صحح رؤيتك

 

وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.” (يو17: 3)

كيف ترى الله؟ 

نخشى أن نكون قد رسمنا في أذهاننا صورة مشوهة عن الله، قد تكون عائقاً أمام تكوين علاقة حية بالله، فهذه الصور التي سوف نعرضها نقلها بعض المفكرين في الغرب، عن المتدينين المسيحيين (تديناً مريضاً)، وكانت سبباً في إلحادهم المعاصر، القائم على ضرورة اختفاء الله لكي ما يوجد الإنسان.

ولتبسيط مفهوم رؤية الله ناقش مع نفسك الآتي:

– كيف تفكر في ربنا؟

– كيف ترى الله ؟ أم لم تراه من قبل؟

كيف تتعامل معه؟ وإلى أي مستوى وصلت علاقتكما؟

هل تحبه؟ هل تشعر بمحبته لك؟

لأننا لا نستطيع رؤية الله، لأننا نموت إن رأيناه لأن الإنسان “لا يراني ويعيش” (خر20:33)

لذلك الله أرانا صورته في ابنه ربنا يسوع المسيح..

ولكن كيف تكونت رؤيتنا عن الله؟ من خلال تكويننا وتربيتنا, ومن خلال البيئة التي استقينا منها معلوماتنا عن الله؟ من خلال صورة أبوينا الجسديين.. وخدام مدارس الأحد, من خلال البيئة التي نشأنا بها.

قد نكون قد رسمنا في أذهاننا صورة مشوهة عن الله, وقد تكون هذه الصور عائقاً على تكوين علاقة حية مع الله.

وهذه صورة الله في أذهان كثير من الشباب، فهو يخاف الله الجبار المنتقم, ولا يعرف الله المُحب المتحنن.

إن شبابنا يعيش الآن في عصر المتحكم فيه هو العقل البشري، وينسى أن الله فوق العقل والعلم بل وفوق كل المحسوسات.

أ- الصورة المشوهة عن الله

  1.  السيد المذل المنتقم من عبيده ( إله العبودية): هل هو.. السيد الحاكم الناهي بأوامره، وما على البشر إلا الخضوع کعبید بروح المذلة، والشعور بالذنب عند الخطأ وانتظار العقاب.
    مثلاً يعطيني هذا الإله مرضا أو ألما أو مهانة كي ينتقم منی, ويعاقبني كأنه السيد المتجبر وأنا العبد المسكين.
  2.  هل هو.. القابع في السموات (إله الماورائيات): دون اتصال صمیمی بالبشر، فهناك فجوة رهيبة تفصله عن البشر فهو يحيا في عزلة، في علياء سمائه، لا يحس بآلام الإنسان ومعاناته، كذلك يطلب من عبيده التهرب من إلتزامات العالم ومسئولياته بدعوی غربتهم عن العالم.
    نحن لا نرى الله بالعين المجردة، لذا قد يتصور لنا كأنه الإله المتعالى في السماوات البعيدة عنا، أو إنه لا يسمعنا ولا ينظر إلينا, هو في عالم ونحن في عالم آخر.
  3.  يلغي شخصية الإنسان ومواهبه وقدراته (إله العجز الإنساني): هل هو.. الإله القائم على عجز الإنسان وضعفه، وأنه لا يستطيع أن يحرك ورقة من مكانها إلا بأذن الله.
    – القدرية : المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين.

