهم قد منعوا من الاجتماع في الدار المخصصة للسنهدريم المسماة “جازيت” بحسب هذا القانون. وبحسب التلقيد اليهودي لا يجوز للسنهدريم أن يحكم بالموت خارج الجازيت. ولذلك كان اجتماعهم في دار قيافا اجتماعاً غير قانوني، بل بناء على إستدعاء رؤساء الكهنة للتصديق الشكلي على الحكم. ويقول التلمود اليهودي أنه قبل خراب الهيكل بأربعين سنة إنتزع من إسرائيل حق الحكم بالإعدام، ولكن يبدو أنه في غياب الوالي الروماني خارج أورشليم أتيح لهم أن يحكموا على إسطفانوس بالرجم.
آية (16): “وأما بطرس فكان واقفًا عند الباب خارجًا فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفًا عند رئيس الكهنة وكلم البوابة فادخل بطرس.”
بعد أن استقر يوحنا في الداخل عاد ليبحث عن بطرس ليدخل. وكلم البوابة= إذًا البوابة أيضًا تعرفه. ولكن البوابة كلمت بطرس وتركت يوحنا. والله سمح بهذا حتى ينكسر كبرياء بطرس (37:13).
آية (17): “فقالت الجارية البوابة لبطرس ألست أنت أيضًا من تلاميذ هذا الإنسان قال ذاك لست أنا.”
في دخوله تعرفت عليه البوابة، وقول الكتاب أيضًا يشير لأن البوابة سبقت وتعرفت على يوحنا وعرفت أنه من تلاميذ المسيح. وبطرس خانته شجاعته وأنكر وكان من الممكن أن يهلكوه ولكن المسيح كان قد طلب لأجله (لو32:22).
آية (18): “وكان العبيد والخدام واقفين وهم قد أضرموا جمرًا لأنه كان برد وكانوا يصطلون وكان بطرس واقفًا معهم يصطلي.”
هنا انسحب القائد والجند ولم يبق سوى العبيد وضباط الحراسة اليهود، وهؤلاء تجمعوا معًا في فسحة الدار في الدور الأرضي. لأنه كان برد= إشارة لأن هذا الجو استثنائي في هذه السنة، فمن المعتاد في مثل هذا الوقت أن يكون الجو دافئًا. وضوء الجمر ساعد العبيد أن يروا وجه بطرس فيتعرفوا عليه (لو56:22 + مر67:14-72).
آية (19): “فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه.”
نفهم من آية (24) أن هذا التحقيق كان أمام قيافا، بعد أن أرسله حنان إليه. وهنا قيافا يسأل المسيح عن تلاميذه [1] لأنه ينوي أن ينكل بهم ويقدم أسماءهم إلى بيلاطس [2] في نظر بيلاطس أن المسيح متهم بأنه يريد أن يكون ملكًا وبالتالي يكون تلاميذه ولاة منافسين لبيلاطس (هذا ما يريده قيافا). [3] والمسيح كابن الله يكون تلاميذه فوق رئيس الكهنة. والمسيح لم يجب على السؤال الخاص بتلاميذه ليحميهم. وقيافا يسأل المسيح عن تعليمه= أي دعوته لأن يكون ملكًا يمنع أن تعطى الجزية لقيصر، وأنه ملك لليهود. وكأن قيافا يستدرج المسيح ليعترف بخططه السرية للقيام بثورة ليكون ملكًا.
آية (20): “أجابه يسوع أنا كلمت العالم علانية أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائمًا وفي الخفاء لم أتكلم بشيء.”
هنا المسيح يعلن أنه لم يكن يعد لثورة وليس له تعاليم سرية. بل كل تعاليمه كانت على الملأ وما قاله للسامرية أذاعته هي في كل المدينة. وخدام رئيس الكهنة سبقوا واستمعوا له وشهدوا له (يو45:7، 46). بل أن رد المسيح فيه إشارة اتهام لرئيس الكهنة بأنه هو الذي يعمل في الظلام بمحاكمته. وقوله العالم=يشمل تلاميذه وكل اليهود والآخرين بلا تمييز، بل المسيح يمنع كل تعليم سرى (مت27:10) فكل تعليم سرى يخلو من الحق.
آية (21): “لماذا تسألني أنا إسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا.”
كانت القوانين اليهودية للمحاكمات تنص على سماع شهود البراءة أولًا. وفي قول المسيح إشارة لأنهم أغفلوا هذا النص. وكأن المسيح يطلب سماع شهود الدفاع أولًا، لأنه أيضًا بحسب القوانين اليهودية فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته. ولكن واضح هنا أن المحاكمة صورية. وبهذا لم يجب المسيح على الأسئلة الموجهة له كما قال مرقس ومتى (مر60:14، 61 + مت62:26، 63).
آية (22): “ولما قال هذا لطم يسوع واحد من الخدام كان واقفا قائلًا أهكذا تجاوب رئيس الكهنة.”
راجع (أش6:50)
آية (23): “أجابه يسوع إن كنت قد تكلمت رديًا فاشهد على الرديء وإن حسنًا فلماذا تضربني.”
المسيحية لا تعرف الجبن. والمسيح هنا كان في ملء السلام ومستعدًا لأقصى درجات الآلام ولكنه رد بجواب فيه الحق. وهذه الآية تتكامل مع (مت39:5) فعلينا أن نكون مستعدين لأن نحتمل الظلم وأن نظهر الحق بكل وداعة ورقة وبلا خنوع فيسوع رد بقوة وأثبت أن اللطمة ظالمة. ولاحظ هنا الكمال الإلهي في تصرف المسيح مع رد بولس الرسول في موقف مشابه (أع1:23-5)
آية (26): “قال واحد من عبيد رئيس الكهنة وهو نسيب الذي قطع بطرس أذنه أما رايتك أنا معه في البستان.”
نرى هنا إمكانيات يوحنا في التعرف على أهل بيت رئيس الكهنة مما يشير لقرابته لأهل البيت.
آية (27): “فأنكر بطرس أيضًا وللوقت صاح الديك.”
كان التدبير الإلهي عجيب في أن المحاكمة انتهت وكان المسيح يمر في الفسحة التي وقف فيها بطرس. وكان هذا بعد صياح الديك والإنكار الثالث حتى ينظر المسيح لبطرس معاتبًا فيدعوه للتوبة (لو61:22). ونلاحظ أن الله يستخدم ديكًا لينبه بطرس لخطيته. وهكذا فكل ما في الكون يسير بتدبير الرب. وعلينا أن لا نرفض صوت الرب في داخلنا أو بأي طريقة يدبرها ليصل إلينا صوته. ولكن لاحظ رقة يوحنا فهو لم يذكر تجديف بطرس ضد المسيح. لكنه ذكر القصة تثبيتًا لنبوة السيد المسيح.
ملحوظة: كانت الشريعة اليهودية المدونة في كتاب التلمود تحرم الحكم ليلًا على إنسان بالموت، ولا تجيز الحكم عليه في جلسة واحدة، لهذا التزم مجلس السبعين (السنهدريم) أن يجتمعوا في صباح الجمعة في الهيكل، ليجعلوا ما حكموا به على يسوع ليلًا في دار قيافا شرعيًا. ولاحظ أن الموت عند اليهود بالرجم وعند الرومان بالصلب، لهذا صُلب يسوع.
الصَّلب:
كانت عقوبة الصلب وككل الممارسات غير الآدمية بل والرجاسات أصولها فينيقية. أخذها عنهم الرومان بعد ذلك وطبقوها على المجرمين من غير الرومان. ولم يكن اليهود يمارسون عقوبة الصلب فيما عدا أحد ملوك المكابيين وإسمه جانيوس الذي صلب 80 شخصًا في أورشليم. ولكن حتى هيرودس وهو من أحفاد جانيوس وبالرغم من وحشيته لم يستعمل عقوبة الصلب. وفي حصار أورشليم سنة 70 م. صُلِب أعدادا كبيرة من اليهود. أما طرق تنفيذ الإعدام عند اليهود فكانت الشنق وضرب العنق بالسيف والرجم والحرق. ولكن الربيين اليهود لم يكن لهم ميل نحو عقوبة الإعدام. ويظهر هذا أنهم منعوا تنفيذ حكم الموت في نفس يوم صدوره. وكتب اثنين من الربيين أنه في فترة تواجدهم بالسنهدريم لم يتم إصدار حكم بالإعدام. لكنهم كانوا يعلقون المتهم بالوثنية أو التجديف، ولكن بعد موته بطريقة أخرى كالرجم مثلا. ولكن بعد صلب المسيح بقليل إنتهت عقوبة الإعدام غير الآدمية من العالم. وكأن صلب المسيح وضع نهاية لهذا المفهوم للصليب بل صار الصليب رمزا للحب والبذل والإنسانية والسلام.
