السلام

 

السلام عنصر هام لحياة الإنسان ، فبدونه لا يستقر مجتمع ، ولا يهدأ إنسان وهكذا قال القديس بولس الرسول : ” وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام “( غلا 22:5 ) . وأول أوشية في القداس الإلهي هي ( أوشية السلامة ) ، نطلب فيها من الله سلاماً للكنيسة وكل الشعب. 

أولاً: سلام مع الله

حينما خلق الإنسان كان في سلام مع الله، ولكن بالخطية فقد الإنسان سلامه مع الله : “لا سلام قال الله للأشرار” ( إش 22:48 )، ولكن ” فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله” (رو 1:5 ) … وذلك بسبب تصالحنا معه بالتوية المتجددة ، والإعتراف الأمين المستمر.

السلام الحقيقي هو من الله لأن الله هو مصدر السلام ورئيس السلام وملك السلام . “الرب يبارك شعبه بالسلام” (مز11:29). فما أكثر وعود الله التي تجلب لنا السلام :
+ “ها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردك إلى هذه الأرض” ( تك15:28)
+ “وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها مُحصاة ” (مت30:10)
ونحن نقول : يا ملك السلام أعطنا سلامك وقرر لنا سلامك.

ثانياً: سلام مع النفس

“قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ سلام” (يو 33:16) . فالإنسان المسيحي نفسه تعيش في سلام ومكونات شخصيته غير متصارعة أساساً بل متعاونة : الجسد والعقل والنفس والروح والعلاقات ، كلها تسير معاً في إتجاه واحد نحو الله ، دون تناقض أو صراع.

إن عدم وجود السلام القلبي يسبب الخوف ، بل يسبب أيضا القلق والإضطراب، ومتاعب نفسية كثيرة. انظروا إلى إنسان يملك السلام قلبه، مثل داود النبي . نراه يقول في مزاميره : “إن نزل على جيش لا يخاف قلبي. إن قامت علي حرب ففي ذلك أنا مطمئن” ( مز3:27).

إن الخوف دخيل على الطبيعة البشرية ، لم يدخل إلى النفس إلا بعد الخطية ، فهي تُشعر الإنسان بأنه إنفصل عن الله مصدر القوة والحماية ، فيخاف … يخاف من الخطية و انکشافها أمام الناس ، يخاف من نتائج الخطية ، يخاف من الشيطان الذي انتصر عليه وجعله يخطئ ، ويخاف من الله نفسه ومن دينونته.

فإذا حصل الإنسان على مغفرة الله وستره، فلا يخاف، وإن آمن بمعونة الله له ف ضعفه ، فلن يخاف لأن مجرد شعوره أن الله معه ، ينزع الخوف من قلبه.

ثالثا : سلام مع الآخرين

فيه يسلم الناس بعضهم كل البعض، ليس فقط بالأيدي وإنما بالقلب والنية أيضا، وإن كانت بينهم خصومة من قبل يتصالحون ، وعن هذا قال السيد في عظته على الجبل: ” فإن قدمت قُرباتك إلى المذبح ، وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك ، فاترك هناك قربانك قدام المذبح ، واذهب أولاً اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم فريانك” ( مت 23:5 ، 24 ) . وفي هذا تشترط الكنيسة الصلح قبل التناول.

لابد أن نعرف أن الإنسان المسيحي إنسان سلام ، رسالته نشر المحبة والخير والسلام بين الناس ، فإنه : “طوبى لصانعی سلام ، لأنهم أبناء الله يدعون” (مت 9:5 ) ، ولكن …

أ- كيف تصنع السلام مع الأخرين ؟
– لا تجعل الخلاف يأتي بسببك … كن مصلوباً لا صالباً. قد يعاكسك الغير، ولكن لا تبدأ أنت بالشر، ثم لا تكن حساساً جداً من جهة أخطاء الآخرين نحوك.
– کن واسع الصدر حليماً، حاول باستمرار أن تحتمل وأن تغفر ، كما قال معلمنا بولس : “لا تجازوا أحداً عن شر بشر” ( رو 17:12 )، وأعرف أن الذي يحتمل هو الأقوى ، أما الذي لا يستطيع أن يحتمل فهو الضعيف ، لذلك قال الرسول : “فيجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء، ولا نرضي أنفسنا” ( رو1:15 ).
+ من لا يجاهد في صنع السلام و احتماله مضايقيه لن يتمتع بالسلام الإلهي … لأنه إن لم نغفر لا يُغفر لنا … وبالكيل الذي به نكيل يُكال لنا …

فسلامنا مع الله والناس .. لا ينفصلان ، بل هما متلازمان ، وهما عطية من نعمة الرب ، وثمرة من ثمار الروح وموضوع جهادنا اليومي.

ب- كيف تحتفظ بسلامك مع الله ونفسك والآخرين؟
“سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم . ليس كما يُعطي العالم أعطيكم أنا. لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب” ( يو 27:14).

إذا فقد الإنسان سلامه واضطرب ليعلم أن إيمانه ضعيف فيجب أن يمتحن نفسه “جربوا أنفسكم هل أنتم في الإيمان ؟ امتحنوا أنفسم” ( 2 كو7:13).

فالشخص المؤمن يتمتع بسلام داخلی ، سلام القلب والفكر والوجدان ، يعيش في راحة ضمير يطمئن فيها قلبه، ويهدأ من الداخل، فلا تملكه الكآبة والحيرة والشكوك، مؤمنا بعناية الله وحفظه مهما كانت قوى الشر المحيطة فالله أقوى من الكل.

إن كنت جاداً في رغبتك في أن تحتفظ بسلامك … عليك أن تفعل الآتي : –
1- جاهد لكي تحفظ السلام بينك وبين الله ، وبينك وبين الناس بعضهم بعضاً، و بينك وبين نفسك ، ولا تدع أحد أن ينزع فرحك ( سلامك ) منك.
2- ابعد عن كل ما يغضب الله في المستقبل ، ويسبب خصومة وعدم سلام بينك وبين الله والآخرين.
3- استمر في صلحك وسلامك مع الله . لا تندم على متع العالم التي تركتها من أجله . فهذه حرب من الشيطان يقودك بها إلى فقدان سلامك الداخلي.
4- فكر في أبديتك أولاً، واطلب ملكوت الله “لكن اطلبوا أولاً ملكوت الله وبره ، وهذه كلها تزاد لكم” ( مت 33:6 )۔
5- كن سريع الاستجابة لصوت الله في قلبك، الذي يدعوك بالسلام في حياتك : “إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم” (عب 15:3).
6- كن يقظاً لحروب الشيطان الذي يريد أن ينزع سلامك منك ، ويجعلك تعيش في قلق وعدم سلام، لأن هذا هو هدف حروب الشياطين ، بل اتضع تحت يد الله القوية فتفوز بالنصرة “وسلام الله الذي يفوق كل عقل ، يحفظ قلوبكم وأفكاركم ( في7:4 ) .

+ حقا ما أروع أن أعيش بهذا الوعد الكتابي : “على كفي نقشتك ” ( أش16:49) فإن كان الله ملجأي، وأعيش له طول اليوم ، تكون الأذرع الأبدية من تحت تحميني ، وتمدني بالطمأنينة والسلام .

تدريب

+ إذا ضعفت تذکر داود النبی الذي احتفظ بسلامه ، وأيضا الفتية الثلاثة وهم في أتون النار .. فيعود لك سلامك

+ ما أكثر وعود الله في المزامير التي تجلب السلام : احفظ المزامير تحفظك المزامير، رددها في داخلك عند شعورك بالخوف وعدم الإطمئنان.

امثلة : المزمور ( 90 ) الساكن في عون العلی، يستريح في ظل إله السماء …
المزمور ( 120 ) “رفعت عيني إلى الجبال ، من حيث يأتي عونی ….”
– المزمور ( 123 ) “لولا أن الرب كان معنا ….”

فاصل

من كتاب ثمر الروح – البابا شنوده الثالث

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى