تفسير سفر أخبار الأيام الأول – مقدمة للقمص تادرس يعقوب ملطي

حياة سماوية في هيكل الرب

عاش عزرا الكاتب والكاهن كاتب سفري أخبار الأيام الأول والثاني في أرض السبي محرومًا من هيكل الله في أورشليم. وقاد الفوج الثاني من العائدين من بابل إلى أورشليم، لا ليدعم العبادة في الهيكل الذي أعاد بناؤه زرُبابل، وإنما لكي يختبر القادة والشعب الحياة السماوية المقدسة في هيكل الله القدوس.

وها هو هنا في سفري أخبار الأيام الأول والثاني يوجه أنظارنا بروح الله القدوس ليعيد نظرتنا نحو التاريخ المقدس منذ آدم إلى السقوط تحت السبي مع وجود وعد إلهي بالعودة من السبي.

يحثنا سفرًا أخبار الأيام الأول والثاني أن ترتفع قلوبنا كما إلى السماء. لنتمتع بعربونها.

 

بين سفري الأخبار الأيام وسفر عزرا
بين سفري الأخبار الأيام وسفري صموئيل الثاني والملوك الثاني
لمن كُتب
تقسيم سفر الأخبار
سماتهما
الظروف المحيطة بالكاتب
موضوع السفرين
المعني الديني لكتابة سفري الأخبار
أقسامه
مفتاح السفر

بين سفري الأخبار الأيام وسفر عزرا

كتاب الأخبار أو كتاب أخبار الأيام (والسنين) سفران في كتاب واحد: سفر أخبار الأيام الأول، سفر أخبار الأيام الثاني، وكلاهما يكونان تاريخ شعب إسرائيل من آدم إلى قرار كورش والرجوع من سبي بابل سنة 538 ق.م(1).

حسب التلمود اليهودي يعتبر عزرا الكاهن الذي كتب السفر المنسوب إليه في العهد القديم، هو كاتب سفري أخبار الأيام. وهذا ما يؤكده الكثيرين الدارسين.

واضح من محتويات سفري الأخبار التي تُشير إلى مؤلف كهنوتي بسبب التأكيد على الهيكل والكهنوت، والخط الثيوقراطي لداود في مملكة يهوذا الجنوبية.

يوجد تشابه كبير بين أسلوب سفري الأخبار وسفر عزرا، حيث تشترك في وجهة النظر الكهنوتية وخدمة الكهنوت والعبادة في الهيكل، والطاعة للتشريع الإلهي وذكر الأنساب. كذلك فإن العبارتين الختاميتين في سفر أخبار الأيام الثاني (2 أي 36: 22- 23) تتكرران في افتتاحية سفر عزرا (1: 1-3)، اللذين يفتحان لنا نافذة على زمن بناء الهيكل الثاني وحياة شعب إسرائيل في أيام الفرس. ربما كان سفر عزرا مكّمًلا لسفري الأخبار، كما هو الحال في إنجيل القديس لوقا وسفر أعمال الرسل.

توجد تعبيرات وردت في سفريّ الأخبار كما في سفر عزرا لم تكن معروفة قبل العودة من السبيّ مما يؤكد أن عزرا هو كاتب هذه الأسفار(2).

بين سفري الأخبار الأيام وسفري صموئيل الثاني والملوك الثاني

يحتوي سفرًا أخبار الأيام الأول والثاني على تاريخ الأمة اليهودية، خاصة ما هو مكتوب في سفري صموئيل الثاني والملوك الثاني، أيّ أنهما يشتملان على تاريخ اليهود من بداية حكم شاول الملك إلى صدقيا الملك. فهل يعني هذا أن أخبار الأيام الأول والثاني هما تكرار لما ورد في أسفار الملوك؟

بينما سفر صموئيل الثاني وسفرا الملوك الأول والثاني تمثل التاريخ السياسي لإسرائيل ويهوذا، فإن سفري أخبار الأيام الأول والثاني يقدمّان النظرة الدينية لنسل داود في مملكة يهوذا. ويمكن القول بأنهما يمثلان وجهة النظر الكهنوتية والروحية، بينما الأسفار السابقة تمثل وجهة النظر النبوية والأخلاقية.

في سفري الأخبار يتخطى الله الأساس الذي كتب في أسفار صموئيل والملوك لكي يُؤكد أشياء يعتبرها مهمة، فمثًلا:

  1. التركيز في سفر أخبار الأيام الأول يقع على داود، والتركيز في سفر أخبار الأيام الثاني يقع على نسله. وعند ذكر انقسام مملكتي الشمال والجنوب نجد أن مملكة الشمال قد أهملت.
  2. سفر أخبار الأيام الأول لا يذكر خطية داود لأن الله غفرها له تمامًا ولذلك لا يذكرها ثانية.   
  3. سفرًا الملوك يعطي تاريخ الأمة من وجهة نظر العرش، بينما سفرًا الأخبار يعطيه من وجهة نظر المذبح. في سفر الملوك القصر هو المركز، بينما في سفر الأخبار الهيكل هو المركز.
  4. سفرًا الأخبار هما تفسير لسفري الملوك لأننا كثيرًا ما نرى ذكر العبارة الآتية في الملوك: “أليس هو مكتوب في سفر أخبار ملوك إسرائيل؟”

لمن كُتب

كتب هذان السفران بالأكثر للملوك والقادة الدينيين، ليدركوا أن القائد الحقيقي هو الله. كما قدمه للشعب ليدركوا أن خلاصهم يتحقق لا بفضل القادة وقدرتهم، وإنما بالرجوع إلى الله. ونحن كمسيحيين ندرك أن خلاصنا هو بالمسيح الملك الحقيقي، وقائد موكبنا إلى السماء.

يفتح لنا هذان السفران أبواب الرجاء في مراحم الله الذي وإن أدبنا بسبب خطايانا، إنما إلى لحظة فيفيض بمراحمه علينا. كما يكشف لنا عما يتوقعه الله من مؤمنيه كقادةٍ وشعبٍ.

تقسيم سفر الأخبار

سفرا أخبار الأيام كانا في الأصل سفرًا واحدًا، مثل أسفار صموئيل والملوك، وقد تم تقسيمها إلى جزئين في الترجمة السبعينية في القرن الثالث قبل الميلاد.

في ذاك الوقت أُعطيت اسم Pawa leipomenon  أو التي لم تُذكر “الأشياء المحذوفة” إشارة إلى الأشياء في أسفار صموئيل والملوك.

يرجع اسم “أخبار الأيام” إلى القديس جيروم في الفولجاتا (385- 405 ق.م.) وهو الذي رأى أنه حيث أن السفرين يعتبران ملخصًا للعهد القديم لذلك من الأفضل أن يسميا “أخبارChronicon  ” كل التاريخ المقدس.

سماتهما

  1. يُعتبر سفرًا الأخبار تفسيرًا روحيًا لأسفار صموئيل والملاك(3).
  2. يرى القديس جيروم أن سفريّ الأخبار الأول والثاني هما خلاصة العهد القديم(4).

الظروف المحيطة بالكاتب

على الرغم من أن كاتب سفري الأخبار يُسجّل أحداث نفس الحقبة كما ورد في أسفار صموئيل والملوك، وأحيانًا يستعمل نفس اللهجة وربما يستعير من صفحاتها، إلاَّ إنه يكتب من وجهة نظر مختلفة وكتابته لها صفة مُميزة، لأنه في الوقت الذي كُتبت فيه هذه الأسفار كان شعب إسرائيل يجتاز حقبة حرجة جديدة في تاريخه.

لما رجع عزرا إلى اليهودية في عام 458 قبل الميلاد كانت الملكية معلّقة لمدة 130 عامًا، ويبدو أن الأمة لم يكن عندها تفكير في تجديد الملكية، وكان قد مضت عشرات السنوات منذ أن عاد أول فوج من السبي عندما بدأوا في إعادة تثبيت الأمة في أورشليم، ولكنهم وكذلك عدة أجيال بعدهم كانوا قد استسلموا لوضعهم كرعايا للإمبراطورية الفارسية، وكانت حكومتهم المدنية على نمط شعب مقهور، لكن كانت صفتهم القومية واضحة ومميزة، إلاِّ أنها أخذت شكًلا مختلفًا، إذ لم تكن بعد ملكية ودينية بل دينية فقط.

فيما عدا ما يخص الديانة، كانوا خاضعين للحكام وقوانين الإمبراطورية التي أصبحوا جزءًا منها. في إطار ديانتهم كانوا بالأكثر عبرانيين ومازالوا خاضعين للثيؤقراطية Theocracy ، ولكن بشكلها الخارجي الذي كان قد تغير مرة أخرى، فالملكية ولّت ومعها سلسلة الخدام المُتميزين التابعين لحُكم الله، أيّ سلسلة الأنبياء التي كانت ضابطة ومُنظمة للملكية. ومن ثم فإن الممثل الأرضي للثيؤقراطية أصبح الممثل لرئاسة النظام الديني، أيّ رئيس الكهنة، وقومية الشعب أصبحت قومية دينية من ذاك الوقت فصاعدًا.

كان هذا التغير في الشعب العبراني هو السبب الذي دعا عزرا لإعادة كتابة الجزء الأخير من تاريخ جنسهم، فسفري الملوك أشارا إلى العلاقة بين المملكتين مع النظام المميز ممثًلا في الأنبياء، بينما سفرًا الأخبار أشارا إلى العلاقة بين مملكة داود الشرعية مع النظام العام للخدمة والعبادة المُرتّبة من الله. هذا المفتاح لغرض إعادة سرد التاريخ ورد في نهاية الأصحاح العاشر لسفر أخبار الأيام الأول وهو أول أصحاح يتابع المملكة الثيؤقراطية.

في سرد تاريخ داود وسليمان أرّخ الكاتب تقريبًا من وجهة النظر الدينية المحضة، ومُلك داود شغل عدة أصحاحات أغلبها خُصص لنقل التابوت إلى أورشليم، وتحديد موقع الهيكل، والتحضير لبنائه، ووضع الترتيبات الخاصة بالعبادة الإلهية. أما العلاقات العائلية لداود، وخطيته مع بتشبع، وعصيان أبشالوم وأدونيا، ومزمور الشكر لانتصاره، وكلماته الأخيرة فلم تُذكر.

 كذلك الحال في سرد تاريخ سليمان، حتى أن سبعة أصحاحات من تسعة خُصصت لبناء وتكريس الهيكل، أما الأمور الدنيوية المختصة بالأربعين عامًا لملكه فقد لُخصت تقريبًا في ثلاثة أصحاحات. كذلك سرد تاريخ الملوك اللاحقين كُتب بنفس الطريقة: الكهنة واللاويون هربوا من عبادة يربعام الخاطئة في المملكة الشمالية. وشّددوا مُلْك رحبعام بتجمعهم حوله (2 أي 11: 13-17). نداء أبيا إلى رعايا يربعام متهكمًا على عبادته التي اخترعها ومقارنتها بالأمجاد الدينية القديمة التي احتفظ بها في أورشليم (2أيام 13: 9، 12). آسا يحيي العبادة في الهيكل ويجدد العهد بين الله وشعبه “وطلبوه بكل رضاهم فوجِد لهم وأراحهم الرب من كل جهة”(2أيام 15: 1، 15). ويماثل ذلك أخبار ملك يهوشافاط ويوآش وفي سرد أخبار يوآش أُعطيت أهمية خاصة لرئيس الكهنة يهوياداع لموقفه أثناء حالة الطوارئ القومية (2أيام 23). وسرد الحادث الفريد أثناء مُلك عزيا الذي حاول اقتحام الخدمة المقدسة ولما قاومه الكهنة عَضّدهم الله بقوته (2أيام 26: 16، 21).  أخيرًا السرد الطويل لملك حزقيا ويوآش حيث وصف في أصحاحات عديدة التجديدات التي تمت في الهيكل وخدمة الهيكل وترك أصحاحات قليلة لوصف الخدمة العالمية (2أيام 29، 31، 34- 35).

من الواضح أن غرض عزرا من كتابة سفر الأخبار هو أن يضع أمام اليهود اعتبارًا خاصًا لتاريخهم لكي يظهر لهم أنه من قبل تكوين حكمهم كثيؤقراطية، فإن الأمجاد وكذلك الضعفات حتى الخاصة بالملك داود كان لها صلة وطيدة بالاعتراف بحضور الله خلال المحافظة على العبادة التي قررها الله لهذا الغرض. والهدف من وجهة نظر تاريخهم بهذه الطريقة هو لتقوية الوازع الديني لقوميتهم ولتعليمهم أن قمة مجدهم هو مُلك الله عليهم وأنه بالرغم من أن هذا المُلك كان يُمارس خلال الأنبياء إلاَّ أن مظهره العادي والطبيعي كان الاعتماد على النظام الكهنوتي (اللاوي).

