يو1: 8 لم يكن هو النور, بل ليشهد للنور

 

“لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ.” (يو1: 8)

+++

تفسير الأب متى المسكين 

 

«لم يكن هو النور, بل ليشهد للنور»:

‏لو لم يكن قد أخطأ الناس في تقييم المعمدان ما اضطر القديس يوحنا الإنجيلي أذ يبرز» في هذه المقارنة الأليمة. ولكن أليس القديس يوحنا نفسه هو التلميذ السابق للمعمدان؟ ومن شهادة المعمدان للنور الحقيقي نقل يوحنا تلمذته من المعمدان للمسيح؟ (يو 35:1-39). فالأن هو أقدر من يقيم نور المعمدان عل نور المسيح.
وفي الحقيقة فإن النور لا يحتاج إلى شهادة بل رؤيا، ولكن لأن الناس أصبحت لا ترى، لزمت الشهادة. فشهادة المعمدان شهادة راء بالدرجة الاولى. المعمدان رأى النور فانعكس النور عليه فاستضاءه فأخطأ الناس الرؤيا وحسبوه هو النور، ولكنه انعكاس النور ليس إلا: كمصباح استمد نوره من يد النور. والمصباح لا يضيء إلا في «موضع» مظلم في غياب النور، شأنه شأن كل نبوة: «وعندنا الكلمة النبوية, وهي أثبت, التي تفعلون حسناً إن انتبهتم إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم» (2بط 19:1)، “أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس. أنا أصل وذرية داود كوكب الصبح المنير” (رؤ16:22)
‏ولما فتح القديس زكريا الكاهن فمه ليتنبأ ساعة ميلاد المعمدان وصف هذا المنظر عينه: «وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبآ قائلآ: … وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتعد طرقه. لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم. بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المُشرق من العلاء ليضىء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام.» (لو 67:1-79)

فاصل
تفسير القمص تادرس يعقوب

 

“لم يكن هو النور بل ليشهد للنور” (8).

v فضل المعمدان أن يعيش في البرية بعيدًا عن ترف المدن، وأعلن عن عزمٍ ثابتٍ في ممارسة الفضيلة، وارتقى إلى قمة البرّ الذي يمكن أن يصل إليه إنسان، مما جعل البعض يندهش من أسلوب حياته، بل أن البعض تخيّلوا أنه هو المسيح… تخيّل البعض أنه هو النور نفسه.

v قيل عن يوحنا المعمدان: “أقمته سراجًا لمسيحي” (35:5). مع أنه يُقال عن القديسين أنهم نور… لكننا لا نجهل النعمة التي نالوها من “النور”. لأن النور في السراج، وليس من السراج، ولا نور القديسين هو من القديسين، بل باستنارة الحق صاروا “نورًا في العالم، متمسكين بكلمة الحياة” (في 15:2-16).

القديس كيرلس الكبير

v لم يقل يوحنا البشير هذا بلا سبب، ولا كان قوله باطلاً، لكن إذ تحقق عندنا في أكثر الجهات أن الشاهد أعظم من المشهود له وأكثر منه ثقة، فلكي لا يظن أحد في يوحنا المعمدان هذا التوهم أبطل يوحنا البشير في الحال من بداية قوله هذا التوهم الخبيث واقتلعه من أصله، وأظهر من هو هذا الشاهد، ومن هو ذاك المشهود له، وما هو الفرق بين الشاهد وبين المشهود له.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v هكذا كان يوحنا نورًا، لكنه لم يكن النور الحقيقي، لأنه لو لم يستنر لكان فيه ظلمة، لكنه بالاستنارة صار نورًا.

القديس أغسطينوس

فاصل
تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (يو 1: 6-8): “كان إنسان مرسل من الله اسمه يوحنا. هذا جاء للشهادة ليشهد للنور، لكي يؤمن الكل بواسطته. لم يكن هو النور، بل ليشهد للنور.”

هنا نرى الكلمة يبدأ يدخل للتاريخ الإنساني، هنا الإنجيلي بدأ يربط بين الكلمة وبين خليقته ، فالكلمة هو النور، ينير لها فلا تضل بسبب حريتها. ويوحنا المعمدان كان سابقاً للمسيح، وهذا ما سجلته كل الأناجيل ويسجله يوحنا هنا أيضاً، فيوحنا الإنجيلي كان تلميذاً للمعمدان ثم صار تلميذاً للمسيح. ولأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو لم يذكر قصة ميلاده بالجسد. ويوحنا الإنجيلي أورد قصة المعمدان هنا بعد أن تحدث عن ألوهية وأزلية المسيح ليعقد مقارنة بين ألوهية المسيح وإنسانية يوحنا المعمدان. والنور لا يحتاج لأحد يشهد عنه، لذلك المسيح غير محتاج لشهادة يوحنا المعمدان. لكن النور يحتاج لمن يراه. وكان المعمدان هو المبصر الذي يشهد للعميان. فالأعمى يحتاج لمبصر يرى ويخبره.

اسمه يوحنا = معنى اسمه الله يتحنن، فالمعمدان حتى باسمه كان يكرز بعمل المسيح المُخَلِّص. هذا = أي يوحنا المعمدان.

وعمل يوحنا المعمدان كان هو الدعوة للتوبة، وكل من يقدم توبة تنفتح عينيه فيعرف المسيح الآتي. (وهذا حدث مع التلاميذ مثلًا). أما من رفض تقديم توبة فلقد ظل في ظلام خطيته ولم يعرف المسيح.

جاء للشهادة = فلأن يوحنا الإنجيلي يتكلم عن لاهوت المسيح فهو يهتم بأن يضع الشهود الذين يشهدون بهذه الحقيقة، ولذلك فكلمة الشهادة ترد في إنجيل يوحنا 14مرة، والفعل يشهد ورد 33 مرة. بينما كلمة الشهادة وردت في إنجيل مرقس 3مرات ولوقا مرة واحدة ولم ترد في متى نهائيًا. وهناك 8 شهادات للمسيح:

1-   شهادة الآب: (31:5+34+37)+(18:8) “الآب الذي أرسلني يشهد لي”

2- شهادة المسيح نفسه: (14:8+18)+ (11:3+32)+ 37:18 “وإن كنت أشهد لنفس فشهادتي حق”

3-   شهادة الروح القدس: (15:26+ 14:16) “فهو يشهد لي”

4- شهادة الأعمال التي يعملها المسيح: (36:5+ 25:10+ 11:14+ 24:15) (معجزاته وحياته وطهارته واتضاعه)

5-   شهادة الأسفار المقدسة: (39:5+46) “موسى شهد لي” وكل رموز العهد القديم والنبوات.

6-   شهادة التلاميذ ويوحنا الإنجيلي وتوما: (27:15+ 35:19+ 24:21+ 28:20)

7- شهادة يوحنا المعمدان: (راجع يو34:1) وراجع أقوال وشهادة المعمدان عن المسيح في (يو19:1-39) + (يو27:3-36) وهذه الآية التي نحن بصددها. ويسجلها الإنجيلي الذي كان تلميذًا للمعمدان وصار تلميذًا للمسيح، فقد سمع كل ما قاله المعمدان عن المسيح.

8-   شهادة نثنائيل ثم السامرية ثم المولود أعمى:

لم يكن هو النور= يبدو أن هناك كثيرين ظنوا أن المعمدان هو المسيح فتبعوه على هذا الأساس ولم يعرفوا المسيح. ويوحنا الإنجيلي هنا يشير إلى أن المعمدان مجرد شاهد ليظهر المسيح للناس. راجع (لو15:3+ أع24:18-25+ أع1:19-7)

ليشهد للنور= الإنجيلي هنا يتحدث عن المسيح كنور فهو لم يأتي بعد للحديث عنه كإنسان بعد أن تجسد وصار إلهًا متأنسًا. لذلك فما زال يشير له بطبيعته الإلهية.

لكي يؤمن الكل= أي اليهود الذين شهد لهم المعمدان (يو34:1) بل للعالم أجمع.

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى