تفسير سفر الملوك الأول 10 للقمص تادرس يعقوب ملطي
ملكة سبأ تُعجب بحكمة سليمان
أبرزت الأصحاحات السابقة استقرار مملكة سليمان، واهتمامه بالعمل الإنشائي. بدأ ببيت الرب وملحقاته، ثم قصره الخاص وملحقاته، فجناح ابنة فرعون، ثم مدن المخازن، وأخيرًا منشآت لأجل مسرَّته. لكنَّنا لم نسمع عن اهتمامه بإقامة منشآت خيريَّة كالمستشفيات أو ملاجئ للفقراء، ولا أقام مدارس ومنشآت علميَّة ودراسيَّة. كما لم نسمع عن اهتمامه بتربيَّة ابنه رحبعام وليّ العهد.
لقد أوضح هذا الأصحاح عظمة حكمة سليمان، إذ اعترفت ملكة سبأ بأن ما رأته أعظم ممَّا سمعته عنه.
* عظمة غناه: قدَّمت له ملكة سبأ الكثير من الذهب والأطياب والحجارة الكريمة، كما قدَّم له ملوك الدول المحيطة بفيضٍ.
* عظمة سخائه، كان يأتيه الكثير، ويقدِّم أيضًا الكثير.
* عظمة مظهره: أتراس من ذهب، كؤوس من ذهب، عرش فريد في العظمة.
* عظمة قوَّته: مركبات وخيل بكثرة [26].
* قدرته التجاريَّة: تبادل تجاري مع مصر [28-29].
* غنى شعبه: [27].
إذا وضعت كل الأمور معًا يمكن القول بأن سليمان قد فاق كل ملوك الأرض في الغنى والحكمة، لكنَّه كان ظلًا للمسيح الذي قال عن نفسه: “هوذا أعظم من سليمان ههنا” (مت 12: 42؛ لو 11: 31).
1. زيارة ملكة سبأ |
[1 –13]. |
|
2. غنى سليمان |
[14 –29]. |
|
من وحي 1 ملوك 10 |
1. زيارة ملكة سبأ:
جاءت ملكة سبأ تزوره لترى وتلمس ما قد سمعته عنه. قدَّمت له هدايا ثمينة بوفرة، كما اختبرته بأسئلة قدم لها إجابات وافيَّة، كشفت عن إعجابها بحكمته ومنشآته، وسبَّحت الله الذي أقام مثل هذا الملك على شعبه.
“وسمعت ملكة سبأ بخبر سليمان لمجد الرب،
فأتت لتمتحنه بمسائل” [1].
يتساءل البعض إن كانت ملكة سبأ أثيوبيَّة أم عربيَّة أم هنديَّة. فلدى كلٍ من أثيوبيا واليمن تقليد به يربطون ملكة سبأ بتاريخهم، خاصة وأن وجود ملكة تحكم البلاد كان عامًا في المنطقتين.
دعاها السيِّد المسيح ملكة الجنوب، لأن سبأ في جنوب كنعان. الرأي السائد أن سبأ في أفريقيا، يعتبر الأثيوبيُّون إلى يومنا هذا أن ملكة سبأ جاءت من بلادهم، وأن كنداكة (أع 8: 27) هي خليفتها.
يرجِّح البعض أنَّها من اليمن للأسباب التالية:
* كانت سبأ العربيَّة منطقة مشهورة بالأطياب في العالم القديم، وكانت غنيَّة بمناجم الذهب والفضَّة والحجارة الكريمة.
* سبأ العربيَّة كانت مملكة هامة، بينما سبأ الأثيوبيَّة كانت مجرَّد مدينة.
* إن كانت أوفير في العربيَّة، فيكون ذلك سببًا إضافيًا لاعتبار سبأ في نفس المنطقة. لأن تجارة سليمان مع أوفير نشرت أخباره ووصلت شهرته منها إلى ملكة سبأ.
يرى البعض الدارسين أن سبأ كانت مملكة مستقلَّة، شعب مميَّز من الأثيوبيِّين والعرب.
“لمجد الرب” [1]: مع ما اتَّسم به سليمان من مواهب كثيرة مثل النطق بأمثال وأناشيد والحنكة العسكريَّة والسياسيَّة والذوق الفنِّي في البناء، إلاَّ أن شهرته كانت “لمجد الرب”، بمعنى آخر ما انتشر عنه أنَّه رجل الله التقي.
ما هو الدافع لملكة سبأ أن تأتي بقافلة مسافة أكثر من 1000 ميل؟ لقد ارتبط اسم سليمان باسم الله، فجاءت تقدِّم له أسئلة صعبة لتعرف ماذا يعني هذا الإله المتعبِّد له بالنسبة لها. لقد استجاب الله لطلبة سليمان أن تأتي الشعوب وتتعرَّف على الله وتسأله في بيته (1 مل 8: 41-43).
كان من عادة بعض الملوك أن يمارسون رياضة ملوكيَّة بأن يقوموا بزيارة الملوك المعاصرين ويختبرون إمكانيَّاتهم وقدراتهم في التدبير. فقد سمعت ملكة سبأ الكثير عن سليمان فظنَّت أنَّها من وحيّ الخيال. جاءت بنفسها إلى أورشليم والتقت بسليمان وقدمت له أسئلة، وإذ أجابها على أسئلتها أدركت حكمته الفائقة ومجدَّت الله الذي أقام سليمان ملكًا ووهبه حكمة وبرًّا [9].
هل استمرَّت ملكة سبأ في إيمانها بالله؟ كل ما نعرفه أن السيِّد المسيح تحدَّث عنها مع أهل نينوى كمثلين حيِّين لقبول الأمم لله الحي في العهد القديم والتجاوب معه (لو 11: 29-32).
“فأتت إلى أورشليم بموكب عظيم جدًا،
بجِمال حاملة أطيابًا وذهبًا كثيرًا جدًا وحجارة كريمة،
وأتت إلى سليمان، وكلمته بكل ما كان بقلبها” [2].
مجيئها بقافلة ضخمة من الجمال يؤكِّد أن سبأ ليست في الهند كما ظن البعض، إذ لا يمكن لمثل هذه القافلة أن تأتي من المحيط الهندي، لكنَّها كانت وسيلة الانتقال في العربيَّة.
لم ترسل ملكة سبأ رسولًا ليكتشف شخصيَّة سليمان، بل ذهبت بنفسها. لقد حملت ذهبًا كثيرًا وحجارة كريمة وأطيابًا لكي تستمتع بالحكمة من فم سليمان. وها هو حكمة الله نفسه يود أن يهبنا ذاته مجانًا لنحمله فينا. ذاك الذي هو أعظم من سليمان، ومع هذا كثيرًا ما نهرب منه. لقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله.
من جانب سليمان فإنَّه لم يوبِّخها على تركها شئون مملكتها لتتحمَّل مشاق هذه الرحلة الطويلة، بل رحّب بها، وأعطاها الفرصة لكي تتكلَّم بكل ما في قلبها. أجابها على أسئلتها سواء الطبيعيَّة أو السلوكيَّة أو السياسيَّة أو الدينيَّة.
“فأخبرها سليمان بكل كلامها،
لم يكن أمر مخفيًا عن الملك لم يخبرها به” [3].
يرى يوسيفوس المؤِّرِّخ(84) أنَّها لم تقدِّم أسئلة فلسفيَّة، ولا دخلت معه في حوار ديني أو أخلاقي، إنَّما قدَّمت ما جمعته من أحجيَّة وألغاز صعبة، فقد عُرف الشرقيُّون قبل أيَّام سليمان بالتلاعب في الألفاظ، كما حدث مع شمشون (قض 14: 12-14). ولا يزال يشتهر الشرق بهذا حتى يومنا هذا.
قدم لنا التلمود كثير من القصص والأحجيَّة التي دارت بين ملكة سبأ وسليمان، وانتشرت أيضًا بطريقة أو أخرى في منطقة فارس وبلاد العرب بين ملوكهم.
جاء عن ملكة سبأ أنَّها كلما قدَّمت أحجيَّة صعبة كان سليمان بفكره الثاقب وسرعة بديهته يجيب عليها. أخيرًا قدَّمت باقة ورود جميلة صُنعت بإتقان شديد حتى يصعب تمامًا على الإنسان أن يميِّزها من الورود الطبيعيَّة. نسَّقت الباقة بطريقة مبدعة ومدهشة ثم قدَّمتها للملك. وقدَّمت معها باقة أخرى من الورود الطبيعيَّة تشبهها تمامًا.
ارتبك كل الحاضرين إذ يصعب على العين أن تميِّز بين الباقة الطبيعيَّة والباقة الصناعيَّة. في البداية لاحظ الحاضرون أن الملك -لأول مرة- يقف مرتبكًا. صمت الجميع وارتبكوا جدًا خشية أن يُخذل ملكهم. لكن الملك بسرعة شديدة جاء بعدد من النحل الذي يحوم حول الورود وأطلقه، فاتَّجه نحو الورد الطبيعي. فأمسك الملك بالباقة الطبيعيَّة وترك الورد الصناعي، عندئذ صفَّق جميع الحاضرين ودُهشت الملكة لحكمة سليمان واتِّقاد ذهنه.
“فلما رأت ملكة سبأ كل حكمة سليمان والبيت الذي بناه” [4].
يرى اليهود في تعبير “حكمة chaakmat سليمان، دائرة متَّسعة من المواهب الفكريَّة والقدرات العقليَّة والعمليَّة، فالحكمة هنا ليست معرفة نظريَّة بل عمليَّة تجلَّت في قدرته على تنظيم شئون مملكته، وتدبير قصره الملكي، وتمتُّعه بأنهار من الغنى تفيض على مملكته بالتجارة الدوليَّة، وحكمته في بناء الهيكل وتنظيم الخدمة فيه، ومهارته الفنيَّة والأدبيَّة، وتقواه، واهتمامه بالعبادة الجماعيَّة، وتقديم المحرقات باسم الشعب كله.
“وطعام مائدته ومجلس عبيده وموقف خدَّامه وملابسهم وسُقاته ومحرقاته التي كان يصعدها في بيت الرب،
لم يبقَ فيها روح بعد.
فقالت للملك: صحيحًا كان الخبر الذي سمعته في أرضي عن أمورك وعن حكمتك.
ولم أصدِّق الأخبار حتى جئت وأبصرت عيناي،
فهوذا النصف لم أُخبر به،
زدت حكمة وصلاحًا على الخبر الذي سمعته” [5-7].
لاحظت دقَّة نظام تدبير الأكل اليومي على مائدته التي ضمَّت الألوف يوميًا، وتدبير جلوس عبيده كلٍ حسب رتبته. والاهتمام حتى بمظهر عبيده وملابسهم البهيَّة.
“كان يصعدها“، ربَّما يعني بالصعود هنا أنَّه كان يسلك طريقًا خاصًا يعبره الملك من قصره إلى التل الغربي عبر وادٍ صغير منحدر ثم يصعد على التل الشرقي حيث الجانب الغربي من منطقة الهيكل.
“لم يبقَ فيها روح”، إذ كادت أن يُغمى عليها من شدَّة الدهشة التي لحقت بها.
اعترفت الملكة بأن ما قد بلغها كانت تظن أنَّه مبالغ فيه. الآن أدركت أن هذا التقرير قدَّم نصف الحقيقة. فإن ما شدّ اهتمامها ليس ما سمعته من شفتيّ الملك، بل وما رأته بعينيها. أُعجبت بكلماته كما بأعماله. امتدحته من أجل ما ناله من موهبة الحكمة، وما تمتَّعت به حياته العمليَّة من صلاح وتقوى. فقد امتزجت معرفته بسلوكه العملي، وتُرجمت مفاهيمه خلال حياته.
مجَّدت ملكة سبأ إله إسرائيل، لا بمعنى أنَّها تركت آلهتها لتعبد إله إسرائيل، بل آمنت به كأحد الآلهة الأخرى. يرى بعض الكُتَّاب اليهود أنَّها دخلت الإيمان بتأثير سليمان وعبدت الله الحيّ، غير أن البعض يستبعد ذلك، إذ لا نجد أثرًا لتقديم عطايا للهيكل من جانبها. ما قدَّمته من هبات كان للملك شخصيًا.
ما قدَّمته من هبات ليس جزية التزمت بها، وإنَّما علامة صداقة لا على المستوى الشخصي فحسب بل على مستوى صداقة البلدين.
يقول Strabo أن السبائيِّين كانوا أغنياء جدًا، استخدموا الذهب والفضَّة بطريقة مبالغ فيها في أثاثاتهم وعلى الحوائط والأبواب وأسقف بيوتهم.
“طوبى لرجالك،
وطوبى لعبيدك هؤلاء الواقفين أمامك دائمًا، السامعين حكمتك” [8].
طوّبت الملكة رجاله الواقفين أمامه وعبيده الذين يخدمونه، فإنَّهم بالتقائهم به وبخدمتهم له يشاركونه الحياة المطوّبة أو السعيدة. هكذا من يسكن مع رب سليمان في بيته، ويخدم ملكوته ينعم بشركة الحياة معه، فيعيش مطوَّبًا، أي يشاركه حياته السماويَّة.
“ليكن مباركًا الرب إلهك الذي سرّ بك، وجعلك على كرسي إسرائيل،
لأن الرب أحبّ إسرائيل إلى الأبد.
جعلك ملكًا لتجري حكمًا وبرًا” [9].
لم تأت ملكة سبأ لتُقيم علاقات تجاريَّة أو سياسيَّة، لكنَّها جاءت تتأكَّد ممَّا سمعته عن حكمة سليمان فتنتفع به. كان ملوك السبَائيِّين كهنة (مز 72: 10). رجعت هذه الملكة التي ربَّما كانت كاهنة تشهد لله الحقيقي. بعد أن طوَّبت سليمان، ورجاله الواقفين أمامه وعبيده الذين يخدمونه، باركت الرب الذي وهبه المملكة والحكمة والغنى والمجد إلخ.
“وأعطت الملك مائة وعشرين وزنة ذهب وأطيابًا كثيرة جدًا وحجارة كريمة،
لم يأت بعد مثل ذلك الطيب في الكثرة الذي أعطته ملكة سبأ للملك سليمان” [10].
سبق فتنبَّأ داود أن سليمان سينال ذهب سبأ (مز 72: 15). هذه الهدايا من ذهب وأطياب وحجارة كريمة كان ظلًا لعطايا المجوس لمولود بيت لحم (مت 2: 11). قدَّمت الهدايا ثمنًا للحكمة التي نالتها، ولم تكن تعلم أن ما فعلته هو ظلّ لما يحدث فيما بعد عند ميلاد ابن داود الحقيقي.
ملكة سبأ رمز لكنيسة العهد الجديد:
- سمعت فآمنت: إذًا الإيمان بالخبر والخبر بكلمة الله (رو 10: 17). آمنت واعترفت (لو 18: 13).
- سمعت فسعت لتلتقي بسليمان رمز المسيح. لم ترفض الدعوة إلى العرس (1 مل 10: 6-7، مت 22: 5)، ولا أجَّلت اللقاء كما فعلفيلكس(أع 24: 25).
- دخلت معه في لقاء وحوار لذا لم يخفِ عنها الملك شيئًا [2-3].
- التقت به بروح التواضع [4-5].
- تعرَّفت عليه فأُعجبت به، كما أُعجبت الكنيسة بالسيِّد المسيح فترنَّمت: “أنت أبرع جمالًا من بني البشر” (مز 45: 2). وكما يقولالقديس أغسطينوس:
[إنه جميل في السموات بكونه الكلمة مع الله.
جميل على الأرض وهو متسربل بالطبيعة البشريَّة،
جميل في الرحم، وجميل بين ذراعيّ والديه،
جميل في المعجزات، وجميل في جلْده بالسياط،
جميل في منحه الحياة، وجميل في عدم رفضه الموت،
جميل في بذله ذاته: وجميل في أخذها ثانية،
جميل على الصليب، وجميل في القبر، وجميل في عودته إلى السماء].
يقول القديس جيروم: [اختفى لاهوته ببهائه وعظمته تحت حجاب الجسد، وبعث بأشعَّته على ملامحه الجسديَّة، فسبى كل الذين كان لهم غبطة التطلُّع إليه(85)].
- حقَّق لها سليمان رغبة قلبها (1 مل 10: 13؛ يو 6: 37؛ رو 6: 23).
- اُمتحنت ومُدحت (1 مل 10: 8-9؛ مز 107: 2).
- قدَّمت للملك ذهبًا (1 مل 10: 10؛ رو 2: 1-2).
- شهد لها السيِّد المسيح ومدحها (مت 12: 42).
“وكذا سفن حيرام التي حملت ذهبًا من أوفير،
أتت من أوفير بخشب الصندل كثيرًا جدًا وبحجارة كريمة” [11].
خشب الصندل Almug trees، يرى البعض أنَّه خشب الصندلsandal wood الذي يمتاز برائحته العطرة، وآخرون يرون أنَّه (cedrus-desdara) Deodar يستخدم في الأعمال المقدَّسة والهامة.
هذا الخشب ثقيل للغاية وصلد، لونه أحمر جميل، يسمَّى valguka في اللغة السنكرتيَّة Sankrit، حرَّفه اليهود والفينيقيُّون إلى almug.
“فعمل سليمان خشب الصندل درابزينًا لبيت الرب وبيت الملك،
وأعوادًا وربابًا للمغنين،
لم يأت ولم ير مثل خشب الصندل ذلك إلى هذا اليوم” [12].
العود اليهودي kinnowr شكله مثلَّث وله عشرة أوتار، وهو يقابل القيثارة harp الأشوريَّة القديمة.
الرباب: أو المزمار nebel وهي آلة وتَريَّة، يلعب عليها الموسيقار بأصابعه، ربَّما هي القيثارة lyre كتلك التي على العملة العبريَّة تشبه الجيتار، لها جسم مجوَّف بشكل إبريق في النهاية السفليَّة لها.
“وأعطى الملك سليمان لملكة سبأ كل مشتهاها الذي طلبت،
عدا ما أعطاها إيَّاه حسب كرم الملك سليمان.
فانصرفت وذهبت إلى أرضها هي وعبيدها” [13].
يبدو أنَّه لم يعد سليمان ينقصه شيء ما: حكمته من السماء، سلام في أرضه، غنى وفير، شهرة عالميَّة.
كل ما سألته قدَّمه لها عطيَّة مجانيَّة علامة الصداقة الحميمة بين البلدين. يظن البعض أن ما اشتهته هو أن يكون لها ابن منه، وأنَّها بالفعل أنجبت منه ابنًا دعي Menilek تربَّى في القصر الإسرائيلي، وخلف والدته على مملكة سبأ، وأنَّه جذب رجاله إلى الديانة اليهوديَّة.
2. غنى سليمان [14-29].
“وكان وزن الذهب الذي أتى سليمان في سنة واحدة ست مائة وستا وستين وزنة ذهب.
ما عدا الذي من عند التجَّار، وتجارة التجَّار وجميع ملوك العرب وولاة الأرض” [14-15].
بجانب هذه الكميَّة الضخمة من الذهب كانت له مصادر أخرى:
دخْل سليمان السنوي والهدايا الذهبيَّة بلا حصر (10: 10-22) كانت له دروع ذهبيَّة، تروس من الذهب، كل أواني قصره من الذهب، وعرشه العاجي مغطَّى من الذهب. بعد موت سليمان بخمس سنوات استولى شيشق ملك مصر على كل هذا الذهب (14: 25-26؛ 2 أي 9؛ 12: 2-11).
في عام 1939 م. وجدت مومياء شيشق في تانيس بمصر بغطاء ذهبي sarcophagus، ربَّما يكون من ذات الذهب الذي استولى عليه بعد موت سليمان(86).
* الهدايا الضخمة التي كان تجَّار البلاد التي أخضعها داود يقدِّمونها إليه، وهي أشبه بجزية يلتزمون بها.
* حصيلة شركته مع حيرام في التجارة.
* كان الملوك والعظماء يلتجئون إليه من أجل حكمته، يستشيرونه في أمورهم السياسيَّة والاقتصاديَّة الخ، فكانوا يقدِّمون له الهدايا مقابل إرشاداته.
* زواجه بابنة فرعون واهتمامه بشراء مركبات وخيول من مصر أوجد تجارة متبادلة بين البلدين، وجعل المصريِّين يقدِّمون له كل شيء بأثمان زهيدة من أجل ابنة فرعون.
“ملوك العرب وولاة الأرض” أو “الشعب المختلط” (إر 25: 24)، يبدو أنَّها كانت قبائل تحمل مزيجًا من اليهود والعرب، يقطنون على حدود الصحراء الغربيَّة.
“وعمل الملك سليمان مائتيّ ترس من ذهب مطرق،
خصَّ الترس الواحد ست مائة شاقل من الذهب” [16].
كان الترس يصنع من الخشب ويُغطَّى بالجلد، يستخدم لحماية صدر الإنسان، أمَّا سليمان فصنعه من الذهب. أمَّا المجن فتُستخدم لحماية الجسم كلُّه.
كانت عادة تعليق الدروع على الحوائط الخارجيَّة للزينة قائمة في صور (حز 27: 10-11) وروما وأثينا ومناطق أخرى.
“وثلاث مائة مجن من ذهب مطرق،
خص المجن ثلاثة أمناء من الذهب،
وجعلها سليمان في بيت وعر لبنان.
وعمل الملك كرسيًّا عظيمًا من عاج وغشاه بذهب إبريز” [17-18].
ربَّما كان الكرسي مصنوعًا من الخشب ومغطَّى بطبقة من العاج، وربَّما صنعت اليدان والجزء الخلفي من العاج. هذا ما نجده في معابد المصريِّين والأشوريِّين.
“وللكرسي ست درجات،
وللكرسي رأس مستدير من ورائه، ويدان من هنا ومن هناك على مكان الجلوس،
وأسدان واقفان بجانب اليدين” [19].
كما أقام من نفسه حصنًا لكل مظلوم، يدافع عنه كما بترس ومجن، هكذا اهتم بكرسي الولاية والقضاء. يجد لذَّته في تحقيق العدالة بين شعبه.
“غشاه بذهب إبريز” لم يجمع سليمان الذهب لتخزينه، وإنَّما استخدم منه ما هو لبيت الرب، وأيضًا ما هو لأدوات الحرب ولاستعماله الشخصي (جا 5: 19). يرى البعض أنَّه من أجل كثرة الذهب بفيض صار يغشَّى العاج بطبقة من الذهب. وإن كان البعض يرى أنَّه لم يغطَّ كل العاج بالذهب بل زيَّنه بنقوش وورود من الذهب.
صنع من الذهب 200 ترسًا و300 مجنًا؛ ولم يذكر أنَّه صنع سيوفًا ورماحًا. لقد اعتاد أباطرة الرومان أن يتقدَّمهم في المواكب من يحملون العصي والفؤوس ليشيروا إلى سلطانهم أنَّهم يعاقبون الأشرار. فكانوا يمثِّلون دور الرعب للفاسدين. أمَّا سليمان فاهتم بالترس والمجن، كأدوات دفاعيَّة لا هجوميَّة، معلنًا دوره كمدافع عن كل مظلوم تقي، يجد مسرَّته في كونه حصنًا للأبرار.
“واثنا عشر أسدًا واقفة هناك على الدرجات الست من هنا ومن هناك،
لم يعمل مثله في جميع الممالك” [20].
الأسود الاثنا عشر الواقفة على درجات السلم تشير إلى التزام كل أسباط شعبه الاثني عشر أن يكونوا مملوءين قوَّة وشجاعة في الحق، فيمثِّلون موكبًا من الأسود، لا يداهنون أحدًا، ولا يخافون وجه إنسان.
يترجم البعض الكلمة العبريَّة بـ”العجول” لا “الأسود”، فإن كانت هذه الترجمة سليمة يكون في هذا العرش ظل للعبادة الوثنيَّة.
غالبًا ما كانت تزيَّن كراسي الملوك الأشوريِّين ببعض الحيوانات، وأحيانًا الملوك المصريِّين.
في وصف كرسي سليمان يقول يوسيفوس بأنَّه كان به ثور أو عجل ذهبي رأسه متَّجه نحو كتفه. فكان الأسد رمزًا ليهوذا والثور أو العجل رمزًا لأفرايم (هو 4: 16؛ 19: 11؛ إر 31: 18 إلخ).
“وجميع آنية شرب الملك سليمان من ذهب،
وجميع آنية بيت وعر لبنان من ذهب خالص، لا فضَّة، هي لم تحسب شيئًا في أيَّام سليمان” [21].
كان وكل رجاله في القصر يشربون في كؤوس من ذهب وليست من فضَّة. هكذا يهب المسيح غناه لشعبه فيتمتَّعوا بالشراب السماوي (الذهب).
“لأنَّه كان للملك في البحر سفن ترشيش مع سفن حيرام،
فكانت سفن ترشيش تأتي مرة في كل ثلاث سنوات،
أتت سفن ترشيش حاملة ذهبًا وفضَّة وعاجًا وقرودًا وطواويس” [22].
* لا تعود تذكر النفس المرارة لسبب الفرح، لأنَّه قد وُلد إنسان قد خلص في العالم (يو 16: 21). سفن ترشيش، أي السفن الروحيَّة التي تحمل ذهب سليمان وفضَّته، هي أجسادنا التي تحمل كنزًا في إناءٍ خزفيٍ كقول الرسول (2 كو 4: 7) (87).
القديس أمبروسيوس
“فتعاظم الملك سليمان على كل ملوك الأرض في الغنى والحكمة.
وكانت كل الأرض ملتمسة وجه سليمان لتسمع حكمته التي جعلها الله في قلبه” [23-24].
ترجم سليمان الحكمة التي نالها كهبة إلهيَّة إلى عمل، ظهرت في قدرته العجيبة في تدبير شئون الدولة سياسيًا، ووضع نظام محلِّي لتدبير الشئون الداخليَّة مع اتِّساع المملكة جدًا، وقدرته العسكريَّة، والإنشاءات الهندسيَّة الفائقة.
“وكانوا يأتون كل واحدٍ بهديَّته بآنية فضَّة وآنية ذهب وسلاح وأطياب وخيل وبغال سنة فسنة” [25].
يقصد بالهديَّة هنا “جزية”. جاء في الآثار المصريَّة والأشوريَّة تصوير لحاملي الجزية قادمين إلى الملوك في خضوع يقدِّمون من منتجات بلادهم الثمينة ممثِّلين عن دولهم.
عادة تقديم الهدايا حتى بالنسبة للزيارات العاديَّة بين الأفراد أو العائلات لازالت أساسيَّة في حياة بعض الشرقيِّين.
“وجمع سليمان مراكب وفرسانًا،
فكان له ألف وأربع مائة مركبة واثنا عشر ألف فارس،
فأقامهم في مدن المراكب ومع الملك في أورشليم” [26].
يتحدَّث الكاتب عن إسطبلات خيل سليمان(88) (10: 26، 28) مجدوا إحدى المدن التي كان يحفظ فيها الخيل (9: 15، 19). كشف المعهد الشرقيCourtesy Oriental Institute, التابع ل University of Chicago عن مدينة مجدو وخرائب الإسطبلات.
أمران تجاهل فيهما سليمان الحكيم ناموس الرب وكسر بهما الوصيَّة. أخطأ سليمان وأيضًا أبوه داود في الارتباط بأكثر من زوجة، فقد قيل عن الملك: “ولا يكثر له نساء لئلاَّ يزيغ قلبه” (تث 17:17). وأكثر أيضًا سليمان من الخيل والفضَّة والذهب، وقد قيل “ولكن لا يكثر له الخيل…” (تث 17: 16).