موضوع السفرين(5)

يشكل السفران نظرة تعود بنا إلى زمن الخلق وتمتد بنا إلى القرن الخامس ق.م. وهو أربعة أقسام.

القسم الأول (1 أي 1-9): يحتوي على سلسلة أنساب تقع في 9 أصحاحات. يقدم لنا لوائح من الأنساب منذ آدم إلى الأسباط الاثني عشرة، ومن الأسباط الاثني عشر حتى داود، وهمه أن يصل بسرعة إلى داود الذي اختاره الله، ولماذا يروي أخبارًا يعرفها القارئ؟ لأنه يريد أن يربط داود بأول إنسان على الأرض. هذه الفصول التسعة تبدو جافة للقارئ، لكنها تعبر عن فكرة عميقة وهي أن بناء الهيكل وتنظيم العبادة فيه يعودان إلى بداية البشرية. وقد لعب كل من سبط يهوذا (داود) وسبط لاوي (الكهنوت) وسبط بنيامين (حيث بُني الهيكل) دورًا هامًا في تهيئة الحدث الهام آلا وهو بناء الهيكل.

القسم الثاني (1 أي 10-29): يحدثنا عن الملك داود. يبدأ خبره مع موت شاول، وينهيه مع موت داود. يحتوي على بعض من أعمال داود. سرد الأحداث في هذا القسم يكون في بعض الأحيان مطابقًا لما جاء في سفري صموئيل. في هذا القسم يبدو داود الملك التقى الذي تهمه مصالح الرب والهيكل والكهنوت والأناشيد الدينية والاحتفالات. داود ملك، ولكنه ملك في خدمة الرب يهوه، لأن الرب وحده ملك في إسرائيل، وداود وكيله، وشعب إسرائيل هو بيت الرب ومملكته. عرش داود هو عرش الرب في إسرائيل وتمجيد الرب هو هم داود. لذلك لم يكتف بالتفكير ببناء الهيكل، بل هيأ التصميم ولم ينس حتى آنية الخدمة والسرج والمنائر (1 أي 28: 11-18). نظم كل شيء قبل موته.

القسم الثالث (2 أي 1-9): يحدثنا عن الملك سليمان الذي أنهى عملًا هيأه أبوه. . سليمان ملك يتحلى بالكمال والتقوى، لهذا يحق له أن يبني بيتًا لاسم الرب (2 أي 6: 8-9). ويطيل الكاتب كلامه عن بناء الهيكل، ولا يتوقف إلا قليلًا على نشاط سليمان السياسي. وحين أنهى الملك سليمان العمل الذي هيأه له أبوه، رقد بسلام غير خائف على المستقبل واثقًا بكلام الرب: أقيمه (أي سليمان) في بيتي وفي ملكي إلى الدهر، ويكون عرشه ثابتًا إلى الأبد (1أي 17:14).

القسم الرابع (2 أي 10-36): يحتوي على منتخبات عن ملوك يهوذا التسعة عشر من رحبعام إلى صدقيا، مع سرد ما ورد في سفر الملوك في أكثر تفصيًل. يرافق مملكة يهوذا منذ موت سليمان حتى الجلاء إلى بابل وبداية الرجوع إلى أورشليم. بنى داود وسليمان صرحًا عاليا، ولكن الصرح بدأ ينهار. انشقت أسباط الشمال وتمردت على بيت داود (2 أي 10:19)، فما عاد الكاتب يتحدث عنها إلا قليلًا. ثم أن بعض ملوك يهوذا حادوا عن طريق داود، فلامهم الكاتب وهددهم بالعقاب الآتي. “إذا سهرت على تنفيذ الأحكام التي أمر بها الرب موسى شعبه تنجح (1 أي 22: 13). هذا ما قاله داود لابنه. وقال له أيضٍا: “إن طلبت الرب وجدته، وإن تركته خذلك إلى الأبد” (1 مل 28:9). ويقول عزريا النبي للملك آسا وشعبه: “الرب معكم مادمتم معه. إن طلبتموه وجدتموه، وإن تركتموه ترككم” (2 أي 15:2).