    – القسمة والنصيب والرزق المحتوم : قسمتی ونصيبي!
    – التواكلية : ربنا عاوز کده، ربنا ابتلاني بالمرض…!!
    فهل الله.. يلغي شخصيتي ومواهبی, فبعض الشباب يعتقد أنه مسیر فالله يسيذر الكون والبشر كما يشاء, وبالتالي يستسلم الشاب الضعفاته لأنه مسیر.
  4.  هل الله.. يقيد حرية الإنسان (إله الممنوعات والمحرمات): الحياة م ع الله تحول دون التمتع بالحياة الطبيعية (الفن – المسرح – الموسيقى – البحر… الخ)، التدين يقيد حرية الإنسان، إنه عبارة عن مجموعة من النواهي والفروض والممنوعات والمحرمات. إله الحرام والحلال. إنه يحرم كل شئ للإنسان ويقيد حريته.
    مثلا شاب يريد أن يدخل في علاقة غير مضبوطة، يجد في داخله صوت يقول له: هذا خطأ ولا يليق.. مع أن الله أعطاه حرية الإختيار بين الخير والشر.. حتى أنه أعطى لنا حرية قد تصل إلى حد إنكار وجود الله.
  5.  هل هو الإله الذي يضاد العقل والمنهج العلمي والتكنولوجيا العصرية (إله الغيبيات): اعتبار كل تقدم يحرزه الفكر البشري في اكتشاف أسرار الطبيعة تعدى على حقوق الله، وكأن الله يريد للإنسان أن يكون قابعة في الجهل / استخدام المنهج العلمي ضد الروحانية / التعارض بين الإيمان والتخطيط للمستقبل.
    كل هذا لأن الإنسان يريد أن يخضع الله للعقل البشري، وينسى أن الله هو خالق العقل والعلم والتكنولوجيا..

وهناك الكثير من الصور الأخرى التي تحتاج إلى المزيد من الوقت لدراستها مثل:

أ- هل الله هو .. مسيح القديسين فقط! (الذي يهتم بالقديسين دون الخطاة).

ينسى الشباب أن السيد المسيح جاء لأجل الخطاة أولاً، ولأنهم ينظرون إلى القداسة على أنها مستحيلة, لذلك يتهم الشباب الله بأنه مسيح القديسين فقط. مع أن السيد المسيح قال :” لم آت لأدعو أبرار، بل خُطاة إلى التوبة” (مر 17:2).

ب- هل هو.. مسیح المصلحة! (إني أتبع المسيح من أجل الحصول على شئ شخصی).

أصبح العالم يتسم بأنه عالم المصلحة, وأصبحت المصلحة هي التي تحكم العالم حتى في علاقتنا مع الله, نعتمد على المصلحة. أصبحنا نريد من الله المصلحة الشخصية، ونطلبه من أجلها كثيراً ولا نطلب الله ذاته.

ج- هل هو.. مسيح المعجزة! (الذي يبهر بالمعجزات وينتظرها منه في كل أمور الحياة).

نجد الآن تهافت الناس على المعجزة, فنحن نطلب الله الخارق للطبيعة الذي يصنع المعجزات ولم نعد نطلب مشيئة الله وإرادته الصالحة لحياتنا.

د- هل هو مسيح الضعف والخنوع! (الذي لا حول له ولا قوة على الصليب).

البعض من الشباب يرى في مسيحه، المسيح الضعيف والخانع الذي لا يرد الإساءة بالإساءة.. إنه يريد مسيح يأتي بنار من السماء على من يخالفنا, ولا يجد معنى لمحبة الله التي بلا حدود.

ه- هل هو مسيح بلا صليب !! (لا نريد التجارب والضيقات والألم…).

نحن لا نريد أن نحمل صليب، لا نريد ضيق أو وألم، نريد أن نعيش الدنيا بطولها وعرضها, ولا نريد فلسفة الصليب, والألم الذي يعدنا، ويهيئنا للحياة الحقيقية التي بلا ألم ولا حزن ولا ضيق.

فاصل

إذن.. مسيحنا من هو..؟

 صورة الله الحقيقية في المسيح 

  1.  هو مسیح الأبوة “الله محبة” : نحن نصلي في الصلاة الربانية قائلين له: يا أبانا، ويجيبنا: “لا أعود أسميكم عبيداً لأن العبد.. لكني قد سميتكم أحباء (أبناء)” (يو 15:15 ). وهناك فرق بين العبد والابن كالآتي:
    العبد الأبن
     ليس صاحب البيت  هو صاحب البيت
     مُعرض للطرد  لن يُطرد حتى لو أخطأ
     مقيد في تصرفاته  حر في تصرفاته
    ليس له ميراث  يرث

    “والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد” (يو 35:8).
    يقول أحد الآباء: “يمكن للإنسان أن يترك البنوة ولكن الله لا يمكن أن لا يكون أبا, لأن الله يبقى أمينا حتى مع عدم أمانتنا.
  2. هو مسیح الحياة اليومية “مسيح التجسد” : ليس أعظم من أن يترك الله مجده.. أخلی ذاته.. نزل وسط البشر عاش مثلهم، شعر بألامهم ومشاكلهم, فلا توجد بعد فجوة تفصل الإنسان عن الله, لأن الله اتحد بالإنسان حين “أخذ الذي لنا.. وأعطانا الذي له”، “وبالإجماع عظيم هو سر التقوى : الله ظهر في الجسد” (اتي 16:3 )، “ها العذراء تحب وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل” (أش 14:7).
    الله حاضر فيّ (متحد بی) “ها ملكوت الله داخلكم” (لو 21:17).

    فنحن نعيش الملكوت من الآن على الأرض، والمسيحية ليست ديانة ما ورائيات، وليست دعوة للتهرب من إلتزامات العالم ومشاكله، بل هي حضور الملكوت في شخص المسيح في كل أمورنا المادية والروحية، فالله يهمه حياتنا ككل, ويحس بكل ما نعانيه “لأنه في ما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين” (عب 18:2 )، “في كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم” (أش 9:63).
  3. وهو مسیح الإنسان : الله يريد أن يعمل الإنسان كل ما في مقدوره، وأن يفجر كل طاقاته وكل إمكانياته وإبداعاته، ولا يسعى إلى تعجيزه، ففي حادثة إقامة لعازر:
    المسيح: يقيم الميت (دور الله).
    – الناس: ترفع الحجر (عمل الإنسان إلى أقصاه).
    قاموس المسيحية لا يعترف بالقدرية أو التواكلية، أو مثل هذه العبارات التي تنخر فی عزيمة الشباب وطموحاته.
    قال أحد الأباء: (إن اهتمام الله ليس أن يزيل وجودی، بل أن يمدنی  بوجوده هو، إنه يريد لى كل الملء والوجود، فيشركني في حياته، بل يريد أن يرفعني إلى مستوى وجوده) هذه هي نظرة الله تجاه الإنسان.
  4. وهو مسيح الحرية الداخلية : لم تكن الوصية قيداً للحرية أبداً بقدر ما كانت تدريب للطاعة، لإدخال الإنسان تدريجياً في سر الألوهة، الحب لا يُفرض فرضاً وإلا لم يعد حباً بل عبودية، والله لا يريدنا عبيداً بل أبناء، هكذا الله لا يفرض وجوده علينا.. يريد أن يقبل إليه الإنسان بإرادته الحرة لا مغلوب على أمره. “هئنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتی، وفتح الباب، أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي” (رؤ 20:3 ).
  5.  وهو المسیح اللوجوس” الكلمة” : الله يحترم عقل الإنسان وفكره إلى أقصى الدرجات، طالما كان مستنيرة بالروح القدسأصلي بالروح، وأصلي بالذهن أيضا” (اكو15:14 )، “فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له: لست بعيداً عن ملكوت الله” (مر34:12 )، “بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يرى مما هو ظاهر” (عب 3:11).
    مسيحيتنا ليست ضد العلم والمنهج العلمي والتكنولوجيا والدراسات العصرية، ولكنها “تعمد” كل هذه الأمور الخدمة الكنيسة وخلاص النفس.

    مسيحيتنا تشجع على الإبداع والابتكار، وتبارك كل تقدم يحرزه الفكر البشري، طالما كان الخير وإسعاد البشرية، ولا يتعارض مع الفكر الكتابي والآبائی

– موقفي الكياني تجاه الله 

وهذا هو التطبيق العملي لهذا الموضوع، فصورة الله كما رأيناها هي: أن “الله محبة” ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه” (يو 13:15 )، “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية” (يو16:3)

فما هو جوابك يا صديقي على هذا الحب الإلهي الذي بلا حدود؟ نعم هو الرغبة والشعور بالالتصاق الدائم بالحبيب يسوع المسيح، “نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً” (1يو 19:4 ).



من المسابقة الدراسية – مرحلة جامعيين –  مهرجان الكرازة 2011

زر الذهاب إلى الأعلى