محاكمة المسيح الدينية فيها كَسْر لكل القوانين:
- ما كان مسموحا لهم بعقد هذه المحاكمة (آية يو18 : 15).
- مع هذا حكموا بقتله، بل القرار متخذ مسبقًا.
- والمحاكمة لم تتم في المكان الرسمي أمام السنهدريم بل في قصر قيافا.
- وبأى صفة يحاكمه حنان وهو معزول من رئاسة الكهنوت.
- والمحاكمة تمت ليلًا وليس في الصباح عكس المتبع – فالمحاكمات كانت تبدأ صباحا وحتى وقت تناول الطعام.
- وكانت المحاكمات لا تتم في السبوت والأعياد ولا في عشية عيد أو سبت.
- ولم يتبع النظام المتعارف عليه في تحذير الشهود وإنذارهم أن يكون كلامهم بالصدق.
- وكان شرطا أن يسمع شهود البراءة أولًا وهذا لم يحدث. لذلك نبه المسيح رئيس الكهنة لذلك وقال له إسأل الذين سمعوا.
- كانت شهادة الشهود متضاربة وفي هذه الحالة كانوا لا يعتدون بها. ولكنهم أخذوا بها. والتهم التي كان يتم فيها الحكم بالموت هي التي كان فيها المتهم يدعو الشعب للوثنية فيفسد إيمان الشعب.
- والحكم لم يكن ينفذ في نفس يوم صدوره بل بعده بأيام. ولكن تم تنفيذ الحكم على المسيح بعد المحاكمة بساعات قليلة.
(يو28:18-16:19)
يختص إنجيل يوحنا بمفرده بالكشف عن التحقيقات التي أجراها بيلاطس مع المسيح في غياب اليهود. وقد كانت على مرتين الأولى (33:18-37) وهي ما تسمى بالاعتراف الحسن والثانية (8:19-11). وباقي الإنجيليين أوردوا هذه المحاكمة بصورة موجزة وهذا يرجع غالبًا لوجود يوحنا داخل دار الولاية. ودار الولاية هذه بناها هيرودس الكبير وكانت المكان الذي ينزل فيه الولاة الرومان إذا أتوا إلى أورشليم من مركزهم في قيصرية. ويسمى هذا المقر قلعة أنطونيا.
صلب المسيح وبراءة باراباس لها معنى رمزي. فـ باراباس = ابن الأب – وكان مجرما مستحقا الموت والمسيح مات عوضا عنه. نرى هنا باراباس رمزا لنا فنحن أولاد الله (أبناء الآب). ونظرا لجرائمنا وخطايانا كنا مستحقين الموت. ومات المسيح عنا ليحمل عنا عقوبة الموت، ومات مصلوبا والصليب لعنة ليحمل عنا اللعنة.
آية (28): “ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان صبح ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح.”
وكان صبح = تعني الفجر إذ ظل رؤساء اليهود يحاكمون المسيح طوال الليل وأتوا به فجرًا إلى بيلاطس بحسب اتفاق مسبق معهُ. وكان الفصح يوم الجمعة لذلك امتنع هؤلاء أن يدخلوا إلى دار الولاية فيتنجسوا ولا يأكلوا الفصح. حقًا “يصفون عن البعوضة ويبلعون الجمل” (النجاسة ربما لدخولهم قصر وثني به تماثيل آلهة وثنية) ومن يتنجس يظل نجسًا حتى المساء فلا يأكل الفصح الذي يؤكل بين العشائين.
صبح = يقدرها الدارسين بحوالي الساعة6 صباحًا، وهذا عكس المعتاد فالمحاكم الرومانية تبدأ الساعة8 صباحًا. وكان هذا التبكير دليل على قلق السنهدريم وعلى إتفاقهم المسبق مع بيلاطس أن يتم كل شيء قبل أن يستيقظ محبي المسيح فتحدث ثورة.
آية (29): “فخرج بيلاطس إليهم وقال أية شكاية تقدمون على هذا الإنسان.”
فخرج بيلاطس= لعلمه بتعصبهم وأنهم لن يدخلوا إلى داخل دار الولاية خرج هو لهم.
أية شكاية تقدمون= كلمات تحمل إستنكار بيلاطس لما يعملونه مع المسيح، فهو من المؤكد سمع عن يسوع ويعلم أنه بريء مماّ ينسبونه لهُ. بالإضافة إلى الحلم الذي أخبرته به زوجته. وقوله هذا الإنسان = يحمل نوعًا من التعاطف معهُ. وبيلاطس كان خامس والٍ على اليهود سنة26-سنة36 متغطرس يكره اليهود وعوائدهم.إشتبك كثيرًا مع اليهود فأظهر قسوة ضدهم.
آية (30): “أجابوا وقالوا له لو لم يكن فاعل شر لما كنا قد سلمناه إليك.”
فوجئ اليهود بسؤال بيلاطس. وكان ردهم مختصرًا وفيه وقاحة. ولنلاحظ أن الرب صار فاعل شر بالنيابة عنى.
آية (31): “فقال لهم بيلاطس خذوه انتم واحكموا عليه حسب ناموسكم فقال له اليهود لا يجوز لنا أن نقتل أحدًا.”
هنا لهجة تهكم من بيلاطس على اليهود وناموسهم. إذ هو يعلم أن ناموسهم مقيد، وأنهم لا يستطيعوا أن يحكموا بالقتل على أحد. فرد بيلاطس كله غطرسة عليهم. والمعنى أن طالما ناموسهم مقيد فعليهم بالخضوع للقانون الروماني. وواضح أنهم ما أتوا للمناقشة مع بيلاطس بل هم اتخذوا قرارًا ضد المسيح يريدون اعتماده من بيلاطس. وربما كان تهكم بيلاطس معناه أنه لولا أنكم أسأتم استخدام ناموسكم كما تفعلون الآن لما صار ناموسكم مقيدًا. لا يجوز لنا أن نقتل = إذًا قرارهم قد إتخذوه.
آية (32): “ليتم قول يسوع الذي قاله مشيرا إلى آية ميتة كان مزمعًا أن يموت.”
العقوبة اليهودية كانت الرجم حسب الناموس، أما الصلب فهو عقوبة رومانية تستخدم مع سكان المستعمرات. ولذلك لو لم يصدر بيلاطس حكمًا بالموت على يسوع لما كان قد صلب. وكان المسيح قد تنبأ مرارًا بأنه سيصلب (مت18:20، 19) وأنه سيسلم لأيدي الأمم. ورؤساء اليهود لفقوا تهمًا سياسية ضد المسيح ليحكم عليه بيلاطس بالموت صلبًا، وهو يريدون هذا. فالمصلوب ملعون بحسب الناموس وهم يريدون إظهاره كملعون أمام الشعب بالإضافة إلى أنها أصعب ميتة. وأكثرها هوانًا فيقضوا على دعوته وتلاميذه إذ أفسدوا سمعته تمامًا بصلبه. حقًا لقد اشترك اليهود والأمم في تقديمه ذبيحة عن العالم كله.
وما جعل بيلاطس يحكم عليه بالموت خوفه من قيصر بعد التهم التي وجهها له رؤساء اليهود (لو2:23)
آية (33): “ثم دخل بيلاطس أيضًا إلى دار الولاية ودعا يسوع وقال له أنت ملك اليهود.”
بيلاطس رأى خبثهم وشرهم فقرر محاكمته بنفسه وسأله أنت ملك اليهود فهذا جوهر اتهاماتهم له. وكان بيلاطس يتعجب من هذا المتهم الصامت فإن كان ملك يريد الثورة على قيصر فأين هم أتباعه ومعاونوه ولماذا لا يتكلم. ولا يبالي بالموت، ولا يدافع عن نفسه. ولكن هذه التهمة ألقت بالرعب في قلب بيلاطس وواضح حيرة بيلاطس فهو مقتنع ببراءة يسوع لكنه تحت ضغط ثورة اليهود.
الآيات (34-37): “أجابه يسوع أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عني. أجابه بيلاطس ألعلي أنا يهودي أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إليَّ ماذا فعلت. أجاب يسوع مملكتي ليست من هذا العالم لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلم إلى اليهود ولكن الآن ليست مملكتي من هنا. فقال له بيلاطس أفانت إذًا ملك أجاب يسوع أنت تقول أني ملك لهذا قد ولدت أنا ولهذا قد أتيت إلى العالم لأشهد للحق كل من هو من الحق يسمع صوتي.”
تفسير يوحنا 17 | تفسير إنجيل القديس يوحنا القمص أنطونيوس فكري |
تفسير يوحنا 19 |
تفسير العهد الجديد |