يتوقف الكاتب على رحبعام وعزريا ويوشيا. نجحوا ماداموا أمناء للرب، وحين تركوا الرب عرفوا الشقاء والهزيمة. ويكلم الرب ملكه وشعبه بواسطة أنبياء يرسلهم في مهمة إلى رحبعام. أرسل شمعيا فقال لهم: قال الرب: تركتموني وأنا أيضًا تركتكم في يد شيشياق: فخشعوا وقالوا: عادل الرب (2 أي 12: 5- 6). وإلى آسا أرسل عزريا بن عوديد (2 أي 15: 1- 7). وحنانيا الرائي الذي قال للملك اتكلت: على ملك آرام ولم تتكل على الرب إلهك.، لذلك أفلت من يدك جيش ملك آرام (2 أي 16: 7)، وإلى يوشافاط أرسل ياهو بن حنانيا (2 أي 19: 1-3) يحزاقيل (2 أي 20: 14- 17). وحين حل روح الله على زكريا بن يوياداع وقف أمام الشعب وقال لهم: كذا قال الله: لماذا تتعدون وصايا الله؟ أنتم لا تنجحون لأنكم تركتم الرب فترككم فتحالفوا عليه ورجموه بالحجارة فأمر الملك (2 أي 24: 20) هؤلاء الأنبياء أرسلهم الله لأنه أشفق على وعلى مسكنه، ولكن الشعب لم يفهم والملوك لم يتوبوا فحلت الكارثة.

المعني الديني لكتابة سفري الأخبار(6)

لهذا نستطيع أن نعود إلى ما قلناه عن داود وسليمان وسائر اليهود الذين كانوا أمناء لشريعة الرب. ونشير هنا أيضًا إلى دور الأنبياء الذين حملوا كلمة الله في شعبه، كلمة التحذير والتنبيه، كلمو التعزية والتشجيع. ونفهم أنه لا يزال يوجد في شعب الله اليوم. في الكنيسة ، أنبياء يحملون كلمة الله ويوصلونه إلى المؤمنين .

لن نعود ونتكلم عن داود والكاتب يشبهه بموسي. فكما كان موسى قائد شعب الله في البرية، كذلك كان داود قائدهم في أرض كنعان، فنظم الشعب وشرع له القوانين باسم الرب على مثال موسى. ولن نعود إلى سليمان الذي بنى المعبد بحسب التصاميم التي وضعها أبوه ودشنه بأبهه لا مثيل لها.

مع داود وسليمان بدأت مملكة داود وتنظمت، وستدوم من القرن العاشر حتى القرن السادس. فتحمل آمالًا كبيرة للشعب وتنتهي بآلام المنفى وضياع المدينة والهيكل. كانت السلالة الملكية والمدينة والهيكل عواميد يستند إليها المؤمن، ولكن حين زالت هذه العواميد فقد الشعب رجاءه، وكانت لا بُد أن تزول، لآلا يتعلق الشعب بالبشر، والبشر ضعفاء، بل بالله، ولعل يسند حياته للحجر الذي لا يدوم، وحين ذهب الشعب إلى المنفى، فهم أن الله لا يرتبط بأرضه، وهو سيد الأرض كلها، ولا يرتبط بمعبد والسماء عرشه والأرض موطأ قدميه, فهم الشعب فأعطى روحانيه جديده لإيمانه، وسنرى فيما بعد كيف أنه ربط نفسه بالله من خلال طقس صغير هو الختان، الذي من خلاله يعلن انتمائه إلى شعب الله، وتعلم أن يمكون جماعه حول كلمة الهه يقرأها كل سبت ويتأمل فيها. ولكن بأنتظار ذلك سيبقى الهيكل مركز العباده الوحيد.

الهيكل والعباده هما محور كتاب الأخبار، بل الهدف الرئيسي للكتاب يحدثنا عن تاريخ اورشليم المدينة المقدسة، وعن الاحتفالات التي تقام في الهيكل من أجل هذا، نرى الكتاب يتوسع في ذكر سلسلة أنساب يهوذا وبنيامين لارتباطهم بالهيكل. وحين يذكر خلفاء داود يتوقف بصورة خاصة عند الملوك التي كان شغلهم الشاغل بناء الهيكل وتنظيم شعائر العبادة. وهم.: آسا، يوشفاط، حزقيا ويوشيا. وهذا الاهتمام سيظهر أيضًا في سفري عزرا ونحميا: رفع المذبح فوق ركام الهيكل. أعيد تنظيم العبادة في الهيكل.

ويحدثنا كتاب الأخبار عن خدام الهيكل، وكلهم من أبناء لوي. كانوا كهنة متحضرين من هارون، أم لاويين متحضرين من سائر عشائر لاوي. فوظيفة الكهنة هي: النفخ في الأبواق أمام تابوت العهد (1 أي 15: 24، 2أخ 13: 12). ورش دم الضحايا على المذبح (2 أي 30: 16). أما اللاويون فليسوا عمالًا من الدرجة الدنيا، ولكن لهم دورهم في شعائر العبادة، فهم يحملون تابوت العهد، ويفتحون أبواب الهيكل ويحرسون مداخلهم، هم يعزفون وينشدون، ويشاركون الكهنة في تهيئة الذبائح، لا في تقدماتها، (2 أي 29: 24، 30: 16- 17). مكا يشاركونهم في حمل كتاب شريعة الله وتعليم الشعب (2 أي 17: 7- 9، 35: 3). ولقد أهتم كتاب الأخبار بلوائح أنساب اللاويين فلم ينسى عشيره من عشائرهم، أثني على على غيرتهم ومهارتهم الفائقة في خدمة الرب فقال فيهم: “كان اللاويون أكثر أمانه في الكهنة في تطهير أنفسهم” (2 أي 29: 34).

نتوقف هنا نحن المسيحيين عند أسس العبادة في كنائسنا، عند دور الكهنة ومساعديهم في ممارسة الطقوس. للأشخاص دورهم الذي لا يُستغنى عنه، ولشعائر العباده أهميتها اليوم وفي كل يوم. كانت لشعب العهد القديم طرق عبادته. التي تقوم بتقدمة الذبائح في الهيكل ورفع الصلوات إلى الله. وسيكون لشعب العهد الجديد طرق عبادته. حول الذبيحة الوحيدة. ذبيحة يسوع المسيح التي نعيشها على مذابحنا في القداس وفي حياتنا في سائر الأسرار والطقوس. جوهر العبادة هو هو ، التقوى ضرورية لتنقلنا من عالم البشر العادي إلى عالم الله المقدس.

ويحدثنا كتاب الأخبار عن الهيكل فيقول: لا هيكل إلا هيكل أورشليم، ولا عبادة شرعية إلا في المكان الذي اختاره الله لسكناه.ولهذا نراه يرفض كل المحاولات لتأسيس معبد غير هذا المعبد الواحد، وإقامة الطقوس خارجًا عن الهيكل. وسيقوم بهجوم عنيف على السامريين الذين سيبنون لهم هيكلًا على جبل جريزم، بل سيُغفل أخبار مملكة السامرة التي قطعت كل علاقة بالهيكل بعد موت سليمان.

بهذا الهيكل الذي أعيد بناؤه بعد الرجوع من الجلاء، سيتعلق الشعب اليهودي. سينجس في زمن السلوقيين وانطوخيوس ابيفانيوس في القرن الثاني، ولكن هيرودس سيجمله في بداية المسيحية ليصبح قبله الأنظار. هذا الهيكل سيُهدم سنة 70 ق.م. وسيتشتت كهنته وتُلغى ذبائحه فيتأسف عليه المسيحيون الجدد الآتون من العالم اليهودي. ولكن الرسالة إلى العبرانيين ستعلن لهم: لا فائدة من الذبائح ولنا ذبيحة واحدة هي يسوع المسيح. لا فائدة من الكهنة الذين يحتاجون أن يقدموا الذبائح عنهم وعن الشعب، لأن يسوع هو الكاهن الذب قَّدم نفسه مرة واحدة فكان لنا سبب خلاص ابدي. ولا فائدة من هيكل من الحجر، لأن جسد يسوع هو الهيكل الجديد ومركز حضور الله وسط البشر، فلا نحتاج إلى وسيط آخر.