* مكتوب في المزامير: “باطل هو الفرس لأجل الخلاص” (مز 33: 17) ؛ وفي موضع آخر في الكتاب المقدَّس: “الفرس وراكبه طرحها في البحر” (خر 15: 1). كانت الوصيَّة لملك إسرائيل ألاَّ يمتطى خيلًا (تث 17: 16). علاوة على هذا فإن سليمان الذي جلب مركبات من مصر صار ضحيَّة للشر… يقول إرميا: “صهلوا كل واحٍد على امرأة صاحبه” (إر 5: 8). تأكَّد أن الله لا يسُر بخيل كهذه (مز 147: 10)(89).
القديس جيروم
“وجعل الملك الفضَّة في أورشليم مثل الحجارة،
وجعل الأرز مثل الجمِّيز الذي في السهل في الكثرة” [27].
إلى وقت قريب كانت أشجار الجمِّيز الضخمة في شوارع مدن الصعيد بمصر وفي القرى بلا حصر، ويستطيع أي إنسان أن يتسلَّقها ويأكل منها، إذ كان الجمِّيز بلا ثمن.
“وكان مخرج الخيل التي لسليمان من مصر وجماعة تجَّار الملك أخذوا جليبة بثمن” [28].
يقال أن المصريِّين هم أول شعب استخدموا الخيول في الحروب. وكانت الشعوب التي تعرف استخدام الخيول في الحروب أقوى من تلك التي ليس لها هذه الخبرة.
يعتقد الأثيوبيُّون – اليهود والمسيحيُّون – أن المزمور 45 هو نبوَّة عن رحلة ملكة سبأ إلى أورشليم، كان في صحبتها ابنة حيرام ملك صور، وأن الجزء الأخير من المزمور يُعلن عن الابن الذي حملت به ملكة سبأ من سليمان ليكون ملكًا على الأمم. عاش معها الابن عدة سنوات ثم أرسلته إلى سليمان أبيه لتربيته. فاهتم به أبوه، ومسحه وسامه ملكًا على أثيوبيا في هيكل أورشليم، ودعاه على اسم جدُّه داود. عاد إلى سبأ Saba أو عزب Azab جماعة من المعلِّمين اليهود المتخصِّصين في شريعة موسى، واحد عن كل سبط وأقامهم قضاة في مملكته. وكان أعظمهم ثلاثة في حضرة الملك على الدوام.
ماتت الملكة بعد 40 عامًا من الحكم وذلك في عام 986 ق.م، واستولى Menilek على الحكم. وقد شهد كثيرون عن هذه القصة سواء حلفاء أثيوبيا أو أعداؤها، وإن اختلفوا في اسم الملكة.
“وكانت المركبة تصعد وتخرج من مصر بست مائة شاقل من الفضَّة،
والفرس بمائة وخمسين،
وهكذا لجميع ملوك الحثِّيِّين وملوك آرام كانوا يخرجون عن يدهم” [29].
من وحي 1 ملوك 10
لألتقي بك مع ملكة سبأ!
* سارت ملكة سبأ بموكب عظيم إلى أورشليم.
جِمالها تحمل أطيابًا فائقة، وذهبًا كثيرًا جدًا، وحجارة كريمة.
لأتقدَّم معها إليك.
اعبر بموكب الحب متَّجها نحو أورشليم العليا.
أقدِّم لك مع المريمات طيبًا فريدًا.
واحمل إليك ذهبي وحجارتي الثمينة.
مما لك أقدِّم لك يا واهب كل العطايا.
* بُهرت ملكة سبأ بشخص سليمان،
وسُبيت بحكمته وكل ما هو حوله.
وأنت أعظم من سليمان.
أقدِّم كل ما لدى واسمع صوتك.
أترك كل عرشٍ أرضيٍ واجلس عند قدميك.
اطلب الاتِّحاد بك والشركة معك.
* أعطيك ممَّا لك بغير حساب،
وأنت تعطيني مشتهي قلبي،
تهبني ذاتك، فإن كل شيء لي.
- سفر الملوك الأول – أصحاح 10
- تفاسير أخرى لسفر الملوك الأول – أصحاح 10
تفسير ملوك الأول 9 | تفسير ملوك الأول القمص تادرس يعقوب ملطي |
تفسير ملوك الأول 11 |
تفسير العهد القديم |