تفسير المزمور 25 للقديس أغسطينوس
عظة في المزمور الرابع والعشرين
(بحسب السبعينية)
التوكل على الله
مشاعر الثقة والتواضع التي ينبغي أن نتحلى بها بلجوئنا إلى الله وسط ضيقات الحياة الحاضرة.
للغاية، مزمور لداود
1- يسوع المسيح هو المتكلم هنا ، لكن باسم كنيسته. لأنّ كلّ ما يتضمنه المزمور خيرُ ما ينطبق على الشعب المسيحي التائب إلى الله.
2- إليك يا ربّ أرفع نفسي (25: 1). برغائب روحيّة، أرفع نفسي الزاحفة على الأرض بشهواتها الجسديّة. «إلهي، عليك توكلت فلا أخزَ» (25: 2). اتكالي على نفسي، يا ربّ، أسقم جسدي، فأخليت ذاتي من الله لأكون أنا نفسي كإله، وها إن أدنى الحيوانات يجعلني أرهب الموت، فخزيت من كبريائي السخيفة. والآن وقد اعتصمت بك وحدك، لا يطالني خزي.
3- «ولا يشمت بي أعدائي» (25: 2). لا يهزأن بي قط أولئك الذين يُوسوسون لي أفكارًا مسمومة وينصبون لي شباكا، وإذ يهتفون لي: «أقدم، أقدم»، يستعبدونني. «فإنّ جميع الذين يرجونك لا يخزَوْن» (25: 3) .
4- «ليخز الغادرون بي باطلا» (25: 4) . ليخز الذين يعملون الشرّ من أجل أن ينالوا الخيور الزائلة. «أمّا انت يا ربّ فعرفني طرقك، وافتح لي سُبُلَك» (25: 4) ، التي ليست رحبة، ولا تقود الجماعة إلى هلاكها ؛ علمني تلك الطرق الضيقة، علّمني طرقك التي لا يعرفونها (راجع مت 7: 13، 14).
5 – «اهدني إلى حقك» فأتجنّب الضلال. «علّمني»، فإنّي لا أعرف من تلقائي غير الكذب. فإنّك أنت إله خلاصي، وإياك رجوتُ النهار كله (24: 5). أخرجتني من الفردوس (تك 3: 23)، فتهت في بلاد بعيدة (لو 15: 13)، ولا أقوى على الرجوع إليك إن لم تأتِ فتقودني؛ وطوال هذه الحياة الدنيا كانت رحمتك تنتظر عودتي.
6 – «يا ربّ اذكر رأفتك ومراحمَك» (25: 6). اذكر يا ربّ اعمالك الرحيمة، لأنّ الناس يصمونك بالنسيان. «أذكر جودك الأزلي». لا تنس، بخاصة، أنّ مراحمَك بدأت مع بدء العالم، وهي ملتصقة بك، لا تعرف عنك انفصاما، من حيث أنك أخضعت الآثم للباطل، لكنّك تركت له الرجاء؛ ومن حيث أنك أعطيت خليقتك وسائل عديدة وفسحات عريضة من الرجاء.
7- «أما خطايا صبائي وجهالتي فلا تذكرها» (25: 7). لا تُجازِ بالقسوة آثامي التي اقترفتها بوقاحة أو جسارة أو حماقة؛ ولتُمحَ من أمام وجهك. «يا ربّ اذكرني برحمتك». اذكرني، لا بسخطك الذي أستحقه، بل برحمتك التي هي من جودِك من أجل جودتك»، لا من أجل استحقاقاتي.
8- «الربّ يفيضُ طيبةً واستقامة» (25: 8). إنه ذو جودة لأنه يشمل برحمته الأئمة والمنافقين، فيغفر لهم خطاياهم الماضية؛ وذو استقامة أيضًا، لأنّه بعد نعمة الدعوة والمغفرة، وهي نعمة لم نستحقها، سيطالبنا في يوم الدين باستحقاقات توازي تلك النعمة. لذلك يُرشد الضالين في الطريق، لأنّه ، من أجل أن يُرشدهم في الطريق، صنع بهم رحمة.
9- «يهدي البائسين إلى البر» (25: 9). هو الذي سيُرشد الودعاء، وفي يوم الدين لا يُلقي الرعب في الذين يسلكون بحسب مشيئته، ولا يُخالِفونَها ليعملوا مشيئتهم. «ويُعلّم الودعاء سُبُلَه» : يُعلّم سُبُله، لا للذين يرغبون في تجاوزها كما لو كانوا هم أجدر على قيادة أنفُسِهم، بل للذين لا يعرفون لا أن يرفعوا رؤوسهم، ولا أن يتمردوا عندما يُخضعون لنيرٍ ليّن وحمل خفيف (مت 11: 30).
10- «جميع سُبُل الربّ رحمةٌ وحق» (25: 10). أي سبيل يُعلّم الرب غير سبيل الرحمة ،العطوف والحق الذي يصون من الفساد؟ يُقيم رحمته فيغفر خطايانا، ويُقيم الحق فيحكم بحسب استحقاقاتنا. من هنا أن جميع سبل الربّ تُختَصَر بمجيئي ابن الله : الأول لكي يُقيم الرحمة، والثاني لكي يُجري الدينونة. إذا ، يصل إلى الله بالطريق المرسومة ذاك الذي يعرف أنه ينال المغفرة بلا استحقاق، ويطرح الكبرياء، ويهاب الإمتحان العسير لديّان سبق أن اختبر رأفته . الحافظي عهده وشريعته» : لأنهم يعرفون رحمة الربّ في مجيئه الأوّل، وعدله في مجيئه الثاني، أولئك الذين يحفظون بطيبة ووداعة العهد الذي به افتدانا بدمه للحياة الأبدية، والذين يتفحصون شهاداته في الأنبياء وفي الإنجيليين.
11- «من أجل اسمك يا ربّ ارحمني واغفر آثامي الكثيرة» (25: 11). أنت لم تشمل بعفوك فقط الخطايا التي اقترفتها قبل أن أبلغ الإيمان، بل إنّ ذبيحة قلب منسحق، ستُحننك لكي تعفو عن خطاياي الكثيرة، لأنّ الطريق الحقيقية نفسَها ليست بلا عثرات.
12- «من هو الإنسان الذي يتقي الله (25: 12)، فيتجه نحو الحكمة؟ «يُرشده الربّ بشرائعه في الطريق الذي اختاره»: يُملي عليه الرب أوامره في الطريق الذي اختاره، طوعا، فلا يعود يخطأ بلا قصاص.
13- «فتسكن نفسه في وفرة الخير، وذريته ترث الأرض» (25: 13). يستحق بأعماله أن يمتلك بقوّة جسدا متجددا بالقيامة.
14- «الربّ قوّةٌ لمُتقيه» (25: 14). لا تبدو خشية الربّ ملائمة إلا للضعفاء، لكن الربّ قوّة لمن يتقيه. واسم الربّ الممجد في المسكونة كلّها يُقوي الذين يتقونه. ولهم يُعلن عهده». يُعرفهم على عهده، لأنّ الأمم وأقطار الأرض ميراث المسيح.
15- «عيناي إلى الربّ في كل حين لأنّه يُخرِجُ من الشَّرك رجليَّ» (25: 15). لا أنظر إلى الأرض فلا أخشى مخاطرها، والذي أتأمل فيه يُخرجُ من الشبكة رجلي.
16- «إلتفت إلي وارحمني، فإنّي وحيد بائس» (25: 16). أنا ذلك الشعب الوحيد الذي أرعى روح التواضع في كنيستك الواحدة التي لا تعاني انشقاقا ولا هرطقة.
17- «اشتدت ضيقات قلبي» (25: 17): اشتدت نكبة قلبي إذ رأيت الإثم يعظم والمحبة تفتر. «أنقذني من شدائدي»: جنبني تلك الشدائد لأني كنت بحاجة إلى أن أتألم لكي أفوز بالخلاص بالصبر إلى المنتهى (مت 10: 22).
18– «أنظر إلى كدّي وإلى اتضاعي» (25: 18). ها أنذا أتذلّل، وكبرياء بري لا تطرحني خارج الوحدة؛ ها أنذا أكد لأحتمل الفاسدين الذين يُحيطون بي. واغفر خطاياي : أنظر إلى آلامي، وتضحياتي، واغفر خطاياي، لا خطايا صبائي وخطايا جهالتي قبل أن أؤمن بك فقط، بل أيضا تلك التي دفعني إلى اقترافها ضعفي وظلمات هذه الحياة، بعد أن سلكت درب الإيمان.
19- «وانظر كم كثر أعدائي» (25: 19) لا ألتقيهم في الخارج فقط، بل أيضًا في شركة الكنيسة . أبغضوني بغضة جور»: أبغضوني إذ كنت أحبهم.
20 – «إرع نفسي وأنقذني» (25: 20) : إحفظ نفسي، لئلا أقتدي بالأشرار، وأنقذني من الشدّة التي أعانيها بفعل اختلاطي بهم . «لا أخزَ فإني بك اعتصمت». لا تدعهم يقومون عليَّ ليُخزوني، لأنّي فيك، لا في، وضعت رجائي.
21 – «الأنقياء والمستقيمون تعلّقوا بي لأنّي إياك رجوت يا إلهي» (25: 21) القلوب النقية المستقيمة ليس متّحدة بي، كالأشرار، بالجسد فقط، بل بميلها إلى الطهارة والبرّ، لأني ما تخليت عنك لأقتدي بالأشرار ؛ بل رجوتك وما زلت أنتظرك، إلى أن تُمِرٌ بالمذراة آخر حصادِك .
22- «أللهم خلص إسرائيل من جميع مضائقه» (25: 22). افتد يا ربّ شعبك الذي أعددته لرؤية نورك. أنقذه، لا من جميع الشدائد الخارجيّة فقط، بل من تلك التي يعانيها في الداخل.