إن ما قلناه عن داود وسليمان، عن الهيكل والعابدة، ويقودنا إلى نظرة خاصة تجعل الله ملكًا على شعبه في أرضه. فالجماعة اليهودية أسسها الله، وجعل داود ملكًا عليها. بل إن الله هو الملك الوحيد، أما داود فيجلس على عرش الله. باسم الله. وحينئذ يصور كتاب الأخبار مملكة اله كما يتمثلها أي إنسان:

العبادة في موضع واحد هو هيكل أورشليم، الإقامة في مدينة مقدسة بالإيمان والفرح والتهليل، بفضل وجود الكهنة واللاويين، أما الطاعة لشريعة الله فهي أولى واجبات الشعب في حياته اليومية. والعلاقة بين الله والشعب تترجم بمبدأ المكافأة والمجازاة: عدالة الله تجازي بالبركة أمانة الشعب لله، وهي تعاقب كل تخاذل أو عصيان وبالأخص فيمل يتعلق بالهيكل والعبادة. مثل هذا التعليم يبدو واضحًا في حياة خلفاء داود. ونعطي مثالين على ذلك: دام ملك منسى طويلًا لأنه تاب إلى ربه (2 أي 33: 12- 13). أما يوشيا فمات شابًا لأنه عارض مشيئة الله (2 أخ 35: 21- 22).

هذه الحياة على مستوى الأمة كلها، فتحاول فئات صغيره أن تعيشها. نذكر الفريسيين وجماعة قمران الذين سعوا إلى أن يطبعوا الحياة اليومية بطابع قدسي. لكن الفريسيين تحجروا حول الشريعة وممارسات الأجداد. وجماعة قمران انفصلوا عن الشعب، وابتعدوا عن الهيكل لانغلقوا إلى ذواتهم بانتظار أن يتشتتوا بثورة اليهود على الرومان في القرن الثاني المسيحي. ولكن الفكرة التي أعلنوها ما زالت حيه في جماعتنا الرهبانية وخاصة تلك التي تكرس حياتها للعمل والصلاة الليتورجية. لا شك أن هناك فصلًا بين الحياة اليومية والحياة القدسية ولكن الفصل لا يعني استقلال اليومية عن شريعة الله التي تنيرها وتوجها. الله حاضر في الكون وحاضر في حياتنا وعلى المؤمنين أن يعلنوا هذا الحضور بحياتهم وأعمالهم وأوقاتهم. إذا أرادنا إن يأتي ملكوت الله، كما نصلي كل يوم، فعلينا أن نهيء الدرب له بتقديس الكون وكل ما فيه، ليصبح هيكل الرب الذي فيه نقدم لله ذبيحة يسوع المسيح الحاضر معنا إلى نهاية العالم.

كانت محاولة لتكريس الأرض للرب في العهد القديم، وهذه المحاولة ستنجح مع المسيح الذي جمع في شخصه كل ما في السماء على الأرض وستنجح أيضًا في الكنيسة، عندما يصبح كل شيء لنا ونكون نحن للمسيح ويكون المسيح لله.

أقسامه

1. الأنساب

  

1 –8.

2. إعادة إنشاء الميراث القديم

  

9.

3. مملكة يهوذا: داود إلى السبي

  

10 –29.

 

مفتاح السفر

1أي 29: 11-12).

_____

(1) راجع الرابطة الكاثوليكية العالمية: دراسات بيبلية، 1: القراءة المسيحية للعهد القديم، بيروت، 1991، ص 128 إلخ.

(2)Baker’s Pictorial Introduction to the Bible, 1967,13 1 Chronicles.

(3)Baker’s Pictorial Introduction to the Bible, 1967,13 1 Chronicles.

(4)Baker’s Pictorial Introduction to the Bible, 1967,13 1 Chronicles.

(5) راجع الرابطة الكاثوليكية العالمية: دراسات بيبلية، 1: القراءة المسيحية للعهد القديم، بيروت، 1991، ص 128 إلخ.

(6) راجع الرابطة الكاثوليكية العالمية: دراسات بيبلية، 1: القراءة المسيحية للعهد القديم، بيروت، 1991، ص 130 إلخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى